• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ما بين الوقاية والمسؤولية .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

ما بين الوقاية والمسؤولية

 إن الوقاية تُعد من أجلى مصاديق المسؤولية، وذلك لقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) سورة التحريم، الآية(6). 
فالنداء والخطاب كان للمؤمنين بما عليهم من مسؤولية ليهبوا من أجل وقاية انفسهم ومن ثم اهليهم من الأخطار الدنيوية والأخروية، ذلك لأن كل شخصٍ هو (راعٍ) وبالتالي هو (مسؤول عن رعيته).
إن المسؤوليات عموماً تتوزع في المجتمع على ثلاث مستويات أو كليات عامة هي: المسؤولية في المجال التعليمي، والمسؤولية في المجال الثقافي، والمسؤولية في المجال الصحي.
يجرنا الكلام عن (الوقاية) و(المسؤولية) إلى حقائق مهمة، واخطار محدقة بواقعنا العربي / الإسلامي، ذلك اننا وفي كثيرٍ من الأحيان ننطلق في المعالجات من واقع وتجارب وحلول غيرنا، ولا ننطلق من واقعنا ومن اساسياتنا ومن تراثنا، نعم لا إشكال في الاستفادة من (الغير) لكن هذا يكون بعد استنفاذ كل ما عندنا، لقد انفك ابنائنا عن تراثهم، وعن واقعهم، وعن اصولهم، وباتوا مقلدين (للغير) إلى درجة (التقليد الأعمى).
إن التحديات كبيرة، لذلك فلا بدّ ان تكون الحلول على مستوى تلك التحديات، لا بدّ من استنهاض (عربية العربي) واستنهاض (وطنيته) واستنهاض (عقيدته) و(دينه)، فالكل يعتز وينطلق من تراثه، فلماذا نفعل العكس يوماً بعد يوم إلى حد الابتعاد عن تراثنا، بل إلى تبني ما يسمى بـ(المشاريع) التي تُطبع ويُروج لها وهي تنتقد (العقل العربي) و(العقل الإسلامي).
اننا ان ابتعدنا عن (نظرية المؤامرات) قليلاً يمكننا تشخيص الداء بالقول: (انه خللاً منهجياً قد أدى إلى خللٍ معرفي)، بل نصل إلى تشخيص كارثة معرفية وصلت إلى تبني واقع غير واقعنا الحقيقي، ونتمنى ان نكون على قدر المسؤولية لنرتقي بواقعنا إلى الحد المرضي لنا أمام الله تعالى وأمام المجتمع وأمام التاريخ، ذلك ان التاريخ لا يرحم احداً ابداً.
إن القرآن الكريم قد رسم لنا الخطوط الصحيحة والتي ان اتبعناها سنحقق (الوقاية) للفرد وللمجتمع.
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ)).
فالنداء جاء للمؤمنين، وجاء أمراً، وبذلك تكون (وقاية) النفس والأهل واجب من الواجبات التي يحرم مخالفتها لما ستسببه تلك المخالفة من ضرر دنيوي وأخروي فادح.
كما وقال تعالى في محكم كتابه الكريم في تبيين خصلة اجتماعية مهمة، ان تحققت تحقق صلاح المجتمع. 
قال تعالى: ((وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى)) سورة البقرة، الآية(189).
وآيات أخرى كثيرة معضودة بأحاديث نبوية مباركة توضح دستور (المسؤولية) وأساسيات (الوقاية). فعلى المستوى المؤسساتي لا بدّ من الانطلاق مما هو موجود ومتوفر وفق الاساسيات (الدينية) و(الإنسانية) وان لا تقدم الحجج والتحججات حول مكر الاعداء وما شاكل ذلك ، ذلك ان من يريد الانطلاق لن يمنعه احد.
إن في المجال الديني هناك أوامر (عبادية) وأخرى (إرشادية)، فالعبادية؛ لا يمكن للفرد ان يكون مخيراً فيها بين العمل والترك، بينما في الإرشادية يمكنه ان يختار، مع ان عملها من مصلحته وهي جاءت لصالحه، وهنا تتحتم مسؤولية الدولة كدولة، ومسؤولية المؤسسة الدينية، ومسؤولية المؤسسة التعليمية، ومسؤولية المؤسسة الصحية.
إن المسؤولية الإرشادية ـ عموماً ـ لازمة على كل الأفراد من حيث التشريع والتطبيق، وذلك ان من واجب من يُعلم ان يُرشد الذي لا يَعلم، وواجب من يتوجه إليه الإرشاد ان يأخذ به.
ولو دققنا النظر لعلمنا ان المؤسسة التعليمية يتوجب عليها كل المسؤوليات آنفة الذكر من مسؤوليات تعليمية وثقافية وإرشادية، لأنها من يُعلم، ويُرشد، ويُثقف.
إن الدخول إلى موضوع (المسؤولية) ومن ثم مورد (الوقاية) و(الأمن) إسلامياً يحتاج إلى مدخلٍ أو توطئة تتعلق بمعرفة (المفاهيم والمصطلحات الشرعية)، ومن ثم وفي الموارد التشريعية (الأحكام) نحتاج إلى مقدمة خاصة تتعلق بـ(المفاهيم والمصطلحات القرآنية) وذلك لأهمية الموضوع من حيث المفهوم ومن ثم من حيث التداول، فهو من المواضيع المهمة جداً، وبالخصوص في عصرنا الحاضر، عصر التحديات والمواجهات، عصر (القوة الناعمة) التي تفوقت على جميع انواع (القوة الصلبة)، خصوصاً ان المستهدف فيها هو (المجتمع) عموماً، وشريحة (الشباب) خصوصاً، بل والعالم (العربي/ الإسلامي) أو في (العالم الثالث) كما يعبر البعض بشكلٍ أخص. 
إن المسؤولية تتحتم وقت الأزمات وتكون لازمة وواجبة أكثر من أي وقت، خصوصاً مع الأزمات التي هدفها اثارة الشبهات على العقيدة والدين، فهناك من يتصيد بالماء العكر، ويستغل كل شيء ليضرب الدين والعقيدة، بل يستغل حتى المرض والموت مع شديد الأسف، فلا يحترم عاطفة، ولا يقدر إنسانية، ولا يقف عند قانون.


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=142913
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20