• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (يحرّفون الكلم عن مواضعه). انتصارا للسيدة ايزابيل آشوري في بحثها قتيل شاطئ الفرات. .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

(يحرّفون الكلم عن مواضعه). انتصارا للسيدة ايزابيل آشوري في بحثها قتيل شاطئ الفرات.

 🔹 لعل اصعب ما يُعانيه الباحث في شؤون اليهودية والمسيحية هي طريقتهم في كتابة النصوص في التوراة والانجيل وذلك لكثرة الاقتباسات من كتب المؤرخين والقول انها جزء من الوحي وكذلك قيامهم ببعثرة فصول اي حدث تم تدوينه في التوراة والانجيل من أجل خدمة غرض معيّن. ليس الباحث المسلم يُعاني من ذلك بل حتى الباحثين المسيحيين يُعانون من ذلك والسبب أن التوراة والإنجيل اعتمدت اسلوب الاقتباس من المؤرخين والاساطير وتفريق النص (1) مع الاشارة إلى اصله في كتب جانبية مثل التلمود وكتب التفسير.

🔹 عندما كتبت السيدة إيزابيل بنيامين ماما آشوري بحثها حول (قتيل شاطئ الفرات) قرأ هذا البحث الملايين وتلاقفته مواقع التواصل الاجتماعي وناقشه علماء كبار ونال من الاهتمام الشيء الكثير، وقد تجاوزت فيه السيدة آشوري ما يُعانية الباحث من (بعثرة النص) وتفريقه على فصول أخرى في الكتاب المقدس وذلك من خلال جمع ما تفرق حول هذه النبوءة وصياغتها كأقرب ما يكون للعقل والمنطق. ولكن السيدة آشوري مع تبحرها وعلمها وقعت في مشكلة لملمة النص وجعله منسجما ومن هذه الثغرة دخل الكثير من علماء المسيحية ومتكلميها لنقد موضوع السيدة آشوري ومنهم المدعو وحيد في برنامج خاص ظهر فيه على الفضائيات وغيره من علماء المسيحية ولكنهم مع الامكانات الكبيرة لم يفلحوا وذلك لسببين .

🔹 الأول : انهم لم يجرأوا على بيان سبب هذه الفوضى في النص لانهم لو بيّنوا ذلك لاعترفوا ببعثرة النصوص من قبل رجال دينهم لاخفاء حقائق لو اطلع عليها القارئ المسيحي لأرتد عن دينه.

🔹 الثاني : أن وحيد ورشيد المغربي ، وسمير الماروني وغيرهم تعمدوا عدم الخوض في الذبيحة التي وردت في النص (للرب ذبيحة مقدسة عند شاطئ الفرات). فقد تحاشوا ذكر ذلك ، لأنهم عاجزون عن بيان من هي هذه الذبيحة المقدسة التي ستقع على شاطئ الفرات.

🔹 طرحت السيدة آشوري فكرة (بعثرة النص) واجادت في شرحها ولكنها لم توضّح المراد منه وكيف يتم بعثرة النص او جمعه من قبل علماء المسيحية، وانا هنا سوف اقوم بتوضيح ذلك خدمة لموضوعها (قتيل شاطئ الفرات).

🔹 لتقريب المعنى نقول : ان ارميا جمع مواد فصل الملوك الأول والثاني عن طريق لملمة ما ورد في بعض الوثائق التي كتبها مؤرخون قدماء زعم انهم عاينوا الحوادث وكتبوها ثم يقول بأنه اقتبس اخبار النبي اخزيا من سفر اخبار الملوك أي أنه لم يكن معاصرا للاحداث وانها لم تكن وحيا بل اقتباسا مما كتبه من سبقه حيث يقول إرميا : (وبقية أمور أخزيا التي عمل أما هي مكتوبة في سفرأخبار الايام لملوك إسرائيل).

🔹 إذن النص مبعثر بين سفرين. وقد أشار عزرا إلى أنه اقتبس من (أربعة عشر مصدرا) لم تكن من الوحي ابدا بل كانت (مبعثرة) بين الأسفار . ليجمع بذلك سفري اخبار الأيام الأول والثاني بما في ذلك سفر أخبار الأيام لداود ، وسفر الملوك ليهوذا وإسرائيل وهما ليسا كتبا مقدسة بل مما كتبه مؤرخي اليهود، وقد ذكر ذلك في سفر أخبار الأيام الأول فقال : (ولم يُدون العدد في سفر أخبار الأيام لدواد). اي أن ما نقله في سفر اخبار الايام الذي كتبه لم يكن مدونا حتى في سفر اخبار الايام لدواد.فمن أين جاء به؟ علما أن عزرا هذا لم يكن نبيا.ولكن مع ذلك فإن هذه النصوص دخلت التوراة وتم تبعثرتها فيها ثم قام عزرا بجمعها ، وهذا ما قامت به السيدة إيزابيل حيث انها وجدت نص نبوءة ذبيح شاطئ الفرات مبعثرة في عدت اسفار فقامت بلملمت النص وطرحه بالشكل الذي قرأناه في بحثها.

🔹 ولم يتوقف الأمر على إرمياء وعزرا بل أن نبي الله موسى أيضا اقتبس من كتاب (حروب الرب) وهو كتاب تاريخي يسرد فقط حروب اليهود وليس له علاقة بالوحي وهذا ما نقرأه في سفر العدد حيث يقول موسى : (لذلك يُقال في كتاب حروب الرب). (2) يُلاحظ قول موسى (لذلك يُقال). فموسى هنا غير متأكد من النص . هذه الاقتباسات اصبحت فيما بعد جزء من الوحي ولا تزال موجودة في التوراة والانجيل. النص الذي أخذه موسى كان مبعثر في كتاب (حروب الرب) فجمعه ولملم شمله ووضعه في سفر العدد ،وهذا ما فعلته إيزابيل في بحثها قتيل شاطئ الفرات.

🔹 والسؤال هو : لماذا يُعاب على إيزابيل لانها لملمت نصوص مبعثرة وجمعتها وفق طريقتها وخبرتها ووضعتها في بحث متكامل ، ولا تلومون أنبياء قاموا بذلك مثل النبي إرمياء والنبي عزرا ، والنبي موسى وكذلك من المتأخرين (بولص) الذي لملم انجيله من نصوص مبعثرة من إنجيل المسيح الحقيقي الذي ضاع والذي لربما اضاعه (بولص) لكي لا تظهر مبعثراته التي دسّها في إنجيله.

🔹 اما بالنسبة إلى نبوئة كربلاء التي جمعت السيدة إيزابيل ما تبعثر منها وذكرتها السيدة إيزابيل في بحثها لو أنها أشارت إلى ذلك في بحثها لألجمت منتقديها حجرا وهذه النصوص وردت مبعثرة في خمس فصول سأقوم بإيجازها :

🔹 فقد ذكر سفر إرمياء الاصحاح 46 : 6 ـ 10 وكذلك سفر إرميا 46: 2 الواقعة أو النبوءة ومقتل الذبيحة على شاطئ الفرات ولكنه لم يُبين اسباب وجود ذبيحة الله المقدسة بين الوثنيين ، ولكن بمراجعة نصوص أخرى تبين ان هدف هذا القتيل أو الذبيحة هو حسب نص إرمياء (ليُقيم سلطته عند نهر الفرات) وهو ما ذكره سفر صموئيل الثاني 8: 3 حيث يقول : ( ذهب ليرد سلطته عند نهر الفرات). ولا ندري سبب وجود وتكرار هذا النص في سفر أخبار الأيام الأول 18: 3 لماذا كرره كاتب السفر لا ندري حيث ورد فيه : ( ذهب ليقيم سلطته عند نهر الفرات).

🔹 ولكن الذي فضح عملية البعثرة هذه هي الاختلاف الذي ورد في النصين حيث يذكر في النص الأول أن الذبيح ( ذهب ليرد سلطته عند نهر الفرات) واما في النص الآخر فيقول : (ذهب ليُقيم سلطته عند نهر الفرات). وهناك فرق كبير بين (يردّ سلطته) ، وبين (يُقيم سلطته). والامام الحسين عليه السلام ذهب ليُقيم سلطته في الكوفة وهي سلطة أبيه واخيه التي سلبها معاوية وجعلها وراثة في عقبه ونكث العهد الذي قطعه للحسن في أنه إذا مات ـــ معاوية ـــ فإن الأمر يعود من بعد للحسن وإذا مات الحسن يعود للحسين عليه السلام ، ولكن معاوية نكث وسلّم الأمر إلى ابنه يزيد.

🔹 من كل ذلك نقول أن الذين انتقدوا السيدة آشوري كان عليهم انتقاد كتابهم المقدس الذي ابهم هذه النبوءة وبعثرها في اجزاء متفرقة وهذا نوع من أنواع التلاعب في كلام الوحي وتحريك النص عن مواضعه الحقيقية لخدمة هدف معيّن وقد اشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله : (يحرفون الكلم من بعد مواضعه). وفي آية أخرى يقول : (يحرّفون الكلم عن مواضعه). وهذا ما اشار له الكتاب المقدس عندما يقول (اليوم كله يُحرفون كلامي )(3) وفي اعتقادي ان سبب بعثرة النص في اسفار عدة هو ان المسيحية عجزت عن بيان من هو الذبيح المقدس الذي سوف يُقتل على شاطئ الفرات. ولذلك نرى منتقدي السيدة إيزابيل يقولون بأن هذا الذبيح سقط في معركة بين الوثنيين . والسؤال هو : متى كانت الذبائح الوثنية مقدسة عند الله ؟

🎈 المصادر:
1- طبعا الباحثة المسيحية إيزابيل بنيامين ماما آشوري قالت : بأن اي حدث يُشكل خطرا على اليهودية والمسيحية قام كبار الكهنة والقساوسة بتفريقه ضمن فصول التوراة والإنجيل وهذا ما يُطلق عليه (بعّثر النص) وهي قاعدة تخلق تشويشا لدى الباحث عندما يُريد ان يُحقق في قضية ما.وعندنا في الإسلام يجوز وضع نص ظاهريا لا علاقة له بما قبله او بعده كما ورد في سورة الأحزاب من آية 30 ــ 33 : ( يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيمطع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا . وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة ... إنما يُريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيرا . واذكرن ما يتلى في بيوتكن....). فالخطاب فجأة تحول من المؤنث إلى المذكر ثم رجع إلى المذكر. والحكمة في ذلك ان هذا النص لو بقى في مكانه لربما قامت الايادي الخبيثة بحذفه وتحريفه لانه يُعارض توجهات بعض الصحابة.
2- سفر العدد 21 : 14. هنا يعترف موسى بانه أخذ من كتاب حروب الرب ، وهو كتاب كتبه بعض المؤرخين اليهود عن حروب اليهود وكله مبالغات واكاذيب ذكرت بعضها في بحث : شمجر يقتل الف فلسطيني بضربة محراث ، وكذلك في بحث شمشون يقتل ألف روماني بفك حمار.
3- سورة المائدة 13. و41. وسفر المزامير ، المزمور 56 عدد 5.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=144322
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 05 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29