لا بأسَ من أَنَّ الغيارَى يُوظِّفون جهودَهم بموضوعيةٍ للدفاعِ عنِ الوطنِ ، وعن قادتِه الحقيقيين الذين همُّهم كرامةُ العراقيين ، وسلامةُ وطنِهم ، ورفعةُ شأنِهم ، وحَقْنُ دِمائِهم ، وإِنقاذِهم في منعطفاتِ الخطرِ ومُقاربةِ الانهيار.
ولستُ بمبالغٍ إِذاما جعلتُ السيدَ السيستانيَّ مثالًا لهذه الرعايةِ القياديةِ الروحيةِ التوجيهيةِ القوليةِ للعراقِ وللعراقيين كلِّهم على حدٍّ سواءٍ. ويُشرِّفُني أَنَّه مرجِعُ تقليدي الذي وجدتُه وأَجدُه مثالًا للزُّهدِ في زمنِ التهالُكِ على الأَناْ وحُطامِ الدنيا ، ورمزًا للوطنيةِ في زمنِ بيعِها وبيعِ الضمائرِ ، وقدوةً للتسامحِ والتغابي والتجاهلِ في زمنِ مَنْ يقتُلُ أُمَّةً إِذا ما انتُقِدَ بحقٍّ.
ولا يَخفَى على متبصِّرٍ أَنَّ المثلَ الأَعلى للسيدِ السيستانيِّ نفسِه جدَّه النبيَّ الأَكرمَ محمدًا (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) قد ذاق من أَقربِ أَقربائِه ، ومن عشيرتِه ، ومن أَبناءِ موطنِه ونشأتِه فضلًا عن أَعدائِه والمؤججين ضدَّه ولا سيَّما عُتاةِ اليهودِ الويلاتِ والآلامَ ، وشهِد منهمُ التوهينَ ، والتجريحَ ، والسُّخريَةَ ، والتكذيبَ ، والافتراءَ بـ(السحرِ والشعرِ والكهانةِ والجُنون) ، والحروبَ بآيةِ ما رُوِيَ عنِ النبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) من أَنه قال: ((ما أُوذِيَ نبيٌّ مثلَ ما أُوذِيتُ)) ، ولكنه تجاوزَ عنِ الانشغالِ بتُهَمِ الكفَّارِ وأَقاويلِهم ، واهتمَّ بالثباتِ الراسخِ على المبدأِ ، والمضِيِّ قُدُمًا لنشرِ الإِسلامِ والسلامِ بتعاليمِ السماءِ وأَوامرِ اللٰهِ تعالى لحياةِ البشرِ الكريمةِ الآمنةِ ، وعِمارةِ الأَرضِ الطيبةِ الضامنةِ. ولهذا المبدأِ قال تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيناكَ المُستَهزِئينَ﴾ [الحجر/٩٥] ، وقولِه تعالى: ﴿...فَسَيَكفيكَهُمُ اللٰهُ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾ [البقرة/١٣٧].
إِذًا لا وقوفَ للمرجعيةِ الرشيدةِ عن المُضِيِّ في القيادةِ الروحيةِ التوجيهيةِ الإِرشاديةِ للشعبِ والأُمةِ. وليس لِما يُثارُ بين الفَيْنةِ والأُخرى مِن (افتراءاتٍ ، واستفزازاتٍ ، وفِتَنٍ) مِن أَثرٍ في عزيمةِ القائدِ الحقيقيِّ الواثقِ باللـهِ يقينًا فضلًا عن ثقتِه بنفسِه ، وبإِيمانِه وإِنجازِه أَداءً.
ولعلَّ المتبصِّرَ في الكاريكاتور الذي نُشِر في صحيفةِ الشرقِ الأَوسطِ يجدُ أَنه لا يعني شيئًا لذوي العزيمةِ الإِيمانيةِ القياديةِ الرصينةِ أَولًا ، ولا صِلةَ له بالمرجعيةِ بعامةٍ ولا بالسيدِ السيستانيِّ بخاصةٍ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ ثانيًا ؛ فلماذا يُجَرُّ هذا (الرسمُ) عُنوةً وتزييفًا إِلى ساحةِ السيدِ (رعاه اللٰهُ بحفظِه) ؟! وهو الذي توثَّق لدى الرأيِ العامِّ (العالميِّ ، والعربيِّ ، والإِقليميِّ ، والمحليِّ) المخالفِ والمؤالفِ أَنَّه مرجِعٌ أَبٌ للجميعِ ، يدعو لترصينِ سيادةِ العراقِ ، ويدعو للدولةِ المدنيةِ ، ولا يُؤمنُ بالتطرفِ ، ولا يَرضى بمصادرةِ رأيِ الآخرِ.
صاحبُ المنشورِ يرى أَنَّ (الدِّينَ) ممثلًا بهذا الرسمِ للشخصِ (الكارتونيِّ) المُعمَّمِ هو الذي أَمات سيادةَ العراقِ بقطعِ روابطِها التي تتوثقُ بها. وهذا المفهومُ ليس بجديدٍ ؛ فالدِّينُ ورجالُه مُحارَبون مُذ كانوا وكان وعلى رأسِهِمُ الأَنبياءُ والمرسَلون.
ولو جاز لنا أَن نَفهَمَ من هذا الكاريكاتور - على رفضنا واستنكارِنا له ، وإِساءتِه - أَنه يُشيرُ إِلى السياسيين الفاسدين الذين سرقوا الدِّينَ بالتبرقُعِ بزِيِّه وعلامتِه الرئيسةِ (العمامة) ؛ فهل من خطأٍ في هذا الفَهْمِ ؟! هذا رأيي. وثمةَ آراءٌ. ولكلٍّ ما يَرى ويختارُ.
كلُّنا دِرْعٌ لمرجعيتِنا ردًّا لشيءٍ من وقوفِها درعًا لنا وللعراق.
م/ ١- وهنا أَسألُ شخصًا آخرَ: هل عرفتَ رأيَ السيد السيستاني (دام ظلُّه) وتوثَّقتَ منه ما موقفُه من رسمِ هذا الكاريكاتور ؟! وهل يرى هو أنه المقصودُ فيه ؟! فهو الذي تنازل عن حقِّه القانونيِّ وطلب إِلى قاضٍ في بابلَ خطيًّا أَنْ يُفرِجَ عن شخصٍ حكمَه بالسجنِ سنتَين بسببِ تجاوزِه على السيدِ (دام ظلُّه).
٢- لم ينتبِه ِ الرسَّامُ البائسُ ، ولا المحلِّلون إِلى نتيجةَ قطْعِ هذه السلسلةِ بمِقَصِّ الحديدِ ؛ فهي ستُؤدي إِلى سقوطِ القاطعِ وانتهائِه لأَنه يقفُ رسمًا بين وُصلةِ العربتَين. وهذا يعني أَنه رسمٌ غيرُ مُتقَنٍ ولا بذي تأثيرٍ عندما نستحضِرُ إِيحاءاتِ الكاريكاتور كلَّها جدلًا.
|