الحِياد في اللغة هو " عدَمُ الميْل إِلى أي طرفٍ من أَطرافِ الخُصومة" ، وفي السياسة الدولية هناك ما يُعرف بالحياد الإيجابي والذي يعني عدم الانحياز إلى كتلة من الكتل المتصارعة دولياً . أما الحياد السياسي فيعني " عدم الانحياز إلى كتلة سياسية من الكتل المتصارعة في الميدان السياسي " .
ما يعنينا في المقال هو الحياد الأخلاقي ، وهو خُلُق يُعد مقدمةً لبناء صفات أخلاقية أساسية مثل الإنصاف والمروءة والعدل .
الحياد أو الحيادية رقي أخلاقي ، وسمو روحي ورجحان عقلي يمنع تأثر القرارات والمواقف برواسب النفس والهوى والإرث القديم من الرين أو الزيغ أو الغل .
الحياد في النقد يجعل منه بناء وتقويم ، إذ مهما كان قاسياً فهو لا يجرح ، ومهما كان حاداً فهو لا يقطع بينك وبين من تنتقد . الحياد مؤهِّل من مؤهلّات النصح والإرشاد .
الحياد في التحليل تجعل منه رؤية ثاقبة ، لا تشوشها الميول ، ولا تزيغ بها الرواسب .
البعض يغضبه الحياد ويجادل في وجوده تحت ذريعة عدم وجود غير المنتمي حسب المقولة المشهورة ( اللامنتمي ينتمي إلى اللامنتمي ) ، لكن الحقيقة أن الحياد خلُق نادر عند أولئك الذين تربوا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم ، تربوا على ان لا يجرمنهم الشنآن على أن لايعدلوا ، تربوا على أن ينصفوا عدوهم من أنفسهم ، وما ذلك إلا تربية شاقة ، وشجاعة فائقة . الدولة اليوم بأمس الحاجة إلى أولئك وأقلامهم وصوتهم ، ونقدهم واعتراضهم ، إذ لا تُبنى الدولة ولا تُقَوّمُ التجربة ، ولا يُحسَّن الأداء إلا بهم ، أما أولئك الذين لا يستطيعون الانتصار على أنفسهم فيغلبهم الهوى فيميلوا لهذا الطرف أو ذاك تبعاً لمصالحهم وانتماءاتهم فلن يكونوا جديرين بالنصح أو النقد أو التوجيه ، لأنهم فقدوا احد أهم الأدوات لذلك وهي الحيادية . وأخطر ما في الأمر حين يُطلق العنان لأصحاب النوايا المبيتة والأجندات المشبوهة والرواسب الخبيثة ، فيتصدرون مشهد التحليل والتوجيه فلا يبثون إلا سموماً ولا يزرعون إلا سوءً . على المتلقي أن يفرق بين الاثنين وما ذلك بالصعب على ذي البصيرة والوعي ، قال تعالى : " وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ " صدق الله العلي العظيم .
|