شَهْرُ شَعْبانَ شهرٌ عظيمٌ عندَ الله تعالى ، وهو شهرُ النَّبِيِّ (ص) فقد وردَ عن الامامِ الكاظم (ع) عن آبائهِ (ع) عن رسولِ الله (ص) أَنَّهُ قالَ: ( شَعْبانُ شَهْري وشهرُ رَمضانَ شهرُ الله ) . وفي الدُّعاءِ المَأثورِ في كُلِّ يَوْمٍ من شهرِ شعبانَ : ( وَهذا شهرُ نَبِيِّكَ سيِّدِ رُسُلِكَ ، شعبانَ الذي حفَفتَهُ منكَ بالرحمةِ والرضوان). ورُوِيَ عن رسول الله (ص) في سببِ تسميتهِ بشعبانَ أَنَّهُ قالَ: ( وانما سُمِّيَ شعبانَ ؛ لأَنَّهُ يَتَشَعَبُ في أَرزاقِ المؤمنينَ).
في شهرِ شعبانَ ولاداتٌ لابطالِ كربلاء . ففي الثالث من الشهر ، ولد سيِّدُ الشهداء الامامُ الحسين (ع) ، وفي الرابع منه مولد ابي الفضل العباس (ع) ، وفي الخامس منه مولد الامام علي بن الحسين زين العابدين (ع) ، وفي الحادي عشر من هذا الشهر مولد علي الاكبر بن الحسين (ع) ، وفي الخامس عشر من هذا الشهر المبارك ولد الامام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه) .
لم تَحْدُثْ هذهِ الولاداتُ المباركة لهذه الشخصياتِ المُبارَكَةِ مصادفةً ، ولم تحتشد الولادات في هذا الشهر المبارك صدفةً ، ولم يخلُ هذا الشهر من الوَفِيّات صدفةً . لابد ان تكون هناك حِكَمٌ ودلالاتٌ وراء هذه الولادات في هذا الشهر الكريم ، احاول ان استجليها واتعرف عليها في هذا المقال المختصر.
من الدلالات التي استجليتُها ، هي ان هذه الشخصيات التي سَجَّلَت مواقفَ البطولة والاباء والشمم في كربلاء ، معركة الحق ضد الباطل ، هي شخصيات عظيمة وجليلة القدر لابد ان يكون هناك ظرفٌ زمانيٌّ يسعها ويتناسبُ مع جلالها وقدرها . وهكذا هي الاحداثُ الكبيرةُ تحتاجُ الى ظرفٍ يسعُها ، وهذا الظرفُ الزمانيُّ هو شهرُ شعبانَ بما لهُ من جلال وعظمة. ولتجلية هذه المسألَةِ ، اَضربُ لكم مثالاً بنزول القرآنِ الكريم ، نزول القرآنِ حدثٌ عظيمٌ يحتاج الى ظرفٍ زمانيٍّ يتناسب مع قدره وجلاله وعُلُوُّ منزلتهِ ، فكان هذا الظرفُ الزمانيُّ شهرَ رمضانَ، الذي هو أَفضلُ الشهورِ ، وكانت ليلةَ القدر التي هي خيرٌ من الفِ شهر .
شهر شعبان ظرفٌ لبطولةِ وشموخ هؤلاء الكبار العظام.
الدلالةُ الأُخرى لهذهِ الولادات المباركة ، هي ان كربلاء بوجهها المشرق الذي جسده ابطالها ، والذي ينضحُ قِيَماً وَاباءً وكرامةً وَنُبْلاً ، وبوجها الآخر الذي جسده المجرمونَ والقَتَلَةُ والذي ينضحُ لؤماً وخسةً ونذالَةً . كربلاء بوجهيها المشرق والدامي طغت على كل حديث ، فلم نسمع عن ابطالها الا البطولةَ والاستشهاد في كربلاء ولم تعرف الجماهير الشعبية الجوانب الاخرى من حياة ابطال كربلاء ، فكانت هذه الولادات في شعبان تعطي المتحدث والكاتب فسجةً ومجالاً للحديث عن مجالاتٍ اخرى في حياة هؤلاء الابطال .
ولادة العظماء البيولوجية تتبعها ولادات اممهم الروحية والحضارية ، فولادة النبي البيولوجية أَعقبها ولادة امة كانت قبل النبيّ (ص) قبائل متنازعة لايقيم لها أحَدٌ وزناً . وبعد ولادته ولدت امةٌ ولادةً حضارية . هناك ارتباط وثيق بين الرسول صلى الله عليه واله وسلم وبين الحسين عليه السلام . الرسول يقول : ( حسين مني وانا من حسين ) ، والمِنِّيََةُ لها دلالتها ، فالحسين (ع) من النبي مِنِّيّة بيولوجية ، منية اللحم والدم ، ومنيّة رساليّة ، منيّة خطٍ ومبادئ .
نوحٌ عليه السلام حين خاطبَ رَبَّهُ : ( {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) ،جاءه الجواب الآلهي :(قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) . والقران يتحدث عن ان اولى الناس بابراهيم من اتبعه لامن يحمل شعارات الانتماء اليه نسباً . يقول الله تعالى :
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ). ال عمران: الاية: (68). ابطال كربلاء ينتمون الى رسول الله (ص) انتماء نسب وانتماء خط وبعضهم ينتمي اليه انتماء خط والاولوية لانتماء الخط .
الامام الحسين عليه السلام والعباس وعلي الاكبر وزين العابدين عليهم السلام ، دافعو عن رسالة الرسول (ص) وفدوها بالمهج والدم الاحمر الفوار . ولولا الثورة الحسينية لنجح المشروع الاموي الانقلابي بالقضاء على قيم الرسالة.
وعلاقة الامام المهدي الذي نعتبره ايضاً من ابطال كربلاء ؛ لان مشروعه يتغذى من كربلاء ومن قيم عاشوراء ، وسيطلب ثأر ابي عبدالله الحسين عليه السلام . وهذا الثأر ليس ثأراً قبليّاً كما هو المتبادر من الثأر في الذهنيّة الشعبيّة ، بل هو ثأرٌ قيميٌّ ، هو ثأرٌ للقيم التي تجاوز عليها الامويون في كربلاء وانتهكوها . وَبَنو أُمَيَّةَ ليسوا اشخاصاً تأريخيين ، انتهَوا من مسرح التأريخ ، بل الأُمَوِيّةُ حالةٌ ومشروعٌ وخطٌ ، يتكررُ في كل زمانٍ ومكانٍ .هذه بعض الدلالات التي استجليتها في هذا المقال المختصر ، والمجال واسع في استجلاء دلالات اكثر.
|