ولكبح جماح ( الأنا ) و( الهوى ) ورد في النصوص الإسلامية تأكيد كثير على التضييق على النفس ( الهوى والأنا ) والتشدّد في التعامل معها وترويضها .
فإنّ النفس جموحة ، وكلّما أرسل الإنسان لها العنان يزداد جِماحها ، وكلّما يضيّق الإنسان عليها ويتشدِّد في التعامل معها تتعدّل ، وتنقاد وتنضبط .
والنصوص الإسلامية في ترويض النفس وتطويعها كثيرة . وهذه النصوص إذا جمعت ونظِّمت تتكوّن منها مدرسة كاملة في تهذيب النفس وتربيتها ، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : ( وإنّما هي نفس أروضها بالتقوى ؛ لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزالق ... ) . [3]
وترويض النفس في الحلال يمكِّن الإنسان منها في الحرام ، وإرسال العنان لها في الحلال يعجِّز صاحبها عنها في الحرام . يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( وايم الله يميناً ، أستثني فيها بمشيئة الله ، أروض نفسي رياضةً تهشُّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً ، وتقنع بالملح مأدوماً ... أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض ، ويأكل عليٌّ من زاده فيهجع ، قرّت إذاً عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهامِلة ، والسائمة المرعية ) .
إنّ السائمة تمتلئ من عشبها فتشبع ويشبع الإنسان من طعامه كما يحبّ ويشتهي فيشبع ، فماذا يكون الفرق بين هذا وذاك؟ وترسل السائمة لنفسها العنان فيما تشتهي ، ويرسل الإنسان لنفسه العنان فيما يُحب ، فبماذا يفترق هذا عن ذاك ؟ إنّ الفرق ـ في مدرسة عليّ (عليه السلام) ـ بين هذا وذاك : أنّ الإنسان يملك أزمّة نفسه فيما يحبُّ ويشتهي ، ويكفّها عمّا تحبّ وترغب ، ويتمكّن من نفسه ، وتنقاد له دون البهيمة .
ولكي تنقاد له نفسه فيما يأمرها ممّا تكرهه نفسه ، وتشقّ عليها ؛ كالجهاد ، والصيام ، يمنعها سؤلَها فيما تحبُّ كالطيبات المباحة . يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك ، في خُطبة المتّقين لهمام : ( إنّ استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب ) .
وهذا المنهج التربوي الذي يشرح الإمام أصوله وقوانينه لا يدخل في الحلال والحرام ، فليس يجب على الإنسان أن يمنع نفسه ممّا تحبّ من الحلال ، ولا يحرم على الإنسان أن يتمتع بما أحلّ الله من الحلال ، وهذا واضح ومؤكّد ، ولا نقاش فيه ، ولكن من يريد أن يمسك أزمّة نفسه ، ويلجمها في الحرام ، عليه أن يروّض نفسه ويقهرها ؛ ليتمكّن منها في الحرام .
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( امرؤ لجم نفسه بلجامها ، وزمّها بزمامها ، فأمسكها
|