ترويض النفس
الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ولكبح جماح ( الأنا ) و( الهوى ) ورد في النصوص الإسلامية تأكيد كثير على التضييق على النفس ( الهوى والأنا ) والتشدّد في التعامل معها وترويضها .
فإنّ النفس جموحة ، وكلّما أرسل الإنسان لها العنان يزداد جِماحها ، وكلّما يضيّق الإنسان عليها ويتشدِّد في التعامل معها تتعدّل ، وتنقاد وتنضبط .
والنصوص الإسلامية في ترويض النفس وتطويعها كثيرة . وهذه النصوص إذا جمعت ونظِّمت تتكوّن منها مدرسة كاملة في تهذيب النفس وتربيتها ، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : ( وإنّما هي نفس أروضها بالتقوى ؛ لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزالق ... ) . [3]
وترويض النفس في الحلال يمكِّن الإنسان منها في الحرام ، وإرسال العنان لها في الحلال يعجِّز صاحبها عنها في الحرام . يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( وايم الله يميناً ، أستثني فيها بمشيئة الله ، أروض نفسي رياضةً تهشُّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً ، وتقنع بالملح مأدوماً ... أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض ، ويأكل عليٌّ من زاده فيهجع ، قرّت إذاً عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهامِلة ، والسائمة المرعية ) .
إنّ السائمة تمتلئ من عشبها فتشبع ويشبع الإنسان من طعامه كما يحبّ ويشتهي فيشبع ، فماذا يكون الفرق بين هذا وذاك؟ وترسل السائمة لنفسها العنان فيما تشتهي ، ويرسل الإنسان لنفسه العنان فيما يُحب ، فبماذا يفترق هذا عن ذاك ؟ إنّ الفرق ـ في مدرسة عليّ (عليه السلام) ـ بين هذا وذاك : أنّ الإنسان يملك أزمّة نفسه فيما يحبُّ ويشتهي ، ويكفّها عمّا تحبّ وترغب ، ويتمكّن من نفسه ، وتنقاد له دون البهيمة .
ولكي تنقاد له نفسه فيما يأمرها ممّا تكرهه نفسه ، وتشقّ عليها ؛ كالجهاد ، والصيام ، يمنعها سؤلَها فيما تحبُّ كالطيبات المباحة . يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك ، في خُطبة المتّقين لهمام : ( إنّ استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب ) .
وهذا المنهج التربوي الذي يشرح الإمام أصوله وقوانينه لا يدخل في الحلال والحرام ، فليس يجب على الإنسان أن يمنع نفسه ممّا تحبّ من الحلال ، ولا يحرم على الإنسان أن يتمتع بما أحلّ الله من الحلال ، وهذا واضح ومؤكّد ، ولا نقاش فيه ، ولكن من يريد أن يمسك أزمّة نفسه ، ويلجمها في الحرام ، عليه أن يروّض نفسه ويقهرها ؛ ليتمكّن منها في الحرام .
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( امرؤ لجم نفسه بلجامها ، وزمّها بزمامها ، فأمسكها
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat