• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قنوات الحكمة.. بين الاعجاز والتفسير .
                          • الكاتب : فاطمة محمود الحسيني .

قنوات الحكمة.. بين الاعجاز والتفسير

  يختلف حكم الناظرين في الأمر الواحد لاختلاف الصفات والخواص والأغراض التي هي منطلقات مداركهم، ومتعلق ادراك طائفة اخرى، اختلف تعريفهم لذلك الأمر الواحد، وتحديدهم له، وكون المدرك هو الفكر قوة جزئية من بعض قوى الروح الانساني، يرى ابن سينا انه ليس في قدرة البشر الوقوف على حقائق الأشياء بل غاية الانسان أن يدرك خواص الاشياء، بيان قصور القوة الانسانية من حيث فكرها عن ادراك حقائق الاشياء.

 يقول النبي (ص): ((ما ظل قوم بلا هدى الا اوتوا الجدل)) وقال الله تعالى لرسوله الكريم: ((وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)) {الكهف/29}، ولم يأمره بالمعجزة واظهار الحجة مع وجود تمكنه.
 الاحكام النظرية تختلف بحسب تفاوت مدارك اربابها، والمدارك تابعة لتوجهات، وهذه التوجهات تابعة لاختلاف في العقائد والامزجة، امور مثيرة يعشقها أهل الفكر واختلف اهل العقل النظري بأفكارهم فصار الصواب هنا خطأ هناك، فالحق عندهم يتبع الاستحسان والترجيح وهناك بعض الامور لا نمتلك لها براهين على صحتها مع انها حقيقة نؤمن بها.
 وهناك امور كثيرة قررت بالبراهين وجزم بصحتها، فظنوها براهين جلية وعلوما يقينية، بعد مدة ادركوا خلل بعض المقدمات ما يوهم تلك البراهين ويزيفها، وحتى القادمون لهم رؤيتهم لوجود التفاوت اصلا، فقد تظهر حقائق ما، ثم تظهر ادلة تزيفها بعد الزمان مع خفاء العيب عن المتأملين بها، ولولا الغلط والتصحيح ضمن المدركات لم يقع بين اهل العلم خلاف في الاديان او المذاهب.
 هناك اختلاف في الحاجة الى القانون او الاستغناء عنه؛ لأن الفطرة السليمة كافية في اكتساب العلوم معنية عن القانون، واستعفار الافق عنه لا ينافي احتجاج الغير اليه، القانون ينقسم الى ضروري ونظري، واهل الاذواق ومذهبهم حيث يقولون: إن العلم الصحيح موهوب غير مكتسب، واما المتحصل لنا بطريق التلقي لاريب فيه.
 العلم اليقيني انفتح لأهل العلم والبصائر والعقول السليمة ان يحصل المعرفة بطريقين، طريق البرهان بالنظر والاستدلال وطريق الالتجاء الى الحق، التوجه الى الحق بالافتقار التام وتفريغ القلب من سائر التعلقات الكونية والعلوم والقوانين، فيظن انه بلغ الغاية واحاط علما بتلك الحقيقة وهو لم يعرفها الا من وجه واحد ويبحث لطلب المعرفة تلك الحقيقة فيسعى لتحصيلها وينتهي الى الصفة الاخرى فيعرف الحقيقة من وجه آخر، يحكم على الحقيقة بما تقتضيه تلك الصفة، بحسب الصفة التي كانت تنهي معرفة من تلك الحقيقة ويحكم بما تقتضيه الصفة وذلك الوجه زاعما انه قد عرف كنه الحقيقة التي قصد معرفتها، هو غالط بنفس الامر، وهكذا الثالث والرابع فصاعدا.
 ويختلف حكم الناظرين في الامر الواحد لاختلاف الصفات والاعراض، هي متعلقات مداركهم ومبناها من ذلك الامر الذي قصدوا معرفة كنهه، والمعرفة متعلق ادراك يخالف متعلق ادراك آخر، القوة الفكرية صفة من صفات الروح، وخاصة من خواصه، ادركت صفة مثلها، القوى الروحانية عند المحققين لا تغاير الروح، سر الجهل بحقيقة الله تعالى فاذا شاء الله ان يطلع على هذا الامر بعض عباده عرفهم أولاً سر نعت ذاته المغيبة عن العالمين بالألوهية، نعت الالوهية بالوحدانية الثابتة عقلاً وشرعاً، عرفهم ان لكل موجود صفات خاصة به حقيقة لا تفارق الموصوف.

علي الخباز, [٢٠/٠٥/٢٠٢٢ ٠٧:٣٥ م]
الالوهية نسبة والمعلومية نسبة والتوحد الالهي نسبة وعند التجلي المعقول توحدت احكام الصفات المراتب، وأول ما يشرق نور التجلي تشرق الوحدانية ان اختص بالاسم الظاهر له رؤية الحق في كل شيء، يظهر له سر حكمة التوحيد، والاسم الباطن ادراك عالم الغيبيات، وهناك مدرك بين الغيب والشهادة، فاز بالجمع بين الحسنين، وتتفرع جداوله بين التبحر والتوحد، من مراتب صفاته الروحانية وسبل من مراتب قواه الطبيعية، فقبول لسان اسم الحق، لمن الملك اليوم؟ أجاب الحق نفسه بنفسه فقال:ـ لله الواحد القهار، بقوله: ان الله قال على لسان عبده: (سمع الله لمن حمده) ثم يقول مرتبة اسم الله: (الله لا اله الا هو له الأسماء الحسنى) كل صفة وقوة من صفات العبد وقوا أسماء من أسماء الحق، لا تسأل الأيام ما اسمي؟ وما درت وأين مكاني؟ ما دريت مكاني، لأن التنزه عن الكيف والأين في مقام العزة والصون، ثم يتلى عليه من الإشارات، بلسان الحال قوله تعالى: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا)) {الفرقان/23} وهي الأحكام الكونية، نسبة الفعل جعلناه هباء منثورا، وأصحاب الجنة هم اهل الستر الإلهي الغيبي المشار اليه ((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)) {الفرقان/24} واي مقيل ومستقر خير واحسن من الثبوت في غيب الذات، وستره والتحرر من عبودية الاكوان والاغبار ثم قال: ((وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا)) {الفرقان/25}، فالسماء مرتبة العلو، والعلو من ترتب حينئذ حكم الآية ((الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)) {الفرقان/26}.
ثم يعلم ما شاء الحق ان يعلمه به من الأسماء والحقائق المجردة، بصفة وحدانية نزيهة فيكون علمه بحقائق الأشياء الحاصلة لدى التجلي، ثم يدرك احكام تلك الحقائق وخواصها وسر ذلك ان الانسان برزخ بين الحضرة الإلهية والكونية، والمدارك الفكرية والاطلاعات النظرية وغير النظرية التي لا تتعدى الصفات والخواص واللوازم فيعرف غاية ما ادرك كل مفكر بفكره، ويعرف سبب تخطئة الناظرين بعضهم بعضا، ويعرف مراتب الذائقين، وهذا حال المتمكنين في علمهم الموهوب، ولم يقع بين الرسل والانبياء والكمّل من الاولياء خلاف في أصول مأخذهم، وما بينوه من احكام الحضرات الاصلية الإلهية، وما نقل من خلاف فهو في جزيئات الأمور لكونها تابعة لأحوال المكلفين وازمانهم وما اقتضته مصالحهم، فتعيين الاحكام الإلهية في كل زمن بواسطة رسول ذلك الزمان بما هو الانفع لأهله، حسب ما يستدعيه استعدادهم وحالهم واهليتهم وموطنهم، واما هم فيما بينهم (عليهم السلام) فيما يخبرون به عن الحق مما عدا الاحكام الجزئية، المشار اليه متفقون، وكل نبي يصدق الذي تقدمه زمانيا، لاتحاد أصل مأخذهم، وصفاء محلهم حال التلقي من الحق عن احكام العلوم المكتسبة.
1- الغيب المطلق، إشارة الى ذات الله سبحانه تعالى هو النور المحض. 
2- البرزخ الأول، أول مرتبة الشهادة بالنسبة الى الغيب المطلق محل نفوذ الاقتدار، والطبيعي كل ما للطبيعة فيه حكم، والعنصري ويقصد المتكون من عناصر النار والهواء والماء والتراب، والسماوات السبع وما فيها عند اهل الذوق هي العناصر، وما يقع في سر الامر هو الشروع في الكلام على اسرار (بسم الله الرحمن الرحيم) لنصل الى اسرار علم التحقيق.
 الغيب المطلق: ولا يتعين له مرتبة ولا اسم ولا نعت ولا صفة. 
 العلم: هو عين النور لا يدرك شيء الا به، ولا يوجد امر بدونه.
المعرف للعلم اما جاهل بسره او عارف بقصد التنبيه من حيث بعض صفاته، لا التعريف التام له.

علي الخباز, [٢٠/٠٥/٢٠٢٢ ٠٧:٣٥ م]
التعريف التنبيهي: سر هو كون المعرف العارف، يعرف بحكم من احكام العلم، صفة من صفاته فيكون العذر الحاصل من المعرفة بالعلم انما حصل به لا بغيره، فيكون الشيء هو المعرف نفسه، ولكن لا من حيث أحديته بل من حيث نسبه، وهذا هو سر الادلة والتعريفات والتأثيرات ومن هذا السر ينبه الفطن قبل تحققه بالمكاشفات الالهية (لا يعرف الله الا الله) التجلي في الاحدية محال مع اتفاقهم على احدية الحق ودوام تجليه لمن شاء من عباده، سواء كان المتجلي له واحدا أو اكثر من واحد، الظاهر من الموجودات تعيينات نسب العلم الذي هو النور المحض، وتخصص بحسب حكم الاعيان الثابتة ثم انصبغت الاعيان بحسب مراتبها التي هي الاسماء فظهرت به، فمتى حصل تجل ذاتي غيبي لأحد من الوجه الخاص برفع احكام الوسائط فانه يقهرـ بأحديته احكام الاصباغ العينية الكونية، المسماة حجبا نورية ان كانت احكام الروحانيات، وحجبا ظلماتية ان كانت احكام الموجودات الطبيعية والجسمانيات، فاذا قهرها هذا التجلي اتحدت احكام الأحديات المذكورة من قبل في الاصل الجامع لها، ارتفعت موجبات التغاير بظهور حكم اتحاد الاحكام المتفرعة من (الواحد الأحد)، سقطت احكام النسب التفضيلية والاعتبارات الكونية بشروق اسم الاحدية فالعالم محصور في مرتبتي الخلق، والامر، عالم الخلق فرع وتابع لعالم الامر ((والله غالب على امره)).
 فاذا ظهرت العلية الإلهية في من لم يكن له وجود حقيقي، وهي النسب الحادثة الامكانية، بقي من لم يزل وهو الحق فظهر حكم العلم الالهي وخاصيته بالحال الازلي، الموصوفة بواسطة التجلي النوري بالعلم المدرك ما شاء الله ان يطلعها عليه في حضرة العلم اللدني، ولهذا العلم الذي هو نور الهوية، نسبة ظاهرة، ونسبة باطنة، فالصور هي تفاصيل النسبة ظاهرة ونسبة باطنة، الصور الوجودية المشهودة هي تفاصيل النسبة الظاهرة، والنسبة الباطنة، هي معنى النور ومعنى الوجود الطاهر وروحه المرجع للمعلومات المعنوية والحقائق، فظاهر العلم صورة النور وبطنه معنى النور، وقد اخبر الحق سبحانه انه نور السماوات والارض، ثم ذكر الامثلة والتفاصيل.
 وقال في آخر الآية ((نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء)) اضاف النور الى نفسه مع انه عين النور وجعل نوره هاديا الى معرفة نوره المطلق ودالا عليه، كما جعل الصباح والمشكاة والشجرة وغيرها من الامثال هاديا الى نوره المفيد وتجلياته المتعينة في مراتب ظاهرة والرحمة التامة عند من تحقق بالذوق الالهي والكشف العلمي والنعوت اللازمة للعلم من قدم وحدوث وفعل وانفعال وبداهة واكتساب وتصور وتصديق وضرر ومنفعة وغير ذلك ليست عين العلم من حيث هو هو، بل هي احكام العلم وخواصه، فما لا يعقل حكم الاولية فيه من المراتب، ولا يدرك بدؤه ويشهد منه صدقه اثر العلم وحكمه، يوصف ويضاف اليه بنسبة القدم.
 وحكم العالم فيما ينزل عن الدرجة المذكورة ينعت بالحدوث، وما لا يتوقف حصوله على شيء يكون علما فعليا، وما خالف هذا الوصف وقابله كان علما انفعاليا، العلم الذي لا واسطة فيه بين العبد وربه ولا تعمل في تحصيله فهو العلم الموهوب، والعلم الحاصل بالتعلم، هو المكتسب ويعلق العلم بالممكنات من حيث امكانها يسمى بالعلم الكوني، وما ليس كذلك فهو العلم الصحيح، هو النور الكاشف عند المحققين من اهل الله وخاصة التجلي الإلهي في حضرة نور ذاته، من العلم هو المعرفة وحدته في مرتبة الغيب، يطلع الشاهد، الموصوف بالعلم بعد الشاهدة بنور ربه على العلم والمرتبة وحدية بصفة وحده، لا ينقسم العهد الى تصور وتصديق كما عند الجمهور تصور فقط، يدرك حقيقة التصور والمتصور، والاسناد والسبق والمسبوقية وسائر الخلق مجردة في آن واحد، بشهود غير مكيف وصفة وحدانية، ولا تفاوت حينئذ بين التصور والتصديق، اذا عاد الى عالم التركيب وتخطيه وحضر مع احكام هذا المرض يستحضر تقدم التصور على التصديق بالنسبة الى التعقل الذهني، في حضرة العلم البسيط المجرد، فانه انما يدرك هناك حقائق الاشياء فيرى احكامها وصفاتها، فهي مجاورة لها ومماثلة، ولما كان الانسان وكل موصوف بالعلم من الحقائق لا يمكنه ان يفعل لتقيده امرا مقيدا تميز به، صار التجلي الالهي وان لم يكن من عالم العارف عن مرتبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(القناة/ اعجاز البيان في تفسير أم القرآن - أبو المعالي محمد بن إسحاق القونوي)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=168785
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28