إهتم اصحاب التحليل السياسي والمراقبين بتصريحات كيسنجر الاخيرة في صحيفة الصنداي تايمز (( ان احداثا كبيرة قادمة في الشرق الاوسط وآسيا )) ووسائل الاعلام العالمية ترجمت اللقاء بعدة لغات، وأعادت نشره في دول كثيرة لأهميته وأهمية الشخص المتحدث. تأتي اهمية الحديث هو توقيت المقابلة بالتزامن مع الاحداث الحالية ، وما يقوله كيسنجر يعني هو طريق الاحداث القادمة لأنه كما يعبر بإنه رجل مهووس بالمنطقة ويتابع احداثها ،وهو الذي يقف على اكبر عملية اختراق في المنطقة في السبعينات عندما مهد لحرب اكتوبر واخرج مصر من دائرة الصراع الاسرائيلي واوصلها الى اتفاقات كامب ديفيد
من الطبيعي جدا ان محيط العراق هو في دائرة الصراع المرتقب (الاسرائيلي- السوري _اللبناني- الايراني) فضلا عن تداعيات نتائج الحرب -الروسية الاوكرانية- ومتغييراتها في آسيا والشرق الاوسط وكذلك تداعيات ما ضرب العالم من تضخم وازمات اقتصادية وازمات مؤجلة منها ازمات جيوسياسية وازمات السيطرة على النفط والغاز .
وباتت منطقة الخليج ضمن دائرة الاعصار السياسي المتأزم وتأثير بيع النفط واتساع المعسكر الذي يرغب بالمواجهة مع ايران ،و يعتبر العراق محورا استراتيجيا في المنطقة وهذه الرؤية افصح عنها كيسنجر في فترة حكم اوباما ((لا تنسوا العراق )) داعيا الى إحداث توازن استراتيجي بين العراق وايران وان هذا التوازن هو الذي يؤثر على استقرار المنطقة
اما على المستوى المحلي فإن العراق في حالة توتّر وطريق مجهول لم تتضح معالمه بعد ، فإن انسحاب السيد الصدر من مجلس النواب هو بمثابة صدمة وانسداد حقيقي لا احد يتكهن بما تؤول اليه الاحداث والاصطفافات السياسية بعده ، والذي نستطيع قراءته من خلال المعطيات الموجودة ان هذا القرار لم يأتِ كردّة فعل مُفاجئة وانما خضع لقراءة احداث عالمية وإقليمية في المنطقة قد تكون الحكومة الوليدة في مهب ريح الازمات فتتحمّل ذلك الاعصار الذي يبعثر اشلاءها دون الوصول الى تحقيق برنامجها ومشروعها السياسي
استطاع الصدر ان يدقّ آخر بسمار في مشروع الحكومات التوافقية التي تتطلع اليها دول المنطقة وتدفع بهذا الاتجاه قد سلب منها رداء الشرعية السياسية والاجتماعية ،فصارت من الولادات المشوهة التي ستسبب حالة انفجار وغضب شعبي اذا ما اتجهت الكتل بهذا الاتجاه ،فضلا عن هذه الكتل في خانة الخسارة والرفض الشعبي مسبقا
فقد دشّن مشروعا سياسيا عراقيا ينتظر لحظة ولادته او وقت اكتمال النمو وان الاسراع بولادته في ظل هذه الاوضاع قد لا يرى النور ،الا حين اكتمال الظروف وإيجاد الرغبة الحقيقية لهذا المشروع ،فإن الصدر يدرك ان عامل التأثير الاقليمي سببا مباشرة في تأخير تلك الولادة واذا ما حصلت ضمانات دولية ببإهاء المشروع التوافقي ورفع اليد عن هذه القوى التي تعتاش على التوافق فإن انطلاقته تكون جاهزة سواء بإنتخابات جديدة او بتشكيل حكومة جديدة تحت دعم المجتمع الدولي بإعتبار الكتلة الفائزة الاكبر هي التي تعطي الشرعية للنظام السياسي
|