لقد وضع الإِمامُ عليٌّ (عليهِ السلامُ) خارطةَ طريقٍ لمالكٍ الأَشترِ (رضِي اللٰهُ عنه) بعهدِه الذي أَمرَه به عندما ولَّاهُ على مِصرَ وشعبِها ، جاء فيه ما يجبُ لنا الآنَ في العراقِ مِن قرارٍ (على القاضي والوالي القانونيِّ اتخاذُه) حقنًا للدماءِ ؛ فما قيمةُ الحياةِ والأَنفُسُ تُزهَقُ ؟!
((ولْيكُنْ أَحبَّ الأُمورِ إِليكَ أَوسَطُها في الحقِّ ، وأَعمُّها في العدلِ ، وأَجمعُها لِرضا الرعِيَّةِ ؛ فإِنَّ سُخْطَ العامَّةِ يُجحِفُ برضا الخاصَّةِ ، وإِنَّ سُخْطَ الخاصَّةِ يُغتَفَرُ مع رضا العامَّةِ. وليسَ أَحَدٌ مِنَ الرعِيَّةِ أَثقلَ على الوالِي مَؤُونةً في الرخَاءِ ، وأَقلَّ مَعونةً له في البلاءِ ، وأَكرهَ للإِنصافِ ، وأَسأَلَ بالإِلحافِ ، وأَقلَّ شُكرًا عندَ الإِعطاءِ ، وأَبطأَ عُذرًا عندَ المَنعِ ، وأَضعفَ صَبرًا عندَ مُلِمَّاتِ الدَّهرِ مِن أَهلِ الخاصَّةِ. وإِنَّما عِمادُ الدِّينِ ، وجِمَاعُ المسلِمينَ ، والعُدَّةُ للأَعداءِ العامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ ؛ فلْيَكُنْ صِغْوُكَ لهُم ومَيلُكَ معهُم)).
فليس مِن الحِكمةِ التزمُّتُ بالرأيِ الطرَفِيِّ المتفرِّدِ الذي يُريدُه الحاكمُ وجمهورُه (خاصتُه) ، بلِ الحِكمةُ بالرأيِ الوسطِيِّ العادلِ للأَطرافِ المختلِفةِ ، المقبولِ الذي ترضاهُ الرعيةُ (العامَّةُ) ، ويكونُ في صالحِها.
وإِذا كان رأيُ الشعبِ يُصادرُ رأيَ (الحاكمِ ، وجمهورِه الخاصِّ) ؛ فالأَوْلَى تغليبُ رأيِ الشعبِ وإِنِ استاءَ (الحاكمُ ، وجمهورُه الخاصُّ).
إِنَّ أَكثرَ الناسِ خطَرًا على القاضي ووليِّ الأَمرِ خاصَّةُ (الحاكمِ) أَي جمهورُه. وإِنَّ أَكثرَ الناسِ مؤازرةً لوليِّ الأَمرِ عامةُ الشعبِ.
النتيجةُ أَنَّ ميلَ القضاءِ - بإِقرارِ الأَمرِ الوسطيِّ ، العادلِ ، المُرضِي للشعبِ ، أَو لغالبيتِه ، لا إِلى فئةٍ خاصةٍ على حسابِ العامةِ - هو الذي يُباركُ اللٰهُ تعالى له ؛ لأَنه الأَدعى استقرارًا ، وبخلافِه يقعُ الهَلاكُ الذي يأتي عقوبةً مِن اللٰهِ تعالى.
هذا أَمرُ الإِمامِ عليٍّ (عليهِ السلامُ) لمَن يَّـنتمي إِليه ؛ فمَن رغِب عنه فهو عدوُّ إِمامِه (عليهِ السلامُ) ؛ ولا كرامةَ لعدوِّ إِمامِ العدالةِ والإِنسانيةِ.