كتبتُ مرات ، وكتب غيري مئات المرات ، وها انا اكرر الكتابة ، فأقول لإدارات الفضائيات ، رحمة بمشاهدي التلفزيون ، ولاسيما الساعة الثامنة مساء ، وتحديدا بعد الساعة التاسعة ، حيث تنهال سيل برامج تحت ما يسمى (البرامج الحوارية ) بعناوين متعددة ، ومضمون وشكل واسلوب واحد ، وهي بعيدة عن الحوار المنطقي والفكري والديمقراطي ، وملآى بالمحدودية والمحسوبية ، هدفها السياسي واضح من خلال متحدثين باتوا ضيوفا دائمين ، فنجد افواههم تنطق بما تهوى هذه القناة ، او تلك ، وبات المشاهد يدرك ما يقولونه مسبقا ، وهي مفردات حفظناها مرغمين ، والغريب ان القنوات الفضائية تعتقد ان هذه ( الحوارات ) تحظى مشاهدة عالية ، لكنها لو عملت استفتاءً ، فستجد ان ( معظم ) هذه البرامج ، لا يشاهدها سوى عوائل من يتحدثون ، ومن موظفي القناة ذاتها ، واصحابها من احزاب وشخصيات !
لقد تعب المواطن ، فعينوه ببرامج تريح نفسيته ، وتبعده عن معارك السياسة ، وصراعات القوى التي تمثل هذه الجهة او تلك ، لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى ولم يبق في قوس الصبر منزع .
ان التوجه الى برامج غنية بمضمون راق ، سريعة الهضم من قبل المواطن ، الذي يقضي يومه متعبا من اجل لقمة العيش ، ومعاركة الوقت من اجل عودته الى بيته ، في منغصات زحمة السير وتقاطعات الطرق ، وغبار الشوارع ، اصبح مطلبا مجتمعيا .. فهل نجد صدى لهذا المطلب ، فنريح ونستريح ..
قد تبدو سطوري هذه قاسية ، حيث جاءت بالتعميم ، لكن ( لو خليت قلبت ) فهناك برامج حوارية رصينة ، يختار مقدموها شخصيات لها ثقلها المعرفي ، بعيدة عن التكرار ، ووجوه وافكار تغني المواطن بأحاديث ورؤى منطقية ، وتشعره بالسرور ، وتسري في فؤاده الامل ، وتجعل الانشراح يملأ جنانه ، وبنشاط يدب في كيانه ..
فلنرفع شعار ( لا للتكرار) فهل يعقل ان نشاهد شخصية تظهر ثلاث مرات في ثلاث فضائيات في وقت واحد ، فيما نقرأ على كل تلك الشاشات عبارة ( مباشر) فأي مباشر هذا ؟؟
ان تقديم برامج سياسية متنوعة ، بعيدة عن زرع الضغينة في المجتمع ، والابتعاد عن الشخصنة ، اصبحت من احلام المواطن البسيط ، وهي احلام تمثل نسمة الروح ، وجوهر الحياة التي يخفق لها قلب الانسان ، فلا انفصام بين حوار هادف ورغيف الخبز ، فالعيش دون حوار نقي ، عيش جامد ، تشيع فيه الكآبة ، فهو للوجدان غذاء ، وللنفس شفاء وللروح رحيق ، وهو جذوة المشاعر الكريمة والنزعات السامية .. ما قيمة الانسان اذا لم يتهيأ لإحساس مرهف ، وخيال ابيض وذوق رفيع ..
ارجوكم ، لا تجعلوا المواطن يهرب من الشاشات العراقية ، بحثا عن واحة ظليلة في قنوات عربية واجنبية ، فيها ما يرغب ..
|