وكما أن الحجر الأسود يُمثّل الصندوق الأسود الذي خُزنت فيه أسرار الخلائق في النشأة السابقة ، من عهود ومواثيق ، فإنه كذلك في هذه النشأة يقوم بدور حفظ وتسجيل مَن وافاه وجدّد معه البيعة والميثاق .. وسيعطى للحجر الأسود في يوم القيامة دور الشاهد بعد أن يتم تفريغ البيانات منه - إذا صح القول - وكأن ثمّة مقارنة ستحصل بين الوعد السابق ومستوى الوفاء والأداء اللاحق ..فعن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : استلموا الركن فإنه يمين الله في خلقه ، يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الرجل ، يشهد لمن استلمه بالموافاة ) . وعن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : ( إن للحجر لساناً ذلقاً يوم القيامة يشهد لمن وافاه بالموافاة ) .
وفي الوقت الذي يكون فيه الحجر الأسود سجلّاً لبدايات خلق الإنسان وسيكون من سجلات معاده ايضا ، فإنه ينتقل بنا الذهن الى حلقة الطواف التي يؤديها الحاج في الكعبة المشرّفة والتي يبدأ بها أيضاً من الركن الذي فيه الحجر الأسود وينتهي بهذا الركن المبارك ، وكأنه يحكي قصة حياته ، من المبدأ وحتى المعاد .. هذه الرحلة التي أريد لها أن تكون دورانية تكاملية ، لها مركز ولها غاية .. قال تعالى ( إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ ) يونس ٤.
استحضار هذه المعاني للطائف من الأهمية بمكان ، فوعيها وإدراك أبعادها تجعله يعيش في أجواء أخرى ويطوف حول البيت ويستلم الحجر الأسود بروحٍ ثانية تتجاوز المسجد الحرام وتجعله سابحاً في أوسع دائرة ممكن أن يصل اليها التفكير البشري في هذا الوجود .. يتبع