• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الزواجُ رؤيَةٌ شرعيَّة مُمَنهَجة .
                          • الكاتب : مرتضى علي الحلي .

الزواجُ رؤيَةٌ شرعيَّة مُمَنهَجة

 بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
 إنَّ مفهوم الزواج يُمثِّل في حد ذاته عُلقة مُقدَّسة وشركة حقيقية بين الزوجين
إذ به ينحفظ النوع البشري وجوداً وبقاءاً .
و ينوجد الإستقرار النفسي والذهني والسلوكي عند الزوجين.
لذا حثَّ عليه الشرعُ الإسلامي الحكيم والسنّة الشريفة 
قال اللهُ تعالى:
{وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }النور32
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21
و روي أنَّ رسول الله:صلى الله عليه وآله وسلّم:
قال :
: النكاح سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني ، وتزوجوا فإنِّي مُكاثرٌ بكم الأمم:
:كنز العمال: المتقي الهندي:ج16:ص272.
وعن الإمام محمد الباقر :عليه السلام: أنه قال
قال رسول الله:صلى الله عليه وآله وسلّم:
: ما بُنيَ بناءٌ في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج :
: وسائل الشيعة :الحر العاملي :ج20:ص14.
:مُعطيات الزواج حياتياً :
============= 
لاشكَّ أنَّ الإقدام على الزواج هو أمر فطري وطبيعي عند الإنسان ذكر أو انثى.
كون الزواج هو الوسيلة الوحيدة شرعاً لإشباع الحاجة عند الصنفين 
وتأسيساً للأسرة الصالحة وكسباً للذرية الطيبة.
فالزواج هو المُحصِّن الحقيقي للمتزوج أو المتزوجة 
ضد ما حرّم اللهُ تعالى من السلوكيات الجنسية الضالة.
 
ولو لاحظنا الروايات الصحيحة وما أعطّتْ للزواج من قيمة تبلغ نصف الدين 
لأدركنا قدسيَّة وحكمة الزواج شرعا.
 
كما في الحديث الشريف المروي عن رسول الله - صلى الله على وآله وسلم :
: مَن تزوجَ أحرزَ نصف دينه ، فليتق الله في النصف الباقي :
:المقنع : الصدوق :ص301:
لإتضحَ الأمرُ جليّا.
 
فالشق الأول من الحديث هذا يعطينا إنطباعاً عن أنَّ تهذيب النفس وشهواتها
إنما يتم بالزواج الشرعي 
بمقدار يوازي نصف الدين سلوكاً وقصدا
 
بإعتبار أنَّ الدين يهدف إلى تربية الغرائز البشرية تربية صحيحة وقويمة ومُثمرة بصورة تكفل تأمين الحاجات والرغبات عند الإنسان بما يتمكّن معه من تطبيق نصف ما أراد اللهُ تعالى منه.
 
وأما الشق الثاني من الحديث فهو يتوقف في إتمامه وإحرازه على ضبط النصف الأول من الدين والذهاب به في إتجاه إكمال النصف الآخر على مستوى الذات والأسرة والمجتمع .
وعلى مستوى العلاقة مع الله تعالى والدين عقيدةً وشريعة.
حتى أنَّ الروايات أعطت قيمةً وتفاضلاً لصلاة المتزوج على الأعزب
تحفيزاً له وتكميلاً لدينه.
 
فعن أبي عبد الله الصادق:عليه السلام:أنه قال :
: ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متزوج :
:ثواب الأعمال :الصدوق:ص40.
 
وللحفاظ على قيمة الزواج جاءت الشريعة الإسلامية بعقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت للزاني من المتزوجين المُحصنين
ذلك كونه قد إنتهك قدسيّة الأعراض وصيانتها.
وكفر بنعمة الزواج عمليا.
 
 
ثمَّ إنَّ نفس التلبس بعنوان الزواج هو يُمثلُّ صياغة إجتماعية للتعايش المشترك بين الزوجين تقريرا وتحديداً لرغبات النفس وطموحاتها 
وترويحاً للوجدان العاطفي في ذاتية الإنسان .
 
إذ أنَّ الإنشداد العاطفي والميل النفساني هو حقيقة واقعية عند الرجل والمرأة 
تتجلى في صورة الرغبة والإرادة في الإرتباط والتعالق الإثنيني بينهما وداً ورحمة .
 
وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم حينما بيّنَ علّة طلب الزواج بالسكن أو السكون مطلقا نفسيا وذهنيا وسلوكيا.
 
قال تعالى:
 
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21
 
وهذا يعني أنَّ فترة ما قبل التلبس بالزواج هي فترة حركة غير مستقرة وغير متزنة 
في سبيلها 
فلا يقر لها قرار إلاَّ بالزواج وهو السكن أو السكون الفعلي لحركة النفس في طلب ونيل وتحقيق الشهوات المشروعة.
 
 
أو قد يكون مفهوم السكن والسكون هو أنَّ الزواج يوفِّر في ماهيته وآثاره 
ملاذا آمنا ومشروعا يتمكّن معه الزوج من الرفث إلى زوجته وظلالها
التي تحنو عليه وتعطف وتلاطف وتؤنس وترق 
مما يدفع كل تذبذب نفساني أو سلوكي عند الزوج.
 
وكذا الحال بالنسبة للزوجة في ترتب أثر الزوجية عليها إذ يتجلى لها الزواج سكنا وسكونا في كونها قد إنشدتْ إلى زوج حبيب ولطيف ومأمون عليها
تتأمل منه الخير لتعيش في حانيته مأمونة مصونة .
 
 
إننا حينما نختار الزواج الشرعي منهجا وقيَماً إنما نختار ما فيه خيرنا 
وصلاحنا ومصلحتنا وفوزنا وفائدتنا يقينا.
 
عن أبي جعفر الإمام محمد الباقر: عليه السلام قال :
 
قال رسول الله : صلى الله عليه وآله :
قال الله عز وجل : إذا أردتُ أن أجمعَ للمسلم خير الدنيا والآخرة 
جعلتُ له قلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وجسدا على البلاء صابرا
وزوجة مؤمنه تسره إذا نظر إليها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها و ماله :
:الكافي :الكليني :ج5:ص327.
 
 
وتكمن قيمة الزوج فيما لو توفّرتْ فيه ميزات رئيسة وأهمها .
التديُّن والخُلُق والقدرة على تدبير أمره
هذا ما أكّدت عليه الروايات في منهجة الزواج وطلبه والتلبس به
عن أبي جعفر الباقر:عليه السلام: أنه قال
 
قال رسول الله :ص:
:إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه وإن لاتفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير:
:وسائل الشيعة:الحر العاملي :ج14:ص51.
 
وعن أبي عبد الله الإمام الصادق:عليه السلام:
أنه قال:
: الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار :
:الكافي : الكليني :ج5:ص347.
 
فالذي يبرز جليا هنا في مواصفات الزوج الصالح هو تدينه ووثاقة دينه وسلوكه 
ولم نلحظ للمال أوالمنصب أو غيره أيّ معيار أوقيمة
بخلاف ما يحصل اليوم من منع التزويج للرجل أو المرأة وفقاً للأمزجة والأهواء 
أو رغبات الآباء والإمهات وغيرهم
مما يقفون عائقاً في حركة الصلاح والإصلاح التي تتحقق بالتزويج وفق معايير أخلاقية قويمة .
 
ومن هنا إذا ماتوفّرت تلك الصفات في الطالب للزواج
فينبغي تلبية طلبه وتزويجه دفعاً للفساد المُحتمل وقوعه عند الممنوع عنه التزويج رجلٌ أو إمرأة.
وهذا هو معنى قول المعصوم:عليه السلام:
: وإن لاتفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير:
 
 
 
وكذلك الأمر في قيمة المرأة المرغوب الزواج بها.
فقد ندبت الروايات المأثورة عن المعصومين :عليهم السلام:
إلى أهمية توافر ميزات رئيسة عند المرأة
 
وأهمها ما حمله متن هذه الرواية:
عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي : صلى الله عليه وآله :
فقال : إنَّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها ، الحصان على غيره
التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذل الرجل :
الكافي :الكليني :ج5:ص324.
بحيث لم تجعل الروايات أي قيمة أو معيار لجمال المرأة أولاً وإن كان مرغوبا به ومطلوبا 
بل جعلت المعيار في الرغبة بالمرأة هو كونها من ذوات الدين
 
روي عن رسول الله : صلى الله عليه وآله :أنه قال:
: انكح وعليك بذات الدين تربتْ يداك :
: أي خسرتَ فيما لو تركتَ الزواج بالمُتدينة :
:الكافي :الكليني :ج5:ص332.
 
 
 
:الزواج منهج حقوق وواجبات :
================= 
من المعلوم شرعاً أنَّ الزواج هو منهج مُؤسَّسٌ له في منظومة الإسلام حقوقاً وواجباتٍ.
فالشريعة الإسلامية في منهجها القيمي قد بيّنتْ مفهوماً وأثراً كل حق وواجب للزوجين معا.
بحيث نلحظ التشابك التطبيقي بين مفهومي الحق والواجب
فمالم يُطبّق الواجب لانرى للحق أثرا.
وكذا مالم يُمنح الحق إلى ذيه لايُطبّق الواجب فعلا
 
ويتجلى حق الزوج في واجبات إنيطتْ شرعا بالزوجة
وأهمها :
 
:1:
طاعته وإستجابتها إلى رغباته المشروعة وتجنب ما حُرّمَ عليها كالنشوز والخروج بغير إذن الزوج أو الخيانة لاسمح الله وغيرها.
وقد تعرّضتْ الروايات إلى لائحة من الحقوق الممنوحة إلى الزوج
 
عن أبي جعفر الإمام الباقر:عليه السلام :قال : 
جاءت امرأة إلى النبي : صلى الله عليه وآله :
فقالت : يا رسول الله ماحق الزوج على المرأة ؟ 
فقال لها :
أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلاَّ بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه 
ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر : قتب : مايوضع على سنام البعير:
، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه وإن خرجتْ من بيتها بغير إذنه 
لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض و ملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها 
فقالت : يا رسول الله من أعظم الناس حقا على الرجل ؟
قال : والده 
فقالت : يا رسول الله من أعظم الناس حقا على المرأة ؟ 
قال : زوجها 
:الكافي :الكليني:ج5:ص507.
 
 
:2:
: حسن تبعل الزوجة لزوجها :
وهو ما يُعبّر عنه حديثاً بفن وثقافة التعايش الصالح والناضج والهادف مع زوجها
وهو ما إلتفتتْ إليه منهجيَّة المعصومين:عليهم السلام:
إذ روي عن النبي : صلى الله عليه وآله أنه قال : 
: جهاد المرأة حسن التبعل :
:أحكام النساء : الشيخ المفيد :ص39:
 
بمعنى أنَّ الزوجة إنما مطلوب منها بذل الوسع والجهد في سبيل زوجها 
ذلك بحسن تعايشها معه تلطفاً وتحننا وحبّا وسلوكا.
وتدبيراً وتربية لأولاده .
ومراعاة وضعه المالي وعدم إحراجه في طلب الكماليات من الأشياء .
وربما ينفتح معنى حسن تبعل الزوجة على أهميّة الإهتمام بنفسها وتزينها وتبرجها لزوجها.
جذباً منها إليه وشدّاً له إليها نفسيا وسلوكيا.
ورفعاً لمعنى التعالق وتوطيداً لقيمته.
كلُُّ ذلك إذا ما توفّر في الزوجة تطبيقا فإنَّ زوجها سيزادُ حبّا لها وتوددا .
وبهذا تستقيم سبل العيش بينهما حياتيا.
 
 
:3:
تحصين الزوجة ذاتها وشرفها وسمعتها وتجنبها كلَّ أشكال البترج خارج بيت الزوجية ومحافظتها على حجابها وعفافها فعليا.
إذ بخلاف ذلك تنعدم الثقة بها وتصبح حياتها عرضة للإنهيار لاسيما عند الزوج الصالح.
قال تعالى :
{ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النساء25
 
 
وتتجلى حقوق الزوجة على زوجها والتي هي واجباتٌ عليه شرعا.
 
:1:
: وجوب الإنفاق عليها:
وهذا الحق هو واجب على الزوج في صورة عمل الزوجة بوظيفتها الشرعية تجاه زوجها من تمكينه من نفسها متى شاء وعدم منعها إياه من مقاربتها إلاّ لعذر شرعي
فإذا قامت الزوجة بوظيفتها إستحقت النفقة شرعا على زوجها من توفير الطعام والملبس والمسكن وكلّ ما تحتاجه حياتيا.
وهذا الواجب الذي بذمة الزوج تجاه زوجته هو مرهون في فعليته وتطبيقه شرعا بعدم نشوزها عليه عمليا.
 
ونفقة الزوج على زوجته المطيعة له هو حقٌ مُنحفِظٌ لها شرعا حتى ولوكانت ثريّة .
 
 
:2:
: حسن تبعل الزوج لزوجته :
وهذه الحق يتجلى في صورة مقاربة الزوجة فعلاً وعدم هجرها إلاّ لضرورة الإصلاح
فضلاً عن حرمة ضرب الزوج لزوجته كيف ما شاء ومتى ما أراد 
في وقتٍ جعلتْ الشريعة ضرب الزوجة خياراً شرعياً أخيرا .
 
وممكن أن ينبسط مفهوم حسن تبعل الزوج لزوجته مصداقاً 
على الرفق بها لفظيا وسلوكيا وعاطفيا 
فينبغي بالزوج أن يتجنب عرض رجولته على زوجته الإنثى الرقيقة الضعيفة
وعليه أن يتعامل معها بلين ويسر وسماحة
 
روى سماعة عن أبي عبد الله :الإمام الصادق: عليه السلام :أنه قال :
: اتقوا الله في الضعيفين - يعني بذلك اليتيم والنساء :
: من لايحضره الفقيه :الصدوق:ج3:ص392:
 
 
:3:
وقاية الزوجة من نارالغزو الفكري والثقافي الحديث .
وهذا الحق قد ندب وأرشد إليه القرآن الكريم نصّا.
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6
ومن الأهل الزوجة خاصة 
فبحكم هذا الإرشاد القرآني يجب على الزوج عقلا أن يُحصّن زوجته بالأدب والأخلاق والعلم والدين
ويحملها على طاعة الله تعالى في تكاليفها ووظيفتها إسريا ومجتمعيا
ويتجلى هذا الحق بصورة إرشاد الزوجة إلى الإمتناع عن مخالطة النساء المريبات وتجنب متابعة ما يُعرض في وسائل العرض الحديثة من مسلسلات خليعة وفاضحة ومنحرفة قيميا وأخلاقيا.
واذا ما لم تراعِ الزوجة ذلك فإنَّ الخراب الأسري واقعٌ لا محال عاجلا أم آجلا.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=22907
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28