بسم الله الرحمن الرحيم
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{67}
نزلت الاية الكريمة في شأن اسرى بدر من الكفار "الجلالين / للسيوطي " , ونستقرأها في موردين :
1- ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ) : لا ينبغي ان يكون للنبي (ص واله) اسرى , حتى يكثر في الارض من قتل الكفار والمشركين .
2- ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) : اراد المسلمون الفدية عن اسرى كفار بدر لديهم ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ) , وكان الحكم بقتلهم كما يرويه السيوطي , الا انه اضاف "ان الاية نسخت بأية ( فأما منا بعد او فداء )" .
لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{68}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ ) : بأحلال الغنائم والاسرى لكم ( السيوطي / تفسير الجلالين ) , لولا حكم سبق لكم بالمغفرة ( مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ) .
2- ( لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) : لاصابكم في ما استحللتم من الفداء عذاب عظيم .
فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{69}
نستقرا الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً ) : اباحة الغنيمة للمسلمين , ويلاحظ ان النص المبارك وصفها بـ ( حَلاَلاً طَيِّباً ) , شريطة ان تكون الغنائم مما احله واباحه الشرع الاسلامي ! .
2- ( وَاتَّقُواْ اللّهَ ) : المداومة والمواظبة والمحافظة على طاعته عز وجل , وترك نواهيه جل وعلا .
3- ( إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) : الله عز وجل غفور لعباده , لمن اتقاه منهم , رحيم بهم , طالما هم مواظبون على طاعته , مصرون على ترك نواهيه واجتنابها .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{70}
تخاطب الاية الكريمة النبي الكريم ( ص واله) موجهة اياه ان يكلم اسرى بدر قائلا ( إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ) , ايمانا او صلاحا او اخلاصا , فسوف :
1- ( يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ ) : الاول : الفداء , يضاعف لكم عوضه في الدنيا , ويثيبكم عليه في الاخرة .
2- ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) : الثاني : المغفرة , وهو الغفور لمن توجه اليه مخلصا من عباده , الرحيم بحالهم واحوالهم .
اورد السيد هاشم الحسيني البحراني في تفسير البرهان ج2 اخبارا مفادها , انها نزلت في العباس ( عم النبي "ص واله" ) , وعقيل بن ابي طالب , ونوفل بن الحارث .
وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{71}
تكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة , التي سلطت الضوء على العوامل الايجابية في القلوب من الايمان والاخلاص ونحوه , اما الاية الكريمة فسلطت الضوء على العوامل السلبية ( وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ ) , الخيانة تجمع كافة العوامل السلبية , من عدم الايمان والاخلاص والوفاء ... الخ , كما وان النص المبارك يكشف انهم ان خانوا رسول الله (ص واله) , فذاك ليس غريبا عليهم ولا جديدا ( فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ ) قبل بدر , ( فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ) فمكن الله تعالى رسوله (ص واله) والمسلمين منهم يومها , بالقتل والاسر والجروح والعذاب , ( وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) , والله تعالى عليم في شؤون خلقه , ما ظهر منها وما بطن , حكيم في صنعه وتدبيره جل وعلا .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{72}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) : هم فئتان :
أ) المهاجرين : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) الذين هاجروا من مكة الى المدينة .
ب) الانصار : ( وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ ) الذين اسكنوا الرسول (ص واله) والمهاجرين اليهم في المدينة , وادخلوهم ليقيموا في بيوتهم .
( أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) في النصرة والارث .
2- ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ ) : ليس عليكم نصرتهم , ولا يرثونكم .
3- ( وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) : اورد السيد هاشم الحسيني البحراني في تفسير البرهان ج2 ( انها نزلت في الاعراب , وذلك ان رسول الله (ص واله) صالحهم على ان يدعهم في ديارهم ولم يهاجروا الى المدينة , وعلى انه ان ارادهم رسول الله (ص واله) غزا بهم , وليس لهم من الغنيمة شيء , واوجبوا على النبي (ص واله) انه اذا دهاهم من الاعراب من غيرهم او دهاهم داهم من عدوهم ان ينصروهم , الا على قوم بينهم وبين رسول الله (ص واله) عهد وميثاق الى مدة ) .
وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ{73}
نستقرأ الاية الكريمة في محورين :
1- ( وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) : الكفار بعضهم اولياء بعض بالنصرة والميراث وغيرهما .
2- ( إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) : يجب ان يكون الكفار كذلك , و ينبغي للمسلم ان يتولى المسلم , ويتحد معه , قلبا وقالبا , ليقمعوا بأتحادهم الكفار ( المحاربين او المتربصين ) , وان لم يكن الامر كذلك , وابتعد المسلم عن اخيه المسلم , فلا يكون الا :
أ) ( تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ) : للفتنة موارد كثيرة , في مجملها توجب الابتعاد والخروج عن دين الله تعالى , فتهيء بذلك الارضية المناسبة لتوفر كافة اسباب الفساد وانتشاره ! .
ب) ( وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) : عندما تضعف شوكة المسلمين , وتقوى شوكة الكفار المعادين والمتربصين بالاسلام الدوائر .
هذا مما لا ريب فيه ولا وجل , حدث ويحدث على مر الزمان , وفي مختلف بقاع الارض , ترك المسلم اخيه المسلم , ليرتمي بأحضان اهل الكفر والفسوق والعصيان ( الاعداء ) , الذين بدلوا وغيروا ثيابهم ومظاهرهم الخارجية , وولجوا بينهم , صنعوا الفتنة التي اشارت لها الاية الكريمة , فوثب المسلم ليقتل اخيه المسلم , بدل ان يمد له يد العون , ويعملوا على الوحدة الاسلامية , فسفكت الدماء , والانكى من كل ذلك , ان يتشفى بدم اخيه المسلم , ويعد ذلك نصرا له ولمذهبه , غير مدرك ان الرابح الوحيد , والمنتصر الحقيقي هو عدو الاسلام الاول والاخير , في الامس واليوم والمستقبل , الذي يجلس ليتفرج ويضحك , ضحكات منتصر , فتضعف بذلك شوكة المسلمين , وتقوى شوكة عدوهم ! .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{74}
تمتدح الاية الكريمة المهاجرين والانصار , المهاجرين ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) , والانصار ( وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ ) , بأنهم ( أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ) , واجرهم عند الله تعالى ان ( لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) .
المهاجرين والانصار هم قدوة منقطعة النضير لكافة المسلمين , على مدى الاجيال , بتآخيهم وتوادهم الذي لم يكن له نضيرا من قبل , في تاريخ البشرية , وربما لن يتكرر , بأتحادهم هذا كانوا رمزا لوحدة الاسلام وعظمته وقوته .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{75}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ ) : يلحق بالمهاجرين والانصار , كل من حذا حذوهم بالايمان والهجرة في سبيل الله تعالى والجهاد , وايواء المسلم ونصرته , وتخلق بأخلاق الاسلام واهله ( فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ ) , حرف الجر ( من ) للتبعيض , منكم لهم ما لكم , وعليهم ما عليكم , من غير فرق ولا تمييز .
2- ( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ) : اولوا القربى اولى بالاحكام الشرعية , كالميراث وغيره من الاحكام .
3- ( إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) : نص مبارك موجز , أضمر الكثير من المعاني السامية ! .
|