من أرضك إنطلقت كلمات حيرت العالم فقد كانت أحضانك مأوى لعلي .. وقد أراد لك المجد والعلياء .
ولكنك كنت عمياء وصماء ، فاستبدلت عز علي بذل معاوية ، وأتاك السبط الأكبر لخاتم الأنبياء يسعى ،
حاملا في كفيه عزك ورفعتك ، ولم تثوبي لرشدك !
في زقاق من أزقة الكوفة ، حيث ذلك البيت الطيني ، والذي ماتردد فقير ولا يتيم أبدا في طرق بابه ،
كان الشمل العلوي يحزم متاع السفر ومتاع العودة لأرض الوطن ، لمدينة محمد .
فقد اختارت الكوفة الذل والخنوع ، ويالبُئس ماخترت !
وتستحقين ما سيحدث لك من الدواهي ، يا مدينة غائبة لعوب ، متقلبة لا تثبت على حال ، تهرج وتمرح
بمصائر أهلها .
كانت تلك السيدة ، شاهدة على الثورتين ، ثورة السلام ، وثورة الدم وشاهدة على الهجرتين ، هجرة شبر
من الكوفة الغادرة لمدينة السلام عاصمة محمد ، وهجرة شبير من مأوى الطريد ، البيت العتيق ، لكربلاء
الحياة ، لكربلاء الإنسان .
هكذا أنت يا زينب ..
قبل عقود من الزمن ذرفت الدموع بصمت حينما شهدت في طيبة رحيل السلام والأمان ، الجد الأعظم رسول البشرية .
وحين هبت العاصفة العاتية من أجلاف تشدقوا أنهم من صحابة جدك ،والتي ما رحمت لأبنتاَ ثكلى ،
ولا أخاَ مقصوم الظهر برحيل أخيه ، فكسرت الأضلاع ، ولطمت العين ، وغرز المسمار في صدر العلم والوقار،
وأسقط الجنين ، ونزف الدم ، وقُيد بطل خيبر بقيود الظلم والضغينة ، والكفر بعد الإسلام .
وأنتفض سيف الثارات الجاهلية ، مهشماً رأس الإسلام في ليالي مباركات ،فتهدمت أركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى.
وها أنتِ يا زينب ...... يا صبراً تجسد في امرأة !
أستعدي لنزول الفادح من المُصاب ، فقد شاء القدر ، أن تتلقف الأيادى السوداء التي لا تشتهي طعاماً ولا شراباً ولا
يلذ لها عيش إلا بالجلوس على مائدة دمائكم .
فلعمري .... كما شهدت بالأمس تشييع جدك المُصطفى ، وإعفاء جدث أمك فاطمة ، وطبرة أبيك حيدرا ،
ستمسين الشاهدة أيضاً على الطشتين . |