• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حاجيات المجتمع بين "تنازل" النهضة وضيق أفق المعارضة .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

حاجيات المجتمع بين "تنازل" النهضة وضيق أفق المعارضة

 

الآن وقد أعرب حزب حركة النهضة، على عكس جل التوقعات، عن قبوله بمبدأ تشكيل حكومة كفاءات وبمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، يحق التساؤل هل أنّ نخبنا تفكر في تدارك ما فات أم في تفويت الفرصة التي تمنحها لها حالة الوعي الجديدة والمتعلقة بتصحيح المسار الثوري من أساسه، وهل أنّ المعارضة مستعدة لخوض غمار التغيير نحو الأفضل؟
مهما كانت نية حزب النهضة الإخواني من وراء قبولها بواحد من أهم الشروط التي فرضَتها عليها المعارضة، نعتبر الحدث بحد ذاته نقطة تحول عميقة يتوجب التكيف معها في كل تحليل، لأنّ من شأن هذا التكيف أن يؤثر بكل فعالية في مسار الانتقال السياسي لو اهتدى المجتمع إلى الطريق الأفضل لاستغلاله. 
كما نعتبر في السياق نفسه أنّ القرار "العاقل" لحزب النهضة فرصة لأن يسترد المجتمع صلاحية الاعتناء بوظيفة التدين في الحياة العامة والسياسية، علما وأنّ عدم الحسم في مسألة العلاقة بين الدين والسياسة ورمٌ إذا لم يعالج من الأساس سيعود على المجتمع بخيبات أخرى ستبقى حينئذ الديمقراطية مسألة طوبى لا أكثر.
 ولئن نعتبر أننا ممن يعالجون هذا الورم بمقاربة معينة فيبدو إمّا أنّ "الأخصائيين" في هذا المجال لا يريدون أن يشاركهم أخصائيون جدد هذا الهم، وإما أنه ليس هنالك أخصائيون بالرغم من ثبوت المشكلة وأنّ النخب غافلة عن الورم وعن ضرورة استئصاله. 
فماذا أعدت المعارضة الحالية للفئات المجتمعية التي ما زالت تناصر حزب النهضة بسبب خلطها بين الإسلام وهذا الحزب، وحتى للفئات التي تخلت عن إتّباع هذا الحزب ولكنها ما زالت بحاجة لرؤيةِ تسويةٍ شاملة لأوضاعهم الوجودية بالنظر للمسألة الدينية؟
في سياق متصل، لقد كتبنا مرارا وتكرارا قبل حدوث الثورة العربية وبعدها عن ركون النخب المثقفة في الوطن العربي إلى الراحة المطوّلة والاسترخاء في حالة من السبات العميق، وعن خلوّ جراب المعارضات السياسية من كل بديل مجتمعي وسياسي يستحق الذكر، بل قُل يستحق المقايضة مقابل عزل القيادات العليا في البلاد وخلع الأنظمة القائمة فيها مثلما حصل في تونس وفي مصر على وجه الخصوص.
ولا أعتقد أنه من الأنسب الآن أن ينتظر المجتمع التونسي حتى ترتقي المعارضة إلى الحكم لكي يطلع على ما عساها تحمل في جرابها من تصورات منبثقة عن تصحيح اعتباريّ للتدين وللفكر الإسلامي وذلك بالتوازي مع تصورات متأتية من تصحيح اعتباري للفكر السياسي. ونرى أنه من الأجدى أن يتشارك المجتمع السياسي مع المجتمع الفكري في هذا الصدد لتحقيق انسجام لطالما نشَدَه المجتمع بشأن توحيد البعد الديني والبعد السياسي في مقاربة دنيوية وعملية وميدانية واحدة.
ومن مزايا المقاربة الموحّدة أنها تسمح بتوليد المواقف المختلفة مع اجتناب الخلاف المتسبب في الانقسام والانهيار والاقتتال والفوضى. ويكفي أن يغيّر الشعب التونسي (وأي مجتمع عربي أخر) ما بنفسه باتجاه التوحد فيرَى في المسؤول الأول في البلاد، وفي السلطة السياسية وفي الأحزاب، محصلة ما زرعته نخبُه من عمل بنّاءٍ عوضا عن الاستلاب لهذا المسؤول أو الحاكم أو الزعيم الحزبي لكأنه المرجعية العلمية والثقافية والاقتصادية والكلية.
 صحيح أنّ الرئيس أو الملك أو الوزير أو رئيس الحزب في النظام الديمقراطي ينبغي أن يكون مدعاة للاحترام والتقدير وقدوة في العلم والثقافة والاقتصاد وفي كل المجالات، لكن شتان ما بين اقتداءٍ باعثٍ على التشارك والتعاون، وبين أن يفوّض الشعب حقه في العلم وحقه في الثقافة وحقه في الشغل والاقتصاد، وجميع مستحقاته، إلى شخص الحاكم أو المسؤول الحزبي، مما لن يثمر سوى الحكم الكلياني.
ولكن تصحيح المسار الثوري على هذه الشاكلة، وعلى الصعيدين الفكري والسياسي، ليس في متناول أيٍّ كان ولا هو من مشمولات عامة الناس. مع هذا فقد كنا شاهدين منذ الثورة على أنّ القاصي والداني أصبح يحشر الأنف في تناول هذه المسألة، مما أدى إلى تفسير الدين دون علم وتعريف السياسة من منظور ديني و تعريف الدين من منظور سياسي. وقلما رأينا أطرافا من النخبة تنبه، عن دراية وبالعلم، من مغبة هذا الخلط المنهجي فضلا عن الخلط الإيديولوجي بين الدين والسياسة.
 إن توخي منهجية الحل يبدأ حسب اعتقادنا بتأسيس سلطة فكرية تتولى مهمة التنسيق مع الأطراف السياسية المختلفة بشأن توحيد الفكر والسياسة بشكلٍ يبعث الطمأنينة في صفوف عامة الناس. وهذا لن يتمّ إلا في حال تكون غاية التوحيد مستندة إلى مواضيع موصولة مباشرة بالواقع المعيش، ويكون التطرق إليها من زوايا مثل التغيير الفردي والمجتمعي، والفعل البناء، والنهوض والرقي، ويكون ثمة تخطيط مسبق لتوظيف النتائج الناجمة عن الخوض في هذه المواضيع، بصفة آنية ومباشرة، في مجالات حيوية ثلاثة: التعليم (مادة التربية الإسلامية واللغات والعلوم بالخصوص) والإعلام، والتواصل. 
 
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35381
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 08 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19