• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الرئيس القائد الحاج نبيه بري يروي قصة انتفاضة النبطية بوجه العدو الصهيوني عام 1983 .
                          • الكاتب : سعد العاملي .

الرئيس القائد الحاج نبيه بري يروي قصة انتفاضة النبطية بوجه العدو الصهيوني عام 1983

نبيه بري - رئيس حركة أمل في لبنان
النبطية - مدينة في جنوب لبنان - يطلق على ساحتها ساحة الامام الحسين .
 
الرئيس نبيه بري في العاشر من محرم في النبطية
 
العاشر من محرّم ووجع الاسنان
 
اكثر ما راهنت عليه اسرائيل لترسيخ احتلالها، وتحقيق اهدافها، كان استقطاب الشيعة، على اعتبار انها انقذتهم باجتياحها، من العدو المشترك: الفلسطيني المخرب، الذي جر الويلات على اهل الجنوب؟
 
حاول العدو ان يرسخ هذه المقولة، وارفقها بوعد ان تسعى اسرائيل جاهدة، لكي يتصدر الشيعة، كل الواقع اللبناني، وبأن تبني معهم، افضل علاقات تأتي عليهم بالفائدة. وجنّدت، في سبيل غايتها هذه الكثير من العملاء، لترويج هذه المقولة، وزرعها في الذهن الشيعي.
 
حاول الاسرائيليون ان يخرقونا بواسطة احد الاشخاص، وكان هذا الشخص يأتي لزيارتي، من حين الى آخر.
 
جاءني هذا الشخص يوما في زيارة، ثم، ومن دون مقدمات، اخذ ينهال على الاسرائيليين واليهود بالسب والشتم، وينعتهم بـ «اولاد الخنازير». ثم فاجأني بسؤال متناقض مع ما هو فيه وقال: اريد ان اسألك لماذا هذا الجو بين الشيعة واسرائيل؟ الا ترى معي ان عداء الشيعة لاسرائيل فيه مبالغة؟
 
سؤاله هذا بعث فيّ الارتياب، خصوصا انه كان يشتمهم قبل لحظات، لكنني قررت ان اماشيه، فرديت عليه بسؤال: واين المبالغة؟
 
قال: لقد سمعت ان الاسرائيليين، يريدون اقامة علاقات طيبة مع الشيعة، وانهم مستعدون لتقديم اي شيء للشيعة، ولا اعتقد ان العداء لهم يعطي جدوى، فعلى الاقل اراحوا الجنوب من الفلسطينين.
 
هنا صحّ ظني، بأنه يخفي شيئا، فاستمريت في مماشاته، محافظا على تماسكي، وقلت له: في الحقيقة، معك حق.
 
فتابع: اعتقد ان الاسرائيليين مستعدون لأن يقدموا الى الشيعة ما يريدون، ولا اعتقد ان نواياهم خبيثة، كما يتصور الناس، فالحرب التي شنّوها، لم تكن تستهدف سوى الفلسطينيين، واما الشيعة فليسوا المقصودين.
 
قلت: يمكن ان تكون نواياهم طيبة كما تقول، ولكنهم لم يثبتوا لنا بأن نواياهم طيبة في اية مسألة.
 
قال: مثل شو؟
 
بعدما سألني ارتسمت في ذهني خطة، وقلت له: هناك كثير من المسائل، مثلا، نحن نعيش في هذه الايام اجواء «عاشوراء»، وانت تعرف ان النبطية، تشهد عرضا للسيرة الحسينية، ومصرع الإمام الحسين كل سنة، وفي العاشر من محرّم تختنق النبطية بالناس، وهذه احدى المناسبات التي يمكن ان تستغلها اسرائيل لإبداء حسن نواياها.
 
قاطعني وقال: وكيف؟
 
قلت: انت تعرف ان الناس في يوم العاشر من محرّم، تكون اعصابهم مشدودة، ومتأثرين بمناسبة مصرع الإمام الحسين، ولو كنت مكان اسرائيل لاستغليت هذه المناسبة، وقمت بتوفير الحماية للناس في «عاشوراء» وحفظ الامن في محيط المكان، وقمت بتسهيل امور الناس وتنقلاتهم على الطرقات، وهذا الامر لا يستوجب نشر الدبابات والمصفحات في المكان، فقد يستفز ذلك الناس الذين قد يظنون انها تحاصرهم، وقد يكون رد فعلهم غير محمود، وقد يتسببون بمصيبة، بل ان الامر يستلزم قوة صغيرة، فذلك من شأنه ان يطمئن الناس، واذ شعر الناس بأن اسرائيل تعمل لحمايتهم، لا اعتقد ان يبقى هناك اي سبب يمنع من ان تسود اجواء الود بينهم وبين اسرائيل.
 
اتقنت ايراد هذا الكلام، بطريقة جدية، لا تظهر ما في باطني، فيما كان هذا الشخص، يستمع اليّ باهتمام، فقال لي: قولك، هيك؟
 
قبل يومين، من العاشر من محرم، جاء لزيارتي ثانية كما وعد، ولاحظت انه في هذه الزيارة، كان اكثر صراحة مما كان في الزيارة السابقة.
 
تصنعت الترحيب البالغ به، فبادرني قائلا: يبدو ان «الجماعة» سيأخذون الترتيبات، التي اقترحتها.
 
فهمت عليه، لكنني تعمدت ان اسأله: اي جماعة؟
 
رد سريعا: ولو، الاسرائيليون؟
 
انتشلت من غضبي ابتسامة اصطناعية وقلت: أمتأكد انت؟
 
قال: مئة في المئة.
 
اشعرته بأنني ما زلت اشك في نواياهم، وقلت: والله انا لا اثق بكلامهم، الا ليترجموه على ارض الواقع..
 
بعد ما خرج، بعثت برسالة الى الشهيد محمد سعد، والى الشهيد محمود فقيه، وفيها «ابقوا على الجهوزية التامة، حضّروا انفسكم فقد آن اوانكم» وارفقت الرسالة بالتعليمات في ما خص يوم العاشر من محرّم.
 
وفي اليوم العاشر، حصل ما اخبرني به هذا العميل تماما، وفي لحظة التجلي واللطم، انقضّ المجاهدون من «حركة امل» على القوة الاسرائيلية واحرقوا إلياتها، واوقعوا جنودها قتلى، وفرّ من بقي منهم حيا، واما الشخص العميل، وقبل ان يعاتبه الاسرائيليون، كان الشهيد محمد سعد، قد بعث به الى جهنم.
 
واريد ان اذكر حادثة لا انساها حصلت معي خلال احتلال بيروت، فكما سبق وذكرت، انني خلال الاجتياح الاسرائيلي، لم اترك بيروت، وصمدت فيها مع شباب «حركة امل»، وقلة قليلة جدا من القيادات. واذكر انني في تلك الفترة، كنت معرّضا للقتل في اية لحظة، ما دفعني الى تغيير مكان اقامتي، مرات عديدة، فلم استقرّ في مكان معين، حتى انني اعتمدت التنكر اثناء تنقلاتي، التي كانت تتم في اغلب الاحيان من منزلي في بربور، او من مكان اقامتي، الى منزل الرئيس صائب سلام، حيث كنا نلتقي، واذكر انني اعتمدت الزي الخليجي في كثير من الاوقات، اذ ألبس عباءة، مع «حطة وعقال»، وضع شوارب ولحية صغيرة، وفي يدي عصا اتكئ عليها، وهنا اقول انني في هذا الزي كنت اتقن الدور، واؤديه على اكمل وجه. كما انني في بعض المرات، كنت احني ظهري عند المسير، واتعكز على العصا كرجل مسن، وكان لهذا الوضع الفضل الكبير في نجاتي مرتين، من الاسرائيليين، الذين كانوا يبحثون عني:
 
الا انك ومهما اتخذت احتياطات، فإن امرا صغيرا يمكن ان يطيح بكل شيء. في احد الايام، كنت في احد المنازل في بربور، وفي هذا اليوم نال مني وجع أليم في احد اضراسي، وانا في المناسبة لي صولات وجولات في موضوع وجع الاسنان، حيث شكّل هذا الامر بالنسبة لي اكبر معاناة منذ صغري.
 
المهم مع بداية الوجع، اخذت اقراصا من الاسبرين، لكن ولحظي السيىء، اشتد الالم حتى لم تعد لي قدرة على التحمل، اضافة الى هذا الوضع بدأ يعكس نفسه على وجهي، واخذ يرتسم احمرارا في عيني، والاسوأ من الوجع كان عدم تمكني من التجول، خصوصا ان الاسرائيليين، كانوا متمركزين في بناية منظمة التحرير على كورنيش المزرعة، اي على مقربة من المكان الذي كنت متخفيا فيه، كما ان عيادة طبيب الاسنان الدكتور فيصل علم الدين الذي يهتم بمعالجة اسناني، تقع في بناية حجيج بالقرب من جامع عبد الناصر، والوصول الى العيادة يفترض العبور من امام الاسرائيليين.
 
لقد صبرت على الوجع واحتملته لمدة يومين، ولكن في اليوم الثالث، لم تعد لي القدرة على احتمال الوجع الذي شلّ كل تفكيري، فقررت أن أقصد طبيب الأسنان، مهما كلف الأمر، مع علمي أن في هذا الامر مخاطرة كبيرة، لكن هذه المخاطرة تهون أمام الوجع الذي كنت أشعر به.
 
لم يكن أحد يعلم بالمكان الذي أتواجد فيه، سوى شخصين موثوقين من قبلي، وهذان الشخصان لا يعرفان بعضيهما، فيومها أرسلت أحد هذين الشخصين إلى الدكتور علم الدين لابلاغه عما بي، وتحديد موعد لي للحضور الى العيادة، فحدد الدكتور علم الدين الموعد في الثامنة صباح اليوم التالي. وفي الحقيقة شعرت أن أمامي دهراً من الوجع.
 
في اليوم التالي قصدت العيادة، من دون كشف مسبق للطريق، وأذكر أنني وضعت قبعة على رأسي، ونظارة على عيني، وأوصلني شابان في سيارة الى العيادة، وأنزلاني أمام البناية، حيث تقع العيادة في الطابق الثالث.
 
فور وصولي إلى أمام البناية، خلعت النظارات عن عيني، ونزلت واتجهت صوب المدخل، وما أن وصلت الى هناك، حتى اصطدمت بفرقة اسرائىلية تفترش أرض المدخل، وكانت اكثر من سبعة جنود بكامل اسلحتهم. وقد ذهب هول المفاجأة بالوجع، وصار همّي كيفية الخروج من هذا المأزق، خصوصاً أنني اعزل، كما أنني لم أعد قادراً على الرجوع، فما كان علي سوى إكمال طريقي، وأنا اقول في نفسي: «صّم بكم..»
 
وبالفعل مشيت بهدوء حتى بلغت «النتعة» الأولى من الدرج، وقد ارتقيت الدرج درجة درجة، بكل هدوء، لكن عند بلوغي «النتعة» الثانية، فلا أبالغ ان قلت إنني ارتقيت الدرج وحتى العيادة في الطابق الثالث، بلمح البصر، اذ صعدت راكضاً. عندما بلغت باب العيادة، فتح لي الدكتور علم الدين، وقد كان يرتجف خوفاً، فلم يكن قد مضى على وصوله الى العيادة سوى دقائق قليلة، وقد شاهد الاسرائيليين فور مجيئه. وصار مشغول البال عليّ كيف سأخرج من هذا المأزق.
 
فور وصولي بادرني قائلا: كيف وصلت؟
 
قلت: لا تسألني ان وصلت او لم اصل، وليس المهم كيف وصلت، المهم أن تبدأ الشغل بأسناني لانني لم أعد أحتمل، فالاسرائيليون أهين من وجع الضرس، المهم أخذ الدكتور يشتغل، الى أن انتهى. وهنا راحت السكرة، وجاءت الفكرة. وبدأت اتساءل كيف السبيل الى الخروج من هنا؟ ثم اتفقت انا والدكتور علم الدين، بأن يترك العيادة ويخرج قبلي، فإن وصل الى مدخل البناية، ووجد الاسرائيليين هناك، فما عليه الا أن يتذرع بأي أمر لكي يعود الى العيادة من دون أن يثير شكوك الاسرائيليين، أما اذا كانوا ذاهبين، فعندها يكمل طريقه، على أن ألحق به، وأعود الى المكان الذي جئت منه.
 
وبالفعل نزل الدكتور علم الدين من العيادة، ولم يعد، فالإسرائيليون تركوا البناية، فيما بقيت انا بضع دقائق، قبل أن أخرج متسللاً، وأعود أدراجي.
 
القائد الرئيس نبيه بري في عاشوراء النبطية عام 1988
 
 
 
 
عظم الله أجورنا و أجوركم بمصابنا بأبي عبد الله الحسين. 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=38139
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28