• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نهاية امريكا بعيون شرقية ! .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

نهاية امريكا بعيون شرقية !

 

ايتها التي كانت بالامس عشيقتي , ما عدت بعد اليوم ملهمتي , ولن تعودي بعد الان سلوتي , فقدت فيك رغبتي , فأصبحت غريمتي , اني مغادر , مسافر , مهاجر , قد اعود قريبا , او قد تطول غيبتي , فان شئت فاحرسي خميلتي , او اسقي لي زهرتي , لم اعد ابالي فيك ولم اعد ابالي في بلدتي . 
اني راحل بحثا عن مجدي , كرامتي , هيبتي , بعد ان ذاب كل ذاك في شقوتي , وقد طالت غفلتي , هنتي , وبعد ان بانت علامات ضعفي واستكانتي , وتساقطت تحت قدميك كل معالم رجولتي .
اني راحل طالبا الخلد , لا كما فعل كلكامش , حينما طلب خلود الجسد , واغفل ان ليس للجسد من خلود , ولعله جهل او تناسي ان مصير كل الاشياء الى الفناء , ولا اخفي عليك , اني سوف استفاد من تجربته , وبالذات حين نام ولم يحرس عشبته , فالتهمتها حيته , لن اسمح لاي كائن كان ان يقترب من خاصتي , سوف لن انام , وان نمت فبعين واحدة , والاخرى مفتوحة , وسوف احرص على ان لا يطول سباتي , سأبقى يقظا , او نصف يقظ , وسوف اصر اصرارا عنيدا على الفوز بما اضمرته في مخيلتي . 
انشد خلود الروح , في عالم كثير الفتوح , يكاد يكون فيه كل شيء مسموح , يكون المرء فيه اما مهموما , مغموما , معذبا , نادما , ملوما , او مستريح , سليما معافى او جريح , عالم لا ظلم فيه ولا اجحاف , لا يصح فيه الا الصحيح , لا مجاملة ولا نفاق , لا زيغ ولا انحراف , لا كذب ولا بهتان , لا مقال فيه الا الصريح , فأعرض عليك هناك صحبتي ! .   
سوف استعين بأستاذ ماهر , ناصح , معين وامين , وان غاب فبأخر , حاذق , لبيب , وسوف احرص على ان اكون ذلك التلميذ المطيع , مفتوح الذهن , متقد العقل , نابه , نشيطا , وسوف ادون كل مجريات ساعتي ... لحظتي ! . 
قال لي الاستاذ : 
- كل العلوم تنتهي بعد ان تلتقي في نقطة واحدة , ابتدأت من نقطة , تفرعت وتعددت , وسوف تنتهي عند نفس نقطة البداية .       
شرد ذهني مبتعدا متأملا في كلامه , فانتبهت حينما استطرد قائلا : 
- لسنا وحدنا في هذا العالم , فهناك خلقا غيرنا , بعضه مرئي تدركه الحواس , وبعضه غير مرئي , لا يدرك .   
شرد ذهني مرة اخرى , لقد فاتني الكثير , ولم اصحو الا عندما سمعته يقول : 
- اما الملائكة فمخلوقات عاقلة , لا جسد لها ولا غريزة , واما الجن فمخلوقات لطيفة , هوائية , عاقلة ذات غريزة , ولا جسد , اما الانسان فمخلوق عاقل , يملك جسدا , ولديه غريزة . 
- وكأن الانسان حلقة وصل بين الملائكة والجن , كونه يمتلك ما يمتلكانه واكثر , حيث امتاز عنهما بالجسد ! . 
- نعم ... مع فرصة ان يسمو ويرتقي , فيكون اعلى واسمى من الملائكة , او ينحط فيتسافل الى ادنى من الجن في المراتب , بل وادنى من الحيوان ! . 
- كون الحيوان جسد وغريزة , ولا عقل , عند ذاك يكون مخلوقا بهيميا ! . 
- كلا ... اذا تسافل الانسان فتساوى مع المراتب الادنى لا يعني انه يساويها في المرتبة ... بل يعني انه ادنى وادنى منها ! .    
انتهى الدرس الاول , لم استفد منه بشكل كامل , بسبب شرودي , لكني لا اخفي عليك متعتي ولذتي , سأواصل درسي , واحكم ذهني , واتصفح وريقاتي , سأبذل قصارى جهدي , واتدارس معلوماتي . 
واظبت على الدروس حتى انهيتها , بتفوق , واخبرني الاستاذ ان اذهب الى التحصيل من استاذا اخر , مرحلة جديدة , فعزمت على السفر الى الاستاذ الجديد , البارع , الحصيف , لكن السفر اليه سيرا على الاقدام , لمدة ثلاثة ايام , شرح لي الاستاذ مخاطر الطريق , ورسم لي خريطة , ووهبني عوذة سحرية , تقيني شر الوحوش الكامنة في الغابات , فانطلقت حاملا عوذتي ! . 
سلكت الصحارى والوديان , عشت بعيدا عن الزمان , حيث لا جن ولا انسان , عوذتي تقيني شر الحيوان , اما الحشرات والهوام فاجتنبها قدر الامكان , طرق وعرة , ومسالك موحشة , ومطبات خطرة , لا تراني الوحوش بفضل العوذة السحرية , لكنها تشم رائحة خوفي , فتقترب مني مستطلعة , ما كان يجب ان اخاف فاكشف امري , بعد جهد جهيد , وتعب شديد , وصلت الى الغابات , ماذا احكي لكي عما فيها من الديدان ؟ , لو كنت معي لارتعبت , و ارتعدت لخوفك فرائصي ما يزيدني خيفة الى خيفتي ! . 
وصلت الى المكان المطلوب , كما هو مبين في الخريطة , هناك الكثير من الافخاخ يجب علي عبورها بسلام , توجب علي كشفها اولا , ثم الاحتيال عليها , او تجنبها , لاحظت وجود هياكل عظمية لابد وانها تعود لتلاميذ قد سبقوني , فشلوا في اجتياز الافخاخ , اقتربت من احدهم , تفحصت الشجر , فاكتشفت فخا عبارة عن سيوف قاطعة اخفيت باحكام فوق شجرة , ستنهال على كل من لم يعبر السلك المخفي تحت اوراق الشجر على الارض , لا اعرف ان كان هناك سلكا واحدا او اكثر , يتحتم علي القفز , قفزة طويلة قدر الامكان , فمعها تكون النجاة , تراجعت الى الوراء ثم اقبلت مندفعا بسرعة فائقة , وقفزت حوالي مترا او اكثر , فنجوت من الفخ , وحملت معي عصا , لاتحرى بها عن الفخ التالي , لحسن حظي انك لم تكوني معي , والا لكان في معيتك خيبتي ! .         
تجاوزت كل الافخاخ , ووصلت الى المحطة الاخيرة , بل الفخ الاخير , حيث البوابة الصخرية , هناك اسدان جائعان مقيدان بسلاسل , طول كل سلسلة تسعة امتار , يجب علي الدخول من البوابة , يجب ان احتال عليهما , اقتربت منهما , فانقضا علي , يزأران بغضب , يسيل اللعاب من فكيهما , فأوقفتهما السلاسل , حرصت على اغضابهما املا ان يقطعا السلاسل , او ان تلتف سلسلة احدهما على الاخر , شيئا من ذلك لم يحدث ! , تسلقت شجرة قريبة , وقذفت عليهما الحجر , ليستمر غضبهما وهيجانهما , فيتعبا الى درجة العجز , ليتسنى لي الدخول , حتى وان استغرق ذلك وقتا طويلا , لم يفلح هذا ايضا , لاحظت مجاميعا من القرود تنزو فوق الاشجار المجاورة , تتفرج عليهما , فادركت انها حيوانات ذكية تحب اللعب والمشاكسة , فرميت من ثمار الشجرة نحوهما , فقلدتني القرود في ذلك , وقامت برمي الثمار نحوهما ايضا , بينما استمر الاسدان بزئيرهما وهيجانهما , فقررت ان استغل هذا الحال , واتسلل من خلفهما وادخل البوابة , ليتك كنت حاضرة , فتشغلينهما بينما انسل انا بدوري الى الداخل , فتكونين بذا ... قردتي ! . 
حالما دخلت وجدت ان الاستاذ كان في انتظاري , رحب بي قبل ان اتفوه بكلمة واحدة , اجلسني في مكان خاص , وقال : 
- لقد اكملت دروسك النظرية بشكل ناجح ... وقطعت كل هذه المسافات بهمة عالية ونشاط بالغ ... وتمكنت من عبور كل الافخاخ بسلاسة ... اثبت بكل ذلك انك اهلا لتتلقى مني علوما عملية ! . 
شرع الدرس في حينه , ولم يمهلني لاخذ قسطا من الراحة , اصطحبني للتجوال في الغابات والتلال المجاورة , ارشدني الى اماكن الافخاخ , وعلمني كيفية صنعها وتجنبها وجدواها , وايضا علمني كيفية صنع الاسلحة واستخدامها , تدربت على كل ذلك , واعجب كثيرا بذكائي وشطارتي , وبعد ان امضيت وقتا طويلا معه , اخبرني انها نهاية مهمتي , فيتوجب علي الرحيل , قاصدا استاذا ثالثا , حكيما , فطنا , نابها , فاستصوبت قراري وحكمتي في ان اتركك هناك ولا اصطحبك , فلو كنت معي لكنت عبئا ثقيلا يزيدني مشقة الى مشقتي ! .  
سأسافر عن طريق البحر هذه المرة , فصنعت قاربا , وجلبت كل ما يلزمني , وزودني الاستاذ بالبوصلة , فانطلقت بالقارب مودعا الاستاذ الذي لا يزال يقف على الشاطئ يشيعني بأنظاره , دفعتني الامواج بعيدا , لتبدأ رحلة جديدة , طويلة لا تخلو من المخاطر , مخاطر فوق الماء , عواصف , رياح , امواج عاتية وغير ذلك , واخطار كامنة تحت الماء , وحوشا كاسرة جائعة , كما اني لا اجيد العوم , فلم يكن ذا مستحضرا في فطرتي ! .  
ظهرت امامي جزيرة , لابد انها المكان المطلوب , ارتطم قاربي بعدة صخور بارزة , فتحطم وكدت اغرق , الا ان الامواج قذفتني على اليابسة , كأني شيئا غير مرغوب فيه , نهضت بعد عناء , لانظر هنا وهناك , لم اعثر على ضالتي , فقررت البحث عن كوخ الاستاذ الثالث , لابد ان يكون في مكان ما , لم اعثر عليه , لكني عثرت على اثار اقدم , تبعتها , فارشدتني الى رجل عجوز , صبغ شعره بالبياض الناصع , داكن البشرة , رسمت التجاعيد على وجهه خريطة عمره الطويل , كأنه الشيطان , لو رايتيه لحسبتيه قادما من كوكب اخر , بدأت افقد شهيتي ! .     
جلست قبالته , وناولته رسالة من الاستاذ السابق , تفحصها بتمعن ثم قرأ كل ما كتب فيها , حالما فرغ منها حدق في عيوني وقال : 
- لقد انهيت العلوم النظرية والعملية بأمتياز ... اما الان فسوف تتلقى علوما غير كل العلوم ... سمها كما شئت ... عقلية ... لا مادية ... روحية ! .
- خفايا واسرار التكوين الجسماني للانسان ! . 
- لك ان تسميها ما تشاء ! .     
بدأ الدرس , حيث الجلوس تحت مياه الشلال الباردة لساعات طويلة , والتأمل في الطبيعة , قلة تناول الطعام والشراب , لم احتمل كل ذلك , لقد اكلت وشربت خلسة , لكنه كشفني , لا اعرف كيف ! , فعاقبني بشدة , حتى اعتدت على الامر بمرور الوقت , وبدأت احسن صنعا وانال اعجابه , لكن هزل جسمي , وتغيرت حالتي , مع كل ذاك , اشعر اني قد تخلصت من اشياء ثقيلة , كانت تقيدني , وتكسر ظهري , اشعر اني خفيف , فيا لروعة خفتي ! . 
ذات يوم اخبرني اني قد اجتزت كل الدروس بنجاح , ويجب علي الذهاب الى الاستاذ الاخير في هذه الرحلة , المعلم الاكبر , كما يسميه , لكن طريق الوصول اليه لا برا ولا بحرا , بل طيرانا في الهواء , من غير طائرة , بل يجب ان اطير , فقد تعلمت الطيران في الهواء , وستطوى الارض من تحت اقدامي , سوف احلق مع الطيور واتسابق مع النسور , حتى وصولي الى ذلك الجبل العملاق , حيث مقر المعلم الاكبر , لا يمكن ان اشرح لك فرحي ومسرتي ! . 
بعد يوما كاملا امضيته في التحليق بسرعة البرق او ربما اسرع , هبطت عند تلك المغارة الكبيرة , في جبل ما , في مكان موحش , مقفر , يبدو ان لا حياة هنا , استرقت النظر في كل الاتجاهات , ولم انظر الى داخل المغارة , حتى فاجئني صوت بشري من الداخل يدعوني الى الدخول , استيقظت مما كنت فيه , ولا اخفي عليك ما يختلج في صدري , استجمعت قواي , والتفت نحو المغارة المظلمة ودخلت , حال دخولي انقشع الظلام وبدده نور ساطع , فاذا انا بشيخ طاعن في السن , تدلت لحيته على صدره , ونزل شعر رأسه الابيض كالشلالات على كتفيه , بدا كأنه لا يستطيع الحراك , الا انه كان في تمام الصحة والعافية , ربما اقوى مني وقد تعدل قوته قوة اربعون رجلا , اشار الي بالجلوس في مكان ما , فجلست بعد ان ناولته رسالة من الاستاذ الثالث , رمقها بنظره سريعة , فعلم محتواها من غير ان يفتحها , ثم وضعها جانبا , لم ينبس ببنت شفه طوال الوقت , حتى انه لم يرحب بي , ولم اشأ ان ابادره الكلام , بدأت اشعر بالضجر , خصوصا بعد سفر شاق , الغريب اني لم اشعر بالنعاس كما ينبغي , فقد مرّ وقت طويل ولم انم , بالرغم من كل ذلك لا يزال ثابتا اندفاعي وحماستي ! .
مرت ساعات طويلة على هذا الحال , حتى ادركت انه كان يتكلم , كلاما صامتا , بدأت استشعر بذبذبات صوته والتقطتها اذناي , كانت لطيفة , خفيفة , عذبة , استشعرت حلاوتها في حلقي , وداعبت لطافتها جسدي , خفتها تسري في حواسي , فتخيلت انه قطعة كبيرة من الحلوى , اما ان اسرع الى التهامها او انتظر حتى تمتلأ عيناي من النظر اليها , خامرت عقلي وروحي , فغرقت بين ذي وذا في سكري ونشوتي ! .      
فقدت الاحساس في كل ما حولي , بل حتى في نفسي , فقدت الشعور في الوقت , فلم اعرف كم طالت معه جلستي , بينما هو مستمرا بالكلام بشكل ثابت , يبدو ان كلامه لا ينتهي , وفجأة , انقطعت الذبذبات واختفى المعلم , واختفى معه النور , وحلّ الظلام , فسقطت على الارض واستغرقت في نوم عميق , لم اشأ ان تكوني بقربي فتفسدي كعادتك غفوتي ! . 
استيقظت اخيرا على اصوات الغربان عند مدخل المغارة , لا اعرف كم لبثت , لكني كنت مليئا بالنشاط والحيوية , خرجت لاستطلع الامور في الخارج , كان الجو غائما , غيوما حالكة السواد , حدقت في الجبال المجاورة , فلاحظت انها اتسمت بالسواد , كل شيء اسود حتى الشجر , ماذا جرى ؟ ! , او ماذا يجري ؟ ! , لا يمكنني النزول الى الوادي , ولا يمكنني البقاء , حاولت الطيران كما في المرة السابقة , فلم افلح , لابد وان مكروها قد حدث ! , في تلك اللحظة بالذات تمنيت ان اكون قربك , فآنس وحشتك وتؤنسي وحشتي ! . 
عاد المعلم منزعجا , قلقا , ضجرا , اخذ يتجول امام كرسيه ذهابا وايابا , فعلمت ان خطبا ما قد حدث , لم يتكلم كعادته لكني استلمت ذبذبات صوته يقول : 
- سيقضي عليها العقرب ! . 
في البداية سخرت من الامر , فكتمت ضحكتي , لكني فكرت وتأملت , فاكتشفت الخطر , نعم انه العقرب سيقضي علينا ! , فكرت بك فاسرعت الى خارج المغارة , حلقت في الهواء مسرعا نحو الشاطئ , هبطت هناك , تناولت ورقة وقلما وكتبت لك ان اهربي فورا , طويت الورقة ووضعتها في القارورة , ثم رميتها في البحر , املا ان تصلك بسرعة قارورتي ! .  
 
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=39588
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 11 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18