14- انت حسيني ... فأنت موجود !
( انا افكر , فأنا موجود ) , قالها احدهم , واعجب بها اخرون , فأطلقوا العنان لافكارهم وخيالاتهم , واصروا على اثباتها بكل ما أوتوا من قوة , فطرحت النظريات والاراء , التي يحتمل انها لم ترد في ذهن صاحبها اصلا ! .
( انا افكر , فأنا موجود ) , قد تكون حقيقة , لكنها ليست كلها , بل هي جزءا منها , انا افكر , فأنا موجود , اثبت وجودي , لكني اغفلت حقيقتين , لابد لوجودي من واجد وحكمة , والا تكون الحقيقة ناقصة ! .
عندما افكر , اكون موجودا حقيقيا , لكن الحيوانات ايضا تفكر , مثلي تماما , وان كانت بنسب اقل , الا انها تفكر على كل حال , فأن اكتفيت بذلك , اكون كالحيوانات , لا فرق بيني وبينها البته , طالما واني قد اثبت وجودي الحقيقي بالتفكير , فلابد لي لوجودي من :
1- واجد حق , موجد لوجودي .
2- الحكمة من وجودي , فلابد لي ان افكر بالحكمة في وجودي في هذا الكون الرحب .
بذلك اسموا في تفكيري , طف كربلاء شهد نوعين من الوجود :
1- وجود عدمي حيواني ( سبعي , بهيمي ) : تمثل في معسكر ابن سعد , جميعهم كانوا يفكرون , فجميعهم موجودون , لكن تفكيرهم ناشئ ونابع من نقص , فقد طلبوا في موقفهم ذاك ما ظنوا فيه الخير , الجاه والمال , الزعامة والسيادة , السطوة والنفوذ , الشهرة وزخرف الحياة الدنيا , جعلوها اهدافا لوجودهم , غاية آمالهم , وكأن فيها تحقق المآرب , ونوال المطالب , فماتوا كما تموت الحيوانات السبعية والبهيمية .
2- وجود انساني تكاملي : تمثل في معسكر الحسين (ع) , في كثير من النواحي , لعل ابرزها لا على سبيل الحصر :
أ) الاهداف النبيلة : الاهداف والغايات النبيلة , هي اسمى وارقى معاني ومتطلبات الوجود .
ب) ايمان الحسين (ع) بالواجد الحق ( تركت الخلق طرا في هواك ) , مدركا بحكمة وجوده ( وأيتمت العيال كي اراك ) , فتحقق الوجود , ومعرفة الواجد والحكمة .
ت) التحق بالحسين (ع) نوعين من الوجود في كربلاء :
ت- 1- وجود صحابة : هؤلاء أحبوا الحسين (ع) , فأطاعوه , بعد ان عرفوه حق معرفته , وادركوا قدره ومكانته , ثم ربطوا مصيرهم بمصيره (ع) , ووجودهم بوجوده , فاراقوا دمائهم دونه , امامه وبين يديه , ليثبتوا ذلك , فبرهنوا عليه بما لم ولن يتكرر ! .
المعلوم , ان اصحاب الحسين (ع) اول من استشهد في ذلك اللقاء المصيري , لقاء الموجود بالعدم , حب الحسين (ع) وطاعته لا تكفي لاثبات شيء , بل ينبغي للاصحاب ان يثبتوا وجودهم بطريقين :
ت-1-1) الوجود بالموجود : اثبت الاصحاب وجودهم بوجود الحسين (ع) , طاعة وعملا , قولا وفعلا , ايمانا وتصديقا ... الخ , حتى انصهر وجودهم في وجوده (ع) اماما وقائدا , وبعبارة اخرى , ان الموجود موجد لغيره , أي ان وجود الحسين (ع) كان موجدا لاصحابه (رض) , وموجدا لانصاره في مستقبل الايام والعصور.
ت-1-2) الوجود في العدم : او بالعدم , ينبغي للموجود ان يبحث عن مكان يثبت فيه وجوده , كمصباح في ظلمة , والا لو كان المصباح بين مصابيح , لاضمحل وجوده , وخفت نوره , وقلت فائدته , فتوجهوا نحو العدم , المتمثل بالجيش المعادي .
والا لو استشهد الاصحاب بعد استشهاده (ع) , لما كان لدمائهم تلك القيمة , ولما نالوا تلك المنزلة .
ت- 2- وجود قرابة : هم كل من يمت للحسين (ع) بصلة نسب وقرابة , كانوا جميعا على معرفة تامة به (ع) , لا لقرابتهم منه , بل مدركين منزلته , عارفين بحقه (ع) , تقدموا لساحات المعارك , واحدا تلو الاخر , فمزجوا دمائهم بدماء الاصحاب , ليثبتوا وجودهم ايضا , باخلاصهم وتفانيهم من اجل قضيته (ع) , فسقوا اديم الارض بتلك الدماء الطاهرة .
ث) اثبات الوجود لا ينحصر في الموت واراقه الدماء فقط , بل بحمل الراية ايضا , علما ومفهوما , قولا وفعلا , وعيا وادراكا , نظريا وتطبيقا , اعلاما وتثقيفا , فيأتي هنا دور الامام زين العابدين وزينب (ع) , فكانا الافضل في ذلك , والاقدر على تحمل المسؤولية , بكافة أعباءها ومزاياها ! .
ج) ( الا من ناصر ينصرنا ... الا من ذاب يذب عن حرم رسول الله ) , كلمات صدرت من الحسين (ع) قبيل استشهاده , لها مضامين كثيرة , نختار منها :
ج-1- اثبات حجية الموجود ( وجوده "ع") مقابل الوجود العدمي الحيواني ( السبعي , البهيمي ) الذ كان ممثلا بالجيش المعادي .
ج-2- فرصة اخيرة , لمن اراد ان يتخلص ويتحرر من ظلمات العدم .
ج-3- ان يكون وجوده (ع) مثبتا لوجود الاجيال القادمة , ولا يقتصر على اصحابه (رض) , فمن يتخلق بأخلاقه (ع) , قولا وفعلا , طاعة وعملا , ايمانا واستدراكا بمضامين واسباب نهضته (ع) , ملبيا النداء , بفهم واستيعاب , يكون عندها حسينيا , فهو موجود ! .
يستخلص مما تقدم , انت حسيني ( بكل مضامين نهضته (ع) المقدسة ) ... فأنت موجود !. |