تأملات في النهضة الحسينية ح 7
حيدر الحد راوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حيدر الحد راوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
14- انت حسيني ... فأنت موجود !
( انا افكر , فأنا موجود ) , قالها احدهم , واعجب بها اخرون , فأطلقوا العنان لافكارهم وخيالاتهم , واصروا على اثباتها بكل ما أوتوا من قوة , فطرحت النظريات والاراء , التي يحتمل انها لم ترد في ذهن صاحبها اصلا ! .
( انا افكر , فأنا موجود ) , قد تكون حقيقة , لكنها ليست كلها , بل هي جزءا منها , انا افكر , فأنا موجود , اثبت وجودي , لكني اغفلت حقيقتين , لابد لوجودي من واجد وحكمة , والا تكون الحقيقة ناقصة ! .
عندما افكر , اكون موجودا حقيقيا , لكن الحيوانات ايضا تفكر , مثلي تماما , وان كانت بنسب اقل , الا انها تفكر على كل حال , فأن اكتفيت بذلك , اكون كالحيوانات , لا فرق بيني وبينها البته , طالما واني قد اثبت وجودي الحقيقي بالتفكير , فلابد لي لوجودي من :
1- واجد حق , موجد لوجودي .
2- الحكمة من وجودي , فلابد لي ان افكر بالحكمة في وجودي في هذا الكون الرحب .
بذلك اسموا في تفكيري , طف كربلاء شهد نوعين من الوجود :
1- وجود عدمي حيواني ( سبعي , بهيمي ) : تمثل في معسكر ابن سعد , جميعهم كانوا يفكرون , فجميعهم موجودون , لكن تفكيرهم ناشئ ونابع من نقص , فقد طلبوا في موقفهم ذاك ما ظنوا فيه الخير , الجاه والمال , الزعامة والسيادة , السطوة والنفوذ , الشهرة وزخرف الحياة الدنيا , جعلوها اهدافا لوجودهم , غاية آمالهم , وكأن فيها تحقق المآرب , ونوال المطالب , فماتوا كما تموت الحيوانات السبعية والبهيمية .
2- وجود انساني تكاملي : تمثل في معسكر الحسين (ع) , في كثير من النواحي , لعل ابرزها لا على سبيل الحصر :
أ) الاهداف النبيلة : الاهداف والغايات النبيلة , هي اسمى وارقى معاني ومتطلبات الوجود .
ب) ايمان الحسين (ع) بالواجد الحق ( تركت الخلق طرا في هواك ) , مدركا بحكمة وجوده ( وأيتمت العيال كي اراك ) , فتحقق الوجود , ومعرفة الواجد والحكمة .
ت) التحق بالحسين (ع) نوعين من الوجود في كربلاء :
ت- 1- وجود صحابة : هؤلاء أحبوا الحسين (ع) , فأطاعوه , بعد ان عرفوه حق معرفته , وادركوا قدره ومكانته , ثم ربطوا مصيرهم بمصيره (ع) , ووجودهم بوجوده , فاراقوا دمائهم دونه , امامه وبين يديه , ليثبتوا ذلك , فبرهنوا عليه بما لم ولن يتكرر ! .
المعلوم , ان اصحاب الحسين (ع) اول من استشهد في ذلك اللقاء المصيري , لقاء الموجود بالعدم , حب الحسين (ع) وطاعته لا تكفي لاثبات شيء , بل ينبغي للاصحاب ان يثبتوا وجودهم بطريقين :
ت-1-1) الوجود بالموجود : اثبت الاصحاب وجودهم بوجود الحسين (ع) , طاعة وعملا , قولا وفعلا , ايمانا وتصديقا ... الخ , حتى انصهر وجودهم في وجوده (ع) اماما وقائدا , وبعبارة اخرى , ان الموجود موجد لغيره , أي ان وجود الحسين (ع) كان موجدا لاصحابه (رض) , وموجدا لانصاره في مستقبل الايام والعصور.
ت-1-2) الوجود في العدم : او بالعدم , ينبغي للموجود ان يبحث عن مكان يثبت فيه وجوده , كمصباح في ظلمة , والا لو كان المصباح بين مصابيح , لاضمحل وجوده , وخفت نوره , وقلت فائدته , فتوجهوا نحو العدم , المتمثل بالجيش المعادي .
والا لو استشهد الاصحاب بعد استشهاده (ع) , لما كان لدمائهم تلك القيمة , ولما نالوا تلك المنزلة .
ت- 2- وجود قرابة : هم كل من يمت للحسين (ع) بصلة نسب وقرابة , كانوا جميعا على معرفة تامة به (ع) , لا لقرابتهم منه , بل مدركين منزلته , عارفين بحقه (ع) , تقدموا لساحات المعارك , واحدا تلو الاخر , فمزجوا دمائهم بدماء الاصحاب , ليثبتوا وجودهم ايضا , باخلاصهم وتفانيهم من اجل قضيته (ع) , فسقوا اديم الارض بتلك الدماء الطاهرة .
ث) اثبات الوجود لا ينحصر في الموت واراقه الدماء فقط , بل بحمل الراية ايضا , علما ومفهوما , قولا وفعلا , وعيا وادراكا , نظريا وتطبيقا , اعلاما وتثقيفا , فيأتي هنا دور الامام زين العابدين وزينب (ع) , فكانا الافضل في ذلك , والاقدر على تحمل المسؤولية , بكافة أعباءها ومزاياها ! .
ج) ( الا من ناصر ينصرنا ... الا من ذاب يذب عن حرم رسول الله ) , كلمات صدرت من الحسين (ع) قبيل استشهاده , لها مضامين كثيرة , نختار منها :
ج-1- اثبات حجية الموجود ( وجوده "ع") مقابل الوجود العدمي الحيواني ( السبعي , البهيمي ) الذ كان ممثلا بالجيش المعادي .
ج-2- فرصة اخيرة , لمن اراد ان يتخلص ويتحرر من ظلمات العدم .
ج-3- ان يكون وجوده (ع) مثبتا لوجود الاجيال القادمة , ولا يقتصر على اصحابه (رض) , فمن يتخلق بأخلاقه (ع) , قولا وفعلا , طاعة وعملا , ايمانا واستدراكا بمضامين واسباب نهضته (ع) , ملبيا النداء , بفهم واستيعاب , يكون عندها حسينيا , فهو موجود ! .
يستخلص مما تقدم , انت حسيني ( بكل مضامين نهضته (ع) المقدسة ) ... فأنت موجود !.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat