بمناسبة قرار الحكومة المصرية حل حزب ( الاخوان المسلمون ) ، تبادر ألينا هذا السؤال ( هل تؤيد حل الأحزاب السياسية الدينية ؟ ) .
يبدوغريبا نوعما هذا السؤال ، لكني أراه متداولا هذه الأيام ، وأخذ يتكرر في أحاديث شخصيات سياسية أو سياسية دينية ، ويذكرأيضا في أحاديث بعض رجال الدين ، الحديث عن الأحزاب الدينية ، يشمل جميع الأحزاب والتيارات والحركات والتجمعات السياسية الدينية تحت أي مسمى كانت ، والمشترك بينها جميعا ، أنها تحمل فكرا دينيا سياسيا على أمتداد البلدان الأسلامية .
أستطيع أن أصنف الأحزاب والحركات الأسلامية السياسية المتواجدة في الساحة الأسلامية اليوم الى ثلاثة أصناف ، الصنف الأول والثاني متقاربان في الفكر والاهداف ، مع أختلاف في آلية العمل ، وكلاهما سلفيان ولدا من رحم المذهب الوهابي ، الصنف الاول من الاحزاب يؤمن بالعنف الفكري ، والعنف المسلح طريقا لتحقيق الأهداف ، ويمثلها منظمة القاعدة وما تفرع منها من منظمات وحركات تؤمن بالتكفير ، وقتل الآخر المختلف ، وأصدار الفتاوى الغريبة حسب الطلب والحاجة وأنطلقت هذه الأحزاب أو المنظمات بدعم سعودي خليجي أمريكي الى العمل السياسي الأسلامي (الجهادي) منذ بداية الغزو السوفيتي السابق لأفغانستان ، الذي كان يضم روسيا بشكل رئيس ومعها دول أخرى ، عندما كان الأتحاد السوفيتي قطبا منافسا لأمريكا ، الى أن تجزأ الى دول عدة في عهد الرئيس غورباتشوف ، فأنتقلت قوة الأتحاد السوفيتي بعد التجزئة الى روسيا اليوم ، وقد أستفادت أمريكا من تجزئة الأتحاد السوفيتي ، أذ أصبحت القطب الوحيد في العالم ، ترسم سياسات المنطقة مع حلفائها بالشكل الذي يخدم مصالحها ومصلحة أسرائيل ، من غير رادع أو خوف ومن دون أن تخشى منافسة روسيا التي تقابلها في القوة والسلاح النووي .
بقيت الحال هكذا الى أن أستعادة روسيا دورها كمنافس لأمريكا أيام رئاسة بوتين الثانية ، وقد برزت روسيا كقوة منافسة أثناء الهجمة الأرهابية على سوريا ، أذ وقفت نداً قويا بوجه أمريكا وحلفائها الذين أرادوا تصفية النظام السياسي في سوريا لمصلحتهم ومصلحة أسرائيل من خلال الارهاب المدعوم من أمريكا ومحورها خاصة دول الخليج ، وأرادوها خطوة أولى بأتجاه التقدم نحو أيران وحزب الله في لبنان ، وقد كان لروسيا الدور الكبير في أحباط هذا المشروع الأمريكي الصهيوني وبعودة روسيا قطبا ثانيا مصلحة كبيرة لروسيا وشعوب العالم ، سيما وقد تسلل الأرهاب الى روسيا والدول الحليفة لها ، وروسيا تعرف قبل غيرها ، أن هذا الأرهاب هو من صنع الفكر الوهابي في السعودية .
هذا الصنف من الأحزاب والحركات الأسلامية الذي يحمل فكرا سلفيا متطرفا ويؤمن بالعنف والقتل طريقا لتحقيق الغايات والوصول الى السلطة ، غير معني بالسؤال المطروح ، فجميع الشعوب الاسلامية وغيرالأسلامية ، تتمنى زوال ونهاية لهذه الاحزاب والمنظمات السلفية المتطرفة ، بل تتمنى موتها والقضاء عليها ، وليس حلها فحسب ، لأنها تعيش في زمن غير زمنها .
اما الصنف الثاني من الأحزاب التي هي نتاج العقلية الوهابية المتحجرة أيضا ، تؤمن بتطبيق الاسلام كخارطة مصممة من قبل السلف ، وتأتي هي بهذه الخارطة أو التصميم لتطبقه على المجتمع من غير مراعاة لعامل الزمان والمكان ، ومن غير مراعاة لسلم التطور في الفكر والعلم ، الذي يصاحبه تغيير في البنى الأقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرذلك من المظاهر، هذا الصنف من الأحزاب يكون أنحصاريا كالصنف الأول ، لا يعترف بالآخر، يصادر الحريات والرأي الآخر ولايقر بالتنوع ، كذلك لا يتقبل الجديد في العلم والفكر والثقافة والمدنية ويرفض كل ما تجود به الحداثة ، رغم أن هذا الجديد لا يتقاطع مع القيم الأسلامية الأصيلة التي تريد بناء الأنسان السليم في الفكر والسلوك ، يتصف هؤلاء بالجمود الفكري والحياتي ، وقد أطلعت قبل أيام على خبر من باكستان ، يفيد أن بعض السلفيين في باكستان يرفضون تلقيح الأطفال بلقاح شلل الاطفال لأن هذا اللقاح حرام ، لأنه مصنوع في الدول الكافرة ، مما سبّب أصابة الكثير من الأطفال بالعوق .
تختلف هذه الاحزاب عن الصنف الاول ، أنهم لا يؤمنون بالعنف كوسيلة لتحقيق الغايات ، لكنهم ينسبون التكفير الى الاخرين ايضا ، ومثل هذه الأحزاب أو الحركات أذا تهيأ لها ووصلت الى السلطة بالطريق الديمقراطي ، ستبذل جهدها من أجل صبغ المجتمع بصبغتها ، فتغير القوانين أو الدستور حسب رؤاها وليس حسب المطالب الشعبية ، خطر هؤلاء على المجتع ليس يسيرا وهينا ، فهم بمجرد وصولهم الى السلطة ، يحاولون قولبة القوانين والمجتمع لصالحهم ، حتى لا تخرج السلطة من أيديهم ، واذا تيسر لهم أنهاء العملية الديمقراطية فسينهونها ، أو يحولونها الى عملية شكلية توصلهم الى السلطة في جميع الأحوال ، ومن هذه الاحزاب حزب العدالة والتنمية التركي ، وحزب الاخوان في مصر، وهناك أحزاب أخرى .
ولا نستبعد لجوء هذا الصنف من الأحزاب الى العنف ، أذا حدث صراع حول النفوذ وهذا ما شاهدناه عمليا في سلوك وتصرفات حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في قمعه للمتظاهرين ، وشاهدناه في مصر عندما سيطر الأخوان على السلطة ، ثم أبعدهم الشعب والجيش المصري عنها ، لأنهم بدأوا يرتّبون الحياة والقوانين حسب رؤاهم المتخلفة ، فكان ردّ فعلهم لهذا الأستبعاد من السلطة ، أستخدام العنف والقتل العشوائي للجيش وأبناء الشعب المصري ، وهذا الصراع موجود ايضا بين هذه المنظمات التكفيرية في ليبيا وتونس واليمن وسوريا ، بل أنّ الصراع في سوريا تحول الى صراع مسلح كبير يُقتل فيه العشرات من الطرفين من أجل فرض النفوذ ، ويلقى هذا الصراع تشجيعا ودعما من السعودية وقطر وتركيا ودول أخرى ، وكل منها يدعم هذا الطرف أو ذاك .
هذا اللون من الاحزاب والمنظمات الدينية السلفية المتطرفة المنتسبة الى الاسلام بصنفيها الاول والثاني لاتعترف بالاخر ، ولا بفهمه للقران والاسلام ، أذ يعتبرون المسلم المختلف عنهم كافرا أو ضالا أو مرتدا ، ومن هذا المنطلق بدأت الاحزاب والحركات السلفية من الصنفين ( جهادها ) ضد المسلمين الآخرين ! فأباحت قتلهم وسلب أموالهم وأنتهاك أعراضهم ، وقد سمعنا بالاعتداء المتبادل على العرض في الصراع بين داعش والمنظمات السلفية الاخرى في الساحة السورية ! هذا ما يجري بينهم من أجل النفوذ ، أذن كيف سيتصرفون أزاء المسلمين ألآخرين أذا تسلطوا عليهم ؟ بل ماذا يحدث لو تسلط هؤلاء المتوحشون على العالم ؟ أنهم يتصرفون بضمير ميت وعقل متحجر!
هذه المعطيات والمؤشرات توحي أنْ لا فرق كبير بين الصنفين ، أذ ستلجأ أحزاب الصنف الثاني بكل سهولة الى العنف أذا تهددت مصالحها ، أو حدث صراع نفوذ وهذا ما نشاهده على أرض الواقع .
وهناك الصنف الثالث من الأحزاب الأسلامية البعيدة عن التطرف أو التكفير أو العنف ، تمارس نشاطها السياسي بشكل طبيعي ، من غير أن تتجاوز على الاخرين في آرائهم أوحرياتهم أو خياراتهم العقائدية ، وتؤمن بالقيم الأسلامية الأصيلة وتحترم الانسان بغض النظر عن دينه ومعتقده وطائفته .
أنطلقت هذه الأحزاب السياسية الأسلامية المعتدلة في العمل كرد فعل على سياسات الحكّام الظالمين الذين حكموا شعوبهم حكما دكتاتوريا ، ويتعاملون مع شعوبهم بالسيف والدينار، ومن هذه الأحزاب ، نذكر حزب الدعوة الأسلامية الذي أنطلق في عمله الجهادي بقيادة السيد الشهيد محمد باقر الصدر( رض ) ضد ظلم نظام البعث المقبور، بعد أن شعر السيد الشهيد ومن معه من العلماء والقادة ، أن حزب البعث المقبور يسير في خط تشويه صورة الاسلام الحقيقية ، ومحاولة قادة حزب البعث رسم صورة للاسلام شبيهة بصورة الاسلام الأموي ، لذا نرى الحزب في فترة العمل السلبي ، أهتم ببناء شخصية الفرد المسلم بناء صحيحا وسيلما وفق الرؤى الأسلامية الأصيلة ، ولم يركز على أستلام السلطة كهدف ، بل سعى لتغييرالفرد فكريا وسلوكيا من أجل التغيير في المجتمع ، وهذا نابع من قناعة الحزب ، أن الوعي السليم أذا ساد في المجتمع سيقود الى التغيير في السلطة قال تعالى :
(( أنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) اية 11، الرعد .
بدأت الأحزاب والحركات الأسلامية المعتدلة نشاطها السياسي من واقع البلدان الأسلامية التي يحكمها حكام ظالمون ، الذين يحكمون شعوبهم بالقوة ، أذ لا حرية ولا رأي حر للشعوب ، فالحاكم الدكتاتوري الظالم يجبر شعبه على الطاعة والخضوع ، علما أن الحكم في بعض البلدان العربية ، وجميع أمارات ودول الخليج وراثيا ، وفي أجواء الظلم والحكم الدكتاتوري هذه ، ولدت الاحزاب الدينية السياسية المعتدلة ، ولدت من رحم الجماهير ، للتعبير عن رفضها للظلم والدكتاتورية ، لأدانة وتسقيط هؤلاء الحكام الذين صادروا أرادة وحرية وكرامة شعوبهم ، فأتخذت هذه الاحزاب المعتدلة سبيل النضال الفكري ضد هذه الحكومات الظالمة .
لو أستعرضنا تأريخ هذه الأحزاب السياسية ، لوجدنا أنها مرت بمرحلتين ، مرحلة العمل السلبي ، ومرحلة العمل الأيجابي ، والعمل السلبي هي فترة النضال ضد الحاكم الظالم ، وقد تكون سرية كما حصل لحزب الدعوة الاسلامية أيام حكم البعث الدموي ، بعض هذه الأحزاب لا تملك فترة نضال سلبي ، لأنها تشكلت بعلم الحاكم ووفق أهداف ومصالح معلومة الى اعضاء الحزب والحاكم ، أما بالنسبة لحزب الدعوة الأسلامية والأحزاب المثيلة له ، فأن الظروف التي أحاطت بالعراق ، وأدت الى أسقاط نظام البعث ، أنهت مرحلة النضال السلبي لهذه الأحزاب ، ودفعت بها الى العمل السياسي العلني ، عندها بدأت مرحلة الأيجابيات والسلبيات لعمل الأحزاب الدينية ، وللأسف بعض سلبيات عمل هذه الاحزاب أساءت الى الاسلام وسمعته ، من خلال تصرف بعض رموز وأعضاء هذه الأحزاب والمنظمات والتيارات ، أذ ولّد الأداء السلبي للبعض ، الأحباط في نفوس الجماهير ، وتمنت الجماهير لو لم تنتسب هذه الاحزاب الى الدين لأنها أساءت الى سمعته .
النظام الدموي الدكتاتوري لحزب البعث أجبر جميع الحركيين الاسلاميين للعمل في الخفاء ، وهي ما نسميها بمرحلة العمل السري ، وفي بعض البلدان الأسلامية مرّت هذه الأحزاب بهذه المرحلة أيضا ، لكن بعد أحداث ما سمي ( الربيع العربي ) خرجت الى العمل العلني جميع الاحزاب الدينية وغير الدينية ، وقد استلمت الاحزاب الدينية الحكم في جميع البلدان التي مرّت بأحداث ( الربيع العربي ) ، وكأن هذا الربيع قد فصلت أحداثه لصالح هذه الاحزاب ، وجميع هذه الأحزاب الدينية مدعومة من محور الشر في المنطقة ( السعودية وقطر وتركيا ) ، ومن خلفها أمريكا واسرائيل ، لكن السعودية التي تعتبر نفسها رائدة الأسلام السلفي في المنطقة ، لا تقبل أن تنافسها أي دولة من الدول الأخرى في بسط النفوذ على هذه الأحزاب والحركات الدينية ، أرى أن جميع هذه الأحزاب الدينية المدعومة من دول محور الشر ، تؤمن بالتكفير والتطرف ، وتستخدم العنف وسيلة لتحقيق غاياتها وأهدافها وتلجأ الى القتل في الصراع مع الأخرين ، حتى فيما بينها من أجل بسط النفوذ ، وهذا ما يحصل الآن في سوريا ومصر وليبيا واليمن وتونس .