• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الجهاز الثقافي والإعلامي متخلف لأنه يمنع الدعوة للاضطلاع بالإسلام .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

الجهاز الثقافي والإعلامي متخلف لأنه يمنع الدعوة للاضطلاع بالإسلام

الجهاز الثقافي الرسمي وشبه الرسمي، بإعلامه الذي يسيطر على الثقافي، و بمعظم الأدبيات والفنون التي يصنعها و يروّج لها، تدعو للآخر، الغربي "المتقدم" و"المتطور" و"السبّاق". بينما لا يسمح هذا الجهاز الماكر بالدعوة للاضطلاع بالإسلام. فهو إذن جهاز ثقافي متخلف بل عميل.
ويبرز تخلفه وتظهر عمالته في أنه يخدم الآخر ويدعو لقيمه (حقوق الإنسان وحقوق المرأة والديمقراطية، بالأساس) بطريقة تجعلنا نستشعر لكأنّنا لم نتلاقح مع هذا الآخر بعدُ، ولكأننا لم نصبح بعدُ متماهين، بقوة الواقع وبحُكم التلاقح ، مع هذا الآخر.
وأخطر دليل على تخلف الثقافة المحلية والعربية الإسلامية، في شكلها الحالي، وعمالتها بإيعاز وبتدبير من الجهاز المروّج لها، ما يجري هذه الأسابيع في تونس من سجال عقيم حول مشكلات مفتعلة مثل الإسلام واللائيكية ومثل الإسلام والسياسة. وقد أعطت هذه البذور الشيطانية أكلها في الأيام الأخيرة، حيث اشتكت أطراف فنية عديدة من ظاهرة "التزمت الديني" الذي وصل بأصحابه إلى التهجم عليهم لغاية منعهم من التظاهر الثقافي والترفيهي.
مَن المسئول عن هذه الفوضى؟ المتزمتون الدينيون وحدهم؟ المثقفون أصحاب العروض المبطلة؟ الحكومة؟ المدرسة؟ الإعلام؟ أعتقد أنّ الإجابة تستدعي إنجاز أطروحة دكتوراه. لكنّ التونسي، المعروف لدى الأشقاء والأصدقاء، بفكره العملي يمكنه بعدُ تعرية حقيقة عامة لكي يترك المجال لغيره بأن يخوض في الجزئيات. والحقيقة العامة أنّ الحرية التي اكتسبها التونسيون بواسطة ثورتهم على النظام الغاشم، أنستهم مسؤولية جسيمة: قبول الآخر (الأهلي)، المتزمت المتحجر وحتى الإرهابي، كطرف من الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية العامة.
لو لم ينسَ المجتمع هذه المسؤولية، لو لم يتوخّ الإقصاء المهيكل (بفعل الجهاز المتخلف والعميل)، والمكتفي بتأجيج نيران اللوم والعتاب والاستنكار لدى المثقف والمتثقف، لَما اندهش أصحاب العروض والفنون، ولا المواطنون العاديون، من مثل تلك التصرفات المشينة التي قام بها متدينون متعصبون. لو كان لدى المجتمع جهاز إعلامي وثقافي ناضج ومواكب للفكر العملي، لَعَمَلَ المجتمعُ على خلق الأساليب المناسبة للدفاع عن نفسه ككتلة متلاحمة ومتكاملة. وأي فكر عملي هذا الذي يمح لنفسه بأن يطوي الأخضر واليابس طيا من دون أن يُكبحَ جماحُه ببعضٍ من التنظير؟
إنّ ما نشاهده اليوم من انفلات فلسفي وثقافي على غاية من الخطورة. ويتسم الانفلات، بحكم الركون لأساليب الإقصاء، باسم قيم  تبقى مستوردة طالما أنها لم تؤصّل في النسيج الثقافي العام، في اعتبار مسألة التعصب الديني خارجة عن الوعي المجتمعي العام. وهذه ذروة الخطر.
فيتطلب المنحى العملي عدم الإطناب في تحليل الظاهرة بل الإسراع باقتراح الحل. والحل يستوجب أولا "تفجير"مشكلة" أرى أنها محورية في هذا السياق، لكي يعمل "التفجير" عملته في ما نسميه في التربية والتعليم "العصف الذهني"، حتى يتسنى للأطراف المعنية المبادرة بجزئيات الحلول وإجراءاتها. كما يستوجب الحل ثانيا التلميح،على الأقل، إلى تصوّر جديد ينضوي تحت لواء الحل الأكبر للمشكلة المطروحة.
أولا، تتمثل المشكلة في تبعية الفكر الإعلامي والثقافي الأهلي والعربي الإسلامي العام إلى الجهاز الثقافي العالمي المهيمن وإلى التصورات الغربية في هذا المجال الحيوي، وهي تصورات تحكم "بالإعدام" على ما هو "حياة" في ثقافتنا: الدعوة. فلا أندهش لمّا ترفض صحيفة فرنسية مقالة لي بسبب ما يسمونه "بروسيليتيسم" (أي التبشير بفكرة و"البروبغندا" أو الدعاية لها)، ذلك أني أعلم أنّ تلك "أخلاق المهنة" لدى كل صحفية عندهم وتلك عاداتهم. فمن واجبي أن أحترم موقفهم لأنّ ذلك عقلهم: فالذي عندنا "دعوة" يسمونه هُم "التبشير". لأنّ التبشير لديهم خارجٌ عن العقل؛ ولأنّ خروج التبشير عن العقل يعود إلى خروج الدين عن العقل لديهم.
 بينما نحن المسلمون، حببنا أم كرهنا، الدعوة عندنا، بحُكم التاريخ، ليست تبشيرا بالمعنى المتداول في ثقافة المسيحيين، بل هي جزء لا يتجزّأ، جزء مركزي في الثقافة ؛ لأنّ عقلنا في ديننا، على عكس المسيحيين، الذين دينهم في عقلهم. فكيف تسمح، والحالة تلك،   صحيفة عربية إسلامية لنفسها بأن ترفض لي، ولو ضمنيا، خطابا دعويّا بدعوى "التبشير" بالفكرة؟ وكيف أسمح لها أن تعاملني هكذا؟ أليس الرفض من لدُنها والاستكانة من لدن الداعية ذروة الدعارة الفكرية والثقافية؟
ثانيا، إنّ غياب خطاب دعوي غير ذي خطاب الأئمة والوعاظ قد يكون ساهم في التشدد الإعلامي والثقافي إزاء أية محاولة دعوية لا تنضوي تحت لواء "الرسمية" الوعظية و الإرشادية في مجتمعاتنا العربية الإسلامية. لكن هذا حديث لم يعُد له مبررات تذكر. لقد فقدها كلها، في حقبة الثورة التي نمرّ بها، وبقوة الثورة. ولهذا السبب فأية مراجعة لقانون الصحافة والإعلام والعمل الثقافي لا تأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، إنما هي مراجعة هلامية وتابعة ومستلبة لثقافة غير ثقافتنا. وإن لم تتخذ التدابير اللازمة لتصحيح الوضع فسوف تصح المقولات باختطاف الثورة من طرف الفكر الامبريالي، وسيكون عملاء الجهاز الثقافي التابع أوّل من يبارك هذا الاختطاف.
لنتصوّر دقيقة واحدة كيف سيكون المشهد الثقافي إذا وقع،على جناح سرعة، السماح لكل خطاب دعوي أصيل، سواء كان مصدره المثقف أو المتثقف، بأن يصل إلى المتلقي عبر أجهزة الإعلام كافة وعبر أجهزة العمل الثقافي كافة. أليست هذه الحرية، حرية التعبير عن الشواغل وعن المصير بواسطة الهوية؟ أليست هذه طريقة ناجعة لصدّ المحاولات الركيكة والخطيرة ترمي إلى تبويب المشكلة التعبيرية عن الشخصية على أنها مشكلة هوية؟ وهل يستدعي الخطاب الدعوي الموَسع الذي نطمح إلى إرسائه لحية وسبحة وعمامة وخمارا ونقابا لكي يسمّى كذلك، فيبوّبُ في "العمود" المخصص للدين في الصحافة المكتوبة، أو في برامج الراديو والتلفزيون التي تبثّ حصريا ليلة الجمعة وفي يوم الجمعة، أم أنّ أصحاب اللحية والسبحة والعمامة والخمار والنقاب هُم أناس لا يختلفون عن أناس لم تختر تلكم العلامات الهوياتية المُميزة في كونهم كلهم متساوين في حق التعبير عن الحاجيات الحقيقية والعميقة للجسم الثقافي، والدين مفصل محوري فيه؟
فبالله مالذي ننتظره غير التعصب، من التعصب باسم الدين وكذلك باسم التصدي للتعصب الديني، في صورة المكوث في نقطة الصفر والترنّم بأسطوانة الإتباع والتبعية (بينما مقاومة التبعية تستوجب العمل الميداني والموجب)، غير عابئين بأنّ التعصب لا يُمحى إلا بواسطة خلق فكر ديني غير متعصب؟ وهل يساهم أولئك المسرحيون والمغنون والسينمائيون والكتاب والشعراء، الذين يشمئزون من "مظاهر التطرف"، في بناء فكر ديني إنساني شعبي فني، أم هُم يرابطون في قلاع الاغتراب التي أسس لها المستعمر وينمّقها ويزوّقها الجهاز الإعلامي والثقافي الرسمي؟ أليسوا مشاركين في الإرهاب بصمتهم على تبعية الجهاز الإعلامي والثقافي الرسمي للآخر الامبريالي، بينما كما يقول نعوم تشومسكي، إنّ أفضل طريقة للتصدي للإرهاب عدم المشاركة فيه؟
بقي في نهاية المطاف أن نكرر التنبيه إلى أنّ الهوية، والتي كثيرا ما نسمع ونرى كيف أنّ ظواهر "التطرف الديني" تُجرُّ في داخلها جَرّا، غير موجودة كمشكلة، من أساسها. فـ"مشكلة الهوية" صناعة امبريالية، مثل العديد من صناعات تآمرية أخرى، الغرض منها تركيع الإنسان العربي المسلم لأجهزة قيادة الرأي العالمي المهيمن وبالتالي حرمان هذا الإنسان، إنسان المستقبل، من أن يكون نفسه ومن أن يجابه المشكلات الآنية والحقيقية، على غرار مشكلة التآمر ضد ليبيا والمنطقة المغاربية، ومنه على أمن العالم العربي والإسلامي بأكمله.
الاجتهاد الجديد




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=4599
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 04 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19