منهم من يتكلم في وعظه في أخلاق النفس وصفات القلب ، من الخوف ، والرجاء ، والتوكل ، والرضا ، والصبر ، والشكر ، ويظن أنه إذا تكلم بهذه الصفات ودعا الخلق إليها صار موصوفاً بها ، وهو منفك عنها في الواقع ، ويزعم أن غرضه إصلاح الخلق دون أمر آخر .
ومنهم من اشتغل بالشطح والطامات ، وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل ، وربما كلف نفسه بالفصاحة والبلاغة ، وتصنع التشبيهات والمقدمات ، وشغف النكت وتسجيع الألفاظ وتلفيقها ، طلباً للأعوان والأنصار وشوقاً إلى تكثر البكاء والرقة والتواجد والرغبات في مجلسه ، والتذاذاً بتحريك الرؤوس على كلامه ، وفرحاً بكثرة الأصحاب والمستفيدين والمعتقدين به ، وربما لم يبال بالكذب في نقل الأخبار والآثار ، ظناً منه أنه أوقع على النفوس وأشد تأثيراً في رقة العوام وتواجدهم ولا ريب في أن هؤلاء شـر الناس ، بل شياطين الأنس ، ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل .
يسر بوصول المال إليه ، ويتزين بالثياب الفاخرة والمواكب الفارهة ، فمثله ممن يضل ويكون إفساده أكثر من إصلاحه ، ومع ذلك يظن أنه مروج الشرع والدين ومرشد الضالين ، فهو أشد المغرورين والغافلين .
ومما يدل صريحاً على ما ذكرناه قول الصادق – عليه السلام –
العباد ثلاثة : قوم عبدوا الله عز وجل – خوفاً ، فتلك عبادة العبيد ..
وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى – لطلب الثواب ، فتلك عبادة الأجراء ..
وقوم عبدوا الله عز وجل – حباً له ، فتلك عبادة الأحرار ، هي أفضل العبادة .
اعلم .. أن النعمة عبارة عن كل خير ولذة وسعادة ، وهي مخصوصة بسعادة الآخرة التي لا انقضاء لها ، لذة النظر الى وجه الله ، وسعادة لقائه ، فإنها لا تطلب بها غاية أخرى مقصودة من وراءها ، بل تطلب لذاتها ، وهذه هي النعمة الحقيقية واللذة الواقعية ، ولذلك قال رسول الله (ص) لا عيش الا عيش الآخرة .
يا رجال الدين .. هل قرأتم هذا الحديث ، فهـل اتعضتم ؟
والله المستعان |