• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : المذهب الاقتصادي الإسلامي... طريق الوسطية .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

المذهب الاقتصادي الإسلامي... طريق الوسطية

1426هـ- 2005م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"وكذلك جعلناكم اُمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم" سورة البقرة/143

 

صدق الله العلي العظيم

 

 

 

 

مقدمة:

   قال الله تعالى في كتابه المجيد:" وكذلك جعلناكم اُمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً".سورة البقرة 143.

الوسط   لغوياً، تعني المعتدل من كل شيء، ووسط الشيء صار في وسطه فهو واسط، والقوم فيهم وساطة توسط بينهم بالحق والعدل(المعجم الوجيز، 1426هـ: 668)، ويفسرالسيد الشيرازي قوله تعالى "أمة وسطا" ,أي جعلناكم أمة في حالة اعتدال لا يشوبها إفراط ولا تفريط في كل جوانب حياتها،والقرآن يؤكد أن المنهج الإسلامي في كل أبعاده يقوم على أساس التوازن والاعتدال ،وشهادة النبي(ص) على المسلمين قد تكون إشارة إلى الأسوة والقدوة لأن الشهداء ينبغي أن يكونوا من أزكى الناس وأمثلهم،وأن الأمة المسلمة أمة نموذجية بما عندها من عقيدة ومنهج بعملها وتطبيقها المنهج الإسلامي ، كما تشهد إن الإنسان بمقدوره أن يكون رجل دين ورجل دنيا(الأمثل، 1411هـ: 356)، وهذا الرأي يذهب إليه الشيخ مغنية أيضا في تفسيره لنفس الآية الكريمة حيث يقول:" هذه الجملة بيان لقوله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ووجه البيان أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على أتباع محمد(ص) بالهداية، وأبرز مظهر لهذه الهداية أنه جعلهم في الدين معتدلين متوسطين بين الإفراط  الذي هو زيادة وبين التفريط الذي هو النقص، هذا من جهة العقيدة، أما الاعتدال في الأخلاق فقد جمع لهم في تعاليمه وتوجيهاته بين حق الروح وحق الجسد، فلا روحانية مقترة ولا مادية مسرفة، بل تعادل وتوازن بينهما"(الكاشف، 1401هـ: 223).

    الاقتصاد عصب الحياة ..هكذا قال العلماء مستندين في ذلك إلى أهمية الاقتصاد ودوره في حركة المجتمع الإنساني ،لأنه كالأعصاب في الجسد البشري تماماً.

   فالأعصاب في جسم الإنسان هي المحرك الرئيسي والمسئول عن جميع الحركات والسكنات الإرادية منها وغير الإرادية فإذا أصاب الإنسان بخلل الأعصاب في يده أو رجله سيكون مشلولاً حينئذ لا يقوى على الحركة،ولأهمية المسألة أولاها الله سبحانه وتعالى الدرجة التي تليق بها حيث جاع الإسلام الحنيف والقران الكريم والسنة النبوية الشريفة بنظام اقتصادي عادل يضمن للبشرية والمجتمع الإنساني السعادة والرفاه في الدنيا والآخرة ، وذلك عبر تشريعات وسنن ونصائح وواجبات ومحرمات ، نراها جلية خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ،فكثيرة هي الأحاديث بعد الآيات التي تتحدث عن الاقتصاد السليم ، وتنظيم الحياة الاقتصادية للمجتمع الاسلامي.

  فالمذهب الاقتصادي الاسلامي هو الطريقة التي تتبع لتنظيم الحياة وخلق واقع لم يكن موجوداً والتي يفضل للمجتمع أتباعها في حياته الاقتصادية وحل مشاكله العلمية لان علم الاقتصاد هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وظواهرها وربط لتلك الظواهر بأسبابها والاقتصاد الاسلامي جزء من المذهب الاسلامي الشامل لتنظيم جوانب الحياة.

    وإذا أريد تكوين علم الاقتصاد الاسلامي فلابد من دراسة مذهب الاقتصاد الاسلامي دراسة مذهبية شاملة ثم دراسة الواقع في إطار هذا المذهب من خلال الظواهر المستجدة وربطها بأسبابها وإيجاد تفسير علمي لأحداث الحياة الاقتصادية الإسلامية.

    وقسمنا البحث إلى مقدمة وبابين ،الباب الأول يتطرق إلى الاقتصاد الاسلامي ومشكلته وأركانه الأساسية وخصائصه ومرونته وكذلك يتطرق إلى واجبات الدولة في الاقتصاد الاسلامي ومسؤولياتها، أما الباب الثاني فيتحدث عن المذهب الاقتصادي الاسلامي وهيكله العام. 

الباب الأول:الاقتصاد الإسلامي

  يتميز الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد عقائدي ،فالدين يشكل الإطار الشامل له ، وهذا الإطار هو الذي يجعل النظام الإسلامي قادرا على النجاح وضمان تحقيق المصالح الاجتماعية العامة للإنسان ،لان هذه المصالح الاجتماعية لا يمكن أن يضمن تحقيقها ألا عن طريق الدين (الصدر،1973: 278)، وفي هذا المبحث سيتم  التعرف على الأبعاد الرئيسة للاقتصاد الإسلامي وخصائصه وواجبات الدولة في الاقتصاد الإسلامي ومسؤولياتها ،ولكن قبل ذلك كله سنوضح طبيعة المشكلة الاقتصادية و أسبابها من وجهة نظر الإسلام الحنيف .

(1) ما هي المشكلة الاقتصادية في الإسلام؟

  نتيجة التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته البشرية وبعد تعدد السلع المنتجة وبعد النمو السكاني الكبير وتعدد رغبات واحتياجات الفرد في ظل هذا التطور الاجتماعي والاقتصادي الكبير، تزايدت الحاجة لأسلوب ما لتنظيم وتوجيه الحياة الاقتصادية ، وظهرت المشكلة الاقتصادية التي اتفقت جميع الاتجاهات والتيارات الفكرية الاقتصادية على وجودها  وعلى ضرورة معالجتها إلا إنها لم تتفق على تحديد طبيعة هذه المشكلة وأسلوب حلها والتخلص منها .

   فالرأسمالية تعتبر إن المشكلة الاقتصادية هي قلة الموارد الطبيعية نسبيا، وهذه الموارد غير كافية لإشباع الرغبات والحاجات المادية الحياتية للإنسان والمتزايدة مع مرور الزمن،فتكون المشكلة الاقتصادية هي في كيفية التوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية النادرة بحيث تحقق أعلى إشباع ممكن للحاجات الإنسانية المتزايدة وما هو النظام الذي يكفل هذا التوزيع، في حين إن الماركسية تؤمن بان المشكلة الاقتصادية تتمثل بالتناقض المستمر بين الشكل والنظام الذي يتم بها الإنتاج في المجتمع وبين نظام التوزيع الذي هو النظام الاجتماعي والذي بواسطته يتم تقسيم وتوزيع الثروات المنتجة، في حين إن المفروض أن يتطور النظام الاجتماعي (نظام التوزيع) مع كل تطور يحصل في نظام الإنتاج ومن هنا تطرح الماركسية الحل بإلغاء التناقض بين الشكلين و إحلال التوافق بينهما فتزول المشكلة(المعارف الإسلامية،بدون تاريخ:8 ).

   أما الإسلام فهو لا يعتقد مع الرأسمالية إن المشكلة مشكلة الطبيعة وقلة مواردها لأنه يرى إن الطبيعة قادرة على ضمان كل حاجات الحياة التي يؤدي عدم إشباعها إلى مشكلة حقيقية في حياة الإنسان، كما لا يرى الإسلام إن المشكلة هي التناقض بين شكل الإنتاج وعلاقات التوزيع كما تقرر الماركسية و إنما المشكلة هي في الإنسان نفسه لا الطبيعة ولا أشكال الإنتاج"الصدر،1973 : 307 وهذه الحقيقة يكشفها القران الكريم في الآيات المباركة  من قوله تعالى:"الله الذي خلق السماوات والأرض وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار واتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار"(إبراهيم،32-35 )،فهذه الآيات المباركة تبين إن الله تعالى قد سخر للإنسان في هذا الكون الفسيح كل مصالحه ومنافعه ووفر له الموارد الكافية لاحتياجاته المادية، ولكن الإنسان هو الذي ضيع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له ،بظلمه وكفرانه للنعمة  ويذكر المفسرون إن المقصود بالظلم هنا هو منع الحق والإسراف والتبذير وما شابه، أما الكفر فيتمثل في ترك الشكر على هذه النعم(المعارف الإسلامية،بدون تاريخ:8)، وهذا الظلم وكفران النعمة هو سبب المشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان . ويتجسد ظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي في سوء التوزيع ويتجسد كفرانه للنعمة في إهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها(الصدر،1973: 308).

  ولم يكتف الشرع المقدس بتحديد أسباب المشكلة الاقتصادية من وجهة نظره فحسب و إنما وضع الحلول المناسبة والسبل الكفيلة للتغلب على تلك الأسباب والقضاء عليها ، فقد وضع الحلول الكفيلة بمحو الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع  من خلال وضع  حلول مناسبة لمسائل التوزيع والتداول  أما كفران الإنسان للنعمة فقد عالجه بتجنيد طاقات الإنسان واستغلال موارد الطبيعة الاستغلال الأمثل واستثمارها وذلك من خلال وضع مفاهيم و أحكام ملائمة للإنتاج وطرقه، فالإسلام يؤكد بالدرجة الأولى على أهمية الدور الذي يلعبه الإنسان بحاجاته ورغباته وسلوكه ومدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه هذا الدور في تحجيم كل جانب من جوانب المشكلة الاقتصادية ، فالإنسان المسلم حقا يمكن بسلوكه البعيد عن الترف والإسراف ،والمتسم بالعدالة والنزاهة وعدم الاستغلال وبمقدرته على كبح رغباته ونزعاته الاستهلاكية أن يخفف إلى حد كبير من الوزن النسبي الذي أعطته  النظم الاقتصادية المعاصرة لكل جانب من الجوانب المعروفة للمشكلة الاقتصادية ، وقد أكد  القران الكريم على ضرورة عدم التطرف في السلوك الإنساني بقوله تعالى:" والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما"(الفرقان، 67) أما المفاهيم والأحكام التي جاء بها الإسلام الحنيف لحل المشكلة الاقتصادية  فسنتعرف عليها بعد قليل من خلال التعرف على ماهية الاقتصاد الإسلامي وأركانه وخصائصه.

(2)الأركان الأساسية للاقتصاد الإسلامي  

  يتشكل الاقتصاد الإسلامي من ثلاثة أركان أساسية تميزه عن بقية الأنظمة وتحدد هويته الإسلامية و هي (الصدر،1973: 257):-

1.     مبدأ الملكية المزدوجة .

2.     مبدأ الحرية الاقتصادية المحدودة.

3.     مبدأ العدالة الاجتماعية.

وفيما يلي، سنتحدث عن هذه الأركان بشيء من التفصيل :-

أ)مبدأ الملكية المزدوجة

     تؤمن اقتصاديات السوق بالملكية الخاصة (الفردية)وتعتبرها من الأسس الفلسفية لنظام السوق ،فهي تسمح للأفراد (مستهلكين ومنتجين) بتملك مختلف أنواع الثروة في البلاد واستخدامها لإنتاج مختلف السلع والخدمات ، وهي-الرأسمالية- لا تعترف بالملكية العامة إلا في حالات استثنائية جدا وعندما تفرضها الحاجة الملحة لتجربة أو ظرف اجتماعي معين،أما الاقتصاديات المخططة مركزيا(الاقتصاديات الاشتراكية) فهي على العكس تماما إذ تتخذ من الملكية العامة مبدأً أساسيا لها ،وهذه الملكية العامة تطبق على جميع عناصر الإنتاج(الثروة) في البلاد أي إن العوامل المادية للإنتاج كالأرض ورأس المال هي مملوكة للسلطة المركزية(الدولة)،أما الملكية الخاصة فهي حالة شاذة أو استثنائية نتيجة لظرف اجتماعي قاهر. وقد أثبتت التجربة وبين لنا تاريخ هذه النظم فشلهما تماما في تنظيم الحياة الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية لمجتمعاتهما وظهرت الانتقادات تلو الانتقادات لكليهما نتيجة للأفكار الخاطئة التي تقوم عليها فلسفتيهما ومنها ما يتعلق بطبيعة الملكية ونوعيتها،حيث برهن الواقع على خطا الفكرة القائلة بالشكل الواحد للملكية، فاضطرت الرأسمالية للتأميم (الملكية العامة) وهو اعتراف ضمني بعدم جدارة المبدأ الرأسمالي في الملكية ، كما إن الاشتراكية اعترفت بالملكية الخاصة قانونا مرة وبشكل غير قانوني مرة أخرى، وظهر فيما بعد ما يسمى بالاقتصاديات المختلطة  أي إنها خليط من النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي ولكن بنسب متفاوتة فنجد اقتصادا يغلب عليه الطابع الرأسمالي ،كالاقتصاد الأمريكي واقتصاديات أوروبا الغربية فيسود فيها بشكل واضح أسس ومبادئ اقتصاديات السوق الحر مع وجود عناصر قوية تعكس سيطرة الدولة أو تدخلها كما في مجالات الدفاع والتعليم والطرق، ومن جانب آخر فإننا نجد دولا كروسيا والصين يغلب على اقتصادياتها طابع التوجيه والتخطيط وتدخل السلطة المركزية ، ألا أنها تسمح أيضا بوجود أشكال من الملكية الخاصة البسيطة كامتلاك منزل سيارة ,أو حتى مؤسسة صغيرة.

  أما الاقتصاد الإسلامي فلا تنطبق عليه الصفة الأساسية لأي من الاقتصاديات السابقة، فلا هو رأسمالي المذهب لأنه لا يتفق مع الرأسمالية في القول بان الملكية الخاصة هي المبدأ ولا هو اشتراكي المذهب لأنه لا يتفق  مع الاشتراكية في اعتبار الملكية العامة قاعدة أساسية لها، و لا هو اقتصاد خليط فيما بينهما .

   بل إن الاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد أصيل يقوم على أسس فكرية معينة ضمن إطار من المفاهيم والقيم تختلف اختلافا جوهريا عن معتقدات الاقتصاديات السابقة . فالإسلام يعترف بالأشكال المتنوعة للملكية في وقت واحد ، فهو يؤمن بالملكية الخاصة والعامة وملكية الدولة ، و لا يعتبر شيئا منها استثناءً أو علاجا مؤقتا(تسخيري،2003 :140)،فالإسلام يقرر حرية الأفراد في ممارسة نشاطهم الاقتصادي وإنه يعترف لهم بالملكية الخاصة بكافة صورها الاستهلاكية والإنتاجية، بما في ذلك العقارات والمصانع والأراضي الزراعية وذلك في غير حدود ،إذ أن القيود التي يقررها الإسلام على الملكية الخاصة لا تتعلق بتحديدها أو وضع حدا أعلى لها ،وإنما تتعلق بكيفية استعمالها(الفنجري، 1980: 107)، بل إن الإسلام يتشدد في حماية الملكية الخاصة حيث يقول النبي (ص):" كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (رواه البخاري ومسلم) ويقول (ص) :"من قتل دون ماله فهو شهيد" (رواه النسائي).وهنا يعقب الصدر  (1973: 258-259) على ذلك بقوله:"ولهذا كان من الخطأ أن يسمى المجتمع الإسلامي مجتمعا رأسماليا وان سمح بالملكية الخاصة ،لعدة من رؤوس الأموال ووسائل الإنتاج لان الملكية الخاصة عنده ليست هي القاعدة العامة. كما إن من الخطأ أن نطلق على المجتمع الإسلامي اسم المجتمع الاشتراكي، وان اخذ بمبدأ الملكية العامة وملكية الدولة في بعض الثروات ورؤوس الأموال لان الشكل الاشتراكي للملكية ليس هو القاعدة العامة في رأيه.وكذلك من الخطأ أيضا إن يعتبر مزاجا مركبا من هذا وذاك، لان تنوع الأشكال الرئيسية للملكية في المجتمع الإسلامي ،لا يعني إن الإسلام مزج بين المذهبين :الرأسمالي والاشتراكي،واخذ من كل منهما جانبا..وإنما يعبر ذلك التنوع في أشكال الملكية عن تصميم مذهبي أصيل قائم على أسس وقواعد فكرية معينة ،وموضوع ضمن إطار خاص من القيم والمفاهيم ، تناقض الأسس والقواعد والقيم والمفاهيم التي قامت عليها الرأسمالية الحرة ،والاشتراكية الماركسية".

(ب)مبدأ الحرية الاقتصادية المحدودة

  يطلق المذهب الرأسمالي حريات الأفراد في المجال الاقتصادي على أوسع مدى وبدون تقييد،فللمنتج الحرية في إقرار طبيعة السلعة التي سيقوم بإنتاجها  والكيفية التي سينفذ بها ذلك،كما انه له الحرية في إقرار نوع العمل الذي سيقوم به واختيار نوع السلع التي سينفق عليها دخله، أما المستهلك فهو الآخر له الحرية المطلقة في تحديد رغباته وذوقه ومقدرته  في اقتناء السلع والخدمات  التي يريدها . أما الاقتصاد المخطط مركزيا فانه يقيد حرية الفرد منتجا كان أم عاملا أم مستهلكا ويصادرها إلى حد الإلغاء   .

  أما الاقتصاد الإسلامي فانه يختلف عنهما اختلافا بارزا، ويقف موقفه الذي يتفق مع طبيعته العامة المؤطرة بالقيم المعنوية والخلقية للإسلام الحنيف ، فهو قد أعطى للأفراد حرية العمل الاقتصادي ولكن بحدود القيم والضوابط الشرعية التي يدعو إليها انسجاما مع الأهداف الإلهية في حياة الناس(المعارف الإسلامية:20)  فهو يسمح للأفراد بممارسة حرياتهم ضمن نطاق هذه القيم والضوابط التي تهذب الحرية وتصقلها وتجعل منها أداة خير للإنسانية كلها،وجاء التحديد الإسلامي للحرية الاجتماعية في الحقل الاقتصادي على قسمين (الصدر،1973: 260):-

                        ‌أ-          التحديد الذاتي للنفس الذي يستمد أفكاره من المحتوى الروحي والفكري للشخصية الإسلامية، ويتكون طبيعيا في ظل التربية الخاصة التي ينشا الإسلام عليها الفرد في المجتمع الذي يتحكم الإسلام في كل مرافق حياته،فيكون تحديد الحرية من الفرد نفسه ودون أن يشعر بسلب شيء من حريته لأنه نابع من إيمانه وتربيته، فهو في الواقع عملية إنشاء للمحتوى الداخلي إنشاءً معنويا صالحا لتؤدي الحرية في ظله رسالتها الصالحة.

                     ‌ب-       التحديد الموضوعي الخارج عن النفس وهو الذي يحدد السلوك الاجتماعي ويضبطه،وهذا التحديد يفرض على المسلم بقوة الشرع ،وهو يقوم على المبدأ القائل: انه لا حرية للشخص في ما نصت الشريعة على تحريمه من النشاطات المتعارضة مع المثل التي يؤمن الإسلام بضرورتها، وقد تم تنفيذ هذا المبدأ بأسلوبين هما :-

1.     إصدار النصوص الشرعية التي تمنع مجموعة من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق تحقيق القيم و المثل الإسلامية كالربا والاحتكار.

2.     إشراف الدولة على النشاط العام  وتدخلها لحماية المصالح العامة من خلال وضع مبدأ إشراف ولي الأمر،وذلك ضمانا لتحقيق مثل الإسلام ومفاهيمه في العدالة الاجتماعية على مر الزمن ،ولاختلاف متطلبات العدالة باختلاف الظروف فلا يمكن تفصيلها في صيغ دستورية ثابتة بل يوكل ذلك إلى ولي الأمر باعتباره سلطة مراقبة موجهة ومحددة لحريات الأفراد وفقا للمثل الإسلامية (التسخيري، 2003 : 142)، وهذا المبدأ يؤكد عليه القران الكريم في الآية 59 من سورة النساء حيث يقول الله عز شانه:"...أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" فهذه الآية المباركة تدل على وجوب إطاعة أولي الأمر، ولا خلاف بين المسلمين في أن (أولي الآمر ) هم أصحاب السلطة الشرعية في المجتمع الإسلامي، فللسلطة الإسلامية العليا حق الطاعة والتدخل لحماية المجتمع وتحقيق التوازن الإسلامي فيه ،على أن يكون هذا التدخل ضمن دائرة الشريعة المقدسة، فلا يجوز للدولة تحليل الربا أو الغش أو تعطيل قانون الإرث أو إلغاء ملكية ثابتة في المجتمع على أساس إسلامي، و إنما يسمح لها التصرف في الأمور والأعمال المباحة كإحياء الأرض واستخراج المعادن وشق الأنهار وغيرها من ألوان النشاط والتجارة فله إن يأمر بها أو ينهى عنها وفقا لمتطلبات المصلحة(الصدر،1973: 263).، وسنتحدث عن مبدأ تدخل الدولة وإشرافها بتفاصيل أكثر لاحقا.

ج)مبدأ العدالة الاجتماعية

يتجسد هذا المبدأ في نظام توزيع الثروة باحتوائه على عناصر وضمانات تكفل تحقيق العدالة الإسلامية للتوزيع ، وبهذا فان الإسلام  لم يناد بالعدالة الاجتماعية قولا فقط أو بشكل قد يقبل تفسيرات متباينة وإنما حدده أيضا ووضع صيغه وأساليبه في مخطط اجتماعي معين وجسد هذا المخطط في واقع اجتماعي حي وملموس(تسخيري،2003: 143)، وتتحقق العدالة الاجتماعية (الإسلامية) من خلال فكرتين أساسيتين هما :-التكافل الاجتماعي(الضمان الاجتماعي) والتوازن الاجتماعي الذي يعني نفي الطبقية في المجتمع على صعيد المعيشة مع بقاء باب الإثراء مفتوحا ضمن الحرية الاقتصادية المحدودة كما أوضحنا سلفا. وقد انعكس اهتمام الإسلام بهذا الركن الرئيسي من اقتصاده في أول خطاب ألقاه النبي(ص) وفي أول عمل سياسي باشره في دولته الجديدة ، فقد حث المسلمين على الإنفاق ولو بشق تمرة ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار فطبق مبدأ التكافل العام تحقيقا للعدالة الإسلامية المتوخاة(تسخيري،2003: 143)، وقد شن القرآن الكريم حربا شعواء ضد الترف واكتناز الأموال وما جاء في الأحاديث الشريفة من ذم لهاتين الظاهرتين القبيحتين وذلك كله لأجل فسح المجال أمام العدالة لكي تجد طريقها إلى حيز التطبيق وتسير البشرية نحو بناء المجتمع القائم بالقسط، وقد تنبهت الدول في العصر الحديث إلى الآثار غير الاقتصادية للفقر بينما المعروف أن الإسلام نبه من البداية إلى الآثار المشئومة الناجمة عن الفقر(حكيمي، 1423هـ: 318) .

(3)خصائص الاقتصاد الإسلامي

  يتصف الاقتصاد الإسلامي بثلاثة خصائص أساسية تشع في مختلف الخطوط و يمكن ملاحظتها من خلال الكثير من التفاصيل والغايات والوسائل التي في سياق منهجه لمعالجة الموضوع الاقتصادي وهي (المعارف الإسلامية:13):-

أ)الواقعية

     يتصف الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد واقعي في الغاية والوسيلة،على العكس من العديد من المذاهب الاقتصادية التي تنزع نحو المثالية التي تصل أحيانا إلى حد الخيال في أهدافها كمحاولة الشيوعية إلغاء غريزة الأنانية المتركزة في فطرة الإنسان لإقامة مجتمع إنساني جديد لا مكان فيه للتملك ، فالاقتصاد الإسلامي اقتصاد واقعي في غاياته التي تنسجم مع واقع الإنسانية ،بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة، فلا يشق عليها ،ولا يحلق بها في أجواء خيالية عالية فوق طاقاتها وإمكاناتها ،...وإنما يقيم مخططاته الاقتصادية دائما على أساس النظرة الواقعية للإنسان ويتوخى الغايات الواقعية التي تتفق مع تلك النظرة(الصدر،1973: 266).

     كما إن الاقتصاد الإسلامي واقعي في الطريقة والمنهج الذي يتخذه وسيلة لتحقيق غاياته ، فهو يضمن تحقيق غاياته ضمانا واقعيا ماديا ، ولا يكتفي بضمانات النصح  والتوجيه ،بل يسندها بضمانات تشريعية تجعل هذه الغايات ضرورية التحقيق على كل حال، فعلى سبيل المثال فانه عندما يريد تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة بين أفراد المجتمع الإسلامي فان ذلك لا يكون على حساب حرمان الأغنياء من ملكياتهم ومصادرتها (التأميم) ،وإنما يقدم التشريعات المالية التي تساهم بمجموعها في تحقيق هذه الغاية ، كتحريم الربا وفرض الزكاة والخمس والكفارات المالية المختلفة ويحث على الإنفاق في وجوه الخير في السر والعلن ،ويربط ذلك بالثواب الأخروي ، ثم يحرم تملك الأرض بدون أحياء ويمنع الاحتكار ، فضلا عن ذلك فانه أعطى للدولة حق التدخل والإشراف  إذا لزم الأمر.

ب)الأخلاقية

  الخاصية الأخرى المميزة للاقتصاد الإسلامي هي الأخلاقية في الغاية والطريقة ، فهو أخلاقي في غاياته  وأهدافه لأنه لا يستمدها من ظروف مادية مستقلة عن الإنسان كالشيوعية التي تستوحي غاياتها من وضع القوى المنتجة ، بل إن غاياته وأهدافه تعبر عن قيم عملية ضرورية التحقيق من ناحية خلقية (تسخيري ،2003: 144)، أما أخلاقياته في الوسيلة أو الطريقة  ، فهي تعني إن الإسلام يهتم بالجانب الروحي والنفسي للإنسان إلى جانب اهتمامه بالجانب الموضوعي ،فالإسلام لا يريد مجرد تحقيق الغايات وإنما يريد تحقيق تلك الغايات بمزجها  بالقيم الروحية والأخلاقية في نفس الوقت ، وكما في المثال السابق فعندما يريد الإسلام التوزيع العادل للثروة فانه يسعى ليكون ذلك عن طريق الدافع الذاتي لدى الإنسان الطالب لرضا الله عز وجل، لا بالقوة والإكراه إلا في الحدود الضرورية التي لابد منها لان الهدف ليس مجرد تحقيق حاجة معينة كيفما اتفق و إنما لابد أن يكون ذلك ضمن إطار القيم الأخلاقية والتوجهات النبيلة في المجتمع ، إن مبدأ التكافل الذي اقره الإسلام قد يحقق إشباعا للفقير والمحتاج إلا أن ذلك ليس هو كل المسالة في حساب الإسلام بل ما هي الطريقة التي تم بها تحقيق التكافل العام؟،ويجيب الصدر(قده) عن هذا التساؤل بقوله(1973: 268):"...وهذا وان كفى في تحقيق الجانب الموضوعي من المسالة ، أي إشباع الفقير ..ولكن الإسلام لا يقر بذلك ، ما دامت طريقة تحقيق التكافل مجردة عن الدافع الخلقي والعامل الخير في نفس الغني، ولأجل ذلك تدخل الإسلام،وجعل من الفرائض المالية –التي استهدف منها إيجاد التكافل- عبادات شرعية ،يجب إن تنبع عن دافع نفسي نيّر ،يدفع الإنسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي بشكل واع مقصود طالبا بذلك رضا الله تعالى والقرب منه".

  وقد تنبه عدة كتاب معاصرين إلى أهمية وجود هذه الخاصية في الاقتصاد والمحاسبة ،فيرى Iwan  & Gaffikin(2002) : أن المحاسبة التي هي جزء من النظام الاقتصادي يمكن أن ينظر لها على أنها أحد الوسائل المهمة لإظهار –عكس- الحقيقة أو الواقعية في المجتمع، وبما أن الواقعية تؤسس وتبنى اعتمادا على القيم الأخلاقية فإن المحاسبة لابد أن تستند كذلك على الأخلاق ، وإلا فإن الواقعية سوف تظهر بصورة مغلوطة ، وبالتالي ستضلل من له مصلحة بها، ويعلل الكاتبان قولهما بأن الأخلاق تظهر وتميز بصورة واضحة بين الخطأ والصواب  ، وبين الجيد والسيئ، وبين العدل والظلم ، لذا أصبح من الأهمية بمكان وجود الأخلاق في المحاسبة لما لها من آثار مهمة وفعلية على حياة الأفراد في المجتمع، وبالتالي فإن الأخلاق لابد أن تؤطر بصورة تامة التطبيقات المحاسبية، وهذا ما تطالب به الشريعة المقدسة وتشدد عليه.

ج)ربط المصالح الاجتماعية بالدوافع الذاتية

إن طريقة أو أسلوب التوفيق بين المصلحة الاجتماعية الناشئة من علاقة الإنسان بالآخرين وبين دوافعه الذاتية لتحقيقها من أهم المشكلات التي تواجه النظم الاقتصادية على اختلاف اتجاهاتها، وذلك لوجود التعارض أو التناقض بينهما في اغلب الأحيان .حيث نادرا ما نرى الإنسان يفضل المصلحة الاجتماعية العامة على مصلحته الفردية الشخصية. 

ويظهر الاقتصاد الإسلامي مرة أخرى مذهباً فريداً ومتميزاً في قيمه ومبادئه وخصائصه، بوصفه جزءا من رؤى سماوية كاملة للحياة وهي وجوده ضمن إطار ديني عام يدخر له عوامل التأثير الإيجابي لتحقيق التوافق بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية للإنسان(المعارف الإسلامية:14).

  ومن أهم هذه العوامل :-

•        عقيدة التوحيد وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي والتي تحدد نظرة المسلم الرئيسة في الكون بصورة عامة.

•        المفاهيم الإسلامية العامة وهي تعكس وجهة نظر الإسلام حول الكون والحياة وطريقته الخاصة في تفسير الأشياء وفق العقيدة التوحيدية.

•        العواطف والأحاسيس  وليدة المفاهيم الإسلامية والتي تزخر بها البيئة الإسلامية وتقوم ببثها وتنميتها ،كعاطفة الأخوة العامة التي تفجر في قلب كل مسلم ينبوعا من الحب للآخرين والمشاركة لهم في آلامهم وأفراحهم .فهذه العواطف والمشاعر تلعب دورا خطيرا في تكييف الحياة الاقتصادية وتساند المذهب فيما يستهدف من غايات(الصدر،1973: 273).

•        الأحكام والتشريعات الدينية للمجالات المالية والاجتماعية والسياسية والجزائية ونحوها.   

  إن كل ذلك يوفر للاقتصاد الإسلامي مجالا اجتماعيا حيا ومتفاعلا مع القيم التي ينشدها والأهداف التي يسعى إليها، وهذا يعني بالضرورة الربط بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية للإنسان بأروع صورة حيث تدخل كل مصلحة اجتماعية في مصلحته الدينية ليضيفها إلى رصيده الدنيوي أو الأخروي(المعارف الإسلامية:15)،وقد وردت عدة آيات من القرآن الكريم تؤكد وتحث على هذا الربط مثل قوله تعالى "ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع اجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون"(التوبة،120-121).

(4) مرونة النظام الاقتصادي الإسلامي

إن من المزايا المهمة التي امتاز بها المذهب الاقتصادي الإسلامي هو احتوائه على نوعين من الأحكام :

الأولى :ثابتة لا تقبل التغيير، ،قد ملأت من قبل الإسلام بصورة منجزة لا تقبل التغيير والتبديل.

الثانية  : متغيرة ومتحركة تتحدد وفقا لمتطلبات الأهداف العامة وبملاحظة الزمان والمكان ، وهي ما اصطلح عليه ب(منطقة الفراغ ) في المذهب، قد ترك الإسلام مهمة ملئها إلى الدولة (ولي الأمر) تملئها وفقا لمتطلبات الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي ومقتضياتها في كل زمان ، ومنطقة الفراغ هذه هي بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية ونصوصها التشريعية لا بالنسبة إلى الواقع التطبيقي للإسلام الذي عاشته الأمة في عهد النبي الأعظم (ص) الذي قد ملأ ذلك الفراغ بما كانت تتطلبه أهداف الشريعة في المجال الاقتصادي  في الظروف التي كانت سائدة آنذاك وذلك ليس بوصفه نبيا مبلغا للشريعة الثابتة في كل زمان ومكان ، وإنما ملأه بوصفه ولي الأمر المكلف من قبل الشريعة بملأ منطقة الفراغ وفقا للظرف(الصدر، 1973 :362) . 

وقد أراد الإسلام من جعل بناء المذهب الاقتصادي بهذه الصيغة أن يجعل الأخير مرنا  ومستوعبا لكل المتغيرات والمستجدات الحياتية التي تظهر و تطرأ في كل زمان ومكان .والمتغيرات الحيوية في المجال الاقتصادي كثيرة وسريعة لأنه مجال يرتبط بتعقيدات الحياة الاجتماعية للإنسان كما يرتبط بقدرة الطبيعة على العطاء والظروف البيئية المناسبة وغير ذلك(تسخيري، 2003: 159) .

ولهذا فان منطقة الفراغ لاتعني  حرفيا وجود فراغ في التشريع الاقتصادي الاسلامي ،كما لاتعني وجود نقص في التشريع الإسلامي ولا إهمال منه ،وانما هو اصطلاح يعبر عن استيعاب تشريعي ثابت للمتغيرات والتطورات الحتمية مع مرور الزمن في المجتمعات الانسانية، كما ان هذا المصطلح يمثل تشريعا مهما في المذهب الاقتصادي الاسلامي،ويشتمل هذا التشريع(أي منطقة الفراغ) على عدد من العناصر التي تجعل الاقتصاد الاسلامي مرنا ومستوعبا لكل المتغيرات والمستجدات الحياتية التي توجد في كل زمان ومكان،لذلك لم ترد في الشرع نصوص تشريعية بشأن الوضع والشكل التنظيمي للإدارة باعتبار أن الإدارة واقع متحرك في حياة المجتمع المتغيرة والمتحولة فليس من الحكمة تقييدها بتشريع خاص ، وانما تركت منطقة فراغ تشريعي تتعامل معها القيادة الإسلامية بما يناسب كل مرحلة تاريخية وظروفها من تنظيمات على أساس القواعد العامة للشريعة في البناء السياسي والتنظيمي للدولة ( شمس الدين، 1423هـ: 353), ومن عناصر المرونة التي نراها واضحة في المذهب الاقتصادي الاسلامي هي:-

‌أ-             الاجتهاد [1]:لقد أوجد الإسلام باب الاجتهاد وفتحه بصورة مستمرة حيث يمثل ذلك عنصرا من عناصر المرونة لا يمكن الاستغناء عنه لمعرفة اثر التطورات على نوعية الحكم المستنبط من النصوص التشريعية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

‌ب-        العرف السائد والبيئة: فقد طرح الإسلام  بعض القواعد الاقتصادية الواسعة وربطها بالمفهوم العرفي السائد والبيئة، على سبيل المثال مفاهيم ( الإسراف والتبذير) و(الفقر والغنى) و( النفقة المتعارفة)و (المنفعة المحللة) و (التجارة عن تراض) و ( العدالة والظلم والتعدي واكل المال بالباطل) وغيرها ،فان كل تلك المفاهيم يتدخل العرف والبيئة في تغييرها في كثير من الأحيان لتغير الظروف ومن ثم يتغير الحكم بتغير النظرة العرفية للموضوع (تسخيري، 2003 :160).

‌ج-          إشراف الحكومة الشرعية، وتدخلها لحماية المصالح العامة للمسلمين :أو ما يسمى بمبدأ إشراف ولي الأمر وتدخله في الحياة الاقتصادية ،وكما تقدم فان للدولة الحق في التدخل في الحياة الاقتصادية استنادا إلى القاعدة الشرعية من قوله تعالى " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" (النساء، 59)، ويعتبر إشراف ولي الأمر أهم عنصر يركز عليه النظام الإسلامي وهذا التدخل له ضوابطه وقواعده وله أيضا وكما يسميها الشهيد الصدر(قده) الأضوية الكاشفة التي توضح  اتجاهات الإسلام وتعطيه روح النظام وأهدافه المنظورة (تسخيري، 2003: 160)،  ولا يقتصر تدخل الدولة على مجرد تطبيق الأحكام الثابتة في الشريعة بل يمتد إلى ملء منطقة الفراغ من التشريع فهي تحرص من ناحية على تطبيق العناصر الثابتة من التشريع وتضع من ناحية أخرى العناصر المتحركة وفقا للظروف(الصدر ،1973 :637)، وفي الواقع إن الإشراف والتوجيه للحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي وتقنين مختلف الأنشطة فيه من المهام الرئيسية لولي الأمر الفقيه وفق أصول الاجتهاد المقررة التي تعطي للمباح صفة ثانوية بحسب الظروف والمصالح ،يقضي الولي على ضوئها بالوجوب أو الحرمة(المعارف الإسلامية: 42)، أما أهم وظائف  ولي الأمر في المجال الاقتصادي فهي(تسخيري، 2003: 160):-

1)    ملاحظة أفضل السبل وخير الإجراءات التنفيذية لتطبيق أحكام الله الثابتة ، على سبيل المثال دراسة أفضل السبل لنفي الربا من المجتمع مع الاحتفاظ بالأنشطة الإيجابية التي تقوم بها المصارف.

2)    ملاحظة مدى انسجام الظروف مع إمكان تطبيق الأحكام والأنظمة الإسلامية ومراعاة تطبيق  مبدأ التزاحم[2].

3)    ملء منطقة المباحات بالقوانين التي تحقق المصلحة الإسلامية العليا مع الاحتفاظ ما أمكن بالحكم الأولي للموارد المتنوعة.

     ومن صلاحياته أيضا:

1.     منع الاحتكار الذي لا مانع منه بصورة عامة ، فقد جاء في عهد الإمام علي(ع) لمالك الاشتر(رض):"... واعلم –مع ذلك- إن في كثير منهم ضيقا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة ،فامنع من الاحتكار فان رسول الله (ص) منع منه،وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل ،وأسعار لا تجحف بالفريقين في البائع والمبتاع".(نهج البلاغة،ج3: 100).

2.     السماح أو المنع من إحياء الأرض الموات .

3.     توجيه الإنتاج لتامين السلع الضرورية والحيوية بما يتلاءم مع خطط التنمية والتطوير.

4.     الأحكام المساهمة في إنماء الثروة الزراعية والحيوانية،فعن الإمام الصادق(ع) انه قال:"قضى رسول الله(ص) بين أهل المدينة في مشارب النخل انه لا يمنع فضل ماء وكلأ".

5.     توزيع الثروات الطبيعية الخام وتوجيه استثماراتها.

6.     التدخل في الأسواق لمنع الصراعات الخطرة.

     فضلا عن الصلاحيات والمهام السابقة، يضيف الشيخ الفياض مهمة إنشاء وتنظيم النظام المحاسبي الإسلامي الذي يعتبره ضمن الوظيفة الشرعية للسلطة الحاكمة في الحكومة الإسلامية، فيقول في هذا الصدد" لا يجوز وضع خطة أو مشروع عفويا لأنه قد يؤدي إلى إتلاف الأموال من بيت مال المسلمين، وهذه جريمة لا تغتفر ولا يمكن لولي الأمر أن يقدم على مثل هذا العمل لأن عدالته وأمانته و وثاقته تمنع عن ذلك ، ويظهر من ذلك أن نظام المحاسبة يسري في تمام مكونات الحكومة وشرائحها لأن وضع مكوناتها لابد أن يكون بعد دراستها بجميع جهاتها وجوانبها وظروفها ، كما يتبين لنا أن نظام المحاسبة في الإسلام لا يمكن أن يكون نظاما ثابتا بل هو متغير بتغير الحكومات ومتطور بتطورها سعة ودقة عصرا بعد عصر طول التاريخ ولهذا يكون أمره بيد السلطة الحاكمة في كل عصر"[3]. 

  وهكذا نلاحظ الهدف الأساس من جعل الاقتصاد الإسلامي اقتصادا مرنا ومن ثم احتوائه على منطقة الفراغ ، فالإسلام لا يريد أن تكون تشريعاته الاقتصادية مجرد وصفات لعلاج مؤقت أو نظام خاص بمرحلة معينة يجتازها التاريخ وتنتهي، و إنما يريد أن تكون هذه التشريعات الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور وبالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي ويحقق الصورة الإسلامية للعدالة الاجتماعية.

(5)واجبات الدولة في الاقتصاد الإسلامي ومسؤولياتها 

  إن مبدأ إشراف ولى الأمر( أو الدولة الممثلة بالحكومة الشرعية) وتدخله في النشاط الاقتصادي  لحماية المصالح العامة –السابق ذكره - ، قد فرض على الحكومة الإسلامية مجموعة من الواجبات وحمّلها مجموعة من المسؤوليات يمكن توضيحها كما يلي:-

أ ) واجبات الدولة في الاقتصاد الإسلامي

كما تقدم ، فان الدولة الإسلامية (أو المجتمع الإسلامي ) تتميز بخصائص وصفات تجعلها نظاما ذو شكل جديد يختلف عن بقية النظم الوضعية الأخرى ، وبالتالي فان تلك الخصائص والصفات المميزة للدولة الإسلامية تفرض عليها واجبات أساسية تتناسب مع التصورات والمفاهيم الإسلامية الأصيلة ، وبشكل عام تتركز واجبات الدولة الإسلامية في:

•        تطبيق التعاليم الإسلامية في المجتمع.

•        ملْ منطقة الفراغ التشريعي ،أي قيادة الحياة العامة وفقا لمصلحة المجتمع وإصدار القوانين التنظيمية.

وفي المجال الاقتصادي تتركز تلك الواجبات(الأهداف)  في(تسخيري، 2003 : 247):

1.     وضع الصيغ الخاصة التي تكفل إجراء الأحكام الإسلامية الإلزامية بالعنوان الأولي ،كتحريم الربا  والقمار وتطبيقها.

2.     وضع الخطط اللازمة لملْ  منطقة الفراغ التشريعي وتطبيقها وتحقيق مصالح الأمة التي تتغير باختلاف الظروف مع ملاحظة الأضوية الكاشفة والهادية التي وضعتها الشريعة لصياغة ميول الحاكم الإسلامي في المجال الاقتصادي.

  تحاول النظم الاقتصادية بشتى اتجاهاتها وضع الحلول المناسبة للتغلب على المشكلة الاقتصادية التي تصغها كل منها وفق معتقداتها وتصوراتها حول الإنسان والحياة بشكل عام ، و قد حدد الإسلام المشكلة الحقيقية للحياة الاجتماعية ومنها الحياة الاقتصادية بمشكلة الظلم و الكفر الذي يمارسه الإنسان ضد نفسه وضد الآخرين ،والمراد من الظلم هو كل أنواع الظلم ،وهو يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة(الأصفهاني ،1425هـ :537) و يتلخص في تعدي حدود الله تعالى" ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"(الطلاق،1).

ويظهر الظلم في المجال الاقتصادي  من خلال التعدي على التشريعات السماوية المعينة في مجالي الإنتاج والتوزيع وان كان الأخير أكثر عرضة لظلم الإنسان وتعديه على الحقوق..أما الكفر فهو لغة يعني ستر الشيء، وكفر النعمة و كفرانها يعني سترها بترك أداء شكرها ،يقول الله تعالى "فلا كفران لسعيه"(الأنبياء، 94)،وأعظم الكفر  :جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا(الأصفهاني،1425هـ :714) ،أي إن الكفر في الجانب الاقتصادي هو ستر النعمة الإلهية وعدم القيام بمستلزماتها وتسخيرها لصالح البشرية وإضاعتها ويتجلى الكفر في الاقتصاد بصورة اكبر في مجال الإنتاج.

   وبالتالي فان الإطار العام لواجبات الدولة في المجال الاقتصادي تتمثل بنفي هذين العنصرين من خلال إقامة العدل والشكر على النعم، وذلك بما تمتلكه من قدرات وإمكانيات وسلطات ومسؤوليات حددها الشارع أيضا.

   فهي تعمل على تحقيق القدر الأكبر من شكر النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى من خلال توجيهها الناس وتحقيق السياسات الاقتصادية التي تقررها الشريعة الإسلامية المقدسة،وذلك بالاستفادة القصوى من الإمكانات المادية والبشرية المتوافرة وتوجيه كل الطاقات الفعالة لغرض توفير كل ما يحتاجه المجتمع ليحيا حياة إنسانية كريمة ويقوم بواجباته الحضارية الإنسانية ويؤدي دورا طليعيا في مختلف المجالات ومنها المجالات العلمية والمادية(تسخيري، 2003: 249)، وتتركز واجبات الدولة في هذه المرحلة بالآتي:-

1.     التأكيد على أهمية الإنتاج ووجوب تنميته ،وتوعية الأمة بهذا الموضوع ثقافيا وفكريا وعمليا.

2.     التركيز على توجيه الإنتاج نحو إشباع الحاجات الضرورية الحقيقية والابتعاد عن الأمور الكمالية البحتة.

3.     الاهتمام بالتجارة وجعلها جزءا لا يتجزأ من العملية التنموية للإنتاج،حيث أكد الإمام علي(ع) على هذا المجال الحيوي في عهده إلى مالك الاشتر بقوله:"ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات ،وأوص بهم خيرا المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فأنهم مواد المنافع وأسباب المرافق و جلابها من المباعد والمطارح في برّك و بحرك و سهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ،و لا يجترئون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته،وصلح لا تخشى غائلته وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك "(نهج البلاغة،ج3 : 99).

4.     الاهتمام بالعمران والتخطيط المستقبلي،بحيث ينسجم الإنتاج مع التوزيع العادل والعمران العام ،وفي هذا الصدد يقول الإمام علي (ع) في عهده إلى مالك الاشتر:"وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يسقم أمره إلا قليلا.."( نهج البلاغة،ج3 : 96).

     كما تعمل الدولة الإسلامية على تحقيق العدالة الاجتماعية في مجال التوزيع،و بالشكل الذي رسمته الشريعة أيضا "كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور"(سبأ،15 ) ،وفي مجال التوزيع تتحمل الدولة الإسلامية مجموعة من الواجبات- تحقيقا للعدالة الاجتماعية – تقوم بها في مجالين أساسيين هما:مجال الدخل الفردي ،ومجال مستوى المعيشة .

الدخل الفردي

وتتمثل أهم واجبات الدولة في مجال الدخل الفردي في (تسخيري،2003: 252):-

1.     حماية الملكية الخاصة والدفاع ومجابهة الاعتداءات على هذا القطاع كالسرقة وأمثالها .

2.     مراقبة قيامها بواجبها الاجتماعي من حيث اعتبارها حقا معه مسؤولية لا حقاً مطلقا ،فإذا ما انجرت الملكية الخاصة إلى اتجاه تؤدي إلى تضييع أو الإضرار بحقوق المجتمع ،فان من صلاحية ولي الأمر (الدولة) عندئذ إيقاف  هذا الأمر،وهذا ما تدل عليه نصوص وأحكام شرعية كثيرة ،مثل قوله تعالى :"ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"(النساء، 5)،وأحاديث "لا ضرر ولا ضرار".

3.     منع الاستهلاك أو التبادل اللامعقول ، عن طريق الحجر على السفيه والمريض  مرض الموت والمدين وغير ذلك.

4.     منع التبادل غير المشروع للملكية بما لا ينسجم مع القيم الأخلاقية والاقتصادية التي يؤمن بها الإسلام كالتجارة المحرمة.

5.     منع الاعتداء على حقوق الأفراد الآخرين وحقوق المجتمع العليا عبر أحاديث منع الضرر.

6.     التأكد من أداء بعض الفرائض المالية والاجتماعية  الأساسية كالزكاة والضرائب المالية الأخرى.

مستوى المعيشة

  أما أهم واجبات الدولة في مجال مستوى المعيشة فهي تقوم بها من خلال أمرين أساسيين أيضاَ هما: التكافل والتعادل(تسخيري، 2003: 255).

   والتكافل يكون في مجالين هما التكافل الفردي والتكافل الاجتماعي ، حيث يعني الأول : أن يكون كل فرد في المجتمع الإسلامي ضامنا لأمرين ضمانا واجبا لا تخلف فيه،وهما: 

أ‌)       الحاجات الأساس الضرورية الفورية لكل فرد في المجتمع الإسلامي.       

ب‌)  الحاجات الأساس الضرورية لمجمل المجتمع الإسلامي.

   أما التكافل الاجتماعي فهو: أن تكون الدولة ضامنة (نيابة عن المجتمع) لتحقيق أمرين هما:-

أ‌)       توفير الحاجات العرفية للأفراد حتى يصلوا إلى مستوى الغنى.

ب‌)  تأمين أفضل الحالات الممكنة للحياة الاجتماعية.

     ويلاحظ إن العدالة الاجتماعية في مجال توزيع الثروة لا يوجد لها حلا صحيحا في غير المجتمع الإسلامي القائم على الحق سواء أكان ا التوزيع عن طريق الزكاة أم عن طريق الضرائب المالية الأخرى ،فكان أهم ما استهدفته هو ضمان حد أدنى من المعيشة لكل فرد بمعنى كفاية الاحتياجات الضرورية لمعيشة الفرد من مأكل وملبس ومسكن في حالة عجزه عن تحقيق هذه الكفاية لظروف خاصة خارجة عن إرادته ،كحالات العجز والمرض والشيخوخة(عفيفي،1980: 43).

وهذا الأمر قد أشارت إليه النظم الاجتماعية والاقتصادية  ولكن بشكل متأخر ومن دون تطبيق فعلي لها، حيث أشارت وثيقة (حقوق الإنسان )الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948 ، إلى جملة أمور تتعلق بحقوق الإنسان حيث تذكر: ( إن لكل فرد الحق في إن يعيش في مستوى معقول من المعيشة ، بحيث يتوفر له ولأسرته الصحة والمعيشة الطيبة بما يضمن له الغذاء والكساء والمسكن والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية اللازمة ، وكذلك حق الضمان في حالة التعطل والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من أسباب العجز عن التكسب لأسباب لا يستطيع التحكم فيها)، إن ذلك يؤكد ويثبت بالدليل القاطع أسبقية الإسلام في وضع حقوق الإنسان وقبل النظم الوضعية بأكثر من أربعة عشر قرنا ويبين أصالة هذه الحقوق في النظام الإسلامي الخالد.

أما الأساس الثاني الذي تقوم عليه واجبات الدولة في مجال مستوى المعيشة فهو أساس التعادل الذي به تتكامل السياسة الاقتصادية للدولة وبدونه لن تتحقق هذه السياسة.

والتعادل الإسلامي لا يعني التعادل الحدي والتساوي بين مستويات المعيشة و إنما هو التقارب الطبيعي بين هذه المستويات (تسخيري، 2003: 257) ،فهناك حدين مسلم بهما فقهيا لمستويات المعيشة الفردية لا يمكن تجاوزهما وهما الإسراف حد أعلى ،والغنى حد أدنى ،ويقصد بالإسراف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وهو في الإنفاق أشهر(الأصفهاني،1425هـ :407)، أي انه تجاوز الحد الطبيعي  المعقول لمستوى المعيشة، ويقصد بالغنى هو امتلاك الحد الطبيعي الذي يمكن الفرد من معيشة متوسطة عرفاً ،وفي هذا المجال فان على الدولة إن تبذل كل مواردها المادية والبشرية وبما تمتلكه من نفوذ وسلطة في سبيل الارتقاء بالطبقات المحرومة في المجتمع وتوفير المعيشة الملائمة بتحقيق حد الغنى المطلوب ،وفي نفس الوقت على الدولة أن تبذل كل إمكاناتها للضغط على الطبقة المترفة المتجاوزة للحد الطبيعي حتى تصل إلى الحد الملائم عرفا، وبذلك يتحقق التعادل الإسلامي في المجتمع (تسخيري، 2003 :258)، إلا إن هنالك ملاحظة مهمة يجب الانتباه إليها وهي ،إن الإسلام عندما يدعو إلى إلغاء الطبقية والتفاوت في مستوى المعيشة لا يعني  ذلك إلغائها بشكل تام ومن دون وجود أي فارق بينها، بل وكما يعبر الشهيد الصدر(قده) "هو الاحتفاظ بدرجات داخل مستوى المعيشة الواحد تتفاوت بموجبها المعيشة ، ولكنه تفاوت درجة و ليس تناقضا كليا في المستوى كالتناقضات الصارخة بين مستويات المعيشة في المجتمع الرأسمالي(الصدر، 1973: 626)وليس هذا التفاوت عيبا بل يمثل-قطعا- نقطة قوة،لأنه يتناسب مع طبيعة الإنسان التي فطر عليها ، وتوافقا مع بعض الحقائق والتشريعات الإسلامية ،فهنالك التفاوت في الإمكانات الذهنية والعضلية للأفراد وبالتالي تفاوت الأعمال من حيث القدرة على الإنتاج الجيد(تسخيري،2003: 258) ،وهنالك أيضا قبول الإسلام بمبدأ الملكية ، الذي يؤدي إلى التفاوت في ملكيات الأفراد وقدراتهم على تحقيق مستويات أفضل والنتيجة الحتمية لذلك  هو وجود الفوارق ،ولكن كما تقدم هي على مستوى فوارق الدرجة لا على مستوى الطبقة.

مما سبق يتضح إن هنالك واجبات عدة تقع على كاهل الدولة الإسلامية في المجال الاقتصادي ، وذلك الأمر يقابله - حتما – تحمل الدولة مسؤوليات عدة في الاقتصاد الإسلامي.

ب)مسؤولية الدولة في الاقتصاد الإسلامي

إن العائق الأول الذي يحول دون الرقي الروحي بما يمثله من منطلق أساسي للتكامل الإنساني هو انعدام عنصر الإيمان (الكفر) ،ويأتي من بعده الجور(الظلم) – كما أشرنا إلى ذلك سابقا- ومن هنا فقد ركزت مبادئ الدين على هذين الأمرين معتبرة إياهما من أركان الهداية (حكيمي، 1423هـ: 314).

وبالتالي أصبح على عاتق الدولة في الاقتصاد الإسلامي جملة من المسؤوليات التي من خلالها تتغلب على تلك العوائق ولتحمي المصالح العامة للأمة وتحقق العدالة الاجتماعية ،وقد أعطى الإسلام للدولة وسائل عديدة لتحقيق توزيع للدخل أكثر عدالة وتنقسم هذه الوسائل إلى نوعين (صقر، 1980: 63):

‌أ-       وسائل ضمنية في صميم النظام وأبرزها الزكاة ونظام الإرث ،والإنفاق بأنواعه والكفارات والأوقاف .

‌ب-  وسائل تخضع للقرار السياسي وتقدر حسب حاجة المجتمع وهي تشمل فرض الضرائب وتطبيق نظام الضمان الاجتماعي وتحديد الملكية الزراعية والعقارية أو التجارية.

وعليه فإن من المسؤوليات الأساسية التي تتحملها الدولة لحماية المصالح العامة للأمة ،ولتحقيق العدالة الاجتماعية التي يدعو إليها الإسلام هي:

‌أ-       التدخل والإشراف .

‌ب-  الضمان الاجتماعي.

‌ج-    التوازن الاجتماعي. 

فيما يتعلق بالمهمة الأولى من مهام الدولة وهي التدخل والإشراف فهذه المسؤولية تستند إلى القاعدة الشرعية في قوله تعالى "... أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم"(النساء،59)، وقد سبق شرحه .

 الضمان الاجتماعي

إن من المهام الرئيسة التي تضطلع بها الدول هي ضمان معيشة أفراد المجتمع بصورة كافية، وقد أكد الإسلام الحنيف على هذا الأمر فحمل الدولة مسؤولية ضمان معيشة أفراد المجتمع الإسلامي ضمانا كاملا،فتلتزم الدولة بتقديم المساعدة للمحتاجين في الحالات الموجبة لتقديمها متى لم يكن لهم دخل أو مورد للرزق( الفنجري، 1980: 101)، وترتكز مسؤولية الدولة في الضمان الاجتماعي في الاقتصاد الإسلامي على أساسيين ،تستمد منهما مبرراته المذهبية وهما:

1       التكافل العام وهو واجب يفرض فيه الإسلام على المسلمين كفاية كفالة بعضهم البعض ،  وهو واجب شرعي كسائر الواجبات الشرعية الأخرى التي يحرم مخالفتها ،ويجب على المسلم أداء هذه الفريضة في حدود ظروفه وإمكاناته كما يؤدي سائر فرائضه،ويكون للدولة الإسلامية حق إلزام المسلمين وحملهم على القيام بها بمقتضى الصلاحيات المخولة، ، ويلاحظ إن الإجراءات التي تقوم بها الدولة لمراقبة ومتابعة قيام المسلمين بهذه الفريضة، هي تدخل ضمن نظام الحسبة السابق شرحه، أما حدود هذا التكافل فمن خلال ملاحظة النصوص الشرعية فانه يكون في حدود الحاجات الحياتية الشديدة التي يعسر على الفرد الحياة بدون إشباعها كالطعام والشراب واللباس ، وقد ربط الإسلام بين هذه الكفالة ومبدأ الأخوة العامة بين المسلمين ليدلل على أنها ليست ضريبة التفوق في الدخل فقط، بل هي تعبير عملي عن الأخوة العامة وذلك تماشيا مع منهجه في تأطير الأحكام بالقيم والمثل الخلقية التي  تتفق مع مفاهيمه ومبادئه وقيمه.

2       الحق العام في موارد الدولة ،وهو في اصطلاحنا الحاضر يعني مبدأ الضمان الاجتماعي أي كفالة المستوى اللائق لمعيشة كل فرد ،وفقهيا يعبر عنه باصطلاح الكفاية تمييزا له عن حد الكفاف (( الفنجري، 1980: 100)، وعلى أساس هذا الحق تكون الدولة مسئولة بشكل مباشر عن ضمان مستوى الكفاية من المعيشة لكل فرد مسلم، بصرف النظر عن الكفالة الواجبة على أفراد المسلمين أنفسهم، أما حدود هذه المسؤولية فهي تتجاوز مجرد ضمان الحاجات الحياتية الشديدة  إلى ضمان مستوى الكفاية من المعيشة للفرد الذي يحياه أفراد المجتمع الإسلامي ،لان ضمان الدولة هنا كما يقول الشهيد الصدر هو:"ضمان إعالة ،و إعالة الفرد هي القيام بمعيشته و إمداده بكفايته،والكفاية من المفاهيم المرنة التي يتسع مضمونها كلما ازدادت الحياة العامة في المجتمع الإسلامي يسرا ورخاء"( الصدر،1973: 618)، وتؤكد النصوص التشريعية على هذه المسؤولية وتبينها بشكل واضح بين لا يقبل الخلاف أو الجدل، فعن الإمام جعفر الصادق(ع):" إن رسول الله(ص) كان يقول في خطبته: من ترك ضياعه فعليّ ضياعه ومن ترك َدينا فعليّ َدينه ..."، وجاء في كتاب الإمام علي(ع) إلى واليه على مصر :"..ثم الله الله في الطبقة السفلى في الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين و أهل الزمني فان في هذه الطبقة قانعا ومعتر وأحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك ،...، وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له و لا ينصب للمسألة نفسه"(نهج البلاغة،ج3: 100  )، فهذه النصوص تقرر بوضوح مبدأ الضمان الاجتماعي وتشرح المسؤولية المباشرة للدولة في إعالة الفرد وتوفير حد الكفاية له. أما الأساس النظري لهذا الضمان هو كون الموارد كلها للجماعة لا لفئة دون فئة"خلق لكم ما في الأرض جميعاً"(البقرة، 29) ، فهذا الحق يعني إن كل فرد من الجماعة له حق الانتفاع بثروات الطبيعة والعيش الكريم منها. وتشكل قطاعات الدولة بمواردها العامة و ملكياتها مضافا إلى فريضتي الخمس والزكاة المصدر الأساسي لهذا الإنفاق . وقد حدد القرآن الكريم وظيفة الفيء ودوره الاقتصادي في المجتمع في قوله تعالى:"... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" (الحشر، 7) فهذا النص القرآني يحدد وظيفة الفيء ودوره في المجتمع بوصفه قطاعا عاما وطريقة لضمان حق الجماعة كلها في الثروة  ، والمنع عن احتكار بعض أفراد الجماعة للثروة وتأكيدا على وجوب تسخير القطاع العام لمصلحة اليتامى والمساكين وابن السبيل ليظفر جميع أفراد الجماعة بحقهم في الانتفاع بالطبيعة التي خلقها الله لخدمة الإنسان (الصدر،1973: 622)، وقد أفتى بعض الفقهاء كالشيخ الحر العاملي (قده) بشمول ضمان الدولة لغير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية.

التوازن الاجتماعي

  إن نظرة الإسلام منذ إشراقه على المجتمعات البشرية ومطالعته للدنيا والى قيام الساعة ،تقوم على التوازن والتوسط في جميع نواحي الحياة وجميع مجالاتها سواء كانت الروحية منها أم المادية، ففي مجال العبادات من صلاة وصيام ..يرى خير الأمور الوسط ، وفي مجال المال والاقتصاد يرى نفس النظرة ، يقول الله تعالى :"وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً "(البقرة، 143).

  إن الصورة المثالية التي يريدها الله سبحانه وتعالى لعباده هي الصورة التي يتكامل فيها الجانب الروحي مع الجانب المادي ،والجانب القوي مع الجانب الضعيف والجانب الغني مع الجانب الفقير ،فالإسلام يقيم للإنسان تشريعا تنسجم فيه مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة ومصلحة الجماعة مع مصلحة الدولة،ويؤسس نظامه الاقتصادي على العدالة من جهة وعلى المحبة من جهة أخرى(عفيفي،1982 :31).

  وقد عالج الإسلام قضية التوازن الاجتماعي ،باعتباره أحد المبادئ المهمة لنظامه الاقتصادي والاجتماعي في ذات الوقت ،حيث انه يرتبط بقضية حساسة وحيوية هي قضية الأمن الاجتماعي في الدولة والقاضي بمكافحة الفوارق والتناقضات الاجتماعية الفادحة التي تقود المجتمع نحو الصراعات والانقسام .

   إن التوازن الاجتماعي في الإسلام لا يعني توازنا في مستوى دخول الأفراد وثرواتهم ، بل هو توازنا في مستوى المعيشة الذي يقضي على التناقضات الفادحة التي نراها في النظم الوضعية كالرأسمالية.وهذا التوازن الإسلامي يعني تداول المال بين أفراد المجتمع بشكل يتيح لكل فرد العيش في المستوى العام وإن اختلفت الدرجات فيه فالاختلاف اختلاف درجة لا اختلاف صارخ وتناقض كلي(تسخيري، 2003: 261). 

  والإسلام لا يفرض إيجاد حالة التوازن الاجتماعي في لحظة ما وإنما  يجعله في مستوى المعيشة وهدفا تسعى الدولة في حدود صلاحيتها إلى تحقيقه والوصول إليه بمختلف الطرق والأساليب المشروعة التي تدخل ضمن صلاحياتها .ولتحقيق هذا الهدف قام الإسلام بضغط مستوى المعيشة من أعلى بتحريم الإسراف وبضغط المستوى من أسفل بالارتفاع بالأفراد الذين يحيون مستوى منخفضا من المعيشة إلى مستوى ارفع وبذلك تتقارب المستويات حتى تندمج أخيرا في مستوى واحد قد يضم درجات ولكنه لا يحتوي على التناقضات الرأسمالية الصارخة في مستويات المعيشة(الصدر،1973: 626).

    أما الوسائل التي تعتمد عليها الدولة لتحقيق هذا التوازن فهي:

1.     الضرائب الثابتة في التشريع وهي الخمس والزكاة بأصنافها ، فيرتفع بالفقير إلى مستوى المعيشة في عصره، كما عند سائر الناس وبما يتناسب مع الحجم العام للثروة ومستوى الرقي والرفاهية المتعارفة.

2.     إيجاد القطاعات الإنتاجية والخدماتية العامة التي تؤمن إنفاقاً وتقديمات مناسبة، فالإسلام لم يكتف بالضرائب الثابتة التي شرعها لأجل التوازن بل حمل الدولة مسؤولية الإنفاق في القطاع العام لهذا الغرض،فعن الإمام موسى بن جعفر(ع):"إن على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة أن يمون الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا"وتدل كلمة (من عنده) على إن غير الزكاة من موارد بيت المال يتسع لاستخدامه في سبيل إيجاد التوازن بإغناء الفقراء ورفع مستوى معيشتهم(الصدر،1973 :633).

3.     التشريعات الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في إيجاد التوازن وحمايته ، فعلى سبيل المثال إن تحريم اكتناز النقود وإلغاء الفائدة والاستثمارات الرأسمالية للثروات الطبيعية ،فان هذه الإجراءات تؤدي إلى القضاء على الاحتكار والإخلال بالتوازن الاجتماعي، كما أن إجراءات من قبيل أحكام الإرث تمنع من تكديس الثروة وتعيد توزيعها وتداولها على الأقرباء ومن ثم على الشرائح الاجتماعية المختلفة، كما إن الصلاحيات الممنوحة للدولة لملء منطقة الفراغ لها اثر كبير في حماية التوازن كما مر سابقا.

     نستخلص مما سبق إن الإنسان ومنذ أمد بعيد سعى إلى تحديد النظام الاجتماعي الأمثل الذي يصل بواسطته إلى الطمأنينة والسعادة الحقيقية ، ويرتقي من خلاله نحو الأفضل ،وقد بذل في سبيل ذلك كل جهد وطاقة وبما يملك من العقل والتفكير لإقامة هذا النظام ،إلا انه لم يصل إلى غايته المنشودة إلا من خلال استعانته بهدي ونور التعاليم السماوية التي نقلها الأنبياء والرسل والأوصياء (ع) إلى البشر.

  وكانت المشكلة الاقتصادية ولازالت تشكل جزءا مهما من حياة الإنسان ،حيث إن الاقتصاد والمال هما من العناصر المهمة لاستقرار النظام الاجتماعي للإنسان، ولا يمكن للجماعة أن تتكامل وتنمو وتواجه مختلف المشاكل والصعاب 

الباب الثاني:المذهب الاقتصادي الإسلامي

  قبل الخوض في رحاب الاقتصاد الإسلامي وتفاصيله،  يجدر بنا أن نتوقف قليلا عند ملاحظة مهمة ،تتعلق بالتمييز بين كلمتي المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ولأي منهما  تدرج كلمة الاقتصاد الإسلامي،حتى تتضح لنا المعالم والأهداف والأبعاد الرئيسة والجوهرية للاقتصاد الإسلامي ، وفي هذا الصدد يقدم لنا الشهيد الصدر(قده) "( 1973: 341) تمييزا واضحا وبينا للكلمتين ، فهو يعرف المذهب الاقتصادي للمجتمع بأنه"عبارة عن الطريقة التي يفضل المجتمع إتباعها في حياته الاقتصادية وحل مشاكلها العملية ، وعلم الاقتصاد هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها،وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامة التي تتحكم فيها "، أما الفنجري (1980: 80-81) فيرى أن المذهب الاقتصادي في الإسلام يتضمن المبادئ والأصول الاقتصادية التي جاء بها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا ،وكذلك يتضمن السياسة الاقتصادية في الإسلام.

   فالمذهب الاقتصادي هو الذي يقدم الطريقة المثلى لتنظيم الحياة الاقتصادية على ضوء مجموعة من المفاهيم العامة والتشريعات للوصول إلى العدالة المنشودة ،وبذلك فان وظيفة المذهب تتمثل بتقييم وتغيير الواقع، أما علم الاقتصاد فهو يبحث في الواقع الاقتصادي القائم ليكشف عما يجري فيه فيحدد قوانينه والعلاقات الاقتصادية القائمة والظواهر و أسبابها   سواء أكانت طبيعية كظاهرة تناقص الغلة أم اجتماعية كظاهرة انخفاض الأسعار(المعارف الإسلامية: 9).

 ويمكن القول إن المذهب الاقتصادي يشمل كل قاعدة تتصل بفكرة مسبقة ،وعادة ما تكون مرتبطة بفكرة العدالة الاجتماعية ، وعلم الاقتصاد يشتمل كل نظرية تفسر واقعا في الحياة الاقتصادية دون أن يكون هنا مثلاً أعلى يستند إليه(تسخيري،2003 :193)، ففكرة العدالة هي الحد الفاصل بين المذهب والعلم، والعلامة الفارقة التي تميز بها الأفكار المذهبية عن النظريات العلمية ،لان فكرة العدالة نفسها ليست علمية ولا أمرا حسيا قابلا للقياس والملاحظة أو خاضعا للتجربة بالوسائل العلمية و إنما العدالة تقدير وتقويم خلقي خارج عن حدود القياس المادي(الصدر،1973 :345) .

وعلى هذا الأساس يتبين إن المقصود بالاقتصاد الإسلامي هو المذهب الاقتصادي  للإسلام الذي تتجسد فيه الطريقة الإسلامية في تنظيم الحياة الاقتصادية ،بما يحتوي عليه هذا المذهب من أفكار ومفاهيم الإسلام الأخلاقية وكذلك المفاهيم العلمية الاقتصادية والتاريخية (الصدر،1973 :9).

  من جهة أخرى فإن معرفتنا بالمذهب الاقتصادي الإسلامي من حيث الأصول والمبادئ والمعايير التي يحتويها ، يمكننا من خلالها أن نحدد حكم أو موقف الإسلام بالنسبة للمذاهب والأنظمة الاقتصادية الوضعية المعاصرة ،وعلى ضوء هذه الأصول والمبادئ نستطيع أيضا أن نحكم على أي نظام في العالم الإسلامي – أيا كان وصفه- بأنه يبتعد أو يقترب من التطبيق الإسلامي الصحيح (الفنجري، 1980: 81).

  وقد اهتم الإسلام بهذه المسالة اهتماما بالغا- إلى جانب اهتماماته العقائدية والفكرية والروحية والأخلاقية – لما لها من دور كبير ومهم في تنظيم الحياة الإنسانية ،وتحديد النظام الاجتماعي المتكامل معنويا وروحيا.

     ولهذا فقد ولد المذهب الاقتصادي الإسلامي الذي يعبر عن طريقة الإسلام في حل المشاكل الاقتصادية، وهو يستند في مبادئه وخصائصه تلك إلى مفاهيم الإسلام وقيمه ومثله عن الدين والحياة.

   ومن ثم فان الاقتصاد الإسلامي يمثل جزءا من تنظيم اجتماعي شامل للحياة وهو الدين، حيث يمثل الدين الإطار العام للاقتصاد الإسلامي، ووظيفة الدين بوصفه إطاراً للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي في الإسلام – أن يوفق بين الدوافع الذاتية والمصالح الخاصة من ناحية والمصالح الحقيقية العامة للمجتمع الإنساني – من وجهة رأي الإسلام- من ناحية أخرى(الصدر، 1973: 289).  

بما إن الديانات الأممية أو الإنسانية تهدف إلى الارتقاء الكامل ووصول الإنسان إلى الكمال بوسيلة منهجية مدسترة أي وفق دستور سماوي خاص وهو الكتاب المنزل على كل نبي من الأنبياء(ع) , وبما إن الدين الإسلامي، يعتبر إطارا شاملا لكل أنظمة الحياة في الإسلام ،وحيث إن الإسلام نظام صادر عن خالق الإنسان أولا,وان الإنسان مسئول عن تطبيقه ثانيا ,وانه سوف يحاسب على هذه المسئولية في الحياة الأخرى ثالثا, لذا فيمكن القول إن الهيكل العام للاقتصاد الاسلامي هو الدين, وهذا الهيكل هو الضمان الوحيد لتحقيق المصالح الاجتماعية العامة للإنسان.

والله من وراء القصد ...

 

 

 

 

 

رزاق مخور داود

1426 هـ ـ 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر 

1.           القرآن الكريم

2.     نهج البلاغة ( 1401هـ)،مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام،شرح الشيخ محمد عبده ،4 أجزاء،المكتبة الأهلية- بيروت.

3.           المعجم الوجيز(1426هـ، 2005)، مجمع اللغة العربية، جمهورية مصر العربية.

4.  الأصفهاني، العلامة الراغب( 1425هـ.ق)ط4. " مفردات ألفاظ القرآن الكريم"، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم ، دمشق ، سوريا.

تفاسير القرآن

1.     الشيرازي، ناصر مكارم( 1413 هـ.ق). "الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل" ، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

2.           مغنية، محمد جواد( 1981م). "تفسير الكاشف"، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.

مصادر الحديث والأحكام الفقهية

1.       البخاري، الإمام أبي عبدالله محمد بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة الجعفي(1981م). " صحيح البخاري"، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

الكتب 

1.       تسخيري، محمد علي (2003م)ط1." خمسون درسا في الاقتصاد الإسلامي"، المشرق للثقافة والنشر، طهران، إيران.

2.                 الصدر، آية الله السيد محمد باقر(قده) ( 1973م)ط4." اقتصـادنا"، دار الفكر للنشر، بيروت، لبنان.

3.       عفيفي، محمد الصادق (1980م)ج2."المجتمع الإسلامي وفلسفته المالية والاقتصادية"، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.

البحوث والمقالات 

1.       حكيمي، محمد رضا ( 1421هـ.ق)."العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام"،ترجمة خليل العصامي، تنقيح د. صادق حقيقت،مدخل إلى الفكر السياسي في الإسلام- مجموعة مقالات، مكتب الدراسات الثقافية الدولية ، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع،إيران، ص ص: 309- 321.

2.       شمس الدين، محمد مهدي( 1421هـ.ق)." النظام الإداري في الحكومة الإسلامية"، ترجمة خليل العصامي، تنقيح د. صادق حقيقت،مدخل إلى الفكر السياسي في الإسلام- مجموعة مقالات، مكتب الدراسات الثقافية الدولية ، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع،إيران،ص ص: 349- 374.

1.       الفنجري، د.محمد شوقي( 1980م)." المذهب الاقتصادي في الإسلام- الاقتصاد الإسلامي"، بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي (1980)،المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز،المملكة العربية السعودية.

أوراق مسحوبة من الإنترنت

Iwan, Triyuwoneo & Gaffikin, M.,” Shari Ate Accounting: An  Ethical Constructions Of Accounting Knowledge” 2002. http// www. iiu. edu.my 

 

 

 

 

 

 

________________________________________

[1] الاجتهاد هو عبارة عن استنباط الحكم الشرعي من مداركه المقررة.

 

[2] يقصد به التزاحم بين وجوب إجراء الحكم وحرمة ترتب المفاسد المنظورة ، كأن على ولي الأمر أن يوفر أفضل حل ممكن بحيث يتم تطبيق الحكم الشرعي مع تلافي النتائج السلبية.

 

[3] مقابلة شخصية أجراها الباحث مع آية الله الشيخ محمد اسحق الفياض/النجف الأشرف 12 /شعبان/1426هـ.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54233
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2