لأي شيء حاز الامام الحسين (ع) هذه المكانة الفريدة في قلوب الناس ..لأي شيء تربع على عرش القلوب ..لم هذه الحرارة التي لا تبرد في قلوب محبيه ..وهذه الجمرة الملتهبة في افئدة عاشقيه ..لماذا ظل الامام الحسين قضية ساخنة مع مرور الزمن ..ما هذا اللغز في قضية مر عليها اكثر من قرن من الزمن مع ان ثمة قضايا في التاريخ لا تقل مأساوية عن قضية الامام الحسين تم نسيانها ولم يعد احد من الناس يتذكرها ..؟
ما السر في ذلك ؟
ما هو السر المخبوء في قضية تاريخية مر عليها كل هذ الزمن الطويل وما زالت قضية طرية تستفز الضمائر الحية وتلهب المشاعر والاحاسيس وتفجر الدموع وتطلق الآهات الحارة من الصدور ..؟
هل كان الحسين ساحرا القى السحر على اصحابه يوم الطف فجعلهم يتهافتون على الموت تهافت الفراشات على الضوء وكان (عابس) نموذجا .. وكانت تلك المرأة التي قتل زوجها فلم تطيب نفسها لذلك حتى ارسلت ولدها وهو صغير في السن الى ارض المعركة ليستشهد ويلحق بابيه ..نموذجا اخر ..وتلك المرأة النصرانية التي كانت تحث ولدها الشاب وهو جديد عهد بالزواج وحين تعلقت به زوجته قالت لها : لا تسمع لقولها يا ولدي ولا تتردد في الذهاب لنصرة الامام الحسين ..نموذجا ثالث ..والحقيقة ان كل من هب لنصرة الامام الحسين هو نموذجا في التضحية والفداء..
هل كان كل هؤلاء مندفعين بسحر ساحر اسمه الامام الحسين ..فاصبح الموت عندهم لعبة جميلة ..؟
ولماذا ظل سحر الامام الحسين مستمرا من ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة ..؟
اذ لم تعد قضية الامام الحسين قضية شيعية .. ولا قضية اسلامية .. بل قضية انسانية ...ولعلها قضية كونية .
والمسالة لا تحتاج الى الكثير من التفكير لكي نصل الى الجواب ...
من يملك شؤون الكون هو الله سبحانه وتعالى ...
والامام الحسين وهب كل ما يملك .. اعطى اعز ما يملكه لله تعالى شانه ..فأعطاه الله كل هذه المنزلة ..وكل هذه الكرامة
انها مسالة تفان واخلاص في سبيل الله ..
حينما كان الامام الحسين مطروحا على الارض يعاني من شدة النزف والم الجراحات ..ومجموعة من الذئاب البشرية تنتظر الفرصة للإجهاز عليه ..كانت شفتاه تتحركان : اللهم ان كان هذا يرضيك ..فخذ حتى ترضى ...وقالت الحوراء زينب وهي واقفة على جسد اخيها المقطع بالسيوف : اللهم تقبل منا هذا القربان ..
هذا هو الاخلاص الحقيقي ..
كانت الخلافة المزيفة في عصر الامام الحسين توشك ان تخرج الامة الاسلامية من النور الى الظلمات ..من نور الهداية الى ظلمات الجهل ..وكان خليفة المسلمين السادر في غيه لا يرعى شئؤون الناس من رعيته بقدر رعايته لقروده التي طوق اعناقها بقلائد الذهب ..وكانت الامة في محنة شديدة لانحراف الخليفة وغواية الامراء في نشر الظلم ومجانبة العدالة
وحينما جاءته الاوامر ببسط كفه لمبايعة الحاكم الظالم واعطائه الشرعية لكي يمضي بعيدا في طريق الظلم والانحراف ابت النفس العلوية ان تفعل ذلك فرفض تلك البيعة التي هي اهانة لمن يمتلك قلبا عامرا بالأيمان ونفسا كريمة تأبىالخضوع والانقياد لغير الله تعالى وقال : من مثلي لا يبايع مثله ..اي ان النور لا ينبغي ان يلتقي مع الظلام ..والصدق لا ينسجم مع الكذب والخداع ...والذهب لا يمكن ان يتساوى مع الطين النتن ..
وخرج حفيد النبي محمد (ص) من المدينة الى العراق وهو عالما بمصيره وبالغاية المحتومة التي يسعى اليها ..انها نبوءة قديمة قدم السماء والارض ..لابد من التضحية بكل ما يملك اذا ما اراد لدين جده ان يبقى ويتجدد...
كانت تلك القافلة تسير نحو هدف رسمته السماء ..قافلة صغيرة فيها اطفال ونساء والقليل من الانصار الذين صمموا على مصاحبة الحسين حتى اخر رمق من حياتهم ..لم يلتحق بتلك القافلة التي تسير بعين الله الكثير من الناس لان الناس صاروا على دين ملوكهم ..اهمتهم الدنيا واخر ما يفكرون به هو الدين ..والحسين خرج لإصلاح ما تمزق من ثوب الدين ..كان الخرق في الثوب الممزق كبيرا وكان نتيجة لخروقات سابقة غفلت الامة في رتقها لوقتها فظل الخرق يتسع باستمرار حتى وصل الى ما وصل اليه في زمن الامام الحسين ..كانت الاكثرية من الناس يحبون الامام الحسين لكنه حب مجرد تنقصه الارادة.. حب عبر عنه الشاعر الفرزدق خير تعبير في جوابه للأمام حينما سألة عن احوال الناس خلفه (قلوب الناس معك وسيوفهم عليك ) وهذه مفارقة عجيبة ..كيف يحمل الانسان سيفه على من يحبه ؟!
ولكن هذا ليس بالشيء العجيب على من افتتن بالدنيا وكان الهه هواه ..لذلك كان الامام الحسين واصحابه قلة مميزة في بحر من الناس يعيشون كالحيوانات (همها علفها) فاستحقوا ان يكونوا في عين الله ورعايته فكانت جائزتهم الخلود في الجنة والخلود في قلوب الناس ..
انهم اخلصوا النيةوصدقوا ما عاهدوا الله عليه ..كانت سيوفهم وقلوبهم مع الامام الحسين ..قاتلوا معه حتى الرمق الاخير
نعم تقطعت اجسادهم ..وسبيت نسائهم ..وحملت رؤوسهم على اسنة الرماح ..خسروا معركة واحدة فقط..لكنها المعركة التي فتحت لهم ابواب الجنة ..وفتحت للإنسانيةطريق الحرية ورفض العبودية لغير الله تعالى ..
اجل ..لم يكن الامام الحسين ساحرا ..بل انه سحر الارادة الالهية ..الارادة الالهية التي جعلت الامام الحسين خالدا في قلب الزمن وقلوب الناس ..كل الناس ..حتى الاطفال الصغار يمشون على اقدامهم الناعمة تلبية لنداء حفيد الرسول (هل من ناصر ينصرنا ) الكل هبو لنصرة الامام الحسين رغم كل المخاطر الموجودة في الطريق , رغم تهديدات احفاد يزيد بن معاوية وشمر بن ذي الجوشن وحرملة بن كاهل ..انهم يمشون على الجمر وكانهم يمشون على الورود ...