الملــخص:
أن الحديث عن أخلاق العمل في الاسلام يعتبر من المواضيع التي لم تنال أهمية في مجال الأدارة ونتيجة لذلك ظهرت العديد من النظريات والأقتراحات التي تحاول أن تفسر أفضل الاساليب للادارة لذلك برزت الحاجة الى دراسة أخلاق العمل التي تعتبر من مكونات الأدارة التي تكون نابعة من تعاليم الدين الحنيف نظراً لثرائه وعمق توجيهاته ونظراً للاثر الكبير لغياب أخلاق العمل على الاداء السياسي والاقتصادي للدول وخاصة في السنوات الاخيرة ، فقد برزت الحاجة الى دراسة الموضوع ومعالجة ظواهره مما يزيد الأمر أهمية كيفية غرس أخلاق العمل في الادارة وأن فقدان الاخلاق العامة يؤدي الى بروز الفساد الاداري مما يزيد من كلفة الخدمات العامة ويؤدي الى عدم العدالة والظلم بين الأفراد.
لقد طرح البحث الى أهم الاسباب التي تؤدي الى تراجع أخلاق العمل وهي (التلوث العقدي ، التلوث الفكري ، التلوث القيمي ) ثم الى الوسائل التي تؤدي الى تقويم تلك الاخلاق وأنتهى البحث بعدد من الاستنتاجات والتوصيات حاولت تسليط الضوء على الأطر النظرية للموضوع .
المقدمة:
منذ بدء الخليقة ، ظهرت الحاجة إلى إدارة العائلة أو القبيلة أو القرية أوالمجتمع أو الدولة ، وقد تطورت الإدارة مع تطور البشرية، وتعقدت مع تشابك الحياة وأساليبها ، ونتيجة لذلك ظهر العديد من النظريات والافتراضات ا لتي تحاول أن تفسر أفضل الأساليب والوسائل للإدارة وتختلف نظريات الإدارة باختلاف طبيعة الموضوع الذي تركز عليه، ولكن أغلبها لم يعط موضوع القيم وأخلاق العمل ما يستحقه من الاهتمام والتقدير، وخاصة في الأدبيات الغربية ،أما الأدبيات العربية، فدراسة أخلاق العمل كانت قليلة مقارنة مع أهميتها وتأثيرها على العمل ، ولذلك فهناك حاجة إلى إبراز مثل هذا الجانب من مكونات الإدارة وهي أخلاق العمل وأن يكون نابعًا من تعاليم الدين الحنيف نظرًا لثرائه وعمق توجيهاته ، ونظرًا للأثر البالغ للفساد الإداري ضمن موضوع أخلاق العمل ، فلابد أن يفرد له حيز خاص من الاهتمام والتحليل .
إن أهمية دراسة الإدارة تنبع من دورها المهم في التنمية الشاملة وبخاصة في أحداث التنمية الاقتصادية ( عبد الرحمن ،( 1982 ،وفي دراسة للبنك الدولي عن أسباب نجاح الدول التي يطلق عليها النمور الآسيوية مثل ماليزيا وسنغافورة ، في تحقيق التقدم الاقتصادي ، برز أمران أساسيان لمثل هذا التقدم : أولهما وجود قطاع خاص ناشط ومبادر ، وثانيهما توافر إدارة عامة فاعلة وذات قدرة على وضع السياسات العامة المناسبة . (1993 World Bank)
ولذلك فإن الإدارة لها دور مهم في إحداث التنمية في الدول العربية والإسلامية،ولكن يقلل من دورها فقدان أخلاق العمل الإيجابية، وما يصاحب ذلك من فساد إداري ، ولذلك فالهدف الأول من هذا البحث هو إبراز أهمية أخلاق العمل في إدارة المنظمات الحكومية وغيرها المعاصرة لمتطلبات الحياة الكثيرة والمعقدة ومنذ أن نشأت الإدارة ، نشأ معها الفساد الإداري، ولكن درجة انتشاره وأنواعه تختلف باختلاف بيئات العمل وظروف المجتمعات ومع أن الديانات السماوية وغيرها من النظم الوضعية ، كانت من خلال تعاليمها الدينية أو توجيهاتها الأخلاقية ، تحاول أن تقضي على هذا الفساد الإداري وتحاربه ، إلا أنه استمر مع استمرار ضعف النفس البشرية وطغيان حب المادة .
ومع قيام نظم الحكم الحالية المعتمدة على النظام البيروقراطي وهيكله،منذ القرن التاسع عشر ، فقد كان الافتراض النظري أن الموظفين الحكوميين هم وكلاء عن معظم الشعب الذي انتخبهم، أو خادمون لمصلحة المجتمع بصورة عامة عندما يؤدون ما كلفوا به من أعمال ضمن قواعد متفق عليها ، ولذلك فقد افترض النظام البيروقراطي ، توافر أخلاق معينة لدى الموظف المدني تليق بالمسؤولية الملقاة على عاتقه كوكيل للأمة في إدارة شؤونها، وتقلل من بروز الفساد الإداري ، ولكن التطبيق العملي لهذه البيروقراطيات والنظم الديمقراطية أظهر العديد من جوانب النقص والانحراف وإن التحليل الجاد لظواهر الفساد الإداري في القرن الماضي ، يظهر زيادة الفساد الإداري وما له من تأثير سلبي على رخاء المجتمع ومعيشته .
ونظرًا للأثر الكبير لغياب أخلاق العمل على الأداء السياسي والاقتصادي للدول وخاصة في السنوات الأخيرة ، فقد برزت حاجة ماسة لدراسة هذا الموضوع ومعالجة ظواهره ، ومما يزيد الأمر أهمية أن أخلاق العمل وكيفية غرسها في الإدارة لم تحظ باهتمام الباحثين في الدول الإسلامية ، كما أن التوجة
العام كان في السابق نحو التركيز على الأسلوب العام في معالجة الفساد وذلك من خلال استهجانه وتعريفه بصورة عامة، والتفكير فيه كتصرف فردي ،وبالتالي فإن السبيل لمعالجة هذا الأمر – ضمن هذا المنظور - هو تحديد الأشخاص الذين يفتقدون الأخلاق العامة أو يمارسون الفساد الإداري، ومن ثم عزلهم عن العمل العام أو إنزال العقوبات الرادعة بهم ، ولكن مع تطور الإدارة وتعقد أساليبها وتعدد البيئات التي تعمل فيها، ولعدم فاعلية الأسلوب العام في معالجة الفساد ، فقد برزت توجهات جديدة حول كيفية التعامل مع أخلاق العمل ومحاربة الفساد الإداري .
فمحاربة الفساد الإداري من منظور الإدار ة قد مر بعدة مراحل Anechiarica and Jacobs) 1994:466 ) ففي المرحلة الأولى كان الاهتمام بالقضاء على المحسوبية من خلال الاعتماد على الصفات الشخصية للموظف، وعلى اختبارات قدراته، له مع وجود نظام للجدارة يعتمد في تطبيقه على آراء مجموع الزملاء وعلى الرقابة الشخصية. أما المرحلة الثانية فكان الاهتمام منصبًا على أن يكون الموظف محترفًا من الناحية المهنية، وحريصا على احترامه لمهنته والاعتزاز بها ، وذلك من خلال الاعتماد على انتهاج منحى الإصلاح الإداري وتأسيس هيئات مستقلة للمراقبة، ويعتمد في تنفيذه على تكوين المؤسسات والرقابة عليه من خلال تطبيق مفاهيم محددة للفاعلية والأداء . أما المرحلة الثالثة فكان الاهتمام منصبًا على الرقابة من خارج المؤسسات باستخدام أسلوب الإدارة العلمية الذي يهتم بإعادة التنظيم الحكومي وتأكيد المركزية، ويعتمد في تطبيقه على رقابة الهيئات التي تؤسس لهذا الغرض خارج الجهازا أما المرحلة الرابعة فكان الاهتمام فيها منصبًا على تنفيذ القانون من خلال هيئات الرقابة والتحقيق القانوني كالنيابة الإدارية وتأسيس أدوات التحكم المالي ومؤسساته، ويتم تطبيقها من خلال هيئات خاصة للرقابة والتحقيق .
إن واحدة من العوامل المهمة خلف أي دعوة لمراجعة أنشطة الجهاز الحكومي، هي الشكاوى الكثيرة من عامة الناس، أو الرأي العام حول أداء الجهاز الحكومي في تقديم الخدمات، أو ما أطلق عليه فجوة الأداء 1973 Caiden) ،33 )بالإضافة إلى قلة الفاعلية أو عدم توافر الطاقة المؤسسية ، ولذلك فإن فقدان الأخلاق العامة هو أحد الأسباب الرئيسة في بروز فجوة الأداء ، كما أن فقدان الأخلاق العامة يؤدي إلى بروز الفساد الإداري ، مما سيزيد من تكلفة الخدمات العامة ويؤدي إلى عدم العدالة والظلم بين أفراد المجتمع .
ويتكون البحث من مقدمة وثلاثة فصول .
أما الفصل الأول،فيتحدث عن الاطار النظري لأخلاقيات العمل من المنظورالعام من حيث مفهومه وأسس نظامه ومصادر استنباطه (الديني والبيئي والاجتماعي)كما تحدث عن التشريعات الخدمة المدنية والعوامل التي تؤثر على اخلاقيات العمل وهي (البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية).
أما الفصل الثاني ، فيتناول الصفات الحميدة من أخلاقيات وظيفية وسلوكية في اخلاقيات العمل والصفات الذميمة من عدم المحافظة على سرية العمل والرشوة والمحسوبية في أخلاقيات العمل المذمومة.
أما الفصل الثالث ، قد ناقش عدداً من القضايا منها : نظرة الإسلام إلى العمل من حيث مشروعيته ، ونوعه وماهيته ، وموقف الإسلام من البطالة ،وتناول ايضاً اخلاق العمل وبحث الأخلاق التي يجب توافرها في العامل ، وفي صاحب العمل على حد سواء ، كما أشار الى العلاقة التي تجب أن تكون بين الطرفين من خلال نظرة إنسانية موسومة بالعطف والرحمة ، كما بحث في هذا الفصل تارجع أخلاق العمل وطرق تقويمها ، وتكفّل هذا الجزء ببيان أن الشريعة الإسلامية كل لا يتجزأ ، وبالتالي فإن الأحكام التي عالجت شؤون العمل والعمال لم تكن منفصلة عن بقية أحكام الشريعة ، فالاخلاق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الإسلامية ، فلا يمكن الفصل إذن بين أنظمة الإسلام ، ونظام الأخلاق وآحد من تلك الأنظمة.
ثم أشرنا بعد ذلك إلى أهم الأسباب التي أدت ، أو تؤدى ، إلى تراجع أخلاق العمل – في نظرنا – وعزوناها إلى ثلاثة أمور هي : التلوث العقدى، التلوث الفكري ، التلوث القيمي . ثم أشرنا إلى وسائل تقويم تلك الأخلاق .
الفصل الأول/ الاطارالنظري لأخلاقيات العمل :-
مفهوم أخلاقيات العمل :-
الخُلُق لغة: في القاموس المحيط "الخلق بالضم وبضمتين السَّجيَّة ، والطبع ، والمروءة ،والدِّين"
واصطلاحاً: "صفة مستقرة في النفس ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة"(الميداني،2001،ص25).
والأخلاق هي: مجموعة القواعد والمبادئ المجردة التي يخضع لها الإنسان في تصرفاته، ويحتكم إليها في تقييم سلوكه ، وتوصف بالحسن أو بالقبح"(الميداني،2001،ص29).
فالخلق صفة مستقرة لا عارضة؛ لأن الإنسان قد يتلبس ببعض الصفات غير الثابتة لموقف معيَّن، كالكرم، أو الخوف، أو الغضب، أو غير ذلك ، في حين أنه إذا رؤي في الأحوال العادية تظهر منه الصفات الحقيقية التي قد تخالف هذه الصفات.
وهذه الصفة المستقرة لها آثار سلوكية، فالسلوك ليس هو الخلق، بل هو أثره وشكله الظاهر.
فسلوك الإنسان وتصرفاته يدلان على خلقه غالباً ، وإنما قلت غالباً لأن الإنسان قد يصدر منه تصرفات في حالات طارئة لا تدل على خلقه - وسأذكر هذه الحالات بعد مبحثين - ولذا فإن الشرع المطهر يربط الحكم على الشخص من خلال سلوكه ، كما قال " إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان" (الترمذي،1981،ص505)، فمن خلال سلوكه الظاهر حُكِم عليه بالإيمان الباطن.
وبعد ذكر تعريف الأخلاق، نستطيع أن نعرِّف أخلاق العمل بأنها :المبادئ التي تعدّ أساساً للسلوك المطلوب لأفراد المهنة ، والمعايير التي تعتمد عليها المنظمة في تقييم أدائهم إيجاباً وسلباً" فلكل مهنة من المهن قيم ومبادئ ومعايير أخلاقية ومعرفة علمية وأساليب ومهارات فنية تحكم عمليات المهنة وتحدد ضوابطها، وللمهنة مجالات متعددة ووظائف معينة، وقد تتداخل مجالات المهنة ووظيفتها ومادتها العلمية ومهاراتها وأساليبها الفنية مع مهن أخرى، وتعد دراسة فلكسنر (Flexner) عام 1915م أقدم دراسة في مجال المهن وقد توصلت إلى معايير عدة، منها أن يكون للمهنة قواعد أخلاقية تحكم عملياتها."
" تمثل مفهوم الأخلاق أو الأخلاقيات ( Ethics ) مجموعة من القيم والمعايير التي يعتمد عليها أفراد المجتمع في التمييز بين ما هو جيد وما هو سيء , بين ما هو صواب وما هو خطأ , إذن تتركز في مفهوم الصواب والخطأ في السلوك , والأخلاقيات تقدم دليلا – من خلال معاييرها وآلياتها– على الأنشطة الأخلاقية وغير الأخلاقية , وعلى ما هو مقبول أو غير مقبول اجتماعيا.(نجم , 2000م , ص18 ) .
" إن أخلاقيات الإدارة هي مجموعة القواعد والأسس التي يجب على المهني التمسك بها والعمل بمقتضاها , ليكون ناجحا في تعامله مع الناس , ناجحا في مهنته مادام قادرا على اكتساب ثقة زبائنه والمتعاملين معه من رؤساء ومرؤوسين " (ياغي,95م,ص27 )
" ويرى تومبسون أن أخلاقيات العمل هي تطبيق المبادئ الأخلاقية على سلوك الأفراد في المنظمات , وبالتالي فإن القيم هي التي تصوغ أخلاق العمل لكل فرد ومن ثم يتولد من تلك الأخلاقيات , نمط سلوكي إداري يكون أخلاقيات أو لا أخلاقيا " ( العمر , 96م, ص83 ) .
أسس نظام أخلاقيات العمل :-
" إن مسببات السلوك الإنساني – ضمن أخلاقية معينة – يمكن أن تتوزع على كفتين متعادلتين إحداهما تسمى بنظام القيم الذاتية , حيث تلعب المعتقدات الشخصية دورا أساسيا , أما الكفة الثانية فتسمى بنظام القيم الاجتماعية حيث تلعب البيئة الخارجية ( اجتماعية , سياسية , اقتصادية ) دورا أساسيا فيه " ( ياغي , 1995م , ص145).
ويمكن عرضها كالتالي :-
1- نظام القيم الذاتية :
إن سلوك الفرد يتأثر بمجموعة القيم والمعتقدات السلوكية التي تؤثر عليه وتدفعه لسلوك مفضل،ولكي يمكن فهم طبيعة السلوك البشري ودوافعه لابد من اكتشاف مجموعة القيم والقواعد التي تؤثر في السلوك وبالتالي تدفع الفرد إلى مسلك معين دون الآخر , إذ يعبر الفرد عن قيمه الذاتية بقبوله لشرعية أو صحة وجهة نظر معينة تجاه مجموعة من الحقائق .
2- نظام القيم الاجتماعية :
أن سلوك الفرد يتأثر بنظام القيم الاجتماعية لدى الفرد نفسه والذي تتفاعل عدة عوامل في تكوينه , وهذه العوامل منها ما يتعلق بثقافة الفرد أو البيئة الاجتماعية أو الحضارية أو جماعة العمل , فمن طريقها يكتسب الخبرة وتظهر لديه قابلية التعليم ومن ثم الانصهار في إطار نظام القيم الاجتماعية للجماعة والذي ينعكس في الأطر العامة لأخلاق العمل التي عن طريقها تتم عملية اغناء روح الانتماء للجماعة .
مصادر الأخلاقيات في الإدارة :-
أولا : المصدر الديني:-
" تأمر الأديان السماوية الإنسان بالتقوى وطاعة الله وحسن المعاملة والاستقامة في التعامل بين المسؤول وأفراد المجتمع , ومعاملة الجميع معاملة حسنة لأنهم يقفون أمام القانون المستمد من الشريعة السماوية سواء , وعليهم الانصياع لأوامر الله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , وهذا ينعكس بطبيعة الحال على أخلاقيات أي موظف في مجال عمله وإخلاصه فيه واستقامته مع أفراد مجتمعه "( غوشه , 83م,ص46 ) .
" تعتبر الأديان السماوية أهم مصادر الأخلاق للإنسان حيث يستقي منها جميع تصرفاته وسلوكه ومنهجه في الحياة , وفي العالم الإسلامي نجد أن الشريعة الإسلامية السمحة وما تحمله من سمو في المبادئ والقيم مصدر أساسي مهم للأخلاق يستمد منه الإداري المسلم جميع تصرفاته ولسلوكياته في العمل المناط به , وسوف نوضح مصادر الأخلاق في الدين الإسلامي والتي تعتبر أهم مصادر الأخلاق للإداري والموظف المسلم وهي : القران الكريم , السنة الشريفة المطهرة وروايات اهل بيت العصمة (ع). " ( العثيمين , 1993م , ص57 مع تصرف).
ثانيا : البيئة الاجتماعية :-
" إن بيئة المجتمع الذي تسوده قيم سياسية أو اجتماعية أو عقائدية متناغمة لابد وان ينقل أفراده هذه القيم إلى التنظيم , وتنعكس عليهم في ممارستهم لوظائفهم " ( ياغي , 1995م , ص43 )
" تعتبر البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها المرء , أو يتنقل بين شعوبها وقطاعات المجتمع الذي يتمازج مع بعضه ويتزاوج ويختلط صباح مساء , بما في هذه البيئة من عادات وتقاليد واعرف وقيم , تعتبر من أهم مصادر الأخلاقيات التي تؤثر في الإدارة , وفي المستوى التعامل بين الموظفين والمواطنين من جهة , وبين الموظفين أنفسهم من جهة أخرى" .( غوشة , 1983م , ص49 )
" أن أي مجتمع لا يخلو من العادات والتقاليد الحسنة والمرغوب فيها والتقاليد والعادات السيئة وغير المرغوب فيها , فعلى سبيل المثال نجد البيئة العربية قبل الإسلام تمتاز بتقاليد وعادات وأعراف ومثل عليا كالكرم والمروءة والحلم والصبر والعفو عند المقدرة وإغاثة الملهوف ونصرة الجار , إن هذه التقاليد والعادات لها أثرها الكبير في تكوين الموظف المسلم وأخلاقياته في البيئة الإسلامية " ( عيسى , 1988م , ص140 ).
ثالثا : تشريعات الخدمة المدنية :-
" إن اللوائح والأنظمة والقوانين التي تصدرها إدارات الخدمة المدنية ومكاتب العمل في دول العالم تشكل مصدرا مهما من مصادر الأخلاق في العمل الوظيفي وذلك من خلال الضوابط الأخلاقية والقوانين التي تحدد عمل الموظف وسلوكه وحثه على التمسك بالأخلاق الفاضلة والعمل على الارتقاء بالعمل الوظيفي وتقديم خدمة جليلة للمواطنين " ( العثيمين , 1993م , ص 60 ) .
" وتعتبر التشريعات من أهم المصادر التي تتحكم في تسيير الإدارة في الوظيفة العامة وتصريف المعاملات وتنفيذ الأوامر , والمقصود بالتشريعات دستور الدولة وكافة القوانين المنبثقة عنه , ونظام الخدمة المدنية , والأنظمة واللوائح الأخرى على مختلف أنواعها , التي تبحث في أخلاقيات العمل من حيث الانتظام بالدوام مثلا , والتقيد بقواعد الجدارة والاستحقاق , وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وعدم قبول الرشوة ونحوها " ( غوشه , 1938 , ص59 ) .
العوامل التي تؤثر على أخلاقيات العمل :-
" هناك العديد من العوامل والمتغيرات – التي يصعب حصرها – في تأثير وتكوين هذه الأخلاقيات لدى الفرد , ولعل من أهم العوامل المؤثرة التي تساعد في تكوين الاتجاهات نحو سلوك معين " ( ياغي , 1995م , ص166 ) ، ويمكن عرضها كالتالي:
1- البيئة الاجتماعية :
يمكن تعريف البيئة الاجتماعية بأنها البيئة التي تجمع بين المنزل والحي والعمل والمجتمع الذي يعيش فيه الفرد , وما يسودها من تقاليد وعادات ومعتقدات وأحوال اقتصادية واجتماعية وسياسية , والتي تساهم مساهمة كبير في تشكيل سلوك الفرد وتكوين اتجاهاته , إذ تنمو هذه الاتجاهات والممارسات السلوكية وتتطور بتطور مراحل النمو التي يمر بها الفرد .
2- البيئة الاقتصادية :
تلعب الأوضاع الاقتصادية في المجتمع الذي يعيش فيه الموظف – من غنى وفقر وارتفاع مستوى المعيشة مقابل تدني مستوى الرواتب والأجور – دورا كبيرا في تكوين أخلاقيات الوظيفة من مبادئ واتجاهات وسلوك .كما أنها تؤدي إلى نشوء طبقات اقتصادية متعددة داخل المجتمع الواحد الأمر الذي يؤدي بأن تعتنق كل جماعة مجموعة من المبادئ والاتجاهات حول الجماعة الأخرى ونوع السلوك الذي يجب اتخاذه حيال كل طبقة .
3- البيئة السياسية :
لا شك في أن البيئة السياسية التي يعيش الموظف العام في ظلها تعلب دورا مهما في تكوين اتجاهاته وأنماط سلوكياته ، إذ أن نمط سلوكه – أخلاقيا أو لا أخلاقيا – يتأثر بدون شك بطبيعة وخصائص تلك البيئة السياسية السائدة ومدى فعالية الرقابة على أنماط السلوك الإداري للموظف العام بحيث تحفز السلوك الإداري الأخلاقي وتردع او تعاقب السلوك الإداري اللاأخلاقي .
وفي عنوان(أثر العقوبات على أخلاقيات العمل) فد قال زكي غوشة بأن " نرى انه من الضروري أن تتضمن أنظمة الخدمة المدنية الإشارة إلى البدائل الموجودة في الإجراءات والعقوبات المسلكية في أثناء مراحل خدمته وان تطبع في(دليل الموظف) لكي يعلم الموظف ماله من حقوق وما عليه من واجبات , ولا شك أن بإمكان الموظف الذي يطلع على مزايا السلوك الايجابي والانضباطية في العمل , وحسن المعاملة من قبل الموظف لزملائه ولأفراد الجمهور , وعلى النتائج السلبية التي تنعكس عليه عند ارتكابه المخالفات أو تقصيره في العمل , أن يختار بلا شك النزوع إلى الخير والفضيلة ويتجنب ارتكاب المخالفات التي تؤدي به إلى العقوبة والعاقبة الوخيمة " ( غوشة , 1983م , ص 101 ).
الفصل الثاني/ الصفات الحميدة والذميمة في أخلاقيات العمل :-
أولا : الصفات الحميدة في أخلاقيات العمل :-
أ- أخلاقيات وظيفية :
" إن العمل وأداء الواجبات الوظيفية بكل دقة وإخلاص يعتبر في منهاج الإدارة الإسلامية أمانة في عنق الموظف , وعلى جميع المستويات الإدارية من رئاسة مطلقة أو جزئية , أو مسؤولية مطلقة أو محدودة , إلى العمل البسيط يكون في نطاق مسؤولية الموظف " ( العثيمين , 1993م , ص70 )
" وفي مجالات الأمانة والإخلاص عند الموظف المسؤول , فأنها تتركز على المعاملات في المنظمة مثل : إسناد الوظائف العامة إلى الأكفاء , الموضوعية في القرار , حفظ المال العام , حفظ الحواس والجوارح , حفظ الودائع , حفظ أسرار المجالس والاجتماعات إلا ما يضر الصالح العام في المنظمة " ( الأشعري , 2008م , ص182)
ب- أخلاقيات سلوكية :
" إن الأخلاق وحسن السيرة والسلوك من أهم الأمور التي أكد عليها نظام الخدمة المدنية في العالم العربي, كشرط لتعيين الموظفين في الدولة ، حيث نصت المادة الرابعة منه في دولة السعودية مثلاً على انه:يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف أن يكون حسن السيرة والأخلاق وأن يكون غير محكوما عليه بحد شرعي أو بالسجن في جريمة مخلة بالشرف والأمانة , حتى يمضي على انتهاء تنفي الحد أو بالسجن ثلاثة سنوات على الأقل , وان يكون غير مفصول من خدمة الدولة لأسباب تأديبية ما لم يمضي على صدور قرار الفصل ثلاث سنوات على الأقل "(العثيمين , 1993م , ص 76 ).
" يشترط فيمن يتولى الوظيفة العامة أن يكون صالحا من الناحية الأخلاقية أو الأدبية للقيام بأعبائها وممارسة سلطاتها , فالأخلاق الحميدة وحسن السمعة شرط ضروري وهام لسلامة ممارسة السلطة العامة وتحقيق الصالح العام " ( رسلان , 1990م , ص 216 ).
ثانيا : الصفات الذميمة في أخلاقيات العمل :
أ- عدم المحافظة على سرية العمل :
" يقصد بها المحافظة على عدم إفشاء الإسرار الوظيفية وما تتضمنها من معلومات وبيانات ووثائق , أتيحت للموظف بحكم منصبه ووظيفته الاطلاع عليها , والتي ليس بمقدوره الاطلاع عليها لولا مركزه الوظيفي الذي يشغله , وضرورة المحافظة على سرية العمل لا تقتصر فقط أثناء تأدية الخدمة , بل تتعداها إلى ما بعد تركه العمل " ( العثيمين , 1993م , ص 106 ).
ب- الرشوة :
" الرشوة تعتبر أم الفساد الإداري ومن أعظم الجرائم المتفشية في العالم وبخاصة في مجتمعات العالم الثالث , وتزداد خطورتها كلما احتل المرتشي منصبا قياديا كبيرا , لأنه بفساده يفسد من تحته من المرءوسين ومن يليهم أيضا " ( الأشعري , 2008م , ص202 )
" وتعتبر الرشوة من اخطر الجرائم ومن أسوأ الانحرافات الإدارية التي يجب محاربتها بكل قوة والقضاء عليها وذلك لما يترتب من أضرار وأخطار تهدد المجتمعات , وعن طريقها تفسد ذمم الناس وضمائرهم , ويضيع الحق وينتشر الظلم والفساد , وتسود روح الإتكالية والنفعية على روح الواجب " ( العثيمين , 93م, ص138)
ج- المحسوبية :
" أن من الأسباب التي تؤدي إلى انخفاض مستوى الكفاءة في الإدارة الحكومية هو ان كثيرا من القرارات الإدارية , أو الإجراءات تقوم على الواسطات , والتي تعتبر بمثابة اعتداء وهضم لحقوق الآخرين , فالواسطة تخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين في الحصول على الخدمات الحكومية , فهي تعد بحق انحرافا في السلطة تجب المساءلة والعقاب " ( العثيمين , 1993م , ص160 )
" صحيح أن هناك أنظمة تتصدى لمثل هذه المخالفات الشنيعة , ألا أنها تعمل بالمزاج وحسب الظروف والمكانة الاجتماعية للمخالف ومرتبته الوظيفية وموقعه في سلم الهيكل التنظيمي " ( الأشعري , 2008م , ص201 ) .
الفصل الثالث/اخلاقيات العمل في الإسلام
المبحث الأول : نظرة الإسلام إلى العمل :
لقد نظر الإسلام الى العمل نظرة احترام وتمجيد ، فمجد العمل ورفع قيمته وربط كرامة الإنسان به ، بل إنه جعله فريضة من فرائضه التي يثاب عليها فهو مأمور به ، ولا شك أن من أطاع أمر الشارع فهو مثاب، فالعمل عبادة إذن وأي عباده "حتى أصبح العمل في سبيل قوته وقوت عياله ، وفي سبيل رفعة امته وتحقيق الخير في المجتمع أفضل عند الله من المتعبد الذي يركن الى العبادة ويزهد في العمل . وأصبح الخمول والترفع عن العمل نقصاً في إنسانية الإنسان ، وسبباً في تفاهته وحطته"(التميمي،2007،ص17)، ولهذا فقد حث القرآن الكريم من خلال سوره وآياته على العمل فقال تعالى :"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (التوبة 105) ، وقال تعالى:" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " (الجمعة،10) وقال تعالى " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"(الملك،15).
كما أن كتب السنة النبوية المطهرة مليئة بالأحاديث الدالة عل الحث على العمل ، وترك العجز والكسل ، فقد روى عنه صلى الله عليه واله أنه قال: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من ياكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده "(البخاري،2001،ص139) كما روي عنه صلى الله عليه واله أن قال :" من بات كالآمن طلب الحلال بات مغفوراً له " (التميمي،2007،ص19).
كما أن الإسلام سلك مسلكا أخر غير مباشر في الحث على العمل فقد حث على اعانة الفقير وجعل المعين خيراً من المعان من جهة نوال الأجر والثواب ففي الحديث " اليد العليا خير من اليد السفلى" . وهكذا في الحث على انواع البر المختلفة كالصدقات والانفاق في سبيل الله ونحو ذلك .(زيدان،2009،ص248).
المبحث الثاني:ماهية العمل في الاسلام :
إن الناظر في الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة يلحظ أن طلب العمل جاء عاماً مطلقاً غير مقصور على عمل معين ، وغير مقيد بشىء سوى الحل الشرعي ، وهذا يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية ، ومختلف أنواع المعاملات والمكاسب مثل التجارة والزراعة والصناعة والشركة والمضاربة والإجاره وسائر ما يباشره الإنسان من أوجه العمل والنشاط الاقتصادي بغرض الكسب الحلال ، مادام يرمي إلى تحقيق مصلحة الإنسان وتحقيق التقدم والرفاه له ، وما دام يرمي إلى بناء المدنية الموجهه بعدل السماء ، فقد خلق الله الإنسان وطلب منه عمارة الأرض كما قال تعالى:" يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها"(هود،61).
وعلى هذا فليس هناك عمل حقير في المفهوم الإسلامي للعمل فإن كل يعمل يقوم به الإنسان فهو عمل جليل مادام مباحاً ويسد خلته وعوزه ويكفه عن مسألة الناس ، وبناء على ذلك فإن قيمة الإنسان وإنسانيته محفوظه لا تنقص بسبب ما يباشره من عمل وان عده بعض الناس عملاً حقيراً . وقد كان صلى الله عليه واله يرعى الغنم لاهل مكة . فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قالى : نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " (البخاري،2001،ص38)، وكذلك الأنبياء قبله صلى الله واله كانوا يعملون في حرف مختلفة ، فقد قال تعالى عن داود عليه السلام ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ..) والمراد باللبوس الدروع، قال القرطبي عند تفسير هذه الأية : " هذه الأية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب ، وهو قول أهل العقول والألباب لا قول الجهلة الأغبياء ، القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء ، فالسبب سنة الله في خلقه ، فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة ، ونسب من ذكرنا الى الضعف وعدم المنة ، وقد أخبر الله تعالى عن نبيه داود عليه السلام أنه كان يصنع الدروع ، وكان أيضاً يصنع الخوص ، وكان يأكل من عمل يده ، وكان آدم حراثاً ، ونوح نجاراً ، ولقمان خياطاً ، وطالوت دباغاً ، وقيل سقاءً ، فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس ، ويدفع بها عن نفسه الضرر والبأس .. " (قادري،2008،ص138)، لأن قمية الانسان في نظر الإسلام بحسب دينه وتقواه، لا يحسب ماله وغناه ، ولا بحسب عمله ومهنته .
وقد كان صلى الله عليه واله يرعى الغنم على دريهمات لأهل مكة "ولهذا وجدنا أكابر الأمة من علمائها وفقهائها يمتهنون مختلف المهن الحرة المباحة ، كما وجدنا بعض الصحابة الكرام يؤجرون أنفسهم لغيرهم للقيام ببعض الأعمال المباحة الحلال لقاء اجر معلوم"(قادري،2008،ص248).
والجدير بالذكر أن العمال إلى عهد قريب " كانوا يترقون في كل باب من أبواب هذه الصناعات ، وكانت ترقية العامل من عريف الى معلم تعلن في حفل اسلامي السمات يحضره أساتذة الحرفة ويبدؤه شيخ الطائفة بإجراء اسلامي هو سؤال الحاضرين قراءة فاتحة الكتاب"(التميمي،2007،ص52)،. وفي هذا دليل ساطع على أن كل مهنة محترمة مادامت في دائرة الحلال ، وأصحابها محترمون كذلك ، وهذا هو المنظور الإسلامي الصحيح للعمل .
المبحث الثالث:منع البطالة في الإسلام :
حيث إن الإسلام يحث على العمل - كما سلف – فلا شك أنه يكره البطالة ويمقتها بل يمنعها ، وذلك يتفق وفطرة الإسنان المفطور على تلبية حاجاته الضرورية وغير الضرورية الى تهيىء له الحياة الكريمة وبناءً على ذلك فإن الذين يندفعون إلى العمل للحصول على تلك الأشياء هم منسجمون مع الفطرة السليمة ، أما الذين يميلون الى الكسل والخمول والعزوف عن العمل ويخلدون الى الراحة فإنهم يناقضون الفطرة السليمة مناقضة ظاهرة .
ولا شك أن التبطل دونما سبب كعجز أو شيخوخه يؤدي إلى تعطيل القوى والمواهب الإنسانية التي قد تودي دوراً فاعلاً للأمة ، كما أنه سبيل إلى الفقر والعوز وإضافة أعباء أخرى على الأمة ، كما أن البطالة قد تدفع المجتمعات الى حافة الهاوية فتعرضها إلى أخطار من أجل ذلك كله حث الإسلام علىالعمل وكره البطالة ومنعها لسوء نتائجها بالاضافة إلى أن الإنسان إذا عزف عن العمل ابتلاه الله بالهم فقد روى عنه صلى الله عليه واله أنه قال: " أخشى ما خشيت على أمتى كبر البطن ومداومة النوم والكسل"(التميمي،2007،ص24).
المبحث الرابع/أخلاق العمل :
نقصد بأخلاق العمل: الأخلاق التي يجب توافرها في العامل ، وفي صاحب العمل على حد سواء . وقبل أن نفصل ذلك نقول :إن الأصل في الإنسان المسلم أن يتمسك بالعقيدة الإسلامية التي تدعو إلى مكارم الأخلاق ، وتنهى عن سفاسفها ، وبالتالي على المسلم أن يتعرف إلى الأخلاق الكريمة بشقيها الحسنة والقبيحة ، ومع ذلك فإن ذلك العلم لا يكفى بل على الإنسان المسلم أن يسلك السلوك الأخلاقي في حياته كلها ، ومنها أخلاق العمل .
" والأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة ، فالبشر كانوا ولايزالون يعدّون الصدق والوفاء بالعهد والجود والشجاعة والصبر أخلاقاً أصيلة يستحق صاحبها الثناء والتكريم ، و لايزالون يعدّون الكذب والغدر والجبن أخلاقاً سيئة ترفضها العقول السليمة ، وتذم صاحبها ، والشريعة جاءت داعية الى المعروف من الأخلاق ، وتنهى عن المنكر منها "(الأشقر،2000،ص158).
مما سبق يظهران الناس على اختلاف مللهم ونحلهم ، واختلاف السنتهم وألوانهم يقسمون الأخلاق إلى كريمة وذميمة ، يميلون الى الكريمة بفطرهم السليمة ، ويستقبحون الذميمة بعقولهم الصريحة التي لم تلوثها الملوثات الطارئه ، فكيف إذا جاءت الشريعة الإسلامية تثبت الكريمة في الفطر المستقيمة ، وتنهى عن الذميمة حتى لا يقع فيها أحد ، وحذرت من الوقوع فيها اشد تخدير ، ورتبت على ذلك الجزاء في الدنيا ، والأخرة ، لمن اتبع ولمن امتنع واليك تفصيل أخلاق العمل على النحو التالي :
اولاً : الأخلاق المطلوبة في العامل :
يظهر لنا أن أساس الأخلاق المطلوب توافرها في العامل هما خلقان مرتبطان ببعضهما لا ينفكان هما : القوة والأمانة ، وتكاد تندرج جميع أخلاق العمل – أو معظمها – تحت هذين الخلقين المهمين . فسنتحدث عن هذين الخلقين أولاً ، ثم نتبعهما بعض أخلاق العمل الأخرى المطلوب توافرها في العامل على النحو التالي :
1. القوة :
القوة في الأصل ضد الضعف " تستعمل تارة في معنى القدره نحو قوله"- خذوا ما آتيناكم بقوة - .. ويستعمل ذلك في البدن وفي القلب .."(الاصفهاني،2003،ص219)، أي تستعمل في الأشياء المادية والمعنوية فيقال : قويت أطرفه ، وقويت عزيمته ، وقويت مكانته ومنزلته.(الشرباحي،1987،ص249).
أن القوة المعنوية مطلب مهم " وهذه القوة المعنوية فضيلة من الفضائل يعني بها رجال الأخلاق والأدب فالقرآن يستعمل القوة بمعنى صدق العزيمة وصلابة الإرادة كما قال تعالى :"خذوا ما آتيناكم بقوه" أي تقبلوه واحرصوا عليه ، واعملوا بجد ونشاط، ولا تميلوا إلى الضعف والوهن، فالقوة إذن مطلوبة للعمل كما قالى تعالى" إن خير من استأجرت القوى الأمين"(القصص :26)،" فهكذا ينبغى ان يكون الأجراء ، وهكذا ينبغي أن تختار العمالة ، فينبغى أن تراعي فيهم القوة والأمانة ."(العدوى،1999،ص60)، ومن هنا يجب أن تكون القوه مناسبة للعمل المراد القيام به كما قدمنا أن من القوة ما هو مادي ، وماهو معنوي .
فقوة العامل المكلف بعمل أشياء والسعي في أمور والذهاب والإياب ، فيختار له االعامل القوى البدن ، وقوة الفلاح تكمن في بدنه ، وقوة الصانع تكمن في معرفته بصنعته ومهارته فيها ، والمهندس تكمن قوته في عمله وحسن تخطيطه ، والمدرس تكمن قوته في معرفته بتخصصه وحسن تعليمه ، وهكذا فإن القوة في كل مهنة بحسبها قوة ومعرفة واتقاناً وفي هذا يقول ابن تيمية رحمة الله "والقوة في كل ولاية بحسبها ، قالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاة القلب وإلى الخبرة بالحروب .. والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنه ، والى القدرة على تنفيذ الاحكام"(ابن تيمية،2000،ص16)..
وهذه الأعمال التي يتولى بعض الناس القيام هي بلا شك ولايات وأمانات فلينظر الإنسان موقعه من تحمل تلك الأمانة.
2. الامانة :
لا شك أن الأمانة خلق أوجبه الإسلام ، واعتز بها العرب قبله، فإذا أرادوا أن يمتدحوا إنساناً وصفوه بالأمانه ، وقد أكد القرآن الكريم في كثير من أياته على هذا الخلق ، وكذلك فعلت السنة المشرفة فقال تعالى "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"(المؤمنون 8 )وقال تعالى"إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها" (النساء : 58 )والواقع أن أمور الناس لاتستقيم إلا بالأمانه ، ومنها أن يخلص في عبادته ، وأن يحسن الانتفاع بوقته ، وأن يحسن العامل ، والصانع ، والتاجر عمله , و ان يجتهد فيه ، ومن الأمانة أن يحسن الموظف عمله ، وأن يؤدي ما عليه من مسؤولية وتبعة تجاه المواطنين والدولة والأمة جميعاً.
ولا شك أن هذا الخلق الجميل أساس من أسس الدين فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم قوله " الإيمان أمانة ولا دين لمن لا أمانه له" ولما كانت الامانة خلق الفطرة السليمة والطبع الكريم الأصيل كان النبي صلى الله عليه وسلم معروفاً بها بين قومه قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه واله(موسى،1991،ص39).
وعليه فإذا اجمعت القوة والأمانة في شخص معين كان ذلك أحرى بالقيام بعمله على الوجه الأكمل وهو الأجدر بالعمل من غيره ، وان كان اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل كما يقول ابن تيمية رحمة الله .
ويظهر مما سبق ( أن خير الأجراء من تمتع بقوة الجسم واتصف بالأمانة ، فإن قوة الجسم هي المعينة على أداء العمل وانجازه ، وأن الأمانة هي الحافز الذي يدفع العامل إلى احسان العمل واتقانه واجادته ، وهي الخلق الذي يحول بينه وبين الغش والإهمال " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين " ولا يطمح اصحاب العمل و لايريدون من العامل اكثر من ذلك"(التميمي،2007،ص74)، هذا ويمكن أن نلخص واجبات العامل في النقاط التاليه :
• ان يعرف العامل ما هو المطلوب منه وما هي واجباته ومنطلقات عمله وأن يكون العقد بين العامل وصاحبه واضحاً لا لبس فيه .
• أن يشعر بالمسؤولية تجاه العمل الذي كلف او تعاقد عليه وارتبط به .
• أن يؤديه على أحسن الوجوه أيا كان نوع العمل سواء كان موظفاً أو صانعاً أو مزارعا أو مهندساً أو طبيباً أو معلماً ونحو ذلك .
• أن يؤدي ذلك بأمانة واخلاص دون غش او اهمال أو تقصير لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب من احدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه " وهذا يعني بداهة أن الله يمقت التقصير والاهمال في العمل قال صلى الله عليه وسلم ( من غش فليس منا ) .
• عدم الخيانة في العمل بكل صورها وأشكالها(التميمي،2007،ص73)، فتضييع الأوقات خيانة ، والغش خيانة ، وأخذ الرشوة خيانة ، وتعطيل أعمال الناس خيانه ، فكل من تقلد عملاً . مهما كان نوعه ولم يؤده وفق ما طلبه منه الشرع الحنيف فهو خائن لأمانته والله تعالى يقول"ياأيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون"(الأنفال :27).
• عدم استغلال عمله ووظييفته ليجر بذلك نفعاً إلى نفسه أو قرابته ، أو من هم دونه ، دون حق شرعي أو قانوني ، فإن هذا الأستغلال يعد جريمة ، إذ المال العام أمانة عند من استؤمنوا عليه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " من استعملناه على عمل ، فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول " . فقد شدد الإسلام على ضرورة التعفف من استغلال النفوذ وشدد على رفض المكاسب المشبوهة ، وقصة ابن اللتبية معروفة مشهور(محمود،1992،ص47).
ثانياً : الاخلاق المطلوبة في صاحب العمل :
كما يطلب من العامل ان يكون متخلقاً بأخلاق معينه كذلك الحال بالنسبة إلى رب العمل هو الأخر مطلوب فيه توافر أخلاق معينة وعليه وأجبات يجب القيام بها حتى تستمر العلاقة علاقة إنسانية كريمة ومن تلك الاخلاق والواجبات ما يلي :
1. ان يبين للعامل ماهية العمل المراد انجازه مع بيان ما يتعلق بالمدة والأجر .
2. أن لا يكلفه فوق طاقته . لقول الله تعالى" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها "، ويقول صلى الله عليه واله " ولاتلكفوهم ما لايطيقون " واذا كلفه فوق طاقته فعليه أن يعينه .
3. أن يعاملة بالحسنى فلابد أن تكون نظرة صاحب العمل الى العامل نظرة انسانية يحترم فيها إنسانية فالعامل إنسان يتمتع بكل خصائص الإنسانية فلا يهينه ولايحتقره وقبل ذلك كله لا يظلمه .
4. أن لا يبخسه حقه عند التعاقد على أي عمل من الأعمال فينبغى أن يكون الأجر على قدر العمل " ففي ظلال الإسلام يتحتم على صاحب العمل أن يعطى العامل جزاء عمله وثمرة جهده بصورة متناسبة مع حقه تناسباً تأماً ، وأن على العامل أن يقتصر على أخذ حقه فحسب فلا ينبغى له أن يطالب صاحب العمل باكثر من حقه ، قال رسول الله صلى الله عليه واله " إن لك من الأجر على قدر نصيبك ونفقتك " (التميمي،2007،ص68).
5. أن يعطيه حقه عند فراعة من عمله دون مماطلة لأن هذا الحق أصبح ديناً وأمانة في عنق صاحب العمل عليه أ، يوديه كما قال صلى الله عليه وسلم " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه "(التميمي،2007،69).
6. أن يكون رحيما بالعمال حين الخطأ والصفح عنه إذا لم يكن ثمة تقصير ولو تكرر منه الخطأ ، جاء رجل الى الرسول صلى الله علهي وسلم قال : كم يعفو عن الخادم ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " اعف عنه في اليوم سبعين مرة "(التميمي،2007،ص73).
المبحث الخامس:تراجع اخلاق العمل و طرق تقويمها :
أولاً : تراجع أخلاق العمل :
لا نريد الحديث هنا عن المشكلة العمالية في الغرب ، ولاعن النظريات الاقتصادية المختلفة التي برزت لتقييم المشكلة وحلها ، فليس التنظير والمقارنة من أهداف هذا البحث ، ولكن سنشير إلى حقيقتين هامتين هما:
1- "إن المجتمع الإسلامي في تاريخه الطويل مع ما كان فيه من أعداد هائلة من العمال سواء في الأرض ، أو المصنع ، وعند الدولة ، او الأفراد لم يوجد ما يسمى بالمشكلة العمالية لأن العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية التي سادته حرمت الظلم تحريماً قاطعاً ، وأمرت أصحاب العمل كما أمرت غيرهم أن ينظروا الى العمال نظرة إنسانية لها حقوقها المشروعة ..
2- لم تكن الأحكام الشرعية التي عالجت شؤون العمل والعمال منفصلة عن بقية الأحكام الشرعية التي تعالج مشكلات الإنسان الأخرى "ذلك أن الاحكام الشرعية التي عالجت قضية العمل والعمال والعلاقات بين العمل وأصحاب الاعمال إنما عالجتها على اعتبار أنها علاقات مرتبطة بغيرها من العلاقات الإنسانية الناشئة عن حاجة الإنسان والإسلام إنما عالج الإنسان بوصفه كلا غير مجزأ .."(التميمي،2007،ص60).
وبناءً على ماتقدم نقول :إن الأخلاق مرتبطةارتباطاً وثيقاً العقيدة الإسلامية ، فأساسها هو العقيدة الإسلامية بل هي الدين كله كما قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الدين فقال : " الدين حسن الخلق " وقال صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " فلابد من اتخاذ العقيدة الإسلامية أساساً ومنطلقاً لكل عمل ، وكل عمل لا يتصف بالأخلاق فهو عمل باطل ولو فعل صاحبه من الخير ما فعل فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم لما قيل له يا رسول الله " إن فلانه تكثرمن صلاتها ، وصدقتها ، وصيامها غير أنها تؤدنى جيرانها بلسانه . قال : هي في النار "(جوهري،1990،ص47)،فالإسلام حرم الظلم والأذى وهذا نوع أذى فهومحرم لأنه يتنافى والأخلاق التي قررها الإسلام .
ولما كان الإنسان في نظر الإسلام كلاً واحداً لايتجزأ فقد أمر الإسلام الإنسان بالتخلق بالخلق الحسن في شؤونه كلها ومنها قضية العمل والعمال فقد عالجها الإسلام بعدل وحكمة فأعطى كل ذي حق حقه وبين العلاقة بين العمال وأرباب العمل فلا ظلم ولاهضم ولا تعد على الإطلاق والاسلام حين يعالج هذه القضية لا يعالجها بمعزل عن قضايا الإنسان الأخرى التي لا عيش له بدونها ، وهذه النظرة الشمولية للإنسان لا تجد لها نظيراً في أي تشريع أو تقنين وضعى أبدا .
وعليه " فإن مقتضى الإيمان بالله ، تعالى ، أن يكون المؤمن ذا خلق محمود، وإن الأخلاق السيئة دليل على عدم وجود الإيمان ، أو ضعفه ، وعلى ذلك يمكننا أن نعرف مدى إيمان الشخص بمقدار ما يتحلى به من مكارم الأخلاق ، ونعرف مدى ضعف إيمانه بمقدار ما يتصف به من ذميم الأخلاق "وقال " فأعلم أن الدين خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين .. "(جوهري،1990،ص37)، ولما كان الأمر كذلك فما سبب التراجع الأخلاقي؟
أسباب تراجع أخلاق العمل :
مع يقيننا أن الشريعة الإسلامية كل لا يتجزأ ، وأنها منهج ونظام حياة، كما تقدم ، إلا أن القارئ للتأريخ يجد أن هناك من سلك سلوكاً يتنافى وأخلاق العمل إما عمداً ، أو في غفلة من إيمانه ، ولم يلتزم التزاماً كاملاً بالمعانى الاخلاقية التي دعت إليها الشريعة الإسلامية ، ولكنها لا تشكل ظاهرة، وليست هي نادرة ، فذلك أمر يستحق الوقوف عنده ، والكشف عن أسبابه ، فما هي تلك الأسباب ياترى ؟
لا شك أن حصر كل تلك الأسباب – في هذه العجالة – امر غير ممكن ولكن يمكن أن نجمل تلك الأسباب في الأمور التالية :
1- التلوث العقدى :
نعني بالتلوث العقدي عدم الالتزام بالعقيده الإسلامية الصحيحة ، أو التخلى عن بعض مبادئها إن عمداً ، وان جهلاً بسبب ما يطرأ من الانحراف بسبب الشبهات والشهوات ، ووساوس الشيطان وإغراءاته ونحو ذلك.
ولاشك أن هذا التلوث العقدى يؤدى إلى تلوث الحياة إذ سلامتها تكمن في اتباع المنهج الأقوم الذي دعا الى التمسك بمبادئ الأخلاق ، ومنها أخلاق العمل . ولا جدل أن كل مخالفة لأوامر الدين تعتبر مخالفة دينيه وأخلاقية في الوقت نفسه .
وقد نستدل لذلك العنوان بما روى عنه صلى الله عليه واله أنه قال "أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه من يبدى لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "(انس،1991،ص1562)، وجاء من حديث أخر قوله صلى الله عليه واله " .. اللهم نقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. "(مسلم،2001،ص940).
فقد ورد في الحديثين لفظ " القاذورات " ولفظ " الدنس " وهما قريبان بل لصيقان بمعنى التلوث ، ولا شك أن وصف هذه الأعمال بتلك الأوصاف فيها من التنفير من الوقوع في المخالفات ما يكفى لمن كان له لب يميز به بين الحسن والقبيح .
وعليه فإن كل مخالفة لأخلاق العمل كالسرقة ، والتزوير والغش ، واكل أموال الناس بالباطل ، وتضيع الأوقات ، وتعطيل مصالح الناس ونحو ذلك ، كل ذلك سببه التلوث العقدى فلو أمن الانسان بأن العقيدة تحرم كل ذلك لما أقدم عليه . " فما وقع من كثير من المسلمين من الغش والكذب ، والخيانة في المعاملات ، فإن هؤلاء المسلمين نقصوا من إسلامهم وإيمانهم بقدر ما خالفوا الشريعة فيه من هذه المعاملات "(العثيميين،1996،ص51).
2- التلوث الفكري :
لقد بينت العقيدة الإسلامية علاقة الإنسان بالكون ، وبخالق الكون ، وبالغاية التي من أجلها خلق الإنسان ، فهذا التصور الشامل لمعنى الكون والحياة يكوّن فكراً نظيفاً خاليا من الملوثات الفكرية التي تخرج بالإنسان عن هدفه وغايته فيضر نفسه ويضر غيره .
و نزيد هذا المعنى وضوحاً فنقول : إن الله خلق الإنسان لعبادته بالمعنى الواسع للعبادة ، وجعله من أفضل مخلوقاته ، وسخر له ما في السموات وما في الأرض لينتفع به في حدود ما شرعه الله له ، وصولاً لتلك الغاية ويسر له السبل للوصول إليها ، وعليها فإن المال ماهو الا وسيلة للتحقيق تلك الغاية ، فليس المال وجمعة غاية في حد ذاته .
فالانسان إذا استحضر هذا " في ذهنه سيعرف مركزه الحقيقي في الدنيا وعلاقته بها وغايته في الحياة وبالتالي سيتقبل بنفس راضية جميع الضوابط والتنظيمات التى جاء بها الشرع الإسلامي .." (زيدان،2009،ص239).
فإذا تلوث هذا الفكر بأن كان المال غاية في حد ذاته كما نسمع اليوم حيث يقال : هذا العصر عصر المادة ، ونحو ذلك حتى كرّس بعض الناس حياتهم لجمع المادة فأصبحت مالكة لهم لا ماليكن لها ، فأصبح بعضهم عبيد للمادة كما قيل ، عياذا بالله ، وبالتالي قد تختلف وسائل جمع المال من حلال وحرام ، ولاشك أن هذه انتكاسة فكرية ولا شك أن التلوث الفكري سببه غياب الفهم الصحيح واالتصور الإسلامي للكون والحياة وفي ظل غياب هذا الفهم ، الذي يؤدى الى التلوث الفكرى تتلوث الحياة بسبب السلوكيات الخاطئة ، والمعاملات السيئة ، وممارسة الاخلاق الفاسدة ، كالسرقة والغش والتزوير وأكل أموال الناس بالباطل، وتعطيل مصالحهم ونحو ذلك من الأعمال والأقوال والاخلاق التي منعها الإسلام ، ورتب الجزاء على مقترفها في الدنيا والأخرة .
3- التلوث القيمي :
لاشك أن التلوث الفكري ، والتلوث القيمي أحد أهم أسبابهما هو التلوث العقدى كما أن التلوث الفكري والقيمي يؤديان إلى التلوث العقدى فهي أمور متلازمة .
ومن المعلوم أن القيم الأخلاقية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ثابتة لاتتغير ولا تتبدل مادامت السموات والأرض فالخير والشر ، والحق والباطل ما يزال في مفهمومه الأصيل منذ أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ، ولن يصبح الحق باطلاً والباطل حقاً ولن يغير الزمن في حركته وتطوره من ثبات القيم والأخلاق الإسلامية لأنها في مواجهة الفطرة التى لاتتغير(حمدان،1990،ص33).
ولكن هناك أفكاراً هدامة حاولت وتحاول عزو هذه القيم الإسلامية بتفريغها من مضامينهاتارة ، وبقلب معانيهاتارة أخرى ساعيه جهدها الى تحطيم القيم الخلقية ، وقد استجاب لها بعض قليلى الإيمان من المسلمين حتى سمعنا مقولات لا تقبلها العقول السليمة ، وتمجها الفطر المستقيمة فأصبحت الرشوة – عندهم – هدية ،والنفاق مجاملة ، وأكل الأموال العامة فطنة ، وإيذاء الناس ونهرهم وتأخير مصالحهم قوة في الشخصية ، وهكذا .
فهذا بلا شك قلب للحقائق ، وانقلاب في المفاهيم والقيم الاخلاقية وهو بلا شك تلوث قيمي يؤدي إلى تلوث الحياة في جميع نواحيها .
ثانياً : طرق تقويم الأخلاق :
طرق تقويم الأخلاق بعامة ، وأخلاق العمل بخاصة كثيره جداً ويطول الكلام حول حصرها واستقصائها ، ولكن سنشير الى أهمها على النحو التالي:
1- تقوية معاني العقيدة الإسلامية وترسيخها في الناشئة منذ نعومة أظفارهم داخل الأسرة قبل بلوغ سن الدراسة وذلك بتعليمهم الحلال والحرام ، وما يجوز وما لا يجوز ، وتدريبهم على القيم الأخلاقية إذ معظمها يتم بواسطة الاكتساب ، وكما قيل فإن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر ، وإذ الأمر كذلك فإن من الصعوبة بمكان أن تتفلت تلك القم الأخلاقية عند الكبر ، وبخاصة إذا علمنا أن أصل الأخلاق هو العقيدة ، فمن نشأ على العقيدة الصحيحة لايخشى عليه ، ولكن عليه بين الفينة والأخرى أن يتعاهد تلك الأخلاق ويزيل عنها ما قد يعلق بها من كدر .
وهذا الإيمان يؤديى بلا شك الى التمسك بالقيم الأخلاقية و منها أخلاق العمل ، فيؤدى عمله بأمانة واخلاص من خلال الرقابة الذاتية رقابة الضمير الإيماني .
2- علاج المشكلات الأخلاقية من خلال التصدى للأفكار والنظريات الهادمة والملوثة للقيم الأخلاقية وبيان القيم الصحيحة فـ " لابد من عملية تربوية شاملة تستهدف احلال قيم واتجاهات سلوكية ايجابية ، مثل : النزاهة والكفاية والفعالية ، محل القيم غير الأخلاقية " (القريوتي،1984،ص128).
والتدليل على أن الأنماط والاتجاهات السلوكية الخاطئة ليست من الإسلام في شيء ، وهذا يقودنا – كما سبق – إلى تربية أخلاقية مبناها على العقيدة الإيمانية الراسخة لاعلى النظريات والأفكار الوافدة المتغيره بحسب الأزمان .
3- المحاسبة (( العقوبة )):
مبدأ الثواب والعقاب مبدأ أصيل في الإسلام ، فلا يكفى أن نقول للمحسن احسنت ، وللمسيء أسأت فقط ، فكما يكافؤ المحسن ، لابد أن يعاقب المسيء بحسب احكام الشريعة . فالعقوبة في الشريعة نوعان : حدود ، وتعزيرات ، فالحدود معروفة وإذا نحيناها جانباً فإن ما تبقى من مخالفات للقانون الأخلاقي تستوجب عقوبة تأديبية متنوعة ، ولكن الشريعة الإسلامية لم تقدم جدولاً يختلف باختلافها ، ولم تحرص على تقديمه (دراز،1999،ص274)،" فعلى حين أنه بالنسبة إلى الجزاء المحدد " أو إقامة الحدود" تكون مهمة العدالة محددة تحديداً دقيقاً ، بإثبات الوقائع ، التي متى اتضحت تستدعي بصورة ما – عقوباتها تلقائياً ، فإن اهتمام المحكمة هنا يتجه بعد ذلك إلى مرحلة ثانية ليست بأقل أهمية : هي اختيار العقوبة التي ينبغي تطبيقها ، وفي هذا الاختيار سوف يتحرك ذكاء القاضي وفطنته – في الظاهر- حركة بالغة الحرية ، ولكن هذه الحرية في الواقع ليست سوى مرادف للمسئولية الثقيلة . إذ لما كان هنالك اعتبارات مختلفة تجب مراعاتها ، وكان على عنصر النسبية أن يتدخل فإن القاضي سوف يؤدي هنا دور الطبيب المعالج تماماً ، فكما أن الطبيب يجب أن يرعى مزاج المريض ، والخصائص النفسية الكيمائية للدواء، والظروف الزمانية والمكانية للعلاج قبل أن يصف الدواء الأكثر فاعلية والأقل إزعاجاً ، في كل حالة تعرض عليه ، فكذلك الأمر هنا ، تتأثر العقوبة تبعاً لثقل الواجب المختان، وطبيعة المجرم ، والظروف التي خالف فيها القاعدة ، ومشاعر أصحاب الحق " حين تتصل الجريمة بأضرار ترتكب في حق الغير" ، إن العقوبة حينئذ يجب أن تتنوع بدقة ، ابتداء من مجرد التأنيب على انفراد ، أو التعنيف أمام العامة ، على تفاوت في قساوته ، حتى السجن ، زمنا ً يطول أو يقصر ، والجلد ، عدداً يقل أو يكثر ، ولكنه لا يصح بعامة أن يبلغ عدد الجلد المنصوص عليه في الحدود " وهذه النقطة موضع خلاف " .
هذه الطرق في العقوبة لا تقتصر على كونها قابلة لمختلف الأشكال المخففة على تفاوت تبعاً للحالة المعروضة ، بل إن التعنيف ذاته يمكن أن يهبط الى درجة نصيحة خيرة ، أو تعليم خالص منزه ، - ليس هذا فحسب ، بل إن من حق القاضي ، وربما من واجبه – أن يغضي بكل بساطة عن بعض الأخطاء القليلة حين تقع من إنسان ذي خلق ، وقد ورد في ذلك أثر منسوب الى النبي صلى الله عليه واله ، ولكنه لايرقى الى مرتبة الصحة العالية ، قال : " أقيلوا ذوي الهيئات ( أو ذوي الصلاح ) عثراتهم ، إلا الحدود "(درز،1999،ص275) .
الاستنتاجات والتوصيات
أولاً:الاستنتاجات: من أهم الاستنتاجات في هذا المجال مايلي :
!.أن الايمان يؤدي الى التمسك بالقيم الاخلاقية ومنها أخلاق العمل ،فيؤدي عمله بكل دقة من خلال الرقابة الذاتية .
2. أن الله سبحانه وتعالى خالق الكون ومحوره الاساس الانسان ، قد ختم الاديان والرسالات السماوية بالاسلام لكماله أن هذه الحقيقة تدعو المسلم الى البحث في النصوص الشرعية لاكتشاف الاسس والمبادئ الاخلاقية التي تقوم سلوك الافراد .
3. السعي الى حق التكامل للنفس الأنسانية للوصول الى الكمال من خلال ممارسة الأخلاق الاسلامية العالية في العمل مثل (الأيثار ،الاحسان ،الأنفاق) .
4.الاخلاق مرتبطة أرتباطاً وثيقاً بالعقيدة الأسلامية فلا يمكن الفصل اذن بين نظام الأسلام ونظام الأخلاق .
5.أن الأخلاق من أهم الضمانات لقضية التطبيق وأحدى المهمات الأساسية في الأسلام في مجال التربية والعمل والتزكية بالثقافة الألهية .
ثانياً:التوصيات
إن هناك كثيراً من التوصيات التي يمكن أن تقال في هذا المجال ، ولكن من أهم التوصيات التي يمكن أن يكون لها أثر فعّال هي :
1-الاهتمام بتربية الناشئة قبل سني المدرسة تربية أخلاقية وفق ما جاء في الشريعة الإسلامية ، فالتعليم في الصغر أدعى للأنضباط في الكبر.
2-ادخال مادة " علم الأخلاق الإسلامية " في مناهج المراحل الابتدائية ، ومادة "أخلاق المهنة " في مناهج ما فوق المرحلة الابتدائية حتى نهاية التعليم العالي .
3-ضرورة إبراز أهمية القيم الأخلاقية في حياة الفرد والجماعة لما لها من تأثير كبير في حياتهم ، وفي تقدم الأمة وازدهارها ، وتعزيز ذلك عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، والمؤتمرات والندوات ونحوها .
4-الاهتمام بأخلاق العمل ، وبذل الجهد في سبيل نشرها وتحقيقها في الواقع .
5-الاستفادة من الأبحاث المقدمة الى الندوات والمؤتمرات التى تعنى بأخلاق المهنة عن طريق طبعها وتوزيعها على المؤسسات العامة والخاصة حتى لاتضيع الجهود ، وتبقى حبيسة الأرفف والقاعات .
قائمة المراجع والمصادر:
1.العثيمين , فهد سعود . أخلاقيات الإدارة في الوظيفة العامة وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية . مكتبة التوبة . الرياض 1993م .
2.الصواف , محمد ماهر . أخلاقيات الوظيفة العامة والعوامل الإدارية المؤثرة في مخالفتها بالتطبيق على المملكة العربية السعودية . الإدارة العامة . الرياض . العدد 82 . 1414 هـ
3.الأشعري , أحمد داود . الوجيز في أخلاقيات العمل . خوارزم العلمية للنشر والتوزيع . الرياض 2008م
4.الصباغ , زهير . البعد الأخلاقي في الخدمة العامة . الإدارة العامة . العدد : 47 . الرياض 1406 م
5.إل كوبر , تيري . الإداري المسئول "مدخل أخلاقي للدور الإداري" . النشر العلمي والمطابع – جامعة الملك سعود . الرياض 2001 م
6.نصر , خالد أحمد . أخلاقيات العاملين في مهنة الشراء . الإدارة العامة , العدد : 36 . الرياض 1403 هـ
7.ياغي , محمد عبد الفتاح . الأخلاقيات في الإدارة . جميع الحقوق محفوظة للمؤلف . الأردن . 1995 م
8.العمر , فؤاد عبد الله . الإعداد الأخلاقي وأهميته في الإدارة الحكومية في الكويت ودول الخليج العربية . مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية . العدد : 83 . الكويت . 1996 م
9.دسوقي , كمال . سيكولوجية الإدارة العامة وأخلاقيات الخدمة المدنية ., مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية . مصر . 2000 م
10.رسلان , أنور احمد . الصلاحية الأخلاقية "شرط تولي الوظيفة العامة بمصر ودول مجلس التعاون الخليجي" : دراسة مقارنة , الإدارة العامة . العدد : 65 , الرياض . 1410 هـ
11.نجم , عبود نجم . أخلاقيات الإدارة في عالم متغير . المنظمة العربية للتنمية الإدارية . القاهرة .
12.أخلاقنا ، محمد ربيع جوهري ، ط 4 ، دار الفجر الإسلامية ، المدينة المنورة 1420هـ/1999م .
13.أخلاقيات الخدمة العامة ، المنظمة العربية للعلوم الإدارية ، ترجمة حمد القريوتي ، مطابع الدستور التجارية ، عمان ، 1984م .
14.الأخلاق الإسلامية ، نذير حمدان ، ط 1 ، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، 1410هـ /1990م .
15.الأخلاق في الإسلام ، محمد موسى ، ط 2 ، العصر الحديث بيروت ، 1412هـ /1991م .
16.الأسلام وضرورات الحياة ، عبدالله قادري ، ط 3، دار المجتمع .
17.أصول الدعة ، عبدالكريم زيدان ، ط 3 ، دار الوفاء للطباعة ، مصر، 1408هـ /1987م .
18.التربية الأخلاقية الإسلامية ، مقداد يالجن ، ط 1 ، دار علم الكتاب ، الرياض 1412هـ/1992م .
19.تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ، ابن مسكويه ، تقديم حسن تميم ، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ، بيروت .
20.دستور الاخلاق في القرآن ، عبدالله دراز .
21.العمل في الإسلام ، عز الدين التميمي ، دار عمان ، الأردن .
22.علم الأخلاق الإسلامية ، مقداد يالجن .
23.فصول من الأخلاق الإسلامية ، عبدالله بن سيف الأزدى ، ط 1 ، دار الأندلس ، 1420هـ/2000م .
24.فقه الأخلاق والمعاملات ، مصطفى العدوى ، ط 1 ، دار ماجد عسيري ، جده 1419هـ /1999م
25.السياسة الشرعية ، ابن تيمية ، تقديم محمد المبارك ، دار الكتب العربية ، بيروت .
26.الفساد الإداري كمعوق لعمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، صلاح الدين فهمي ، المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب ، الرياض ، 1412هـ .
27.القاموس المحيط ، الفيروزابادى .
28.لسان العرب ، ابن منظور .
29.موسوعة أخلاق القرآن ، أحمد الشرباحي ، ط1 ، دار الرائد العربي بيروت ، 1407هـ /1987م .
30.مكارم الأخلاق ،محمد بن صالح العثيمين ، ترتيب خالد ابوصالح ، ط 1، 1417هـ /1996م .
31.نحو ثقافة إسلامية اصيلة ، عمر الأشقر ، ط 1 ، دار النفائس : عمان ، 1421هـ / 2000م .