• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عاشوراء في فكر الشيعة الامامية ج1 .
                          • الكاتب : عبد الامير جاووش .

عاشوراء في فكر الشيعة الامامية ج1



مشكلة البحث :

تعتقد الشيعة الإثنا عشرية أن يوم العاشر من محرم(61هـ) فيه بلغ الصراع الحضاري ذروته، بين الفكر المحمدي وبين ما هو سائد من موروثات الجاهلية.
فالجريمة التي حصلت في كربلاء، تتحدث أولا عن تاريخ الفلسفة في جزيرة العرب منذ ما قبل البعثة النبوية ، وثانيا تتكلم عن التوافقات الثقافية مع شعوب الموالي وابتداء آراء الإسلاميين.
ومن ثم فإن مضمون الواقعة الشامل يمثل نقطة إسناد تقييم وفرز للمذاهب والاتجاهات العقائدية. فإذا أسفرت المصالح والمطامع عن تشكيل الحركات والأحزاب، فإن المذاهب كانت المبرر الموضوعي للتشظي السياسي.
لقد كان أصل الاختلاف بين المقالات التي تعد كل منها مذهبا من المذاهب الإسلامية، وتسمى جماعتها فرقة، هو الاختلاف في الأصول العقائدية الكبار، والتي هي : التوحيد، والنبوة، والإمامة، والعدل، والمعاد. ولكن ما سل سيف في الإسلام مثل ما كان على قضية الإمامة، والاختلاف حتى يومنا هذا حول حتمية الربط الجدلي بين التوحيد والأصول الأخرى .
والمتقصي في السيرة والتاريخ، يجد أنه غالبا لم تؤسس الآراء المنشقة من خلال طرح سؤال عام يتبادر إلى الذهن ، وبدافع المعرفة أو الاستطلاع العقلي، بل أن كل المواقف الشاذة تقريبا كانت بحوافز ومطامع سياسية أو من تحريك وانتماءات خارجية. وعموما فإن جل ما طرحه المتكلمون كان يخفي إرادة اصطفاف مع السلطة أو وقفة بالضد منها .
ولم تزل السياسة تقرر ميكافيللية على الدراسة والبحث، وعلى خلاف ما هو مقرر علميا من أنه ليس من حق الباحث أن يقرر النتائج سلفا، ثم ينظر فقط إلى البراهين التي تشير إلى فكرته هو، أو التي تتلاقى كلها في نقطة واحدة هي ما يدور في رأسه من أفكار. بل يجب تقديم البحث بصورة تجربة فكرية محفزة، تحتشد باللمحات الذكية والملاحظات المتعمقة، مع القدرة على كشف الروابط والعلاقات التي يعجز عن بلورتها الفرد العادي، وأحيانا لا يستطيع استيعابها الغير متخصص لأنه لا يحرز الذكاء والفطنة وروح النقد كما يجب في طرق البحث.
وفي معركة الطف التي جرت على آل محمد(ص) وبالذات الحسين(ع) الذي يوصف بأنه سبط من الأسباط وسيد شباب أهل الجنة... الخ. وحين يكون بطل الواقعة إماما بحجم الحسين بن علي(ع) وليس رجلا آخر، فإن المحصلة تكون غاية في العمق الإنساني والبعد الأخلاقي من ناحية التضحية، أما من جانب الجريمة الأموية فإنها لا بد أن تترك شروخا وتصدعا في كل الاتجاهات.
أن الإمام الشهيد المظلوم من الأمة، عاش بضع وخمسين عاما، كان المجتمع يعاني فيها التقلبات الفكرية والتحولات السياسية . ولكن الحسين(ع) ورغم فرص التدني المتوفرة للجميع، لم يكن زعيما من أولئك الطامحين للاستغلال، ولا تستهويه مطامع الجاه والمال، ولا تحركه دوافع التعقيد أو غايات الأنانية، ولم يكن من أولئك الفاشلين الذين عاشوا في عزلة باردة عن معانات أمتهم.
فكان لزاما على الباحثين عن الخلاص وإنقاذ أنفسهم من عذاب الدارين، أن لا يقبلون مرتكزا في عقيدتهم يستند إلى ما يسطره وضاعوا التاريخ ، أو ما يروج له دين السلطة ومذهب السياسة، أو ما يعتنقه أصحاب الشطحات وأهل النظر في الفلسفة. بل المخلصون يودون حقيقة أن يهتدوا بالنبي الأمي(ص) ، وبعزم صادق على فهم التعاليم السماوية، وإلا فإننا نسير إلى مجهول الآخرة ، ونحيا ولا نعرف غير النزر اليسير من الدنيا ، ثم من الجهل إلى المجهول لا يكون لوجودنا معنى على الإطلاق.
نحن بقية الطف من الأنصار نتساءل بيننا:
إذا كان ثمة نظام، فإن هناك إرادة فاعلة على جعل الكون وحالة بناءه الموجبة في اتجاه واحد، فكيف يبدو لنا الشر كقوة مضادة؟ وإذا كان الوعي الإنساني قدرات ترى التنظيم في الأشياء، فلأن الذكاء يتآزر مع المروءة التي هي الصفة اللازمة للإنسان، وإذن للإنسان معرفة خاصة، فهل الأخلاقية العلمية واجب ذاتي أم موضوعي بالنسبة لنا؟ وإذا كان الإنسان جزء باحث في المنظومة فهو عنصر بناء مميز ، فهل يتحمل مسؤولية في المحيط الواسع؟ وكيف موقفه من المصالح في ظل صراع المتناقضات؟ وإذا كانت قيود التقنين في مبدأ الأصلح، فما مساحة حرية الاختيار في مقابل الحرية المقيدة؟ لعل الوعي الإنساني المتقدم، ينمو ولكن على حساب أشياء أخرى، الأمر الذي أزعج إبليس منذ البداية!!
إننا نؤمن بالإسلام المحمدي الذي جعل الرسول(ص) بوابته الوحيدة بالنسبة لنا الكتاب والعترة، وإيماننا أن نجد فيهما كل ما هو علمي وعملي. ولكن المشكلة أننا لا نحرز التقدم المناسب مع الزمن،لأن الاقتراب من الواقع الحقيقي يتفاوت مع فوارق الذكاء، بين الرواية والراوي والمتلقي، لذلك يستمر البحث والتحقيق.
لقد كان الغرض من تأسيس الدين الأخلاقي، هو إقامة عالم إنساني يؤمن بحقيقة مقدسة، تحقق العدالة من خلال مفاهيم التوحيد. ولن يتم دعم تلك المفاهيم والقيم التقدمية، إلا بالحفاظ على مستوي متقدم للذكاء، وقبول تفسير الأفكار تفسيرا أكثر فعالية في صيرورة الحياة.
ولكن بعضا ممن يلقون تقديرا من جمهور التابعين للديانات، قد غيروا الواقع الجاد للمسيرة الرائدة، إلى مظهر هزلي و رضا مضلل، حين تشبثوا بصورة الميتافيزيقيا واللاهوت الشائعة، وبجهالة قائمة على سوء إدراك في استخدام الكلمات والمفاهيم عند الأعراب، أو ترجمة ركيكة ومبتذلة للغة عند الموالي. وتحدو بهم آليات المرض النفسي والدوافع الخاصة، فأسسوا بنيانهم الذي من يتطلع إليه يصاب بالدوار الفكري.
هناك تكدست عبارات وإشارات، ومصطلحات غريبة غامضة رنانة، إلى جنب طقوس طاوية ومراسيم كهنوتية وتجليات صوفية، لها تأثير التنويم الإيحائي على عوام الناس . ومن تداعيات الخيال وفي محيط الأسطورة، تشابكت المعتقدات الخرافية، و عم التنوير بمعراج التسامي إلى حظيرة الفصام، وانكفأ الإسلام عندما تزعم بعض المعممين أكبر خدعة بشرية، هي الكذبة المقدسة.
إن الفكر المحمدي- سوى الوحي الإلهي- هو نشاط ذهني ذو أسلوب وكيفية معينة، تنعكس عن مبادئ عقلية ومعطيات واقعية، وحاصله قضايا ذات أهداف إبداعية ومقاصد للابتكار، ونظريات هي الأفضل للحلول، وقاعدة تطوير للنموذج الإنساني.
وفي الواقع فإن المبادئ الإسلامية مثل جميع المبادئ، هي في حد ذاتها، معاني مجردة تتوقف على الكيفية التي تفسر بها عند تطبيقها عمليا، فتصبح أمورا محسوسة فيما يترتب عليها من نتائج. وذلك لأن المبادئ المجردة لن تكشف عن ميزة منتجة من الناحية العملية، بل ربما عند نموها تخلق تراكيب لغوية فارغة، والأسوأ إذا تضمنت فرضا تعسفيا، فإنها يمكن أن تتجه إلى الهوة السالبة.
لذلك لا يمكن تعلم الإيمان من خلال الوعظ والتلقين المنبري، فالفكر الإسلامي ينكشف بالدراسة،ويكتسب من خلال التعليم والممارسة. حيث الفكر في صميمه هو فلسفة أي آراء تحليلية وعملية.
بينما من على المنبر فقط ومن محل القداسة، يمكن تلفيق آراء تبدو مقبولة ومؤثرة في التسويق العاطفي، أو تكون مستندا إذا ما ألبست ثوبا منمقا من الإنشاء والتعبير، ولكن لا قيمة لها في الواقع، ولا يمكن الاستفادة منها عمليا. لذلك وفيما بعد يضطر دعاتها، وبحسب الظروف، إلى البحث عن الترقيع بالتوافق والانتقاء وحتى الاقتباس من المروجات المقبولة. فيكون والحال هذه، أن يتحول النموذج إلى ميعة مطاطية قابلة للتشكيل والمقالبة.
فعلينا أولا استبعاد العقل السلطوي، وتوفير المهام الجادة في الدراسة، ونيل الاحترام الكافي فيما نتحدث عنه، والتفتح العقلي فيما نطرح، ثم نضع قوتنا في الاتساق النموذجي لأقوالنا و لأفعالنا عند الطبقة الشعبية.
إن علينا أن نواجه مشكلة الكشف عن الإرباك الموجود داخل التشكيلات الماضية، وأن نفهم التعقيدات التي نعيشها في الحاضر. فالمذهبية التقليدية قد قامت لتناقضها وليس على أساس من الدراسة التحليلية للمبادئ




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=56926
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28