عندما رفع المجلس الأعلى شعار حكومة الفريق القوي المنسجم , كنّا واثقون تماما أنّ هذه الدعوّة لا تعدو أكثر من شعار فارغ المحتوى لا طعم له ولا رائحة , بسبب الخلافات العميقة والشائكة والجوهرية بين أطراف ومكوّنات الشعب العراقي التي تمنع تشكيل مثل هذه الحكومة , وكنّا واثقون أنّ هذه الحكومة هي حكومة الفريق المنبطح الهزيل وليس كما روّج لها بأنها حكومة الفريق القوي المنسجم , وعندما اطلقوا صفة الاتفاق التاريخي على اتفاقهم النفطي المذّل والمهين مع مسعود , كنّا واثقون أيضا أنّ مسعود سوف لن يلتزم بهذا الاتفاق وسيتراجع عنه عاجلا أم آجلا , وهذا الاتفاق سينهار كما انهارت كل الاتفاقات السابقة مع حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي , وبالرغم من كل التنازلات المذلّة التي قدّمتها حكومة الفريق المنبطح الهزيل في هذا الاتفاق , وعندما تمّ ربط نفط كركوك بهذا الاتفاق صرخنا بأعلى أصواتنا إنّ هذا إقرار رسمي لمسعود بالسيطرة على نفط كركوك , فالسيناريو الذي توقعناه حدث وبأسرع مما كنّا نتوّقع , فلم تمضي سوى بضعة أشهر ليتراجع مهندس هذا الاتفاق عادل عبد المهدي ويتخلّى عنه ويرمي بمسؤوليته بخانة رئيس الوزراء والحكومة باعتبارها هي التي أبرمت هذا الاتفاق المهين والمذل , وها هو مسعود يعلن اليوم استقلال الإقليم النفطي عن بغداد وتصدير نفط الإقليم وكركوك بشكل مستقل ولحساب حكومة إقليم كردستان , وكأنّ نفط الإقليم وكركوك ملك لآل برزان وعصابتهم .
إنّ قرار حكومة مسعود بالسيطرة على نفط محافظة كركوك التابعة لإدارة الحكومة الاتحادية , هو إعلان رسمي بالحرب على حكومة بغداد , وهذا القرار دليل دامغ يكفي لمعرفة دور مسعود في سقوط الموصل بيد داعش , واتخاذ سقوطها ذريعة لاحتلال كركوك وضمها إلى كردستان والسيطرة على نفطها , وللأسف الشديد أنّ بعض السياسيين يعتقدون أنّ خطوة مسعود هذه هي خطوة تكتيكية تتعلق بإعادة ترشيحه لرئاسة إقليم كردستان للمرة الخامسة , ليظهر أمام الكرد إنه القائد الأوحد والضرورة التي تتطلبها مصالح الشعب الكردي والقائد الوحيد القادر على الوقوف بوجه حكومة بغداد التي قطعت رواتب الموظفين في الإقليم , لكنّ من يعرف مسعود وأبيه وحقدهم المتجذّر على العرب بشكل عام والعراق بشكل خاص , يستطيع أن يستنتج أنّ قرار مسعود هذا قد تمّ التخطيط والاستعداد له منذ فترة بعيدة , وقد ساعده على تحقيق هذا السيناريو القذر من وضع يده بيده وتآمر معه على إفشال وإسقاط حكومة نوري المالكي التي كانت العائق الوحيد أمام أحلامه المريضة في ضم كركوك والمناطق المتنازع عليها إلى كردستان وتحقيق حلم إقامة الدولة القومية الكردية .
وأمام هذا التحدي الخطير وهذا القرار الذي هو بمثابتة إعلان الحرب على بغداد , فقد آن الأوان لحكومة الفريق المنبطح الهزيل , أن تنزع عنها ثوب الضعف والتخاذل أمام غطرسة مسعود واستهتاره وتجاوزه على القانون , واتخاذ كل ما من شأنه أن يحافظ على ثروة الشعب العراقي من الضياع والسرقة , والخطوة الأولى بهذا الاتجاه هي إلغاء الاتفاق النفطي المهين معه ومنعه من تصدير النفط إلى تركيا خارج شركة سومو حتى وإن ذلك إلى الحرب , فأمثال مسعود لا يفهمون سوى لغة القوّة , وبدون استخدام هذه القوّة فإن كركوك لن تعود للحاضرة العراقية .