ومثل السياسة إذا خلت التجارة من الصدق تحولت إلى مفيوزية..إن الاقتصاد السياسي هو التفاف كبير على الصدق في الإنتاج والتوزيع..في رحلته ذات الطابع التجاري يتحدث الحجوي الثعالبي المغربي عما يفيد أنّ أخطر المواقف هو الكذب في التجارة في الديار الإنكليزية يومئذ..وهذا واضح، فالقراصنة حينما بنوا صرحا تجاريا أدركوا أن لا مجال للكذب في التجارة أو العودة إلى القرصنة..في المغرب أمثال كثيرة مفادها أن من يكذب في التجارة يبيع مرة واحدة فقط..ومثال: قال له خدعتك، فقال له: عرفتك..الكذب في التجارة هو الإشكالية التي نهض عليها علم وتاريخ الاقتصاد السياسي..من أثينا حتى الكلاسيك هناك تاريخ لضبط العدالة ونبذ الكذب..اليوم عاد التوحش مع عولمة التجارة..والتوحش يعني تجاوز مرحلة الكذب إلى مرحلة القرصنة..بالنسبة إلى أدام سميث أو ريكاردو لا إشكال في القيمة المضافة إلى أن جاء ماركس واستدخل العامل الاجتماعي في الانتاج والتوزيع بل في الزمان أيضا حيث صار زمانا اجتماعيا لإنتاج السلع والخدمات..هنا أصبح الحق في امتلاك القيمة المضافة لغير العمال كذبة..البيان الشيوعي هو بيان ضدّ كذب الرأسمالية وقرصنة القيمة المضافة..نتساءل كما تساءل البعض: لماذا توقفت التجارة بين الفينيقيين وأثينا..كانت التجارة قائمة بينهما..والسفن الفينيقية ترسوا على سواحل أثينا..قام الفينيقيون بسرقة الأطفال من أثينا..ومنذ ذلك الوقت لم يجرؤوا أن يحطوا مرة أخرى على سواحل أثينا..يقول بوبر:" لقد سرق الفينيقيون.. وبالنظر إلى كونهم سرقوا أطفالا فإن إقامة سوق أصبح مستحيلا"...
أقول: كم تسرق الرأسمالية اليوم من العقول والثرواة والموارد البشرية والطبيعية..هل هذا يعني استحالة قيام سوق في ظلّ الرأسمالية المتوحّشة؟
|