لابد أن نتناول هنا و في هذ المورد المعلومة الأدق حول قضية الأجتهاد , و قضية التعبد بالمذاهب الأربعة , و التي حقيقتها ( حصر الأجتهاد بالمذاهب الأربعة فقط ) .
فمن باب المعلومة المفيدة أنه و في أوائل عام ( 1359 هـ ) أرسل السيد جعفر الأعرجي من الموصل في العراق رسالة إلى الشيخ ( آغا بزرك الطهراني ) في النجف الأشرف يسأله أن يكتب له رسالة في بيان بدء المذاهب الأربعة , و وجه التعبد بها , و تاريخ حصر الأجتهاد فيها , فكتب له الشيخ الطهراني رسالة بعنوان ( حصر الأجتهاد ) و من المفيد الرجوع لها للوقوف على تفاصيل أدق عن الموضوع و بشكل تفصيلي مع مراجعة الكتب التي كتبت عن موضوع الأجتهاد , و الت تناولته من حيث حقيقته , و التحقيب التاريخي الخاص به .
و تاريخياً تعد الفترة ما بين عام ( 631 هـ ) , و عام ( 645 هـ ) هي الفترة التي تم أصدار الحكم بالإلزام بالمذاهب الأربعة .
فيذكر الشيخ أغا بزرك في كتابه المتقدم الذكر أنه يوم أفتتاح المدرسة المستنصرية , و ذلك سنة ( 631 هـ ) قد ( قسمت على أربعة أقسام :
فسُلم الربع القبلي الأيمن إلى الشافعية .
و الربع الأيسر إلى الحنفية .
و الربع الثالث يمنة الداخل للحنابلة .
و الميسرة للمالكية .
و أختير لكل مذهب أثنان و ستون نفساً من الذين يقرؤون الفقه و الأحكام . و رتب لهم مدرسان : أحدهما من الشافعية , و الثاني من الحنفية . و نائبا مدرس , أحدهما : حنبلي , و الآخر مالكي ... و ألزم الخليفة المدرسين فيها بذكر كلام المشايخ الأربعة فقط , و أحترامهم , فأُلزموا بذلك , و أجابوا جميعاً بالسمع و الطاعة ) .
و في مصر أُفتي بحصر التعبد بالمذاهب الأربعة عام ( 665 هـ ) كما أورد ذلك المقريزي في خططه .
و قد تبنى هذا الأمر الكثير من السلاطين , و وعاظهم , و أصحاب المصالح حتى أصبح سنة متبعة لدى السواد الأعظم يتعبدون به بلا أدنى تأمل فيه , و كأنه قرآن منزل .
إلا أنه و رغم ذلك فقد أستنكره العقلاء من العلماء , و أنتقدوه , فمثلاً نجد الشيخ صديق حسن خان البخاري القنوجي ( ت 1307 هـ ) في كتابه ( حصول المأمول من علم الأصول ) يقول : ( أن من حصر فضل الله على بعض خلقه , و قصر فهم هذه الشريعة المطهرة على من تقدم عصره , فقد تجرأ على الله عز و جل , ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده , ثم على عباده الذين تعبدهم بالكتاب و السنة ... فان كان التعبد بالكتاب و السنة بمن كانوا في العصور السابقة , و لم يبق لهؤلاء المتأخرين إلا التقليد لمـن تقدمهم , و لا يتمكنون من معرفة أحكام الله في كتاب الله و سنة رسوله , فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة , و المقالة الزائفة , و هــل النسخ إلا هـذا , سبحانك هذا بهتان عظيم ) .
فلا نجد في التاريخ أي دليل عقلي , أو شرعي على حصر الأجتهاد في المذاهب الأربعة , إلا لأن السلطان أمر بذلك ؟؟!! و هل نفهم معناً لتكبيل العقل أكثر من ذلك ؟!
1 : الشيخ محمد محسن بن علي بن محمد رضا الطهراني النجفي ( 1293 ـ 1389 هـ ) .
2: و بالخصوص الطبعة المحققة من الكتاب المذكور .
3 : حصر الأجتهاد , أغا بزرك الطهراني , ص 105 ـ 107 .
4: تقي الدين أبي العباس أحمد بن علي القاهري البعلبكي المقريزي نسبة إلى حارة المقارزة في بعلبك ( 766 ـ 845 هـ ) .
5 : الخطط المقريزية , ج 2 , ص 344 .
6 : بل إنهم يقبلون النقاش في القرآن الكريم , و لا يقبلون النقاش في هذا الأمر أبداً .
7 : حصر الأجتهاد , ص 113 ـ 114 .
|