في تلك الليلة الشتوية التي تحاول ان تتصارع معي بكل قواها لتخذلني مع ذاتي التي تأبى الخضوع لأية لحظة ضعف ,بدأت أشعرأنني سأغلب تلك الليلة ,وسأنتصر عليها , من غير سلاح , سأصطحبها معي في رحلة خيالاتي, تلك الخيالات التي تطير بي الى عالم أكاد أحسه قد خُلِقَ لي أنا ,عالم خالٍ من كل متع الحياة الزائفة, عالم بعيد بعيد عن مغريات ممزوجة بطمع ذليل.
طالما خطر في بالي ,أن تعب الأيام سيتعب ذاكرتي وستصاب مخيلتي بعطل ما لتنسى ماخزتنه في صندوق العمر,لأكتشف أن تلك الذاكرة إجتباها الله كي تكون بمنأى عن كل مايحاول ان يقلِّل أو يُحِدَّ من توهجها وإتقادها, تلك هي نعمة من عند الله يتمناها إن لم يكن كل العالمين فحتماً,أغلبهم .
في هذا الآن بالتحديد , لم أكن اتمنى التوهج لخزين السنين, فالخزين , ياذاكرتي حزين .
أتعلمين لِمَاذا حزين؟ لأنَّ من أودعناكِ إيَّاه لم يكن أهلاً كي يصونَكِ. .
أوآه ...ياأُمــــــــاه....
آواه ...ياإبتــــــــاه....
إعذراني ياأرقَّ, وياأكرمَ مخلوقَينِ .
إصنعا لي الحُجَّة, كي لاأخفي عليكما ماحّلَّ بمأوى أحلى سني أعمارنا, ذاك المأوى الذي .....اللـــــــــــه كم,بخلتما على نفسيكما وروحيكما لأجل أن تبنيانه .
ذاك وطننا الصغير الذي عشنا تحت سقوف حجراته, وإستظلينا تحت شجرات رمانه وبرتقاله وتفاحه,
أتذكر ياأبتاه تلك النخلتين الصغيرتين حين جلبتهما لتزرعهما على جانبي حديقتنا الأمامية,حينها كنت انا في المرحلة الأبتدائية, قالت لك أمي متى ستكبر هاتان النخلتان؟
أجبتها والأمل يملأ عينيكَ العذبتين, عن قريب ان شاء الله.
كبرت النخلتان , وجنينا تمرهما الزهديِّ, ,تذوقنا الدبس الذي برعت امي بطريقة عمله واستخلاصه من التمر,ذاته.
النخلتان أُقتِلِعتا ياأماه من جذورهما, وأماتوهما , هكذا نحن معشر البشر جاحدون حد النخاع,نسي من أودعنا لديه وطننا الصغير,كم أكل من تمرهما ,وكم استخدم سعفهما حين كان يخبز في التنورالطيني , تذكران التنور الطيني ,اللــــــــــــــــــــه ماألذَّ خبزك ياأماه
يابحَّة في صوت أُمي
يغور
يامعولاً في ساعد أبي
الغيور
ياشاياً مُعَطرَّاً بالهيل
والبخور
ياطيراً يفلتُ من قبضتي
ومن البحور
ياحُلُماً أرآهُ كُل لحظة
يثور
ياشيئاً أتوقُ إليهِ وهو
يجور
يارائحة خُبزٍ وُلِدَ تَوَّاً
من التَّنوُر
ياصوت المُنادي
هَلمُّوا إلى
الصَّلاة
إلى
الإمساك
إلى
السُّحور
ياأحلى صوت
ياعراقي
ياخيرُ الأنام
على مرِّ الدُّهور
تلك الكلمات كانت تحضرني حين أشتاق لبيت طفولتي ومن خلالها كنت أتوق لأرض العراق
فمن ذا الذي ينتشلني من غربة الاشتياق؟ |