• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحَلُّ..في تَغْييرِ العَقْلِيَّةِ! (٦) والاخيرة .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

الحَلُّ..في تَغْييرِ العَقْلِيَّةِ! (٦) والاخيرة

     السّؤال السّابع؛ اين الخلل إذن؟!.

 
   الجواب؛ اذا نتتبّع جذر المشكلة فسنجدهُ ينتهي الى العقليّة.
 
   مشكلتنا في عقليّتنا وفي طريقة تفكيرنا وفي طريقة تقييمنا للامور وفي طريقة بناء قناعاتنا إزاء ايّ حدثٍ من الأحداث وفي طريقة رسم السّياسات العامة.
 
   انّ تبنّينا لأمراض مثل ردّ الفعل والانتقام والازدواجيّة والمصالح الضيّقة والعصبيّة الجاهليَّة وعبادة السّلطة والشّخصية على حدٍّ سواء، انّ كلّ ذلك أنتج شخصيّة قلقة ومتقلّبة ومتناقضة تتناحر مع نفسِها اذا لم تجد من تتناحر معهُ، وتتقاتل من اجل أتفهِ الامور اذا لم تجد ما تبرّرهُ اذا تقاتلت مع الاخر.
 
   حتى الدّين والفتوى الدّينية التي يُفترض ان تكون مقدّسة يلجأ اليها الامام من اجل المصلحة العليا للأمة، اذا بها اليوم اداةً من أدوات السّياسة القذرة يقبض عليها الحاكم الظّالم في صراعاتهِ العبثيّة لتحقيق اجنداتهِ الحزبيّة او العشائرية الضيّقة، لدرجة ان التّناقض في الفتاوى أصبحت ظاهرةً للعيان يلمسها حتّى الأميّون الذين لا يقرأون ولا يكتبون.
 
   ولتوضيح ذلك، دعني أسوق الأمثلة التّالية؛
 
   في عام ١٩٩٠ عندما اجتاحت قوّات الطّاغية الذليل صدّام حسين دولة الكويت، اصدر كبير فقهاء (آل سعود) آنذاك، بن باز، فتوى (دينيّة) قال فيها انّ صدّام كافر لا يُستتاب، ولقد جاءت الفتوى بأمرٍ من البلاط لتبرير استدعاء نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية للقوّات الأجنبيّة الى أراضي المملكة لطرد قوات الطّاغية من الكويت وتحريرها من سيطرتهِ العسكريّة.
 
   في عام ٢٠٠٦ وعندما نفّذ العراقيّون حكم الإعدام شنقاً حتّى الموت بحق الطّاغية الذليل بعد محكمة عادلة وشفّافة اطلع على تفاصيلها وتابعها العالم لحظةً بلحظةٍ من خلال الشاشة الصغيرة، اصدر بن باز نَفْسَهُ فتوى أُخرى قال فيها انّ صدّام هذا شهيد لانّهُ نطق بالشّهادتين قبل إعدامهِ، ثم ساق حديثاً عن رسول الله (ص) بهذا الصّدد لتوكيد فتواه التي جاءت هي الاخرى بأمرٍ من بلاط (آل سعود) لاثارة النّعرة الطّائفية بين العراقيين، ولتجييش أيتام الطّاغية في كل مكان ضد العراق الجديد.
 
   هذهِ واحدةٌ.
 
   واحدة أُخرى، عندما اسقط الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين في نيسان ٢٠٠٣ اصدر (٢٨) من كبار فقهاء التّكفير فتوى مشتركة قالوا فيها انّ القتال ضدّ المحتل الغازي في العراق واجبٌ عيني ثم بشّروا الشّباب المغفّل والبائس الذي غسلت ادمغتهُ ماكينتهم الإعلامية، بالجنّة التي فُتحت ابوابها من العراق فقط بعد أُغلقت بقيّة الأبواب، فلا جهاد الا في العراق ولا باب من أبوابِ الجنّة مفتّحةً للشهداء الا من العراق، وانّ من يُقتل هناك يلتحق فوراً برسول الله (ص) ليحضر معه على مائدة غداء او عشاء واحدة!.
 
   تخيّل انّ كلّ الشّباب المغفّل تَرَكُوا بلدانهم البائسة التي تئنُّ من الفقر والتخلُّف والاميّة وسحق الكرامة الانسانيّة وابسط الحقوق المدنيّة في ظلّ نُظمٍ بوليسيّة استبداديّة شموليّة وبعضها قبيلّة، ليهاجروا الى العراق للقتال هناك! منهم شبابٌ من فلسطين الذين تَرَكُوا ارضهم المحتلّة والمغتصبة، وتركوا اعراضهم وشرفهم تحت رحمة العدو الصّهيوني ليغادروا من العراق تحديداً الى الجنّة!.
 
   تبّاً لامّةٍ جاهلةٍ بائسةٍ ضحكت من جهلها الاممُ!.
 
   امّا في عام ٢٠١١ فقد أَصدر كبيرهم (فَقِيه موزة) فتوى يفتخر فيها ان يكون جندياً مقاتلاً في قوات حلف الناتو ليساهم في إسقاط نظام الطّاغية معمر القذافي في ليبيا، واُخرى يدعو فيها الناتو، باسم الانسانيّة والإسلام لمساعدة (المجاهدين) في سوريا لاسقاط النظام هناك، وعندما زار سفير الولايات المتحدة الأميركية (الشمال المحرّر) على حدّ وصفهم، رفع (المجاهدون) سيارتهُ على أكتافهم وأمطروها بالورود مرحّبين به باعتبارهِ سفير الديمقراطية والحريّة والكرامة!.
 
   هكذا وبهذه الطريقة العوجاء نبني سياساتنا، حتى انتهت بالامة الى ان تتقاتل مع بعضها في حربٍ عبثيّة فوضويّة بالنّيابة عن اللاعبين الكبار، دمّرت كلّ شيء، كلٌّ من منطلقاتهِ الضيّقة ومبرّراتهِ الخاصّة التي يشرعنها بآيةٍ او روايةٍ او فتوى تحت الطّلب او مصلحةٍ (عامّة) يختلقها اختلاقاً، حتى أنتجوا لنا الارهابيّين بكلّ أسمائهم ومسمّياتهِم.
 
   امّا في العراق فلن يختلف الامر كثيراً، فبينما كانت الفيدراليّة بنظر المكوّن السُّني مشروع تقسيم، اذا بهم يتبنّون فكرة الإقليم السنّي كأفضل حلٍّ لحماية وحدة العراق! وبينما كانوا يعتبرون ان كلّ ما يبنيه العراقيّون من خطوات في العمليّة السّياسية في ظلّ (الاحتلال) باطلة على قاعدة (ما بُني على باطل فهو باطل) اذا بهم يتباكون اليوم على حقوقهم المهمّشة مطالبين بها في إطار نفس العمليّة السياسيّة! وهكذا، حتى وصل بهم الحال الى ان يعتبروا الارهابيّين مشروعٌ لتحريرهم من سلطة (الشيعة الصفويين) ليتداركوا الموقف بعد ان اغتصب الارهابيّون أعراضهم وشرفهم ودمّروا كلّ شيء! وكادوا ان يأتوا على آخرهم لولا فتوى الجهاد الكفائي التي صدرت عن المرجع الاعلى والذي هبّ على أثرها العراقيّون ليلتحقوا بجبهات الحرب ضدّ الارهاب بعنوان الحشد الشّعبي الذي حفظ اعراضهم وشرفهم من ان يدنّسهُ الارهابيّون.
 
   إذن، فانّ الحل يبدأ بتغيير العقليّة لنفكّر بطريقة سليمة، الامر الذي يتطلّب هجرة الفكر السّلفي الوهابي التكفيري الذي يزرع العنف والكراهية والتّكفير وثقافة الموت بدل ثقافة الحياة، وهذا امرٌ لا يمكن ان يتحقق الا اذا قرّرت الامّة كنس كل أثرٍ لبترودولار نظام القبيلة والذي يتجلّى عادة امّا بفتاوى فقهاء التّكفير او بالاعلام التحريضي الذي يدفع باتّجاه اثارة الحروب الطّائفية او العنصرية ببن ابناء الامّة الواحدة.
 
   انّ التّحريض على القتل والعُدوان والتّدمير وسفك الدّماء سمة نظام القبيلة المتحالف مع الحزب الوهابي الذي وضع كلّ امكانياته (الدّينية) وقدراته (التشريعيّة) في خدمتهِ، فلقد رأينا كيف انّ فقهاء التّكفير حرّضوا على ثورة شعب البحرين السّلمية عندما نعتوها بالطائفية، لتدفع الرياض بقوّاتها المدجّجة باسلحة الغرب (الكافر) لتقتل وتدمّر وتعتدي وتتجاوز لتُعيد سيطرة النظام هناك على البلاد، وفي نفس الوقت حرّضوا كذلك على النظام في سوريا بذريعة الطّائفية ليتلقّى الارهابيّون هناك كلّ انواع الدعم من الغرب (الكافر) ليستمرّوا في القتل والذبح والتّدمير!.
 
   وفي الأثناء تبدأ الرّياض حربها الضّروس ضدّ اليمن بذريعة حماية (الشّرعية) التي كانت قد هربت من البلاد ولجأت اليها! فيما تغاضت عن (الشّرعية) في سوريا لتدعم الارهابيّين وقطّاع الطّرق وجماعات الجريمة المنظّمة، وكلّ ذلك شرعنهُ فقهاء البلاط في اكثر من دولة خليجيّة، طاعةً للبترودولار الذي ينثرهُ وليّ الامر على رؤوس العميان أصحاب اللّحى الطّويلة جداً والثّياب القصيرة جداً!.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75796
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28