• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : خبز وشاي .
                          • الكاتب : عباس عبد المجيد الزيدي .

خبز وشاي

 رفع صابر كمي بنطلونه مقارباً مفصل ركبته وتأبط كتبه وأطلق لساقيه العنان بحذائه المثقلة بالوحل الراصف لطريقه من باب الغرفة الوحيدة في البيت إلى باب الصف الرابع الابتدائي وعند وصوله ساحة المدرسة كانت مشيته تشبه مشية اللقلق كما وصفها معلم العربية الأستاذ لقمان والذي دخل تواً  لتدريس الحصة الأولى للرابع الابتدائي 

وقع نظره على وجه صابر الشاحب وعينيه الغائرتين 
حاول ان يخفي دهشته 
وزَّع نظَرهُ على جميع التلاميذ وقال متأففاً  ألمْ  أقُلْ لكم ملعون
ملعون المطر..... ملعون الوحل ..... 
 ابني صابر أرى وجهك مصفر هل أجهدك المسير و الطريق  موحل 
فأجاب مرتجفاً ..... 
المطر خير...        كانون الثاني هو الملعون يا أستاذ 
وما علاقة كانون الثاني بشحوب وجهك يا صابر ؟  
لم ينبس صابر ببنت شفة ......ناداه المعلم بحزم ..أجبني ...أجبني 
فأجاب ملتمساً .... إذا أجَبْت  هل يقرر المدير ما أريد ..  وماذا تريد  ؟     أريد أن يجعل كانون الثاني ثلاثين يوماً    
قال المعلم هل جُننت ياصابر...ما هذا الكلام 
 إنه الخلاص يا أستاذ .... 
فتساءل المعلم لماذا الغموض  .. أخبرني ؟     فانا كأبيك ياصابر       فأجابه بمرارة..... عندما كنت في الثالث الابتدائي كان فطوري يومياً ربع رغيف من الخبز مع استكان شاي ولكن عندما أصبحت في الصف الرابع الابتدائي تم تسجيل  التؤمين شاكر وحامد بالمدرسة فبعدما كنا أربعة إخوان .. أمين وأنا وعبد المجيد ومخلص .. أصبحنا ستة  فارتأى والدنا تقسيمنا إلى وجبتين ثلاثة  فطورهم في اليوم الزوجي وثلاثة يصبرون إلى نهاية الدوام ويكون فطورهم في اليوم الفردي .....وهكذا دواليك ....
ولسوء الحظ صارت وجبتي في اليوم الزوجي وهذا اليوم  يا أستاذ هو اليوم  الأول من شباط وقبله الحادي  والثلاثون من كانون الثاني واليومان فرديان فلا فطور لي فيهما 
 أطرق صابر قليلاً وكمن اكتشف أمرا هاماً انبرى قائلاً أستاذ .........حقاً تذكرت في العام الماضي قد استبدل المدير درجتي في درس الحساب من عَشرٍ  إلى تسع 
وعندما اعترض أخي الأكبر أمين  على ذلك قال له لا يستحق إلاّ تسع وأنا المدير الذي يقرر لا أنت ولا معلم الحساب 
أرجوك أستاذ اجعلوا كانون الثاني ثلاثين يوماً لماذا لا يقرر المدير ذلك ؟
الله يخليك أستاذ ... دعه يقرر ذلك حتى لا أموت  !!!
بكى أستاذ لقمان وبحركة رشيقة مشابهة لحركة لاعبي كرة السلة سحب منديله القديم من الجيب الخلفي للبنطلون القديم جداً والذي كواه بطريقته البدائية (تحت الفراش) وهذا ما أفصحت عنه شعيرات البطانية الخضراء الملتصقة فيه   وكثيراً ما يتفانى ويحتد مع زملائه المعلمين لإثبات حداثته مردداً عبارته الأثيرة لقد اشتريته من سوق أللنڱات قبل الحصار بعامين اثنين يا جماعة ....الله وكيل يا جماعة
بعامين إثنين فقط وغالباً ما يصاحب عبارته رفع الذراع الأيمن وحركة عنكبوتية للسبابة والوسطى 
 وما فتئ المعلم من تجفيف دموعه   
حتى صاح التلاميذ بصوت متداخل مرتبك أستاذ أستاذ  
صابر ( ماعت روحه )!!
 أسرع الأستاذ لقمان برفعه عن الرحلة ووضعه على ساعديه وهَمَّ مهرولاً إلى غرفة المدير المتهرئة والتلميذ يتمتم اجعلوه ثلاثين.... اجعلوه ثلاثين... اجعلووووو..........   ثم أطلق أنفاسه الأخيرة فأطبق معلم القراءة والحساب جفني صابر بأصابع مرتعشة مصطبغة بقار سكائر اللف
صاح المدير ما هذه الفوضى ما الأمر يا لقمان
فأجاب بانقباض لقد نقص عمر كانون الثاني فأصبح ثلاثين 
ولا ادري إن كان أجلا مخروماً أم محتوماً
حك المدير كرشه وتلمس شعر بطنه من خلال فتحة سحتية لا إرادية بين أسفل قميصه وأعلى بنطلونه وهي الفتحة التي أخذت بالتوسع منذ  اليوم الأول للحصار الاقتصادي
 نهض عبد الله الفراش تناول علبة الصفيح التي يجلس عليها إذْ إنها ذات استخدام مزدوج فتارةً كرسي وأخرى جرس  كان لونها بني إلاّ إنها اليوم أقرب إلى السواد وقد أكل الدهر عليها وشرب فأخذ يطرق عليها بساقٍ حديدي معلناً انتهاء الدرس الأول
 
عباس عبد المجيد الزيدي 
ناصرية / القلعة
تموز/2011 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8363
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5