1ـ تحت ضوء القمر
أخلصت له وتألمت لأجل أن تُصبح المرأة المثاليّة في نظره،ودّعت ظُلمة الليل واستبدلتها سهرا لخدمته بعد قضاء نهارٍ مُضن،لطلب العيش الكريم..صارت لا تفتحُ الباب لرجل غريب حتّى لا تُلطخ سُمعته أو يُشتبه في شرفها ، فهي زوجته ولا يحقُّ لها عصيانه...
مرّ الزمن بسرعة وبدأت تقتفي آثاره التي غابت عن عينيها،وهي من كانت تحلم أن تُبقيه فيهما.
احتارت ماذا تفعل،فأجبرها القدر على التغيير من نفسها...فصارت لا تُكلم بقية النّساء أو تناقشهن في مواضيع لها علاقة بحياتها الماضية ،والمستقبلية
حتّى لا تكون لُبانا للمتعة في أفواه الغيورات..لم تعد تلك المرأة المتأنقة، بآخر ما جادت به الموضة،أمّا تسريحتها التي أبهرت الجنسين،حلّت محلها قطعة قماش أسود ،تستر شعرها الأشقر.
غادر الكحل عينيها وأبقاهما لوزتين تدوران بلا غاية،وأحيانا تترقب الآتي المجهول ،كُسر جناحاها ،وأضحت طائرا تتربصه النّسور الكاسرة.
تُريد أن تسكنه كلّمل بان ـ إنّه القــمرـ ومن سواه فهم حاجتها في ليلٍ ودّت ألاّ يزول.
ألا تنامي يا نوال؟
لا يعتريني الآن.
ما بالك تُفكرين؟
في لا شيئ.
ودوائك.....؟
ليس بعد يا أمي.
وظلت تترقب القمر بنظرة ثاقبة، عجّلت بنزول دمعة ، ارتسم فيها ضوئه.
لا تريد أن تشرب دوائها المـــُـرّ، فمرارة ما سكن قلبها أشدّ.
2ـ الروح والجلاّد:
عاينوا جثته المطروحة أرضا ،تُزيّنها ثلاث أوسمة من رصاص اخترقت صدره العريض،مُفضلة المكوث بقلبه المليئ بحب الوطن والحياة.
احتقنت دماءه الزكيّة داخل جسمه رافضة رؤية أعداء الحياة...بل أنّ بعضها تخثّر مٌغلقا أثر الرصاصات الهمجيّة..عيناه مفتوحتان تغدقُ على كلّ من يراه بدمعة كالبرد؛آثرت البقاء لتغسلهما من عار النظر إليهم ريثما يُوارى التراب.
لم يأبهوا به وصاروا يبصقون بما جادت به حلوقهم النتنة...يقذفون سُمّ الكلام على عرضه الشريف ..:"نم كالكلب ، لن ترى زوجتك الجميلة بعد الآن..ألا تدري أنّها أصبحت دميتنا اللّيّليّة فوق أرضكم يا معشر...."
أمّا روحه فكانت واقفة معهم ترقبهم بجلاءووقار ،ولا يرونها...:" ما هذا إلاّ جسدٌ كان سينتهي أمره إلى التراب برصاصكم أو بغيره..أمّا أنا فقد أهديتموني إلى ربّي راضية مرضيّة.."
وتصعد إلى السّماء تاركة الجثّة تنهشها الكلاب النّاطقة. |