لا شك أن كل مسلم يجزم بأن ١- هناك واجبات ومحرمات في الشريعة الإسلامية - وإن كان قد يجهل تفاصيلها وأدلتها - ، ويؤمن أيضا بأن ٢- هناك ثواباً وعقاباً ثابتين في الكتاب الكريم والسنة القطعية ، ومن أنكر ذلك فقد أنكر ضرورة من ضروريات الدين ، ويرجع إنكاره لها ( ونقصد إنكار الواجبات والمحرمات والثواب والعقاب ) الى تكذيب الكتاب والسنة القطعية أو تعطيلهما وهو ما يخالف أبده البديهيات العقائدية الثابتة .
إذن .. فهو أمام أمرين :
الأول : أمام تكاليف شرعية لابد من إفراغ ذمته منها .
الثاني : أمام ضرر محتمل ( وهو العقاب الأخروي ) ، في حالة عمله من دون إجتهاد أو تقليد ، إذ قد تكون أعماله التي أتى بها من دون إجتهاد أو تقليد غير مرادة من قبل الشريعة فتكون غير مجزية .
والآن تأتي الفطرة لتحكم .....
إن الفطرة التي اودعها الله تعالى في مخلوقاته الحاسّة تحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل ، وهذه الفطرة لا تقتصر على الانسان فقط بل تعم حتى الحيوان ، حيث نجد ان الحيوان اذا تعرض لأذى في مكان ما ... لن يرجع اليه مرة أخرى لدفع احتمال الضرر .
وعليه فإن وجوب دفع الضرر فطريا امر مفروغ منه
( والعقل البشري يعطي نفس النتيجة ، وحين لم نعنون الدليل بأنه دليل عقلي انما هو اشارة الى ان هذه الحقيقة -وهي لزوم دفع الضرر - امر غير مختص بذوي العقل بل لكل ذي حس) .
وهنا يأتي السؤال :
إننا آمنّا بلزوم دفع الضرر المحتمل عقلا وفطرة .. ولكن من قال بأن العمل وفق الإجتهاد او التقليد دافع للضرر المحتمل ؟
والجواب :
أما بالنسبة للإجتهاد ...
فلأن الإجتهاد هو بذل أقصى درجات الجهد لاستخلاص الحكم الشرعي من مناشئه العقلائية المقررة (وأهمها القرآن والسنة المعتبرة والعقل ) فيكون المجتهد من أهل الإختصاص في هذا المجال ، وممن انكشفت له مدارك الأمور ، واطلع على أدلة الأحكام وملابساتها ، وأيقن أن ما توصل له هو غاية مايمكن ان يتوصل إليه أصحاب التخصص ، فيكون على علم بأداء وضيفته المكلف بها -حين يعمل وفق اجتهاده - وبما أن العلم حجة عقلا ، فيكون عمله وفق اجتهاده دافعاً للضرر بحجية العلم الذاتية وهي أقوى الحجج على الإطلاق .
وأما بالنسبة إلى التقليد (ويدخل فيه الاحتياط أيضا) ...
فأولا : أن العقلاء جميعا (بما هم عقلاء ، ومع الغض عن الأهواء والرغبات والميول) يحكمون بوجوب الرجوع في أي مجال لصاحب التخصص فيه ، ورجوع الجاهل بأي شأن إلى العالم بهذا الشأن ، فإنهم يهزئون برجوع المريض إلى الفقيه ، ورجوع صاحب البناء إلى الطبيب الخ .. فكذلك لا يجيزون أبدا رجوع العامل في الدين لغير المجتهد( الذي هو متخصص بالعلم الديني ) وهذا ما يسمى ب(سيرة العقلاء الممضات) .
وثانيا : أنه ليس بوسع الجميع أن يكونوا مجتهدين ، فليس أمام المكلفين طريق إلا التقليد ، حيث انسد عليهم باب الحصول على أحكامهم التكليفية إلا من هذا الطريق بعد غيبة مولاهم (عجل الله فرجه الشريف ) .
فتبين بهذين النقطتين :
أن التقليد (عقلائيا وعقليا) شيء لازم ولابد منه في تأمين المكلف -غير المجتهد- من الضرر المحتمل.
والنتيجة :
لابد ان يكون المكلف إما مجتهدا وإما مقلدا ..
وهناك أدلة جزمية أخرى سنأتي عليها إن شاء الله تعالى في حلقات أُخر .
ولكن هناك سؤال قد يتبادر الى أذهان البعض ، وإن كنا قد أجبنا عنه ضمنا في طيات الحديث ، وهو :
مادام بين أيدينا الكتاب الكريم وسنة أهل البيت ع فلماذا لا نأخذ أحكامنا مباشرة منهما من دون الحاجة للرجوع إلى الفقيه ؟
والجواب :
يأتي في الحلقة الثانية بإذن الله تعالى .
|