صفحة الكاتب : ادريس هاني

المثقفون المزيفون
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حين ينطلق من الافتراضي إلى الواقع بصكّ مرور مزيّف ادريس هاني أي ضامن يحفظ نظام الأشياء في عالمنا الافتراضي، ذلك الطفيلي الذي يتربّص بالواقع بل يتجاوزه خلسة ليكون هو الأصل في نشأت الظّاهرات..لقد بات الواقع تابعا للافتراضي وخاضعا لزيفه..ولقد أصبح الفايسبوك مزرعة للفوضى..ألا ترى أنّ ضحية هذا الهيجان للجهل المركب هو المثقف الحقيقي؟ كمية المغالطة تجري هنا أكثر مما تستطيع فعله في الواقع..دروبه معتمة ومظلمة على الرغم من أنه موصول بالأنوار..ألا يكفي هذا للحديث عن خطر الأنوار على الحقيقة؟ لذا باتت الحاجة ماسة إلى العتمة لأنّ الأنوار الخادعة تشبه أنوار المجال الافتراضي.. ليس الفايسبوك معيارا للعلم ما لم تكن مرجعيته الواقع بتعقيداته وتفاصيله ومقدماته المستوفية..ولا مؤشرا للثقافة..ولا حتى أخلاقه أخلاقا..هو فرصة لمن فاتهم القطار..لا ألوم الشباب بمن فيهم الضائع وإنما ألوم من جعل المجال الافتراضي حجابا لتمرير المغالطة ومزرعة لاصطياد الضحايا وترميم ما أفسده الواقع... بالفعل..حالة تؤشر على تراجع الميل إلى الأسئلة الكبى والجديدة..وللأسف هذا الوضع تساهم فيه بعض الشُلل المحسوبة على قبيلة "المثقفين" المزيفين، يتعاطون مع الثقافة والفكر بحسابات غير مثقّفة..حسابات تثير ساعة القرف وساعة الشّفقة..بعضهم كان يريد أن يكون جنرالا وانحرف إلى حافّة مهنة الـ"مثقف" ..بعضهم مكانه أن يكون نصابا في سوق البشرية وانحرف به الباص ناحية الأفكار..المجال مريض ويحتاج إلى أدلر وليس فقط إلى فرويد في تحليل عقدة حقارة التي تفسّر كل هذه الظواهر الساقطة في مجالنا العربي..الفايسبوك مجال لممارسة النصب والاحتيال..حتى التاريخ والذاكرة هناك تاريخ للواقع وتاريخ للافتراضي..لقد نزل الفايسبوك على أهل النصب والاحتيال بردا وسلاما..استغلال جهل الجيل الجديد بتفاصيل التاريخ واستغلال تسامي المثقف عن دحض الزيف: هل يا ترى سيستمر هذا الوضع أم أننا أمام انتفاضة لتحطيم هذا الخداع الافتراضي..من يحمي المستهلك الإلكتروني من التّزوير؟ لا تلتقي الحقارة والحقد والحسابات المرضية مع الثقافة..هذا إن كنا سنتحدث عن ثقافة وليس عن بلاجيا وإعادة إنتاج ما أنتجه المثقفون الحقيقيون وذره رمادا في أعين الأجيال التي تخونها دُربة القبض على تفاصيل جينيالوجيا الأفكار وتاريخها..هذا الوباء أو الطاعون ظاهرة موجودة في الغرب أيضا لكنها بنسب مقدور عليها لكنها في المجال العربي باتت ظاهرة خطيرة تعززها مراكز أبوال البعير التي استيقظت متأخرة على معانقة رفات المفاهيم التي تقادمت في متاحف الفكر..وأما الفايسبوك فهو يعمل وفق السرعة الضوئية التي تندك معها المسافات فيصبح المثقف الحقيقي والزائف كلاهما يجلسان في الطاولة نفسها..وكأنهم قطعوا معا المسافة الضرورية للوصول..إنّ الهشاشة التي يعانيها هؤلاء المرضى هي التي تجعلهم يحقدون على المثقف الحقيقي لأنهم يرون فيه هازم لذّاتهم، وبأنهم يدركون أنه لن يكون مقتنعا بأدائهم وسط هذه الهمروجة الغبيّة..حين كتب باسكال بونيفاس عن المثقفين المزيفيين بدا لي أن الأمر يستحق موسوعة نحصي فيها عجر وبجر المثقف المزيف في مجالنا العربي، غير أنني وجدت بونفاس يتحدث عن برنار هنري ليفي..كانوا يجلدونه بالمقارنة مع دلوز ونظرائه..لكن مع من سنقارن مثقفينا المزيفين؟ قلت إن الفايسبوك فرصة لمن "طاح" حظّه في الواقع..أقصد الجيل السابق لا الجيل الجديد الذي نشأ على هذا الزيف..المثقف الذي يستغل فارق الأجيال ليزوّر سجلاّ ثقافيا ومسارا من الابتكار بما أسميه:( coup de foudre feacebookienne ): صعقة برق فايسبوكية..ما يجري في هذه المزرعة من نصب واحتيال ثقافي يرعى على صمت المثقف وعلى تفعيل معايير الجودة..ويبقى الطريق الصحيح والثوري هو رفع الإيقاع والأمانة في تعزيز دور الفايسبوك ليكون وسيلة لتقديم المعرفة وتصعيد الحركة النقدية دفاعا عن الأجيال القادمة من موجة التزوير الممنهج..فالمثقف الزائف الذي يقدّم نفسه كطاغوت أو كزاحف خلف المصالح، المثقف الذي تصنعه المجاملات والخلط المزمن بين نقل الأفكار وابتكارها، والعجرفة التي تؤكد أن سلطة المثقف المزيف تستند إلى فهلوات أكروباتية وتعرّجات مورفولوجيا وتمسرح بائس وليست من صميم المعرفة التي هي عنوان بارز لإرادة القوة..فمن يبحث عن سلطة المثقف في سمت جنرالي وتلوّي شارل_شابليني، فهو في تقدير المثقف الحرّ ظاهرة بائسة وضعيفة ومزيّفة غير مقنعة.. انشغال المثقف بالقضايا الكبرى يجعله يغفل عن الاهتمام بهذه الظواهر التي تغتنم غياب المثقف عن القيام بدوره وفي مقدمته تنظيف المجال من الطفيليات المضرة بالنبات الطبيعي..فالضمير الذي يعذب المثقف الحقيقي هو عديم في الممارسة الثقافية المزيفة..ففي زمن عربد فيه الجبن والنذالة والزيف واستطال على المثقف أن يتحمل مسؤوليته ويتصدّى لظاهرة استغلال فارق الأجيال..ثمة ذئاب هرمة تتربّص بضمير الجيل الجديد ..بالفعل لقد ولّى زمن الكبار في الفكر والسياسات.. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/05



كتابة تعليق لموضوع : المثقفون المزيفون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net