صفحة الكاتب : الشيخ مصطفى مصري العاملي

رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- الحلقة الاولى
الشيخ مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين..
شرعت منذ الاسبوع الماضي بكتابة حلقات عن رحلتي الى كربلاء في أربعينية الامام الحسين عليه السلام على الرابط التالي:
 
وأحببت نقلها الى هذه الصفحة
الحلقة الاولى
كنت قد قرأت يوماً حديثاً عن صادق أهل البيت جعفر بن محمد  يقول فيه:
مَنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَقَدْ حَلَّ عُقْدَةً مِنَ النَّارِ مِنْ عُنُقِهِ وَ مَنْ حَجَّ حَجَّتَيْنِ لَمْ يَزَلْ فِي خَيْرٍ حَتَّى يَمُوتَ وَ مَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ مُتَوَالِيَةٍ ثُمَّ حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مُدْمِنِ الْحَجِّ.
وقرأت عن الامام الرضا  حديثا عن ثواب الحج فيه:
.. مَنْ حَجَّ أَرْبَعَ حِجَجٍ لَمْ تُصِبْهُ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ أَبَداً، وَ إِذَا مَاتَ صَوَّرَ اللَّهُ الْحِجَجَ الَّتِي حَجَّ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الصُّوَرِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُصَلِّي فِي جَوْفِ قَبْرِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ قَبْرِهِ وَ يَكُونُ ثَوَابُ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَهُ.
وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّكْعَةَ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ تَعْدِلُ أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْآدَمِيِّينَ.
وَ مَنْ حَجَّ خَمْسَ حِجَجٍ لَمْ يُعَذِّبْهُ اللَّهُ أَبَداً... الخ
ولما كان التوفيق الالهي قد حالفني بالوصول الى هذه المرحلة في السنوات الماضية فقد غدا سعيي للحج في كل عام أمرا لا يحتاج الى تفكير أو تقرير أو تقدير.. 
فما الذي حصل في موسم الحج الفائت؟
في شهر ذي القعدة من كل عام بل من شهر شوال أيضا لم يكن أحد ليسألني هل تريد الذهاب الى الحج بل كان السؤال الذي أسمعه من كثير من الاصدقاء والاصحاب كيف لنا أن نذهب الى الحج؟ وما هي الاجراءات المطلوبة لهذا العام وماذا علينا أن ننجز؟ وكيف نضمن الذهاب هذه السنة للحج؟
وكنت أجيبهم بالقول: إن من دعا ربه في شهر رمضان بما ورد عن الامام الصادق بقوله:
اللَّهُمَّ رَبَّ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيهِ الْقُرْآنَ وَ افْتَرَضْتَ عَلَى عِبَادِكَ فِيهِ الصِّيَامَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ فِي عَامِي هَذَا وَ فِي كُلِّ عَامٍ..
فإن أمور الحج ستيسَّر له من حيث لا يدر فيما لو استجاب الله دعاؤه.
وهكذا كانت استعداداتي للحج في الموسم الفائت..
فبعد أن أنجزت ما يمكنني القيام به من مساعدة الراغبين في الحج وبدل أن أتوجه للحج معهم تراءى لي الذهاب الى لبنان والسفر من هناك..
وهناك ولسبب ما تغيرت الرغبة واستحضرني قول أمير المؤمنين :
عَرَفْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وَ حَلِّ الْعُقُودِ وَ نَقْضِ الْهِمَمِ.
فبقيت في لبنان دون أن أذهب الى الحج، وبقيت الى أيام عاشوراء..
وهكذا فاتني الحج الى بيت الله الحرام الذي أدمنت عليه منذ سنوات، ولم يكن يعكر تلك الراحة التي اشعر بها في الحج سوى حالة الانقباض التي تعترينا أحيانا عندما نتجه الى زيارة قبر الرسول  في المدينة المنورة ، وقبور أئمة الهدى في بقيع الغرقد من سلوكيات تلك الوجوه الكالحة التي تنظر شزراً الى الحجيج القادمين من كل الطوائف والمذاهب الذين يرغبون بالتبرك من قبر رسول الله  بسبب فهمهم المنكوس المركوس ..
فلو مدَّ أحد يده نحو قبر الرسول متبركاً لانهالت عليه عصا الاجلاف الغليظة، ولو وقف حاج بالقرب من قبور الائمة زائراً لنهره اولئك المنتشرون من جحافل المطاوعة، المستعينون بسرايا الشرطة وقوات مكافحة الشغب.. وهم في ذلك يحسبون انهم يحسنون صنعا.
ربما تكون حالة الانقباض تلك من سلوكيات اولئك المسلطين على تلك البقعة الطاهرة سبباً في انكفائي عن الحج الفائت.. فلم أوفق للذهاب ، ولكن كان في داخلي شعور عميق ملؤه الاطئمنان بأن الله سينعم عليَّ بما يعوضني عما فاتني..
ألست قد استجبت لرغبة والدتي.. أليست هي التي تدعو لي في كل يوم؟
كان هذا شعوراً داخليا في فؤادي ، لا أعرف مصدره ، ولا كيف سيتحقق.. ولا متى..
وانتهت أيام عاشوراء واستعديت للتوجه الى مدينة قم وحصل ما لم يكن في الحسبان..
قال أخي العائد من زيارة الحسين في أول عاشوراء، ان لديه الرغبة في زيارة العتبات المقدسة في العراق مجدداً، وبالاخص زيارة الامام الحسين  في يوم الاربعين..
لقد كانت لديه رغبة بزيارة الحسين يوم عرفة بدل الذهاب الى مكة، ولكنه لم يتمكن من تنفيذ تلك الرغبة، فذهب الى الحج وعاد بعدها الى كربلاء، ونال هدية يحلم بها الموالون المحبون..
لقد اهدي العلمَ المرفوع على قبة أمير المؤمنين في النجف الاشرف، والعلم المرفوع على قبة الحسين  والذي استبدل في احتفال في اول ليالي محرم من هذا العام .. إنه العلم ذو اللون الاحمر المكتوب عليه .. يا حسين..
ما أعظمها من هدية .. وما أعظمها من كلمة ..
وذهبت بي الذكريات بعيدا..
رجعت بي خمساً وثلاثين سنة الى الوراء.. يومَ أن ذهب أخي وكان طفلا مع أبي مشياً من النجف الاشرف الى كربلاء ولم يكن قد أكمل السنوات العشر من عمره.
يومها قرر والدي الذهاب منفرداً بعد أن تخلف أصحابه واستبقاني مع العائلة في المنزل قائلا: لا يمكن تركنا للبيت معا لعدة ايام فأنت الكبير بين أخوتك وعليك أن تبقى معهم، وحمل اخي علماً عليه كلمة.. يا حسين.. 
وبين العلم الذي اشتراه أبي لأخي من السوق الكبير، وبين العَلم الذي أهدي له اليومَ حكايةُ تاريخ فيه الكثير..
لاحظ أخي أنني انتقلت الى عالمٍ آخر.. وكأنه أدرك شيئاً مما يجول في خاطري، فقال لي:
هل ترغب يا أخي بالزيارة؟ بزيارة الحسين يوم الاربعين؟ بزيارة كربلاء؟
شعرت بكلامه ينكت في قلبي رغبة عميقة .. فقد زرت الحسين في عاشوراء قبل خمس سنوات بعد انقطاع لمدة اثنين وثلاثين سنة..
لقد كان ذلك في عام 1393 للهجرة عندما شاهدت في كربلاء آخر المواكب الحسينية التي انطلقت متحدية إرادة السلطة الطاغية ، وشهر المشاركون سيوفهم المخبأة ، وفرَّ رجال الامن هرباً ليقيموا الحواجز بحثا عن اولئك الذين تجرأوا وشجوا رؤوسهم حزناً على ابي عبد الله الحسين..
وأتذكر كيف استوقفنا حاجز يومها أثناء عودتنا من كربلاء الى النجف وصعد جندي يفتش في الرؤوس ليعتقل من يجد على رأسه آثار ضرب القامات، وكأن تلك الضربات نزلت على رؤوس الجلاوزة ..
وفي عام 1425 امضيت الليل بين مقام العباس والحسين وشاهدت المواكب الضخمة التي لم يحصل لها مثيل حتى تاريخه، وكنت شاهداً على التفجيرات الاجرامية الانتحارية التي طاولت الزوار..
وكأن التاريخ لم يتوقف في عاشوراء سنة 61 للهجرة، ولا اعتبر من عهد المتوكل العباسي، ولا من عهد النظام البائد في العراق، فالحقد الكامن في تلك النفوس يتوارثه الابناء عن الاجداد...
رغبتي في الزيارة لا يدانيها شيئ.. ولكن لها في نفسي رهبة.. ألم يقل الامام الباقر في حديث:
لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي زِيَارَةِ الْحُسَيْنِ  مِنَ الْفَضْلِ لَمَاتُوا شَوْقاً وَ تَقَطَّعَتْ أَنْفُسُهُمْ عَلَيْهِ حَسَرَاتٍ..
ألم يقل  في نفس الحديث:
مَنْ زَارَهُ شَوْقاً إِلَيْهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ حَجَّةٍ مُتَقَبَّلَةٍ وَ أَلْفَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَةٍ وَ أَجْرَ أَلْفِ شَهِيدٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَ أَجْرَ أَلْفِ صَائِمٍ وَ ثَوَابَ أَلْفِ صَدَقَةٍ مَقْبُولَةٍ وَ ثَوَابَ أَلْفِ نَسَمَةٍ أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَ لَمْ يَزَلْ مَحْفُوظاً... 
نعم يا أخي : لديَّ رغبة جامحة لزيارة الحسين ..
وعدت في نهاية المحرم الى مدينة قم.
كثرت أسماء الراغبين في زيارة الحسين.. وصار بإمكان الزوار الوصول مباشرة الى مطار النجف الاشرف والحصول على تأشيرة الدخول دون الحاجة الى موافقة مسبقة في ايام الزيارة..
كان أبي سباقاً في حسم قرار السفر من بيروت الى النجف ، إنه الحلم الذي راوده منذ سنين خمس.
فمنذ سنوات وهو يتابع اخبار مطار النجف، وفي كل مناسبة يبدي رغبته الهبوط في مطار النجف الاشرف.. وها قد آن أوان تنفيذ تلك الرغبة.
لقد تم شراء بطاقات السفر لسبعة من افراد العائلة ممن سيكونوا مع الوالد في تلك الرحلة التاريخية من بيروت التي تحدد موعدها في 15 صفر اي قبل خمسة أيام من موعد زيارة الاربعين.
 
وللحديث تتمة..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/07



كتابة تعليق لموضوع : رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- الحلقة الاولى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net