صفحة الكاتب : ادريس هاني

تديّن الأناسي وتدين الذّئاب
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا أريد في هذا المقام ان أكون واعظا، ولكنني أتأمّل وأسلك أخصر الطرائق للمعنى الآخر، ولأنّنا تركنا الدّين للجهلة فقد صنعوا به ما صنعوا ولكن هذه حكمة أريد أن أتقاسمها معك أيها القارئ الكريم، إنّ الحياة بالنسبة للحكيم الذي استوعب الحكمة وسافر في رحابها وسلك طرائقها أن ينظر إليها كمزرعة الحيوانات تماما، فلئن فعل ارتاح وهدأ لأنّه سيدرك أنه يسلك في غاب، وليس من تكليفه أن يقتل كل حشرة وكل حيوان مهما بدا مفترسا، ولكنه يتجنب ويكون على حذر ما استطاع، فلا تستطيع أن تجعل من الثعبان سنّورا ولا من الخنزير حمامة، ومهما بدت ضعيفة وشريرة فعليك أن تتجنبها لأنها طبائع الحيوانات، فالثعبان ضعيف يحمل سمه في رأسه ويزحف على بطنه، فهل ستجعل كل الثعابين بلا سمّ؟ 
وتبدو مشكلة الصلحاء أنهم تأخذهم الرغبة في أن يجعلوا العالم على قدر من المثال الأعظم، وسيكون من التّفاهة أيضا أن نحاول أن نجعل من البيئة التافهة بيئة مثالية أو نحاسبها بالمثال، فدع كل حيوان لطبيعته. 
ولقد اهتديت في تأمّلاتي إلى أن لا أنظر إلى حضيرة البشر إلاّ من منظار الحيوان وأصناف الحيوانات، وعلى أساس هذه النمذجة الحيوانية ندرك أننا نمشي في غابة ووجب الحذر وعدم خلط الأصناف. فانظر إلى قول السيد المسيح عليه السلام  (أنظر ميزان الحكمة للريشهري):
 "يا عبيد السوء لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة ، ولا بالثعالب الخادعة، ولا بالذئاب الغادرة، ولا بالأسد العاتية، كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس، فريقا تخطفون، وفريقا تخدعون، وفريقا تغدرون بهم".
فتأمّل معي أنّ البشر في سلوكهم يختاروا أصنافهم أو بتعبير أدق يعبرون عن أصنافهم، فلئن كان لك وازع يعصمك من أن تكون ثعلبا أو ذئبا أو حداء فإن غيرك قد يكون وما أكثرهم والأوادم فيهم قليل.
ثم إنّ الإيمان هو رقيّ بالطبيعة لا انحدار في مزارع الحيوانات، فالكثير ممن يتدينون لا يخرجون عن حيوانيتهم وذلك مؤشر على أن العلاقة بين الإنسان والفهم الديني هي علاقة مأزومة، فمن حافظ على صنفه الحيواني فسوف يجعل من الدين نفسه خطابا حيوانيا به يصرف ميوله الحيوانية. وسيضعنا الإمام زين العابدين أمام تصنيف أوسع وأكثر تفصيلا وعلينا أن نتأمّل أهل الدين حين يتحدثون عن الدين لندرك أن الأديان نفسها اختطفت على حين غفلة، فالدين الذي لا يصنع الفرسان ويعزز قيم الفرسان فهو دين ملبوس لبس الفرو مقلوبا كما قال علي بن أبي طالب، لكن لنستمع إلى حفيذه راهب أهل البيت الذي ملأ الدنيا روحا وعلما وكان خطابه لزمانه يشبه ما يجب أن يكون خطابا في زماننا، يقول:
"الناس في زماننا على ست طبقات: أسد، وذئب، وثعلب، وكلب، وخنزير، وشاة: فأما الأسد فملوك الدنيا يحب كل واحد منهم أن يغلب ولا يُغلب، وأما الذئب فتجاركم يذمو [ن] إذا اشتروا ويمدحو [ن] إذا باعوا، وأما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم، وأما الكلب يهر على الناس بلسانه ويكرمه الناس من شر لسانه، وأما الخنزير فهؤلاء المخنثون وأشباههم لا يدعون إلى فاحشة إلا أجابوا، وأما الشاة فالمؤمنون، الذين تجز شعورهم ويؤكل لحومهم ويكسر عظمهم، فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير؟!".
وإن كان الشيء بالشيء يذكر فإنّ زين العابدين قد ربط بين الحُكم والغلبة وهو ممن عاصر القرنين الأول والثاني قبل ابن خلدون بقرون، مما يعني أنّ أصل الفكرة أقدم حتى من ابن سينا وإخوان الصفا خلافا لما ظنّ محمود إسماعيل ناقدا ابن خلدون، وبأنّها كانت فكرة تجري مجرى المعلوم من السياسة بالضرورة.
المؤمن شاة وليس ذبّيحة، وليس حثالة إمبريالية وليس طاغية، إنما هو ضحية هذا التّحيوُن البشري، هو ناشر الخير متعالي على ضعف الخلق ولا يزحف على بطنه كالثعابين ولا يتلوّى كالثعالب ولا كالذئاب يقولون ما لا يفعلون ويحولون الدنيا إلى سوق للمتاجرة بالإنسان والمبادئ والمفاهيم، هذا هو الدين الذي ينتهي إلى الأنسنة وليس دين الثعالب والذئاب، هو الدين الذي يصنع السلام، سلام الفرسان لا سلام العبيد والانهزاميين، دين يقطع مع الانتهازية والعبثية ويكشف عن الجوهر الذي كان به الإنسان ووجب أيضا أن يكون به الإنسان إنسانا.
وبالجملة، اعلم أنّ ممشاك في هذه الحياة داخل غابة لست مكلّفا ولا ينبغي لك أن تغيّر أصنافها، فالثعبان لا يحسن إلاّ أن ينفث سمّا والثعلب لا يحسن إلاّ التّلوّي والخداع، فأنت وحظّك، فإمّا أن تُبتلى بكلب أو خنزير أو ابن آوى أو ابن عرس أو أيّا من هذه الحيوانات، فليس من السهولة بمكان أن تكون إنسانا من دون أن تجاهد في نفسك وتترقّى بالتربية والمعرفة ومخالطة الآناسي وتهذيب النفس حتى تطاوعك كالسيف في يد الساموراي. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/10/17



كتابة تعليق لموضوع : تديّن الأناسي وتدين الذّئاب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال

 
علّق سنان السعداوي الاسدي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : الله حيوا رجال بني أسد في السعديه.

الكتّاب :

صفحة الكاتب : فادي الشمري
صفحة الكاتب :
  فادي الشمري


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net