صفحة الكاتب : نعمه العبادي

الراهن العراقي.. مداخل الازمات ومخارجها.. 
نعمه العبادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ربما يكون نحو من العبث واللاجدوى تكرار الحديث في تعقيدات الوضع العراقي وما يمر به، وغالباً يأتي السؤال، ما الجديد في ما نتحدث عنه عما سبق.

أعتقد انه لا يزال الكثير مما ينبغي قوله، كما ان الاوضاع وإن كانت معظم مغذياتها هي هي دون تغيير إلا أن ذلك لا يمنع من قراءة المشهد بشكل يدمج المتغيرات بالثوابت، ويلاحظ من قرب الامكانات والمخارج المتاحة.

بنظرة شاملة الراهن العراقي يعاني من اربع مشاكل كبيرة تتمثل في الآتي:

- أزمة اقتصادية متسببة من تراجع اسعار النفط والواردات، وتزايد حجم الانفاقات، وتراكم الديون والمستحقات المالية.
- أزمة صحية تتمثل بتزايد الاصابات بجائحة كورونا، وبلوغ الاعداد الى معدلات خطيرة مع الانذار بامكانية انزلاق الامور الى اوضاع اشد خطورة.
- أزمة امنية جراء تزايد نشاط عصابات داعش الارهابية، وكذلك بعض الخروقات الداخلية مع بقاء جملة تحديات امنية على حالها ومنها ملف السلاح المنفلت وقضية التواجد الاجنبي.
- أزمة سياسية هي امتداد للاختناق السياسي الذي يعيشه البلد منذ اكثر من سنة والمتصل بإقالة الحكومة السابقة، والذي يلقي بظلاله على الحكومة الجديدة بحيث لا تزال غير قادرة على تجاوز عتبة استكمال نصابها الوزاري، فضلاً عن التقاطعات السياسية، وموضوعة الانتخابات المرتجى اجرائها في اقرب فرصة ممكنة.
ويتربط ويتفرع من هذه الازمات الاربعة شريط طويل الذيل من ازمات ومشاكل جزئية تتشابك مع بعضها لتلقي بظلالها على الواقع وتزيد من قتامة ظلاميته.
ولما كان هذا النص منشغلاً بالبعد العملي الذي يمكن ان يضع الامور في نصابها الصحيح، فسيكون اقرب لورقة عمل تعتني في ترتيب الفهم والتحليل والحلول بشكل يسهل فهمها والتعاطي معها، بعيداً عن الاهتمام بالشكل الفني للنص.

من المخجل وغير المنصف، أن يقال عن بلد مثل العراق بكل ما يتمتع به من خيرات وامكانات، انه يعاني من ظروف اقتصادية صعبة إلا اننا هنا نتحدث عن الواقع متجاوزين مرحلة الندب ولطم الخدود والبكاء على الاطلال، وبعبارة صريحة وواضحة وبعيداً عن التزويق، فالاقتصاد العراقي عبارة عن نفوط تكرم بها الباري علينا يتم استخراجها وبيعها وتحويل اموالها الى رواتب ومصروفات، ولذلك يرتبط مصيرنا بمصير النفط من حيث اسعاره وكمياته.

كثيرة هي الاحاديث التي اسمعها من العامة والخاصة تتعلق بمعالجة الازمة، ومنها الحديث عن تنويع مصادر الدخل، والتشديد على موضوع الجبابة، وفرص القطاع الخاص، وتخفيضات او ادخار للرواتب، وغيرها من حلول تتوزع بين كونها غير ذات مردود مجدي او مؤثر، او ليست متاحة، او ترافقها مشاكل او تداعيات، او انها تحتاج لعقود من الزمن حتى تؤتي ثمارها، مع التسليم بضرورة الكثير منها، طبعا هذا مضاف الى الحديث عن استرداد الاموال المسروقة والمنهوبة عبر الفساد.

بنظرة عملية، اجد ان الحل الاكثر نجاعة والاقرب للواقع العملي، والذي نحتاجه مع الازمة وبدونها، يتمثل في اعادة النظر الحكيم والشجاع في جميع هياكل مؤسسات الدولة، فنحن أزاء ترهل مرعب، وتضخم غير مبرر، وعشوائية تشكيل، تضرب في اطنابها بكل المجالات، وهي عبارة عن ثقوب سوداء تمتص المدخول العراقي وتصرخ هل من مزيد، فالمعروف لكل المختصين، ان ثلاثة ارباع المدخولات تذهب الى انفاقات تشغيلية لهياكل حكومية تم استحداث وتوسيع الكثير منها بناء على مصالح سياسية وشخصية ومجاملات واخطاء وسوء ادارة.
في جواب سؤال، لماذا الدولة، يقال، أنها استجابة عملية عبر هياكل مؤسسات منتظمة بقوانين وتعليمات لتلبية احتياجات الافراد والجماعات في مختلف قطاعات الحياة بالشكل الذي يجعلها متناسبة من حيث الشكل والمضمون والحجم والسعة مع تلك الحاجات والتطلعات المشرعة، والتي تضمن توظيف كافة القدرات بشكل منتظم ومقونن بعيداً عن النشاط الفردي والارتجالي، وبناء على هذا، فإن هذه الاستجابة لا بد ان يتم تحديدها عبر الرصد الدقيق والواعي الذي يحدد حجم المتطلبات.

بتطبيق هذا الجواب على الواقع العراقي، فإننا أزاء عشوائية مفرطة، وارتجالية مخيفة، ونفعية طاغية، هي التي خططت هياكل الدولة خلال كل تاريخها منذ التأسيس، وإذا كان الترهل بنسبة قابلة للتدارك، فإن ما تم بعد نيسان  200‪3
لا يمكن الاغضاء عنه والتماهي معه، فلو سألنا بتجرد وموضوعية، ما هي حجم المخاطر والتحديات الامنية الداخلية والخارجية التي تواجه عراق اليوم، وبالمقابل ألقينا نظرة على جميع ما يندرج تحت اسم القوات المسلحة، لوجدنا ارقاماً مرعبة من التوسع والكثرة غير المنتجة وغير العملية، والتي ينفق عليها المليارات، ومع ذلك فإننا نعاني من ضعف مسك الحدود والاختراقات الامنية، ولذلك لا بد حتماً من اعادة النظر في كل هذه الكم، والتركيز على نوع منتج مع تطوير للقدرات الفنية، وتحويل كل الزائد الى مجال الانتاج الصناعي والزراعي والخدمات، والكلام يسري على عشرات آلاف الهياكل الزائدة والمترهلة، والتوزيع غير المنصف لاعداد الموظفين، ففي مكان ما تجد موظف او موظفين يركض بيده ورجل كل اليوم لحجم الزخم الذي عليه من المتطلبات وهو يستلم راتب َتواضع، مقابل دوائر اخرى متخمة بالموظفين لعل بعضهم لا يعمل إلا يوم بالشهر او الاسبوع ولساعة او ساعتين وبعمل غير مهم ومع ذلك يتقاضى راتب اكثر من ذاك الموظف الذي يركض كل اليوم.

آن الاوان ليعاد النظر في كل مؤسسات الدولة، وان يكون هناك دمج وحذف وتحويل مسار وتنظيم اعداد واسثمار اكثر للطاقات وعدالة وانصاف في توزيع الحقوق والواجبات، وهذا الاصلاح الهيكلي سيقلص بشكل كبير انفاقات الدولة ويسد ابواب الفساد ويحقق عدالة منصفة، مضافاً الى هذا الاجراء لا بد من اعادة النظر والتدقيق في ملف عقارات الدولة واملاكها وقانونية استغلالها وكل ما يتصل بها، وان يتم دفع كل ما هو غير ضروري ولا موضوعي باتجاه قطاعات انتاجية على الاقل يتحمل كلفه التشغيلية دون ان يكلف ميزانية الدولة الكثير، وينبغي ان تشمل هذه الهيكلة كل السلطات واقليم كردستان.

اما بخصوص ازمة كورونا، فالملاحظ ان هناك تشكيك كبير لدى الكثير من الناس في حقيقة المرض وما يتم الحديث عنه، الامر الذي يجعل المعظم يتحرك بدون اكتراث ولا تطبيق للتعليمات، فالكثير يسأل عن حقيقة المصابين ووجودهم والارقام التي يتم تناقلها، كما ان هناك خلل في طبيعة التعليمات التي تتعلق بالازمة، والخلل الاكبر في طريقة التطبيق التي ينتابها الخلل والخروقات، لذا فإن المخرج لهذه الازمة يتمثل في اطلاع الناس بشكل موثق ومصور على حقيقة الاصابات والراقدين في المستشفيات وعمليات الفحص والنتائج واماكن العزل، لينقطع الطريق على التشكيك والظنون، ويشعر المتهاونون بجدية الخطر وحقيقته، ومعه يتم تطبيق جدي وصارم ومدروس للحظر والتباعد والاساليب الوقائية، فمن المضحك ان يطلب مني احد افراد نقطة التفتيش ان ارتدي الكمامة وانا اقود سيارتي بمفردي وفي ذات الوقت تكتظ الاسواق والاماكن العامة ويشهد الشارع آلاف الخروقات، وبالمقابل لا بد من تفكير عملي لاوضاع الناس ومصالحهم وظروفهم النفسية وايجاد حلول لكل هذا.

اما الازمة الامنية وخصوصاً تزايد نشاط داعش، فالكثير من المختصين كانوا ولا زالوا يأشرون عدم وجود اجراءات امنية وعسكرية تعمل على الانهاء الحقيقي للجماعات الارهابية، ولا تزال الكثير من الاسباب التي غذت الارهاب في فترات سابقة على حالها، كما ان عدم ضبط الحدود مع سورية، والتوزيع غير المنتظم للقطاعات، واهمال الجوانب الفنية، وضعف المعلومات الاستخبارية تغذي هذا التزايد للارهاب، وفي ذات السياق فإن بقاء ملفات مثل النازحين والمدن المخربة والاثار السابقة لداعش دون ان يتم حسمها بشكل كامل ومنصف وعملي، يغذي ويزيد من دوامة العنف ويوسع من دائرته، لذا فإن الاستحقاق الاهم هو التحكيم الفني والامني لشريط الحدود مع سورية، واجراء عمليات استئصال عميقة، ومعالجة مخلفات المرحلة السابقة، والتشديد على مواجهة الفساد في هذا الملف.

تعد الازمة السياسية الاكثر تعقيداً لانها مرتبط جدلياً بمشهد سياسي مأزوم من سنين، وقد تم تصميمه بطريقة تنتج الخطأ، ومع كل الحديث عن الاصلاحات، فالمغذيات الكبيرة لاستمرار هذا النظام موجودة وفاعلة.
وبما ان الورقة اشترطت على نفسها الموضوعية والشجاعة والوطنية، فالصريح الذي ينبغي قوله بدون رتوش، أن، الانتخابات المبكرة لا حقيقة لها، وان الواقع هو استكمال هذه الدورة لحين 202‪2 
وأية احاديث يتم تداولها في هذا السياق فهي للاستهلاك السياسي لا غير، فمعظم القوى السياسية متفقة على هذا الموعد، كما ان من المفيد القول، بأن المراهنة على تجديد المشهد السياسي من خلال انتخابات مبكرة امر غير مضمون، بل المؤشرات تؤكد امكانية عودة ذات القوى مع اختلافات بسيطة بالاحجام، لذا فان وجود فاصل زمني لسنتين يمكن ان يسمح بتهيئة قوى وطنية جديدة اوضاعها للفوز بالانتخابات واجراء تغيرات مهمة، الامر الذي يتطلب عمل حقيقي بعيداً عن الاستهلاك والضحك على الذقون من خلال مجموعة منشورات وبوستات على الفضاء الالكتروني، فالعمل السياسي له شروطه وموجباته، كما ان الصريح ايضاً، ان التظاهرات فقدت بريقها وروحها عندما انخرطت في مسارات غير صحية، ومع وجود بعض المخلصين وبعض النوايا الصحيحة والوطنية، فإنها لم تعد المتغير الضاغط بشكل فاعل لتصحيح المسار كما حدث في المرحلة السابقة، وهذا لا يعني الاستغناء عن التظاهر كممارسة سياسية حضارية منتجة لكنه يوصف الواقع كما هو، ويشدد على ضرورة ان تتم المطالبة بالحقوق عبر ممارسات وطنية مخلصة وقادرة على تعبئة الجماهير.

ومن الصريح ايضا، ان تخلي القوى السياسية عن حصصها في الوزارات والهيئات مزحة سخيفة، ولا يمكن لهؤلاء التنازل عن مكاسبهم، لذلك ليس لنا إلا القبول بأهون الشرين، والمتمثل بوزراء من جهات حزبية لهم مقبولية نسبية، مع تشديد الرقابة الشعبية والبرلمانية من قبل بعض المخلصين وغير الخاضعين للمصالح الحزبية، وان يتم تحديد انجازات واضحة وقابلة للقياس تحاسب الحكومة على اساسها، ويتم التعاطي بشكل عملي مع هذه الحكومة على انها حكومة تستكمل الدورة الحالية، وتملك من الوقت سنتين لحين حلول الانتخابات.
اخيرا هناك ملفان حساسان لابد من التعاطي معهما بعقلانية وموضوعية وشفافية بدون مزايدات ولا تضليل، الاول المتعلق بحسم التواجد الاجنبي في العراق وحدوده وضروراته، وهو ما يتطلب تقييم منصف ومهني للحاجات والضرورات والاخطار والعواقب بعيداً عن المزايدات السياسية، ومن المهم النظر بشكل شامل الى كل صور التواجد الاجنبي والتعاطي معه بنفس المسطرة، وان يكون الموقف الوطني موحداً تجاه هذا الملف، والثاني، والمتمثل بالسيطرة على السلاح والقوة الصلبة خارج اطار الدولة، وهو تحد شائك ومعقد، لا يمكن انجازه إلا بعد ان تكون المؤسسات الرسمية للدولة قائمة بواجبها على اتم استعداد، وان تكون مسؤولة وملتزمة بحماية امن الجميع، وتتعاطى بوضوح وصراحة تجاه اي قوة صلبة خارجة عن سلطة القانون حقيقة، وان تتحمل كل القوى السياسية والمجتمعية مهمة انهاء عسكرة المجتمع، ورفض كافة اشكال العنف والقوة غير الشرعية، وان يكون الانتصار لصوت الدولة الذي ينظر لكل المواطنين على حد سواء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نعمه العبادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/01



كتابة تعليق لموضوع : الراهن العراقي.. مداخل الازمات ومخارجها.. 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net