حذار من صناعة اليأس
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تقابل الصور والمعاني في حياتنا ممتع ، فرح وحزن ، غنىً وفقر ، تفاؤل وتشاؤم ، وقد جُبلت الحياة على أن نعيش هذه المتقابلات مع بعضها ففيها الصفو والكدر والصحة والمرض والموت والحياة ، وجمع هذه الصور بحيادية واعتدال يشعرنا بطعم الحياة وجمالها فلا يعرف الجمال بغير القبح ولا الخوف بغير الأمن ، ولا يعد سوياً من أراد الحياة الدنيا كلها أفراحاً دون أتراح أو ملذات دون ألم .
الحكمة في موازنة هذا التقابل بما ينعش حركتنا ويُنجِحُ مشروعنا في خلافة الأرض وعمارتها وبناء مجتمع فاضل .
منذ عدة سنوات وهناك ظاهرة لاتبدو عفوية في الإعلام وبكل وسائله المتاحة في العراق ، ظاهرة لا تتحدث عما هو جميل في هذه البلاد من طبيعة وطبائع . فلا موازنة بين ذكر موتانا ومواليدنا ولابين فضحنا للفاسدين وإطرائنا على الصالحين ولا بين نشرنا لصور النفايات ونشر صور الحدائق . بلدنا جميل وفيه من الجمال ما يبهر العقول ويسر النفوس من جداول وحدائق وبساتين ومزارع وقبب ومنائر . فليس صحيحاً ألا نشيع غير خراب الابنية وحفر الطرقات . قد يقول قائل ذلك لتنبيه المسؤولين ولفت عناية الغافلين منهم وهذا صحيح عندما لا تكون خلاصة الرسالة صناعة اليأس في قلوب الشباب ، هل التفت احدنا إلى افراد اسرته كم يتبرمون ويتأففون ويسأمون ويتململون غنيهم وفقيرهم عاطلهم وعاملهم ؟ ماذاك إلا لضخ آلاف المحتويات التي تزرع وتصنع اليأس في الكبار والصغار على حد سواء .
لماذا نعمم كل الصور الجميلة للطبيعة من الغرب ولا نلتفت الى الاف الصور الجميلة في حدائقنا واشجارنا وانهارنا . نظرة واحدة من إنسان جميل الى بساتين "الحسينية" في كربلاء أو شارع "محمد الامين " فيها أو مابين الحرمين الشريفين تعدل الف صورة وصورة من هناك . لموتانا حق وللاحياء حق . نتذكر الموت لكي ننعم بالحياة الخالية من الآثام . لا ينبغي أن نحسن الظن بأولئك الذين ينشرون آلاف الصور البائسة والقصص الحزينة ولا ينشرون صورة جميلة واحدة . جنة الغرب الموعودة لو شاء الاعلام أن يعمم صورها البائسة لانقلبت الى جحيم ، ففي الغرب التسول وفيه كآبة الأجواء غيوم وثلوج وفيه البؤساء على قوارع الطرقات من المدمنين ، وفيه تفكك الأسر وضياع الآباء من كبار السن في دور المسنين ، وفيه الكدح والتعب في أداء الأعمال ثمان ساعات عمل متواصل كالآلة .
لكل بيت منا لحظات سعيدة يستحي ان ينشرها في مواقع التواصل لغلبة صور الحزن على صور الفرح . اعلم ان العراقيين اوفياء لموتاهم ربما أكثر من أحيائهم ولكن ذلك لا يعفينا من أن نحول الموت الى حياة . قال الامام علي عليه السلام لرجل يذم الدنيا ( ..... إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافيةٍ لمن فهم عنها ، ودار غنىً لمن تزود منها ، ودار موعظةٍ لمن اتعظ بها ... ) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat