صفحة الكاتب : عدي عدنان البلداوي

هل تسهم التظاهرات في تغيير الواقع ..؟
عدي عدنان البلداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

شهد العالم في 2003م تظاهرات كبيرة إثر قرار امريكا إعلان الحرب على العراق بذريعة امتلاك النظام اسلحة دمار شامل .. بلغ عدد المتظاهرين في العاصمة الايطالية روما وحدها ثلاثة ملايين متظاهر، وفي باريس ولندن وفيينا وعواصم ومدن اخرى في العالم بلغت حوالي 600 مدينة ، وفي تعليقه على هذه التظاهرات الضخمة ، قال الرئيس الامريكي حينها جورج بوش ان هذه التظاهرات لن تستطيع ايقاف الحرب اذا اندلعت .. واندلعت الحرب ، وسقط نظام الحزب الواحد في العراق ، لكن الحال لم يكن كما وصفه الرئيس الأمريكي قبيل الحرب حين قال ان العراق بعد صدام حسين سيكون عراقا نموذجياً في الرخاء والديمقراطية . اكتشف العراقيون ذلك مبكراً ، حين خرجوا في الشهر الرابع من عام 2003م ، متظاهرين في مدينة الناصرية احتجاجاً على الرعاية الأمريكية لإجتماع تعقده المعارضة العراقية من اجل تشكيل حكومة انتقالية ..

وبعد هذه التظاهرة بأيام خرج آلاف العراقيين في بغداد احتجاجاً على التواجد الأمريكي في العراق ، وتشكلت اول حكومة انتقالية وصفت بأنها حكومة تكنوقراط ، ثم تشكل البرلمان في 2005م وانبثقت عنه اول حكومة ومرّت اكثر من عشر سنين ولا يزال المشهد السياسي العراقي تحت الرعاية الأمريكية ، ولا يزال الناس في البلاد يتظاهرون مطالبين بتحسين ظروف معيشتهم ، يفتشون في بلادهم عن وطن ، وكأن العملية الإنتخابية اصيبت بالعقم ، فما عادت تنجب حكومات تنهض بواقع الناس الى الأفضل ، ليس في العراق وحسب ، ففي لبنان الحال نفسه ، فقد استقال رئيس الحكومة سعد الحريري واقيل عادل عبد المهدي رئيس وزراء العراق واختير رئيس جديد للجزائر على اثر تظاهرات عارمة رفضت ترشيح بوتفليقة لولاية جديدة ، ولا يبدو ان واقع الحال في العالم العربي يمكنه ان يلحظ او يرقب تغييراً على المدى القريب ، كما لا يبدو ان بوسع العالم العربي إعادة نهضته من جديد . ويبدو ان المشهد ذاته في بلدان اخرى حول العالم ، فعلى الرغم من مأساوية حادثة موت ( جورج فلويد ) الامريكي من اصول افريقية وخروج تظاهرات كبيرة في حوالي اربعين ولاية تنديداُ بالعنصرية ، قال الرئيس الأمريكي ترامب تعقيباً على الأحداث التي رافقت التظاهرات في ( مينيابولس ) المدينة التي شهدت موت جورج فلويد : لو كان هناك مزيداُ من الصرامة لما حصل ذلك .. وشكّك في صحة الفديو الذي ظهر فيه شرطي يدفع (بافالو) الرجل السبعيني ويلقيه ارضاً ثم يتركه ينزف دون ان يسعفه .. في سويسرا التي وصفها الأديب الرحالة ناجي جواد الساعاتي بـ( خيمة العالم ) خرجت تظاهرة من حوالي عشرة الاف شخص تنديداً بالعنصرية وقالت احدى المتظاهرات وهي من اصول افريقية انها تعيش في سويسرا منذ اربعين سنة ولا تزال تشعر بوجود العنصرية ..

في فرنسا اعادت حادثة موت ( جورج فلويد ) في نفوس الفرنسيين ذكرى موت ( اداما تراوري ) الشاب الفرنسي من اصول افريقية الذي مات بالطريقة نفسها التي مات بها فلويد وهي الخنق حسب ما افاد به التقرير الرسمي لوفاة اداما بعد اعتقاله من قبل الشرطة الفرنسية في تموز 2016م ..

توجهت التظاهرات الأمريكية والأوربية الى محاكمة تاريخ العنصرية ، فحكمت بازالة الاف التماثيل والنصب العائدة لأشخاص اقترنت اسماؤهم بالعنصرية والعبودية .. فما هو المدى الذي يمكن ان تبلغه هذه التظاهرات .؟

تتمتع شعوب العالم بامتلاكها لغة مفهومة لا تحتاج الى ترجمة ، كانت ولا تزال تشكل رابطاً تلقائياً بين الناس على اختلاف الوانهم واديانهم والسنتهم ، انها الإنسانية ، التي كانت وراء خروج فتيات سويديات في ستوكهولم في 2013م في تظاهرة تضامناً مع امرأة مسلمة تعرضت للإعتداء من قبل شخص في احد ضواحي المدينة بسبب حجابها ، وكانت صورة طفل سوري قضى غرقاً وجرفته المياه الى الساحل التركي عند منتج بودروم في سبتمبر 2015م وراء التغريدات والضجة الكبرى على مواقع التواصل الإجتماعي معتبرة اياها دليلاً على موت الضمير العالمي ، مندّدة بما يتعرض له الشعب السوري جرّاء الحرب التي يخوضها الكبار على الأراضي السورية والتي كانت وراء تهجير ملايين العوائل وموت كثيرين غرقاً وهم يبحرون صوب الغرب بحثاً عن الحياة التي صادرتها صفقات التجار الكبار والتي لم تنته بعد مرور سنوات على هذه الحادثة المفجعة ، اذ لا تزال الحرب قائمة حتى مع اجتياح وباء كورونا العالم ، والذي لم تمنع خطورته مواطنين امريكيين من ان يطالبوا الحكومة الامريكية في حملات اعلامية رفع حصارها عن ايران فترة الوباء ، وفي بريطانيا جمع ناشطون اكثر من عشرة الاف توقيع على مذكرة الكترونية يطالبون فيها الحكومة البريطانية الرد على استمرار العقوبات الإقتصادية الأمريكية على ايران ، واجابت الحكومة بأن الحصار لا يتعارض مع ارسال المعونات الطبية اللازمة وهو ما عدّه مواطنون جواباً غير مقبول ..

في الغرب مثقفون ارتقت الإنسانية بثقافتهم الى تقبل الآخر في فضاء انساني لا يفرق بين عربي واعجمي ، بين ابيض واسود ، بين غني وفقير ، فعمل الإنسان هو هويته وعطاؤه هو رأس ماله ، وفي الشرق مثقفون على نفس المضمون الذي يتمتع به المثقف الغربي ، وعلى هؤلاء يمكن ان يقوم مشروع النهضة العالمية قبالة مشروع النظام العالمي الجديد القائم على انتاج عملاء وموظفين وخبراء يعملون في السوق العالمي الكبير ..

(عليكم ان تدفعوا) هكذا كان الرئيس الامريكي ترامب مباشراً وهو يخاطب حكّام العربية السعودية ، انه النظام العالمي الذي يستخدم تقنياته للإستثمار في إعادة تأهيل الشخصية العربية على وفق ثقافة الأقوى ، وقد نجحت السياسة العالمية الى حدّ كبير في رسم خطوط سياسية عربية موالية لها في خارطة الشرق ، وهذا واضح من واقع ادارات الأنظمة العربية لشؤون مجتمعاتها المسكونة بالفقر والجوع والبطالة وبراميل النفط ، لكن الجماهير العربية كانت ولا تزال تشكل معوّقاً امام نجاح المشروع الإمبريالي ، وهذا ما زاد من معاناة الناس امام ضعف ادراك الأنظمة الحاكمة القائم وعيها اساساً على اتصالها المستمر بالسياسات العالمية المتمثلة بالثقافة الغربية القديمة حيث العنصرية والأنانية والقوى الكبرى والإقتصاد المهيمن على ادارة العالم الذي لا يستثني في صفقاته الكرامة والهوية والمقدّس ، فعلى الرغم من تظاهرات تشرين في 2019م في بغداد ومحافظات الجنوب والتي اسفرت عن اكثر من 500 شهيد وآلاف الجرحى واكثر من 200 معاق والتي نتج عنها اقالة الحكومة ، اقدمت الحكومة التالية لها على اخضاع رواتب المتقاعدين الى استقطاعات تراوحت من 10 – 15% ، وكان رد رئيس الحكومة المؤقتة على ذلك لا يختلف في اجوائه عن رد الرئيس الامريكي على احداث منيابولس ، كلاهما كان ردّاً رقمياً أمنياً لا وجود للقيم الانسانية فيه ، فهل تستطيع شعوب العالم تغيير هذا النظام العالمي المادي ..؟

وهل تستطيع ان تواجه مشروع رقمنة الوجود البشري الذي يجري الحديث عن استكماله خطواته النهائية خلال العقد المقبل من السنين ..؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدي عدنان البلداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/10



كتابة تعليق لموضوع : هل تسهم التظاهرات في تغيير الواقع ..؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net