صفحة الكاتب : شعيب العاملي

أصحاب الحسين.. وحيرة العقول ! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

العشرة الأخيرة من صفر قد اقتربت، وهي عند أهل العلم في كلمتين، فبرنامج الطلاب هو برنامجٌ قد عيّنه الله تعالى، وليس محتاجاً لتعيين زيدٍ وعمرو، وذلك البرنامج في جملتين: 
الجملة الأولى: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾
والجملة الثانية: ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾، ولا ثالث لهما، غاية الأمر أنّه ينبغي العمل لفهم هاتين الكلمتين، وينبغي اغتنام الوقت، فكم هو عمري وعمرك؟ 

إنّ كلَّ نَفَسٍ من أنفاسنا جزءٌ من هذا العمر، وسواء شئنا أم لم نشأ سيصل هذا العمر إلى آخر جزءٍ منه، فإذا جاء الأجل لا تقديمَ ولا تأخير.

وينبغي أن يعطي كلُّ نَفَسٍ محصولاً، والمحصول في كلمتين: الأولى: التفقُّه في الدين، وفَصلُهُ الأيام الماضية، والثانية: الإنذار، وفَصلُهُ العشرة الأخيرة من صفر، فهنيئاً لمن فَهِمَ ذلك، واستفاد من هذا العمر.

إنّ معرفة رجال العلم فَنٌّ بنفسه، ومن ذلك أن للميرزا الشرازي خصوصياتٌ، حيث أنّ أصل أفكار النائيني الذي يُعَدُّ فحل فحول المتأخرين توجد في أفكار الميرزا الشيرازي، ولم يكن عند الميرزا فرصةٌ لِلِّقاء مع أحدٍ مَعَ مشاغله العلمية والمشاكل الاجتماعية، وفي أحد الأيام طرق أحد المعممين بابَه بلباس بالٍ، وقال للحاجب: عندي عملٌ مع الميرزا، قال الحاجب: الوصول للميرزا غير مُيَسَّرٍ حتى للأعلام فضلاً عنك، فقال: قل للميرزا: فلانٌ على الباب.

لما قال له الحاجب أن شيخاً على الباب بلباس بالٍ يقول ذلك، وذكر اسمه تغيَّرَ لون الميرزا، فلبس ثيابه وجاء بنفسه إلى الباب، قدَّمَ الشيخ على نفسه وسار خلفه، تحيّر كلُّ الأعلام مثل الأستاذ الحاج الشيخ عبد الكريم، والميرزا محمد تقي الشيرازي، تحيَّر كل الأعيان من تصرُّفِه.

أجلس الشيخ مكانه وجلس أمامه وتحدَّث معه مدةً وخلا به، ثم تحرك الميرزا إلى الباب وغادر الشيخ، ثم تابعه الميرزا بنظره إلى أن غاب.

تحير الجميع مما حصل، فسأل المقربون الميرزا: ما هذا التصرف؟ ومن هذا الشيخ؟

قال: أقول كلمةً واحدة: أنا حاضرٌ لأن أعطي كل ما فعلته طيلة عمري مقابل أن تُكتب أعمال هذا الشيخ في صحيفتي.
زاد كلامه حيرتهم، فقالوا: ما القصة؟ 

تأمّلوا جيداً كيف فازوا وخسرنا، قال الميرزا: كنت أنا وهذا الشيخ في بحثٍ واحد، وكان مستقبله واعداً أكثر مني، جاء يوماً إليّ وقال: لقد شَخَّصتُ تكليفي، قلت: بماذا؟ قال: تكليفي بعد أن وجدتُ منطقةً لا ذِكر فيها لأهل البيت، وكل أهل تلك المنطقة جاهلون بالمذهب، تكليفي أن أذهب لهناك.

قلت له: ماذا تفعل؟ قال: أسكن في المسجد، وأبني مكتباً في المسجد، وأدرّس أولادهم من الألفباء، هذا ما سأفعله منذ الآن.

انقلب حال الميرزا الشيرازي، وقال: ذهب إلى تلك المنطقة وعاش ذلك الفحل بتلك العيشة، عاش في المسجد وأنشأ مكتباً وأعلن للناس أنّه سيدرّس مجاناً، وكان الناس يطلبون من الله تعالى ذلك.

بدأ مع الأولاد من الألفباء، ومرت الحياة هكذا مع هذا الرجل، وعندما كان الليل يجنّ كان يذهب إلى الشوارع ويأخذ الخبز اليابس الذي كان يبقى من سفراتهم ويرمونه. هذا قوته وهذا عمله، تغير الأطفال فتغيرت كل تلك المنطقة بفعله.

أطلب من الله تعالى أن يحسب كل أعمالي: علمي وتدريسي وصلاة الليل كلها في صحيفته، وأن يكتب ما فعله في صحيفتي!! لقد جاهدوا في الله حق جهاده.

هذا الشيخ كان له هذا الاعتبار عند الميرزا، فما بالك باعتباره عند إمام الزمان؟

هذا ما ينبغي اغتنامه، لا تتعطلوا، اذهبوا للمناطق المحرومة وأحيوا المذهب، فإذا تابَ مذنبٌ، أو تعلَّمَ جاهلٌ مسألةً واحدة، فكم هو أجرُكُم في ذلك؟ أجرُكُم أَجرُ إحياء تمام البشر، ﴿مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعاً﴾، فمن أحيا إنساناً فكأنما أحيا كلّ الناس من البدو للختم، ويقول حجة الله تعالى أنّ إحياء النفس بإخراجها من الضلال إلى الهداية.

لا تفقدوا هذا الفوز العظيم، منذ عاشوراء كان هذا السلام يُقرَأُ كلّ يوم ههنا، وأيُّ سلامٍ هو هذا، فهل فهمناه؟ 

السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك..

فمن كان المخاطَب كلَّ يومٍ؟ هل عرفناه؟ وهل عرفنا تلك الأرواح؟ 
أدّعي وأُثبِتُ هذا الإدعاء بقدرةٍ علمية، أنّا لو جمعنا العلماء من الشيخ الطوسي للشيخ الأنصاري فإنهم عاجزون عن دَرك روحٍ من تلك الأرواح التي حلّت بفنائه!

إذا كانت هذه الدائرة فما حال معرفة القطب والمركز؟ 

إنّ أمرَ أصحابه وأنصاره يحيِّرُ العقل، فاستفيدوا جميعاً من هذه الفرصة، اذهبوا جميعاً، وليأخذ كلُّ واحدٍ منكم بيد من يقدر.

بهذه الكلمات يُعلَم أن الجميع عاجزون عن إدراكهم، وعن معرفة من كانوا وما فعلوا، لمسلم بن عوسجة كلماتٌ، ولكلّ كلمةٍ منها حساب، حيث أن طَرَفَ الخطاب هو لوح الوجود المحفوظ، وكتاب الله المبين، وقلب عالم الإمكان، مَن كان السرّ والعلن عنده سيّان، الكلام مقابله وبهذه الطريقة أيضاً عجيبٌ، قال مسلم: والله: فشرع أولاً بذكر الله تعالى.

لَوْ عَلِمْتُ أَنِّي أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُحْرَقُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُذْرَى، يُفْعَلُ ذَلِكَ بِي سَبْعِينَ مَرَّةً: أليس العالم عاجزاً عن إدراك ذلك؟ قَدِّم يَدَكَ من النار لترى!
مَا فَارَقْتُكَ: قال ذلك وجلس.

ثم قال زهير: وَالله لَوَدِدْتُ أَنِّي قُتِلْتُ ثُمَّ نُشِرْتُ ثُمَّ قُتِلْتُ، حَتَّى أُقْتَلَ هَكَذَا أَلْفَ مَرَّةٍ: لا مرة ولا مرتين، لو قتلت ألف مرة.
وَأَنَّ الله تَعَالَى يَدْفَعُ بِذَلِكَ الْقَتْلَ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنْ أَنْفُسِ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ: وددتُ لو قتلت ألف مرة ليبقى القاسم بن الحسن، قال ذلك وجلس.

قال: ارفعوا رؤوسكم، وأشار لكل واحد إلى قصره في الجنة، تلك غرفتك، وتلك غرفتك، فالعالم في قبضته.

هذا سيد الشهداء، وهؤلاء أصحابه، فمن هم هؤلاء؟ وكيف كانوا؟ وكيف أصبحوا؟ ما كان أولهم وما حصل في آخر أمرهم؟

هذا ما قلته أن العلماء من شيخ الطائفة إلى الشيخ الأنصاري كلُّهم عاجزون عن درك حقيقة تلك الأرواح التي حلت بفنائه عليه السلام وأناخت برحله.

كان خاتم النبيين وعصارة الخلقة صلى الله عليه وآله سائراً مع جماعة من أصحابه، ومرّ بأطفالٍ يلعبون، فجلس على قدميه على الأرض، وأخَذَ من بين هؤلاء الأطفال الذين يلعبون طفلاً، تقول الرواية:

فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله عِنْدَ صَبِيٍّ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَيُلَاطِفُهُ، ثُمَّ أَقْعَدَهُ عَلَى حَجْرِهِ وَكَانَ يُكْثِرُ تَقْبِيلَهُ: لا مرة ومرّتين وثلاثة، يكثر تقبيله، تحيَّر الجميع، فما الامر، وماذا يعني كل هذا اللطف؟

فَسُئِلَ عَنْ عِلَّةِ ذَلِكَ، فَقَالَ صلى الله عليه وآله: إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا الصَّبِيَّ يَوْماً يَلْعَبُ مَعَ الْحُسَيْنِ، وَرَأَيْتُهُ يَرْفَعُ التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ، وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَعَيْنَيْهِ، فَأَنَا أُحِبُّهُ لِحُبِّهِ لِوَلَدِيَ الحُسَيْنِ، وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَنْصَارِهِ فِي وَقْعَةِ كَرْبَلَاءَ.

حبيبُ الله يقول: هذا الطفل حبيبي لحبّه لولدي الحسين، هكذا كان أولهم حتى صار آخرهم هكذا، وهؤلاء أصحابه، فكيف به هو؟!

للأسف مرَّ العمر ولم نفهم ماذا تعني عاشوراء، وماذا تعني كربلاء، ومَن هو سيد الشهداء، ومَن هم أصحابه. هم الذين يقف حجّة الله، الإمام السادس مقابل قبرهم ويقول عليه السلام:  

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الرَّبَّانِيُّونَ: جملةٌ محيرة للعقول.

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا شِيعَةَ الله: مَن هم هؤلاء حتى صاروا شيعة الله؟ مَن يتمكن مِن فَهم هذه الكلمات؟

أَنْتُمْ خِيَرَةُ الله: أقول هذا ليُعلَم أنّه إن كانت الذرّة هكذا فما حال الشمس؟ هؤلاء ذراتٌ كانت تدور حوله عليه السلام ولهم هذا المقام، فما مقامه هو؟

اخْتَارَكُمُ الله لِأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام، وَأَنْتُمْ خَاصَّتُهُ: وشرح هذه الكلمات يحتاجُ إلى فرصةٍ أخرى.

أقول هذا الكلام لتعرفوا ما هي القضية، ومَن هو سيد الشهداء، وهذا النصُّ مهمٌ، حيث يروي شيخ المحدثين الصدوق عن ابن عباس في ليلة قتل سيّد الشهداء، والظاهر أنّ ذلك كان في ليلة الحادي عشر، حيث رأى رسولَ الله صلى الله عليه وآله في المنام وبيده قارورة، فسأل عنها فقال أنها: 

دماءُ الحُسَين وأصحابه أرفَعُهَا إلى الله تعالى: هنا يتضح كيف أنه هل يمكن للعلماء من الشيخ الطوسي إلى الشيخ الأنصاري أن يفهموا ما فعل هؤلاء حتى صار دمهم مخلوطاً مع دم سيد الشهداء؟!

ثم يأتي الشخص الأول في عالم الإمكان، ونبيُّ آخر الزمان، يأتي إلى كربلاء ويأخذ دمهم ويضعه في قارورة يقول عنها لابن عباس: أرفَعُها الى الله تعالى!

فأيُّ مرتبةٍ وصل إليها دمُ ذلك الفتى الأسود؟ وما حال إكسير هؤلاء كلهم؟ الإمام نفسه عليه السلام؟ 

ماذا فعل؟ وإلى أين وصل عمله؟ نحن عاجزون عن البيان ﴿ وَالْفَجْر * وَلَيالٍ عَشْر * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر﴾ ونهاية الأمر: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾.

رفعها صلى الله عليه وآله، ولكن إلى أين وصلت؟ لقد رُفِعَت دماءُ أصحابه إلى العرش، فإلى أين يُرفَعُ هو عليه السلام؟ إنّ ذلك لا يُدرَك ولا يوصف.

أيُّ نبيٍّ فعل الفعل الذي فعله هو عليه السلام؟ تأمّلوا كم هي المسافة بين الصدر والرأس، وكم يمكن أن تتحمل من جراحات؟

يقول سادس الأئمة عليه السلام أن الإمام الحسين عليه السلام قد أصيب بثلاثماءة وبضعة وعشرين جرحاً وضربة سيفٍ ورمية سهم، كلُّها اجتمعت في هذا المكان، رغم ذلك كيف كان حاله؟ قال: إلهي رضا بقضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبود سواك يا غياث المستغيثين.

من كتاب (أنوار الإمامة) ص374.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/09/23



كتابة تعليق لموضوع : أصحاب الحسين.. وحيرة العقول ! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net