صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

ظاهرة الكتب المجهولة والخُرافية
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    إن ظاهرة الكتب المجهولة، أي: خُرافية التأليف، وخُرافية المؤلف (مجهولة المؤلف)، كثيرة جداً، وهي لا تختص بمنطقة دون أخرى، ولا بلغة دون أخرى، ولا بمذهب أو دين أو طائفة خاصة، بل هي موجودة ولها أسبابها، كما وان لها أهدافاً وغايات.

فظاهرة الكتب المجهولة، أو الكتب الخرافية لا يمكن ان يخلو منها أي عصر، ولا تخلو منها أرض، فهي ظاهرة عامة ومستمرة، ولهذه الظاهرة عدة أسباب سنتناولها بالبحث، ولكي يستفيد منها القارئ.

أولاً: بشأن الكتب المطبوعة: نذكر أسباب عدم التصريح بأسماء مؤلفي الكتب وهي:

1ـ أسباب سياسية:

وذلك بأن يكتب احدهم كتاباً يعارض فيه حكومة ما، أو حزب ما، أو دولة ما، ولا يذكر اسمه خوف العقوبة، وخوف القتل.

وقد كثرت مثل هذه الكتب في كل الدول، إذ ان المعارض وخوفاً على حياته، يكتب الكتاب باسم مجهول، أو اسم مرمز، وذلك حتى لا يُعرف، وكذلك دور الطباعة التي تطبعه، فإنها لا تكتب اسمها الصريح عليه خوف البطش، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولا تحصى لمن عاش أو تعايش في زمن الحكومات الجائرة، والزعامات المستبدة.

2ـ أسباب دينية:

وذلك بأن يتهجم أحدهم على دينٍ ما، أو على عقيدة ما، أو على شعيرة ما، أو على قضية دينية ما، فلا يذكر اسمه خوفاً أو تعميةً أو ما شاكل ذلك.

نعم، إن ظاهرة الأسماء المستعارة شاعت لدى المتهجمين على القرآن الكريم، ومردّها ـ دينياً ـ إلى الخوف على (المؤلف الحقيقي) من ردّة الفعل ضدّهم لتطاولهم على الثوابت الدينية للأديان الأخرى.

وهذه الظاهرة لا ولن تنتهي، لآنها مستمرة باستمرار وبقاء النقد الديني ما بين مؤيدي الأديان ومعارضيها، ولن تجد ديناً من دون معارض أبداً.

3ـ أسباب اجتماعية:

وذلك  بأن ينتقد كاتب ما ظاهرة اجتماعية معينة، لمجتمعه، أو مجتمع ما، ولا يذكر اسمه خوفاً، أو ما شاكل ذلك.

فقد تدخل بعض الانتقادات في مسألة نقد (التابو)، أو نقد (المقدس) الاجتماعي، فإن كانت هناك مقدسات دينية، فهناك مقدسات اجتماعية، بل مقدسات اجتماعية لا يمكن التنازل عنها ابداً، وقد تؤدي إلى قتل منتقدها.

لذلك وحرصاً على حياة المنتقد، يُلجئ إلى الاسم المستعار في الكتابة والنقد، وتُطرح الأفكار خلف هذا الاسم المستعار بحرية كبيرة.

4ـ أسباب مادية:

وذلك بأن يكتب كاتب ما موضوع ما ـ أي موضوع ـ بهدف الكسب والطمع، فيكتب ما يراد منه، ولا يذكر اسمه، وذلك خوف الفضيحة، وما شاكل ذلك، وقد يدخل الكاتب والمؤلف ـ هنا ـ في السرقة الموصوفة علناً.

إن هذا الكاتب الناقد، والمطلع على حقائق معينة، يؤلف ما يراد منه، لأنه سيُدفع له، لكنه يؤلف باسم مستعار، خوفاً على اسمه الحقيقي، أو على سمعته، أو على حياته، فهو مرتزق، والمرتزق ـ بهذا الشكل ـ لا مبادئ له، بل هدفه الكسب المادي فقط.

5ـ أسباب أيديولوجية:

وهي أسباب متنوعة ما بين الأهداف السياسية، والأهداف الاستعمارية. إذ تلجئ جهة ما، أو دولة ما، أو شخص ما، لكتابة كتاب له أهداف سياسية واستعمارية، ولا يذكر الاسم الصريح للمؤلف، خوف اكتشاف ما يحاك، وهذا ما مارسته الكثير من الدول الاستعمارية، والمؤسسات، ومراكز الفكر، وأهدافها بعيدة من وراء ذلك، ولها مخططات أيديولوجية واستراتيجية مستقبلية.

6ـ أسباب أخلاقية:

من جملتها قضايا تتعلق بالورع والتواضع، فهناك علماء قد اخفوا اسمائهم أول تأليفاتهم، ورعاً، أو احتراماً لأساتذتهم، أو أخفوها وقت شياع أمرهم خوف الفتنة، وظهور الأنا، كل ذلك ورعاً منهم، ومراعاة للجانب الأخلاقي.

وهذا السبب مع قلته إلا انه موجود، ولأشخاص عُرفوا بالعلم، وبالورع، والتقوى، وتُقص قصصهم حول ذلك في المجالس الأخلاقية، وفي وسطهم الذي خرجوا منه.

ثانياً: بشأن المخطوطات: نذكر أسباب جهالة المخطوطة وهي:

1ـ فأما ما سببه المخطوطة نفسها، بأن تكون المخطوطةُ مبتورةً - بأنواعها - أو تكون النسخةُ مفككةً، و(المفككة) هي: التي تفككت وتفرقت أوراقها فلا يعرف أول النسخة من آخرها، أو تكون بها علة من العلل التي يعرفها أهل الفن.

2ـ إما أن يكون بداخل النسخة كتابٌ آخرُ لا يلتفت له المفهرس، فيضيع وسط هذه المخطوطة.

3ـ وأما ان تكون الأسباب خارجة عن المخطوطة نفسها، وذلك بأن تفهرس خطأً، من خلال خطأ في العنوان، أو في اسم المؤلف، وما شاكل ذلك.

4ـ ان لا يوجد من المخطوطة إلا صفحة أو صفحات قليلة، ليست من البداية، ولا من النهاية، بل ـ لربما ـ من الوسط، وهذا ما يجعلها عائمة، ومجهولة.

5ـ ان يكون مؤلفها من الأول لم يكتب اسمه، لأسباب مختلفة، وهنا ستكون مجهولة، ولا يمكن التعرف عليها.

6ـ ان اسقط الناسخ لها اسم المؤلف، عمداً أو سهواً، وبقيت كذلك حتى وصلت لنا، وهنا ستدخل ضمن المخطوطات المجهولة.

ثالثاً: بشأن الكتب المجهولة والخُرافية: نذكر أسباب ذلك وهي:

1ـ أسباب تجهيلية: بأن يراد لمجتمع ما، أو طائفة ما، ان تبقى جاهلة، تعيش الخُرافات والخزعبلات.

لذلك يؤلف في هذا المجال كتب متعددة، بأسماء مؤلفين مجهولين، أو تنسب لأسماء قد عفى عليها الزمان، والهدف هو التجهيل، بل زيادة الجهل والجهلاء.

2ـ أسباب تسويقية: إذ يكون للهدف المادي والتسويقي دافع لترويج وكتابة كتب مطلوبة في السوق، مثل كتب الطبخ، والأبراج، والسحر، وتسهيل الزواج، والعشق، والجنس، وما شاكل ذلك.

3ـ أهداف قومية اسطورية: إذ تلجئ بعض الدول، وبعض الطوائف، إلى أسطرة شخصيات عندها، بأن تضفي عليها أوصاف خُرافية، وأوصاف خارقة، وأوصاف أسطورية.

4ـ أسباب ترويجية: بأن يراد الترويج لدينٍ ما، أو مذهب ما، أو شخص ما، أو نظرية ما، أو طرحٍ ما، فيُكتب عنها كتب مجهولة المؤلف والمصدر، في سبيل الترويج لها، ورفع شأنها، حتى يتبعها المتأثرون بهذا الترويج.

5ـ أسباب فئوية: أي فئوية خاصة، بأن تكتب كتب مجهولة المؤلف والمصدر من أجل رفع شأن فئة ما، وإعلاء شأنهم، وتمييزهم، ووضع أدلة على ذلك التميز، حتى يكون لهم شأن مغاير لبقية الناس.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/02/18



كتابة تعليق لموضوع : ظاهرة الكتب المجهولة والخُرافية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net