جواهر الدراية بين عباس الآية والرواية
الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال أبو الفضل العباس بن امير المؤمنين (عليهما السلام):
يانفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت ان تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين بارد المعين
تا الله ما هذا فعال دين .
وفي قراءة:
هيهات ما هذا فعال دين
ولا فعال صادق اليقين.
نقل هذه الارجوزة أبو مخنف في مقتل الحسين (عليه السلام)، وهو لوط بن مخنف، بكسر الميم وسكون الخاء ، الازدي، من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) وجده من أصحاب امير المؤمنين (عليه السلام)، وله كتب كثيرة في السير منها: مقتل الحسين (عليه السلام) وكتاب اخبار المختار بن ابي عبيد الثقفي وكتاب مقتل محمد بن ابي بكر ومقتل عثمان وكتاب الجمل وكتاب صفين الى غير ذلك .
قاموس الرجال ج 8 ص 618
وقال النجاشي: شيخ اصحاب الأخبار في الكوفة ووجههم وكان يُسكن الى ما يرويه ، وجده مخنف بن سليم والي امير المؤمنين (عليه السلام) على أصفهان.
المصدر نفسه.
وعبارة النجاشي (وكان يسكن الى مايرويه) لاتخلو من اشعار بعدم اماميته.
المصدر السابق ص 620
وعلل قبول روايته بكونه غير ناصبي.
قال ابن ابي الحديد: وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدودا من رجالهم.
شرح النهج ج 1 ص 147
ولم يذكره ابن النديم في الشيعة مع ان في كتابه بابا للشيعة.
قاموس الرجال ج 1 ص 619
وممن قال بتشيعة من العامة ابن عدي .
الكامل من ضعفاء الرجال ج 4 ص 93
والذهبي في كتلبه تاريخ الإسلام حوادث سنة 141.
وقال بتشيعه الشيخ عباس القمي في الكنى والالقاب ج 1 ص 125
ولم يتعرض السيد الخوئي لشيعيته او عاميته ولكنه قال بوثاقته.
معجم رجال الحديث ج 5 ص 142
وذهب الى تشيعه صاحب تنقيح المقال .
ج 8 تحت الرقم 9992
ويروي عن كتابه مقتل الحسين (عليه السلام) الطبري وابو الفرج الاصفهاني ، اصح مقتل ، فإنه يروي الوقائع غالبا بواسطة كحميد بن مسلم والضحاك المشرفي او المشرقي، وعقبة بن سمعان مولى الرباب ، أم سكينة وعفيف بن زيد وغيرهم.
قاموس الرجال ج 1 ص 620
وبلغت رواياته في تاريخ الطبري (585) وتغطي الفترة من وفاة الرسول (صلى الله عليه واله) حتى سقوط الدولة الاموية سنة 132 هـ.
وكان كتابه مقتل الحسين (عليه السلام) موجودا الى حدود القرن الرابع الهجري ولكنه فقد وسائر مؤلفاته ، والموجود الان ليس مقتله.
أدلة على وضع المقتل وتحريفه – للباحث محمد اسفندياري.
ومن القرائن الدالة على ذلك:
1- تغاير المقتل الموجود حاليا مع ما في تاريخ الطبري مع كون الطبري قد نقل عن كتاب المقتل آنذاك بلا واسطة او بواسطة واحدة فقط.
2- العبارة الأولى للمقتل هي : قال أبو مخنف : حدثنا أبو المنذر هشام عن محمد بن سائب الكلبي ، مع ان هشام كان تلميذا لابي مخنف فكيف لأبي مخنف من أن يحدث عن تلميذه!؟
3- في صفحة 12 من الكتاب قال: روى الكليني في حديث...، مع ان الكليني كان قد ولد بعد ابي مخنف بما يقارب المائة عام، فكيف لأبي مخنف الرواية عنه.
4- في صفحة 13 ذكر ان الطرماح بن عدي قتل في واقعة كربلاء بعد ان قتل سبعين رجلا من جيش ابن سعد، مع ان الطبري نقل في تاريخه عن ابي مخنف ان الطرماح لم يكن حاضرا في واقعة كربلاء.
تاريخ الامام الحسين للاسفندياري ص 43
وقال الميرزا النوري في كتاب الؤلؤ والمرجان: أبو مخنف لوط بن يحيى : هو من كبار المحدثين ومعتمد ارباب السير والتواريخ، ومقتله في غاية الاعتبار ولكنه وللأسف الشديد لاوجود لنسخة منه الان، والمقتل الموجود بين أيدينا حاليا والمنسوب اليه يشتمل على بعض المطالب المنكرة المخالفة لاصول المذهب ، ولابد ان الاعادي او الجهال هم من ادخلوا تلك المطالب في ذاك الكتاب لاجل بعض الأغراض الفاسدة ولأجل ذلك يسقط كتاب المقتل عن الاعتبار.
الاسفندياري ص 43
فالمقتل الموجود الان مجهول المؤلف.
قال الشيخ محمد السماوي في مقدمته على كتاب مقتل الحسين للخوارزمي: ان المقاتل القديمة كمثل ابي مخنف لم يبق منها شيء الا ما نقله الطبري والجزري وامثالهم في ضمن كتبهم، واما اعيانها فلم يبق منها شيء لان مقتل ابي مخنف لم يوجد منذ خمسة او ستة قرون وكذلك امثاله.
وايد هذا القول الدكتور وليد بيضون في موسوعة كربلاء، وقال أبو زرگ الطهراني في الذريعة عن المقتل المتداول: ان فيه بعض الموضوعات.
وقال القندوزي في ينابيع المودة عن الكتاب: يختلف اختلافا بينا حتى في الاشعار، والظاهر ان مقتل ابي مخنف المفقود اكبر من هذا المقدار المتداول بكثير، لان الشيخ حسين الغفاري جمع روايات ابي مخنف التي وردت في تاريخ الطبري فيما يخص مقتل الحسين (عليه السلام) فكونت كتابا اسماه مقتل الحسين المقتبس من الطبري.
(أصول المقتل الحسيني-الشيخ عامر الجابري-ص183).
(مقال محمد طاهر الصفار.)
أقول: إن من ذكر هذه الأبيات كل من السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله وذبيح الله المحلاتي في فرسان الهيجا والسماوي في ابصار العين وأيضا الشيخ عباس القمي.
وهؤلاء اهل الخبرة والذوق والمعرفة في التاريخ والاحداث والسير، ومن المستبعد جدا ان ينسبوا لابي الفضل العباس (عليه السلام) كلاما لم يقله ولم يتحدث به وهم الحاذقون المدققون في هذا الفن ، ونحن بقاعدة سيرة العقلاء الممضاة من غير ردع من قبل الشارع المقدس نرجع الى اهل الخبرة فنأخذ عنهم مطمئنين تماما ، كيف وهناك علماء ومؤرخون حذّاق قاموا بنقل هذا الابيات ولم يذكر احد منهم هذه الإشكالات والملاحظات عليها.
إضافة الى انه ليس هناك تقاطع بين هذه الابيات والكتاب والسنة بعد العرض عليهما.
عن الامام الصادق (عليه السلام) كل شيء مردود الى كتاب الله والسنة وكل حديث لايوافق كتاب الله فهو رخرف.
الوسائل ج 9 – أبواب صفات القاضي ص 816.
إن قلت: ان هذه الابيات نقلٌ بالمعنى او انها لسان حال العباس (عليه السلام) حينما وصل الى النهر ولم تكن نصا في ذلك!
قلت: سيأتي من القرائن المتعددة ما يجعلنا جازمين بصدورها عنه (عليه السلام) ولو بالمعنى، ولا ضير في ذلك بعدما قرأنا في علم الأصول جواز النقل بالمعنى بشرط كون الناقل متسلطا على الالفاظ ومعانيها، وعرض ذلك على المتخصصين العارفين بفن اللغة واساليبها.
ونحن نقرأ هذه الابيات جيلا بعد جيل بمحضر العلماء المحققين المتخصصين بفنون العربية ولم نسمع او نقرأ اعتراضا او اشكالا بأي لون من الألوان سواء اكان صرفيا او نحويا او بلاغيا او عقائديا او غير ذلك.
القرائن الدالة على صدور هذا الشعر :
1-خطاب النفس اسلوب وطريقة القرآن الكريم في آياته حيث يقول عز وجل: ((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ)) النحل 111
وحينما يحدث القرآن الكريم عن انبياء الله عز وجل يحدثنا كيف انهم كانوا يحدثون انفسهم ، قال تعالى: ((وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)) يوسف 53
وقال تعالى: ((كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)) ال عمران 93
وخطاب النفس كذلك طريقة أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث كان يقول: يا نفس إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا والله سائلك عنه فيما أفنيته فما الذي عملتي فيه؟
البحار – ج 67 ص 70
وهو أيضا أسلوب الائمة (عليهم السلام)، قال الامام السجاد (عليه السلام): يانفس حتام الى الحياة سكونك والى الدنيا وعمارتها ركونك ؟
الصحيفة السجادية – تعبيقة الابطحي ص 500
والعباس ابن امير المؤمنين (عليهما السلام) سلك هذا المسلك وامتثل القرآن الكريم في حديثه ذلك، قال تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) المائدة 105
2-المقام مقام جهاد النفس.
قال تعالى: ((وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)) العنكبوت 69
والعباس (عليه السلام) خاطب نفسه لانه في مقام جهاد النفس.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أنبئكم بأكيس الكيسين وأحمق الحمقاء؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أكيس الكيسين من حاسب نفسه، وعمل لما بعد الموت، وأحمق الحمقى من اتبع نفسه هواه.
البحار - ج 67 ص 69
وعنه (صلى الله عليه واله): حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر.
المصدر السابق ص 72
وقال الامام الصادق (عليه السلام): طوبى لعبد جاهد لله نفسه وهواه.
المصدر السابق ص 69
3-أراد العباس (عليه السلام) ان يجمع بين جهاد النفس والبدن.
قال تعالى: ((وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ)) محمد 31
وقال تعالى: ((وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ )) الحج 78
وروي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى بعض أصحابه منصرفا من بعث كان بعثه، وقد انصرف بشعثه وغبار سفره، وسلاحه عليه، يريد منزله، فقال (صلى الله عليه وآله): انصرفت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فقيل له: أو جهاد فوق الجهاد بالسيف؟ قال: نعم، جهاد المرء نفسه.
البحار - ج 67 ص 69
وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل خيرا استزاد الله منه، وحمد الله عليه، وإن عمل شرا استغفر الله منه وتاب إليه.
المصدر السابق ص 72.
4-روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: " كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان.
ابصار العين في انصار الحسين (عليه السلام) ص 57
والبصيرة هي الرؤية الواضحة للأمور والتمييز بين حسنها وطبيعتها والنظرة العميقة إلى عواقب الأعمال ونتائجها.
قال تعالى: ((قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)) الانعام 104
وهكذا حال العباس (عليه السلام) في قوله: يا نفس من بعد الحسين هوني.
5-إرادة أبو الفضل الجزاء من الله سبحانه وتعالى وقال لا ينتظر إلى يوم القيامة.
قال تعالى: ((لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)) ابراهيم 51
فكانت هذه الابيات لسرعة الجزاء الإلهي.
6-نقرأ في الزيارة السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولي أمير المؤمنين والحسن والحسين (صلوات الله عليهم اجمعين) فالعباس من المؤمنين الصالحين المطيعين لله ولرسوله واهل بيته فيكون من المجاهدين لانفسهم.
قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) الحجرات 15
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يكون العبد مؤمنا حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه، والسيد عبده.
البحار – ج 67 ص 72
والعباس (عليه السلام) في هذه الابيات ملتفت لنفسه محاسب لها لانه من المؤمنين الصالحين ومن ذوي البصيرة والايمان الراسخ.
7-نقرأ في زيارة ابي الفضل (عليه السلام): أشهد وأُشهد الله انك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله . والبدريون المجاهدون هو ابوه امير المؤمنين (عليه السلام)، ففي تفسيرعلي بن إبراهيم لقوله عز وجل: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)) التوبة 20
قال : ذلك امير المؤمنين (عليه السلام) ص 61
وامير المؤمنين (عليه السلام) فدى النبي (صلى الله عليه واله) بنفسه.
8-العباس (عليه السلام) يدخل من أبواب الجنة الثامنية.
عن امير المؤمنين (عليه السلام): قال: إن للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا.
الخصال للصدوق ص 408
ونحن نقرأ في زيارة العباس (عليه السلام): وألحقك الله بدرجة ابائك في جنات النعيم .
وفي مقطع: وحشرك الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقا.
ونقرأ في كتاب الله قوله عز وجل:
((وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)) النساء 69
وعن النبي (صلى الله عليه واله):
ألا إن الحسين باب من أبواب الجنة، من عانده حرم الله عليه ريح الجنة.
القطرة من بحار النبي والعترة - ج 1 ص 44
والعباس (عليه السلام) نفس الحسين (عليه السلام) حيث قال له : يا عباس! اركب بنفسي أنت يا أخي.
معالم المدرستين – ج 3 ص 88
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): للجنة باب يقال له: باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم.
الكافي - ج 5 ص 3
قال تعالى : ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) ال عمران 142
وفي زيارته نقرأ: انك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله.
وفي مقطع اخر نقرأ: فنعم الصابر المجاهد
وعنه (صلى الله عليه واله): إن للجنة بابا يدعى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.
الوسائل - ج 10 ص 404
والعباس (عليه السلام) مضى شهيدا خالي الاحشاء من ماء وزاد.
وعن ابي عبد الله (عليه السلام): للجنة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا.
الكافي - ج 2 ص 195
والعباس (عليه السلام) بمواساته لاخيه الحسين (عليه السلام) وجهاده بين يديه صنع ما صنع من العروف.
قال تعالى: ((لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) النساء 114
ونقرأ ايضا : فجزاك الله افضل الجزاء بما صبرت واحتسبت واعنت فنعم عقبى الدار. وهو (عليه السلام) ذهب صابرا محتسبا مطيعا لله ولرسوله واهل بيته (عليهم الصلاة والسلام)
وعلى هذا فالعباس (عليه السلام) يدخل من جميع الابواب الثمانية
9-العباس (عليه السلام) صاحب اليقين والكشف الحقيقي لقول المعصوم (عليه السلام) كان عمي العباس صلب الايمان نافذ البصيرة، فهو يعرف مِن ربه ومن نبيه وأمامه حقائقَ الأمور فخاطب نفسه بذلك الخطاب لمعرفته بهذه الحقيقة.
قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) فصلت 53
10-معرفته باهل البيت (عليهم السلام).
قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) فصلت 53
قال تعالى: ((وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ)) المائدة 83
عن جعفر ابن محمد عليهما السلام قال: إني لأرجو النجاة لهذه الأمة لمن عرف حقنا منهم إلا لاحد ثلاثة:
صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن.
الخصال للصدوق ص 119
وفي زواج الامام (عليه السلام) من ام البنين (عليها السلام) قال: يا عقيل أنظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب لاتزوجها فتلد لي غلاما فارسا.
عمدة الطالب ص 357
وقول العباس (عليه السلام) للشمر لعنه الله حينما عرض عليه وعلى اخوته الأمان فقال: لعنك الله ولعن امانك، تأمننا وابن رسول الله لا امان له!؟
تذكرة الخواص ص 45.
اعلام الورى ص 120.
فإذا كان لديه كل هذه المعرفة فلا يبعد انه يخاطب نفسه بذلك الخطاب، يا نفس من بعد الحسين هوني، وهو العارف بالحسين (عليه السلام).
11-العباس (عليه السلام) يعلم انه خلق من اجل نصرة الامام الحسين (عليه السلام) واتباعه والدفاع عنه، فخاطب نفسه مذكرا لها بهده التبعية وهذا الفداء.
قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) الفتح 10
فالعباس (عليه السلام) خاطب نفسه لتذكيرها بذلك العهد الذي قطعه لاخيه الحسين (عليه السلام).
12-العباس (عليه السلام) افضل من الصحابة جزما لما تقدم منا من ادلة وشواهد، ولقول الامام الحسين (عليه السلام): فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا.
الارشاد للمفيد - ص 91
ولا شك انه (عليه السلام) يعلم منزلة ومكانة أصحاب النبي (صلى الله عليه واله) ومع ذلك قال بأفضلية أصحابه، والعباس (عليه السلام) من اهل بيته واصحابه أيضا.
قال تعالى: ((وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)) ال عمران 73
وقال تعالى: ((انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً)) الاسراء 21
فجزما هو افضل من ابي ذر (رضوان الله عليه).
كان أبو ذر تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك ثلاثة أيام وذلك أن جمله كان أعجف، فلحق بعد ثلاثة أيام ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره، فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأن أبا ذر، فقالوا: هو أبو ذر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أدركوه بالماء فإنه عطشان، فأدركوه بالماء، ووافى أبو ذر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه إداوة فيها ماء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا با ذر معك ماء وعطشت؟ فقال: نعم يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء، فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلت: لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر رحمك الله تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم من أهل العراق، يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك.
بحار الانوار - ج 22 ص 428
13-أراد أبو الفضل تذكير وتحذير نفسه بأن الله مطلع عليكِ فإياكِ ان تحيدي عن رضا الله عز وجل.
قال تعالى: ((وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)) ق 16.
14-العباس هو عبد صالح لقول الامام الصادق (عليه السلام): السلام عليك أيها العبد الصالح. ومن كان عبدا صالحا حاسب نفسه وخاطبها لقوله تعالى:
((مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)) الروم 44
قال تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)) فصلت 46
15- العباس (عليه السلام) من المؤمنين الصالحين ومن اهل الجنة وذلك بنص المعصوم (عليه السلام) اذ قال في زيارته: السلام عليك أيها العبد الصالح، وكذلك قوله: واعطاك من الجنة افسحها منزلا.
ومن كان له هذه المقامات كان له تكليف خاص، من تكليفه الخاص الايثار بعدم شرب الماء وهذه الابيات تكشف عن ذلك.
قال تعالى:
((وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)) الاعراف 42
16-يعرفنا القرآن الكريم بأن الانسان يشهد على نفسه.
قال تعالى: ((وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ)) الاعراف 172
والعباس (عليه السلام) بين شهادته على نفسه فقال: يانس من بعد الحسين هوني..
17- هل كان في شرب الماء للعباس (عليه السلام) منفعة ام لا؟
هذا ما لا يعلمه حقيقة وواقعا الا الله تعالى ومن اوكل علمه اليهم وهم محمد وال محمد (عليه وعليهم الصلاة والسلام) وفي يوم عاشوراء العالم بالحقائق والوقائع هو الأمام الحسين (عليه السلام) فكان على العباس أن يسأل إمامه على ذلك قبل أقدامه على شرب الماء، ويشربه من دون سؤاله خلاف الدين وهذا مما قد بان في قوله: ولا فعال صادق اليقين.
قال تعالى: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ)) الاعراف 188
18- تذكير العباس (عليه السلام) نفسه بالجزاء من الله عز وجل.
فمن كان له يقين بما جاء في القرآن الكريم عليه أن يكون كالعباس (عليه السلام) في قوله وفعله، والقرآن الكريم قال لمن يعمل الصالحات: ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)) السجدة 17
فالعباس خاطب نفسه يذكرها بهذه الآية الكريمة.
19- العباس (عليه السلام) يقول: يا نفس من بعد الحسين هوني ... إلى أن يقول وتشربين بارد المعين.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن ترك شهوة الحاضرة لموعود لم يرى.
الخصال - ج 1 ص 5.
قال تعالى: ((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)) محمد 15
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): اشجع الناس من غلب هواه .
معاني الاخبار - ص 195
وهو النفس هو مقتضى طباعها من الذات الحاضرة دنيوية.
بحار الانوار - ج 67 ص 79
عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي وعلو ارتفاعي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شئ من أمر الدنيا إلا جعلت غناه في نفسه وهمته في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
الكافي - ج 2 ص137
ونقرأ في زيارته (عليه السلام): السَّلامُ عَلَيكَ يا بنَ أوَّلِ القَومِ إسلاماً وَأقَدِمِهم إيماناً وَأقوَمُهِم بِدِينِ اللهِ وَأحوَطِهِم عَلى الإسلامِ.
الذي يتضح منه شدة تقواه واحتياطه وورعه.
20- العباس (عليه السلام) باذلا نفسه في سبيل المبدأ الحق وفي سبيل امامه (عليه السلام).
قال تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)) محمد 7.
قال تعالى: ((فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) الاعراف 157
وعن امير المؤمنين (عليه السلام): إن الله تعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون
لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أنفسهم
وأموالهم فينا، فأولئك منا وإلينا وهم معنا في الجنان.
ميزان الحكمة - ج 2 ص 1539
وفي الزيارة نقرأ : فنعم الاخ المواسي.
21- العباس (عليه السلام) يحاكي القرآن ويطبق تعاليمه.
قال تعالى: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) الاعراف 55
فالعباس يحدث نفسه فيحاكي هذه الآية.
22- العباس (عليه السلام) شديد الجهاد.
قال تعالى: ((وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)) العنكبوت 6
قال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)) التوبة 20
قال تعالى: ((انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) التوبة 41
قال أبو عبد الله (عليه السلام): إياك والسفلة، فإنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.
الكافي - ج 2 ص 233
ونقرأ في الزيارة: أشهَدُ أنَّكَ مَضَيتَ عَلى ما مَضى عَلَيهِ البَدرِيُّونَ المُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ المُبالِغُونَ في جِهادِ أعدائِهِ وَنُصرَةِ أوليائِهِ.
ونقرأ ايضا: أشهَدُ أنَّكَ قَد بالَغتَ في النَّصِيحَةِ وَأعطَيتَ غايَةَ المَجهُودِ .
وكذلك قرأ: فَنِعمَ الصَّابِرُ المُجاهِدُ المُحامي النَّاصِرُ وَالأخُ الدَّافِعُ عَن أخِيهِ المُجِيبُ إلى طاعَةِ رَبِّهِ.
23- أراد العباس (عليه السلام) في هذه الأبيات أن يكشف عن أن إحسانه لنفسه حتى يستحصل ما أعده الله سبحانه وتعالى للمحسنين من المنزلة والمكانة الرفعة فيحصل على ما يغبط عليه يوم القيامة .
قال تعالى: ((إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها)) الاسراء 7
قال تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)) الحشر 18
قال الامام الحسين (عليه السلام)، ثم قال: يا عباس! اركب بنفسي أنت - يا أخي! - حتى تلقاهم فتقول لهم: ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عما جاء بهم؟
موسوعة كلمات الامام الحسين (عليه السلام) ص 474
وهذا المقام نفس ما كان لابيه امير المؤمنين (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه واله)
قال تعالى: ((فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)) ال عمران 61
قال رسول الله (صلى الله عليه واله): علي مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.
الامالي للصدوق - ص 149
قال رسول الله (صلى الله عليه واله): يا علي، أنت مني وأنا منك، روحك من روحي، وطينتك من طينتي.
المصدر السابق - ص 66
ونقرأ في زيارة الناحية المقدسة: السلام على العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الاخذ لغده من أمسه.
25 - ابو الفضل (عليه السلام) قدوه.
قال تعالى: ((أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ)) الانعام 90
وفي تفسير العياشي عن العباس بن هلال عن الرضا (عليه السلام) ان رجلا أتى عبد الله بن الحسن فسأله عن الحج؟ فقال له هذاك جعفر بن محمد قد نصب نفسه لهذا فاسأله فأقبل الرجل إلى جعفر عليه السلام فسأله فقال له، قد رأيتك واقفا على عبد الله بن الحسن فما قال لك؟
قال سألته فأمرني ان آتيك، وقال هذاك جعفر بن محمد قد نصب نفسه لهذا، فقال جعفر (عليه السلام) نعم انا من الذين قال الله في كتابه ((أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده)) سل عما شئت فسأله الرجل فأنبأه عن جميع مسائله.
تفسير العياشي - ج 1 ص 368.
ونقله عنه ايضا تفسير نور الثقلين - ج 1 ص 744
وعن ابن عباس قال: لما نزل قوله تبارك وتعالى: ((إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)) وضع (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على صدره فقال: أنا المنذر وعلي الهاد، وبك يا علي، يهتدي المهتدون.
كفاية الاثر - ص 253
واتباع علي هو اقتداء به لانه اتباع للنبي (صلى الله عليه واله)
قال تعالى: ((لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) الاحزاب 21
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن شيعتنا من شيعنا واتبع آثارنا واقتدى بأعمالنا.
ميزان الحكمة -ج 2 ص 1539
قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا أولئك شيعتنا.
الوسائل - ج 15 ص 247
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
ليس من شيعتنا من يكون في مصر يكون فيه مائة ألف ويكون في المصر أورع منه.
المصدر السابق
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي؟ ويلحق بكم التالي.
الكافي - ج 2 ص 75
وفي زيارة ابي الفضل (عليه السلام) نقرأ: أشهَدُ أنَّكَ لَم تَهِن وَلَم تَنكُل وَأنَّكَ قَد مَضَيتَ عَلى بَصِيرَةٍ مِن أمرِكَ مُقتَدياً بِالصَّالِحِينَ وَمُتَّبِعاً لِلنَبِيِّينَ.
والعباس (عليه السلام) أراد أن يقول اننفسه قدوة لمن أراد أن ينصر الله ورسوله واهل بيته (عليهم الصلاة والسلام)
قال تعالى: ((وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ . وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ)) الذاريات الاية 20 - 21.
26 - كلامه عليه السلام يوم عاشوراء مع نفسه محاكاة لكلامه يوم القيامة مع ربه.
قال تعالى: ((يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ)) هود 105
وأي سعادة هذه التي كانت لأبي الفضل عليه السلام والتي حازها في الدنيا والاخرة.
27 - صدق اليقين - قال ابو الفضل (عليه السلام): ولا فعال صادق اليقين.
عن جابر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أخا جعف إن الايمان أفضل من الاسلام وإن اليقين أفضل من الايمان وما من شئ أعز من اليقين.
الكافي - ج 2 ص 51.
عن الوشاء، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الايمان فوق الاسلام بدرجة، والتقوى فوق الايمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، وما قسم في الناس شئ أقل من اليقين.
المصدر السابق.
قال تعالى: ((كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ . ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ . كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ)) التكاثر 3 - 4 - 5.
وصدق اليقين بما سيحل به وأبي أخي وباقي الشهداء (عليهم السلام)
روي عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام): عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على المنبر: لا يجد أحد [كم] طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
الكافي - ج 2 ص 58
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان قنبر غلام علي يحب عليا (عليه السلام) حبا شديدا فإذا خرج علي (صلوات الله عليه) خرج على أثره بالسيف، فرآه.
ذات ليلة فقال: يا قنبر مالك؟ فقال: جئت لامشي خلفك يا أمير المؤمنين قال:
ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض؟! فقال: لا، بل من أهل الأرض فقال: إن أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله من السماء فارجع، فرجع.
المصدر السابق - ص 52
وقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المؤمن له قوة في دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين.
المصدر السابق - ص 231
ونقرأ في الزيارة : أشهَدُ أنَّكَ لَم تَهِن وَلَم تَنكُل وَأنَّكَ قَد مَضَيتَ عَلى بَصِيرَةٍ مِن أمرِكَ مُقتَدياً بِالصَّالِحِينَ وَمُتَّبِعاً لِلنَبِيِّينَ.
وقال الامام الصادق (عليه السلام): كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان.
عمدة الطالب - ص 356
28 - العباس (علسه السلام) هو المهتدي بإمامه.
قال تعالى: ((وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ)) الانبياء 73
وهداه بالحسين (عليه السلام) أن يفعل ويعمل ويقول ما رسم له امير المؤمنين والحسين (عليهما السلام) من الله في يوم عاشوراء من أن يبذل نفسه في سبيل إمامه وأن لايبدل ولا يغير من تلقاء نفسه .
قال تعالى: ((قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)) يونس 108
فأراد العباس عليه السلام بهذه الأبيات أن يستشهد باتباعه وهدايته بامامه وأنه لا يبدل ولا يغير ما رسم له المعصوم (عليه السلام).
29 - كان العباس (عليه السلام) يعلم بأنه متأخر عن أمامه وأخيه قطعا تأخرنا تكونيا والتشريعيا وعرفيا وفي كل شيء، فلا يمكن أن يتقدم عليه في شرب الماء فقال: (من بعد الحسين هوني) أي أنه من بعد الحسين (عليه السلام) وليس من قبله في شيء حتى في شرب الماء وحتى في حفظ نفسه لا بد ان يكون من بعد ويبذل نفسه قبل الحسين (عليه السلام) وهو يعلم أن للأمام الحسين (عليه السلام) اجتباء واختصاص ومنزلة من الله تعالى لا يساويه فيها غيره.
قال تعالى: ((وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)) القصص 5
30 - أراد العباس عليه السلام أن يبيع نفسه لله تعالى.
قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) التوبة 111
والعباس (عليه السلام) في أبيات يبين بيع نفسه لله سبحانه وتعالى، وفي الزيارة الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) يبين قبول الله عمل العباس حيث يقول: أشهَدُ أنَّكَ قَد بالَغتَ في النَّصِيحَةِ وَأعطَيتَ غايَةَ المَجهُودِ حَتّى بَعَثَكَ اللهُ في الشُّهداءِ وَجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرواحِ السُّعَداءِ وَأعطاكَ مِن جِنانِهِ أفسَحَها مَنزِلاً وَأفضَلَها غُرَفاً وَرَفَعَ ذِكرَكَ في العِلِّيِّينَ وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفِيقاً.
31 - العباس (عليه السلام) خاطب جنس النفس الآدمية عموما ولم يكون خطابه لنفسه فقط ، وهذا منطق القرآن الكريم، قال تعالى: ((لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)) التوبة 128
قال تعالى: ((وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ)) النحل 89
فقوله (عليه السلام): يا نفس من بعد الحسين هوني: يخاطب به عموم النفوس الادمية.
32 - تقدم ان للعباس (عليه السلام) مقامات عديدة منها: الصديق والعبد الصالح والمجاهد والشهيد والقدوة وغيرها، وهذه المقامات الاصطفائية ملازمة للعلم، فهو عالم بدقائق يسير الأمور جميعها.
قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ)) البقرة 237
قال تعالى: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) المجادلة 11
وكانا من علمه (عليه السلام) أن سيده وإمامه وأخاه سيقتل عطشانا فلا يمكن أن يشرب الماء قبله، و الأبيات تبين ذلك تماما.
33 - انه (عليه السلام) عرف ان درجته يوم القيامة هي درجة الائمة والأنبياء والعبادة الصالحين، وان تلك المقامات الرفيعة إنما ينالها من خلال الجهاد والمواساة والأيثار، فآثر بنفسه أخاه ولم يشرب الماء مجاهدة لنفسه وايثارا ومواساة لأخيه (عليه السلام)، قال الامام الصادق (عليه السلام) في زيارته (هليه السلام): أشهَدُ لَقَد نَصَحتَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأخِيكَ فَنِعمَ الأخُ المُواسِي.
قال تعالى: ((وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)) النساء 69
34 - في جميع كتب التاريخ والروايات ان الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه ماتوا عطشان والعباس (عليه السلام) منهم حيث يرى أن نترك شرب الماء مواساةً وإثاراً للحسين (عليه السلام) إنما هو من الدين حيث قال: (والله ما هذا فعال ديني)
قال تعالى: ((وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) البقرة 132
والامامة لب الدين وحقيقته وجوهره بحديث الإمام الرضا (عليه السلام) ، عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) نيسابور، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون، اجتمع إليه أصحاب الحديث، فقالوا له: يا بن رسول الله، ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك، وقد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه، وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
سمعت جبرئيل (عليه السلام) يقول: سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن عذابي. فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها، وأنا من شروطها.
امالي الصدوق - ص 306
35 - الإعلام الأموي كان مستعدا للاستغلال أي شيء من أجل أن يسيء به إلى الأمام الحسين (عليه السلام) وشرب العباس (عليه السلام) للماء قبل أخيه يوهن انصار الحسين (عليه السلام) بأن أخاه شرب قبله.
قال تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) ال عمران 156
فيشيع الاعلام الاموي الشيطاني أن العباس (عليه السلام) لو لم يكن مع الحسين (عليه السلام) لما اصابه شيء وهذا ما حصل فعلا حينما منح اللعين الامان للعباس واخوته، حيث جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال أين بنو أختنا يعني العباس وجعفر و عبد الله وعثمان أبناء علي (عليه السلام) فقال الحسين (عليه السلام) أجيبوه وإن كان فاسقا فإنه بعض أخوالكم، فقالوا له ما تريد فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين (عليه السلام) والزموا طاعة يزيد فقالوا له لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟!
وفي رواية : فناداه العباس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أتأمرنا ان نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء.
لواعج الاشجان - ص 116
فكان الجواب أبي الفضل (عليه السلام) مدويا مستخدماً الإعلام المضاد للإعلام الاموي الشيطاني فارتجز تلك الأبيات المدوية التي يعرفها الصديق والعدو والصغير والكبير.
36 - كيف يشرب وهو ينظر الكون كله يبكي لحال إمامه وحال الصغار والرضع؟ لانه ينظر إلى ملكوت السموات والأرض.
قال تعالى: ((أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ)) الاعراف 185
قال تعالى: ((وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)) الانعام 75
فالعباس (عليه السلام) صاحب العين الباصرة فهو من أهل البصائر نافذ البصيرة كما قال الإمام الصادق (عليه السلام)، وهو يرى ملكوت السموات يبكي على علي الأكبر وعلى علي الأصغر وعلى عطش الحسين (عليه السلام)، فمن المقطوع به أنه لا يفكر في الماء فضلا عن شربه، وهذه الأبيات خير دليل على حضور صورهم الملكوتية أمام عينيه.
37 - العباس (عليه السلام) مقيم الصلاة مؤتي الزكاة وإن لم يرد ذلك صريحا في مفردات زيارته (عليه السلام) إلا أنه ورد في زيارته قول الإمام (عليه السلام): (مُقتَدياً بِالصَّالِحِينَ وَمُتَّبِعاً لِلنَبِيِّينَ) ونحن نقرأ في زيارة المعصومين (عليهم السلام) في الزيارة الجامعة: (وَأقَمتُم الصَّلاةَ وَآتَيتُم الزَّكاةَ).
قال تعالى: ((وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) البقرة 110
فالمقيم للصلاة والمؤتي الزكاة والمقتدي بالصالحين لا شك انه مقدم لنفسه ومؤثر بها في نصرة أخيه (عليه السلام)
38 - ومما قد روي: انه جاء بالماء في اليوم السابع و انه ملأ قرابة عشرين قربه مع نفر من أصحاب الحسين (عليه السلام) ومنهم هلال بن نافع.
الطبري - ج 5 ص 412
ولم يحدثنا احد انه شرب من ذلك الماء من ذلك الماء، فمهمته إذن هي جلب الماء وسقاية أخيه الحسين (عليه السلام) واهل بيته ثم يعود ليشرب هو واصحابه بعد ان يأذن له الحسين (عليه السلام) فيتبعه ولا يتقدم عليه.
قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) ال عمران 31
والحسين (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (حسين مني وأنا من حسين).
بحار الانوار - ج 43 ص 271
فهو (عليه السلام) قد قصد الماء ووصل اليه مرتين، في اليوم السابع وفي اليوم العاشر، وكان من الممكن أن يشرب الماء، لكنه لم يفعل ذلك وهذه الأبيات دليل قاطع على عدم التفكير بشرب الماء وأنه لا يمكن أن يفعل ذلك لطاعته لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وأمامه (عليه السلام).
39 - من قرأ سيرته مكارم أخلاقه وبيان حاله بلسان حال المعصومين (عليهم السلام) وما كان عليه من الاخلاق الرفيعة يجد انه من البعيد جدا أن يشرب الماء.
قال تعالى: ((وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللَّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)) النور 52
وهذه الأبيات خير شاهد على هذا الحكم الوجداني الجزمي القطعي وأن من كان لديه هذا الأتباع والطاعة و الخشية من الله تعالى لا يشرب الماء قطعا.
40 - العباس (عليه السلام) صاحب الإيثار.
قال تعالى: ((وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) الحشر 9
فالعباس صاحب الايثار ، وهي صفة ابيه امير المؤمنين (عليه السلام)
قال الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) : رحم الله العباس - يعني ابن علي - فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.
الخصال 68
41 - العباس (عليه السلام) الأهل البلاء الحسن
قال تعالى: ((وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) الانفال 17
قال الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) : رحم الله العباس - يعني ابن علي - فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.
المصدر السابق
ومن بلائه عدم شربه الماء، والكاشف لهذا البلاء مواقفه العظيمة وهذه الأبيات التي ارتجزها.
42 - العباس (عليه السلام) من أهل الفداء.
قال تعالى: ((وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)) البقرة 207
وهي من صفات ابيه امير المؤمنين (عليه السلام)
فقد ذكر المفسرون من العامة والخاصة انها نزلت بحق امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).
عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: اما قوله: ((ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد)) فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين بذل نفسه لله ولرسوله ليلة اضطجع على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما طلبته كفار قريش.
تفسير العياشي - ص 101
عن أبي سعيد الخدري قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله و [سلم] يريد الغار، بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الاخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فكلاهما اختاراها وأحبا الحياة، فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب الله عز وجل يباهي بك الملائكة فأنزل الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رؤوف بالعباد)
شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني - ج 1 ص 123
والعباس (عليه السلام) فدى اخاه بنفسه، قال الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) : رحم الله العباس - يعني ابن علي - فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.
الخصال 68
ومن يفدي سيده واخاه وامامه بنفسه لايشرب الماء فداءً ومواساة له (عليه السلام).
43 - حاكى بفعله نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) حينما خاف على دعوته إلى الله من صنع السحرة.
قال تعالى: ((فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى . قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى)) طه 67 - 68
وكذلك العباس (عليه السلام) خاف من نفسه أن لا يوصل الماء أو أن يشرب أو أن لا ينقذ الحسين (عليه السلام)، فكان جواب الله تعالى بلسان الحال [عباس انت الاعلى] والذي يفهم من خلال كلمات الأمام الحسين (عليه السلام) والامام السجاد (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) التي أوضحت المقام العالي والمنزلة الرفيعة للعباس (عليه السلام).
44 - عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبلى بلاء حسنا، ومضى شهيدا .
شرح الاخبار - ج 3 ص 57
وهذه الابيات التي ارتجزها (عليه السلام) خير شاهد على هذه البصيرة النافذة.
قال تعالى: ((هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) الجاثية 20
45 - العباس (عليه السلام) شاكر لهذه النعمة التي حباه الله سبحانه وتعالى بها فهو ابن أمير المؤمنين و أخو الحسن والحسين وعم الائمة (عليهم الصلاة والسلام أجمعين) وحامل اللواء والسقاء، فأبياته وأُرجوزته يوم الطف تكشف عن شكره لله عز وجل على هذه النعم العظيمة.
قال تعالى: ((وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)) النمل 40
46 - العباس (عليه السلام) كانت مهمته جلب الماء وهو متبع ومنفذ لأوامر إمامه (عليه السلام)
قال تعالى: ((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)) الزمر 18
وكان العباس السفاء ، عن معاوية بن عمار، عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) قالوا: وكان العباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين (عليه السلام) وهو أكبر الاخوان، مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم.
بحار الانوار - ج 45 ص 40
والقائد يتمسك بتعليم قائده المعصوم بدقة، وهذه الأبيات توضح هذه المهمة حيث يروى أن الحسين (عليه السلام) قال: فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء، فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه فأخبره فسمع الأطفال ينادون: العطش العطش! فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة، وقصد نحو الفرات.
بحار الانوار - ج 45 ص 41
47 - أراد العباس (عليه السلام) أن لا يتحسر على قول أو فعل لم يفعله في سبيل الله وفي سبيل محمد وال محمد (صلى الله عليه وآله) فلا يكون مصداقاً لهذه الآية: ((أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)) الزمر 56
48 - هذه الأبيات أسلوبها ونظمها يتكرر منه و كأنها من وادٍ واحد وشجرة واحدة لها غصون وفروع.
قال تعالى: ((أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ)) ابراهيم 24
ومن معين واحد وماء واحد.
قال تعالى: ((أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها)) الرعد 17
قال تعالى: ((أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ)) الزمر 21
ونقرأ انه (عليه السلام) عندما حمل عليهم ارتجز وقال:
لا أرهب الموت إذا الموت رقا*
حتى أواري في المصاليت لقى
نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا
وعند حمله للماء ارتجز (عليه السلام):
إني أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
وعندما قُطعت يمينه ارتجز (عليه السلام) وقال :
والله إن قطعتم يميني *
إني أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين *
نجل النبي الطاهر الأمين
وعندما قُطعت شماله روحي فداه ارتجز وقال:
يا نفس لا تخشي من الكفار *
وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار *
قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا رب حر النار
بحار الانوار - ج 45 ص 40
49- العباس (عليه السلام) يكنى بأبي الفضل.
ذكر ذلك ابن نما الحلي في مثير الاحزان
وهذه الكنية انما جائت لأجل فضائله العديدة، فناسب أن يكون من فضائله موقفه عند نهر العلقمي يوم عاشوراء من عدم شرب الماء رغم تمكنه منه.
50- من ألقابه (عليه السلام) باب الحوائج.
إشتهر العباس (عليه السلام) بهذا اللقب وتعارف عليه حتى انه لاينفك عنه، وناسب هذا اللقب حيث ان الامام الحسين (عليه السلام) طلب منه ذلك -اي جلب الماء- لحاجة العيال الى اليه، فكانت له حاجة لم تتحقق وهي جلب الماء لأخيه (عليه والسلام) وعياله، فكان بابا للحوائج، ولم يشرب الماء.
51- من القابه (عليه السلام) السَّقَّاء.
ذكر ذلك الطبري في تاريخه- ج1 ص 412 وكذلك ورد في مقاتل الطالبيين ص 117، وقد ظفر (عليه السلام) بالماء ولم يشرب منه بل كان همه هو ان يسقي اخاه وعياله.
52- روي عن الامام زين العابدين (عليه السلام) انه قال: رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.
الامالي للصدوق - ص 548
وروى مرازم، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لما قتل جعفر بن أبي طالب دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على أسماء بنت عميس فمسح على رأس ابنها، فقالت: يا رسول الله أحدث في أبيه حدث؟ - فقال: نعم استشهد الله جعفرا وجعل له جناحين من ياقوت يطير مع الملائكة في الجنة.
المحاسن - ج 2 ص 419
فنرى ان الامام زين العابدين (عليه السلام) يقرن ويشبه العباس (عليه السلام) بعمه جعفر بن ابي طالب (عليهما السلام) ويصفه بذات الوصف الذي وصف به رسول الله (صلى الله عليه واله) جعفرا رضوان الله عليه ، فقد شابهه في خلقه وتضحيته وتركه للدنيا، فتركه لشرب الماء وايثاره اخيه الحسين (عليه السلام) لم يكن الا اظهارا لنبله وخلقه وايثاره وقوة ايمانه وطاعته للامام (عليه السلام).
وھناك سؤال قد يطرح في ھذا المقام: كيف عبر الامام العباس (عليه السلام) عن إمامه وسيده باسمه الصريح ؟ فقال يا نفس من بعد الحسين ھوني. ويمكنالجواب عن ذلك نقضا وحلاً ،فنقول:
اولا - اما نقضا:
فإننا نجد جملة ممن برز في واقعة الطف يذكر الاسم الشريف للامام الحسين (عليه السلام) صراحة ومنھم:
1- القاسم بن الحسن (عليهما السلام) حيث ارتجز فقال:
إن تنكروني فأنا ابن الحسن *
سبط النبي المصطفى والمؤتمن
ھذا حسين كالأسير المرتھن *
بين أناس لا سقوا صوب المزن.
بحار الانوار - ج 45 - ص 34 2
2- وارتجز علي الاكبر (عليه السلام) فقال:
أنا علي بن الحسين بن علي *
من عصبة جد أبيھم النبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي *
أطعنكم بالرمح حتى ينثني
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي *
ضرب غلام ھاشمي علوي.
المصدر السابق - ص 43
3- قول زھير بن القين رحمه الله.
أنا زھير وأنا ابن القين *
أذودكم بالسيف عن حسين
إن حسينا أحد السبطين *
من عترة البر التقي الزين
ذاك رسول الله غير المين *
أضربكم ولا أرى من شين
يا ليت نفسي قسمت قسمين.
المصدر السابق - ص 25
ثانيا- واما حلاً فنقول:
1- ذكر (عليه السلام) الاسم الصريح للحسين (عليه السلام) لأنه نفسه، والنفس يعبر عنھا باسم العلم للذات، بنص حديث الامام الحسين (عليه السلام): اركب أنت بنفسي كما تقدم .
فھو يخاطب نفسه : يا نفس من بعد الحسين ھوني - وأراد أن يخاطب نفس الحسين فجاء بإسمه المبارك، أي بالاسم العلم للذات الحسينية المقدسة فيكشف بذلك ذات الحسين (عليه السلام).
2- بحكم التقابل بين النفسين عبر عنه بإسمه (صلوات الله وسلامه عليه).
3- ذكر الاسم المبارك تيمنا بذكر الله تعالى وذكر النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليھم السلام) لأنهم دائما يرددون ھذا الاسم المبارك (الحسين) فھو مجاراة لرب العزة تبارك
وتعالى في ذكر اسمه (عليه السلام) كما ھو وارد في الأحاديث الكثيرة وكذلك المنقوش على ساق العرش والتي تبين الشأن العظيم للحسين (عليه السلام).
4- ان ذكره للاسم المبارك لم يكن امام الحسين (عليع السلام) او في محضره، بل كان بينه وبين نفسه ، وليس في ذلك ما ينافي الاداب.
5- أراد (عليه السلام) أن يجمع جميع الالقاب والمقامات الحسينية، والاسم الصريح للامام الحسين (عليه السلام) ھو الجامع لھذه المقامات العظيمة.
6- الكلام في الموت، والموت يلاحق الذات فعبر باسم الحسين الذي ھو اسم الذات الحسينية لأن الموت إنما يلاحق الحسين (عليه السلام).
7- ان المقام ليس مقام ذكر العناوين والالقاب، فإن الايثار لايلازمه ذكر صفة الامام (عليه السلام) او ألقابه أو كنيته، بل يمكن الاكتفاء بذكر اسمه الشريف (عليه السلام) وهذا ما قد حصل.
8- بالإلتفات الى كلمات وأراجيز أبي الفضل (عليه السلام) الأخرى يُعلم أنه كان يخاطب ربه فيذكره بالتعظيم والتبجيل سبحانه فيقول:
قد قطعوا ببغيهم يساري*
فأصلهم يارب حر النارِ
يا نفس لا تخشي من الكفار*
وأبشري برحمة الجبار
فتراه يحمد ربه ويشكره، وهذا من الادب العظيم، ولم يُرد ابو الفضل (عليه السلام) أن يذكر ألقاب المعصوم (عليه السلام) مع ذكره لتعظيم ربه، فاكتفى بذكر الاسم الشريف مجردا، وجاء بالاسماء الحسنى لله تعالى تقديسا وتعظيما له عز وجل.
9- المقام هنا مقام فناء وعدم تعيين وتشخيص وذكر للخصوصيات، فناسب أن يأتي باسم الامام (عليه السلام) دون اللقب او الكنية.
10- الخطاب كان موجها للنفس ، حيث قال: (يا نفس من بعد الحسين..) وكان من باب النداء للقريب، فناسب استعمال اسم الاشارة واسم العلم فقال: (هذا حسين..) واسم العلم اقرب من اللقب والكنية لذات الانسان.
11- استعمل ابو الفضل (عليه السلام) المفاهيم السلبية فكان من المناسب ذكر الاسم خاليا من كل العناوين والالقاب، وبعبارة اخرى: العباس (عليه السلام) قال : ( وبعده لا كنتِ... ما هذا فعال دين ... ولا فعال صادق اليقين)
وفي هذه العبارات استعمل اداة السلب، فناسب ان يأتي بالاسم مجردا ومسلوبا عن الكنى والالقاب ايضا.
والحمد رب العالمين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat