كتب الفيلسوف الكندي آلان دونو عن نظام التفاهة، المسيطِر على العالم، غير إنّ هذا النظام في الحالة العربية، والعراقية، يؤسس لانهيار أعظم، بَلْ قلْ إنّ هذا النظام توغّل فينا بشكل بشع أكثر من أية أمة أخرى، ونمّط الحياة بملامحه، وغيّب الكثير من الأخلاقيات والذوق العام، والسلوك الرصين، وأسّس التقييم الزائف، وابتكر التحايل على الشهرة، وأفسد أساليب كسب المال، وأنزل مواصفات الزعماء الى الحضيض.
ويعود سبب ذلك الى ان مجتمعاتنا المحلية هي بيئة حاضنة للتفاهة سواء كانت ولادتها ذاتية، أو مستوردة.
يظهر نظام التفاهة بوضوح في المدارس التي تمنح الآلاف من طلابها العلامات الكاملة، فيما مستوى التعليم متخلف، ومعارف الطالب متواضعة، ويتجلى هذا النظام بوضوح حين تتصدر التواصل الاجتماعي تدوينات المحتوى السطحي، في حين تمرّ المضامين العميقة دون اهتمام، وتحصد صورة فضائحية ملايين المشاهدات، فيما لا يعبأ المتابعون باللقطات الثريّة بالمعنى، ويبرز يوتيوبيون كصنّاع رأي عام عبر فحاوى مبتذلة، تعتمد الاكشن والحركة، حتى باتوا أكثر شهرة من صنّاع الدراما الجادّة.
مدونون لا يتوفرون على ابسط مستويات الثقافة، وأدوات اللغة البسيطة، يُحدثون في المجتمع، فعاليات خطيرة مثل التظاهرات، فيما ينحسر الخطيب المفوّه، والعقائدي الى الوراء.
يبرز نظام التفاهة في السلع والبضائع، غير الجديرة بالاقتناء والاستهلاك، لرداءة التصنيع، وغياب متطلبات الصحة، لكنها تنفذ من الأسواق بسرعة.
انعكست التفاهة الافتراضية على الواقع، ليسيطر المتنمرون على الشارع والمدرسة ودائرة العمل، فالموظف يتنمّر على المواطن، والمسؤول الكبير على الموظف، وهكذا صعودا وهبوطا، حيث العلاقات تقوم على المنفعة بالرشاوى والاغراءات.
نظام التفاهة، جعل الفرد لا يهتم بهندامه، وصار الموظفون لا يعبئون للزي الرسمي، الذي يعكس شرف المهنة، وخصائص المؤسسة.
نظام التفاهة اخترق حتى مجال الانشاءات، فترى العمارات تجمّلها قشور بلاستيكية، فيما الاوساخ تحتل أماكن العمل، والحدائق مرتع للأزبال، والأنهر تغرق في النفايات.
يضرب نظام التفاهة العلاقات الاجتماعية، ويهمّش منظومات القيم اذ يتناسل رؤساء العشائر والوجهاء مثل الارانب، فيما تزدحم المؤسسات التعليمية والأمنية بالألقاب والرتب العسكرية في اعداد هائلة غير متوازنة.
وفي أكثر الملامح بشاعة لنظام التفاهة، استسهال ضخ الآلاف من الشهادات الاكاديمية، حيث شريحة كاملة من الجهلة وذوي البساطة الفكرية يقودون الجامعات ومراكز البحوث، وقد يوجِب ذلك علينا، وضع لقب دكتور امام اسم كل عراقي.
لقد حذر مونتسكيو من اقتران الحرية بالابتذال، لكننا نعيش ما هو أخطر من ذلك، فالحرية التي يتمتع بها الفساد، أكثر من تلك الممنوحة للمواطن.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat