صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 9)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تكملة للحلقات السابقة قال الله جلت قدرته عن البعث ومشتقاتها "ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا" ﴿الإسراء 98﴾ هذا الذي وُصِف من العذاب عقاب للمشركين؛ بسبب كفرهم بآيات الله وحججه، وتكذيبهم رسله الذين دَعَوْهم إلى عبادته، وقولهم استنكارًا إذا أُمروا بالتصديق بالبعث: أإذا متنا وصِرْنا عظامًا بالية وأجزاءً متفتتة نُبعث بعد ذلك خَلْقًا جديدًا؟ و "إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ" ﴿المؤمنون 37﴾ بِمَبْعُوثِينَ: بِ حرف جر، مَبْعُوثِينَ اسم، ما حياتنا إلا في هذه الدنيا، يموت الآباء منا ويحيا الأبناء، وما نحن بمخرجين أحياء مرة أخرى، و "قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" ﴿المؤمنون 82﴾ قالوا: أإذا متنا وتحللت أجسامنا وعظامنا في تراب الأرض نحيا مرة أُخرى؟ هذا لا يكون ولا يُتصور، و "أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" ﴿الصافات 16﴾ وقالوا: ما هذا الذي جئت به إلا سحر ظاهر بيِّن، أإذا متنا وصِرْنا ترابًا وعظامًا بالية أإنا لمبعوثون من قبورنا أحياء، أو يُبعث آباؤنا الذين مضوا من قبلنا؟ و "وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" ﴿الواقعة 47﴾ وكانوا يقولون إنكارًا للبعث: أنُبعث إذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا بالية؟ وهذا استبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له، و "أَلَا يَظُنُّ أُولَـٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ" ﴿المطففين 4﴾ ألا يعتقد أولئك المطففون أن الله تعالى باعثهم ومحاسبهم على أعمالهم في يوم عظيم الهول؟ يوم يقوم الناس بين يدي الله، فيحاسبهم على القليل والكثير، وهم فيه خاضعون لله رب العالمين، و "إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا" ﴿الشمس 12﴾ انبعث فعل، انْبَعَثَ أَشْقَاهَا: قام مسرعا يعقر الناقة وهو قُدار بن سالف، كذَّبت ثمود نبيها ببلوغها الغاية في العصيان، إذ نهض أكثر القبيلة شقاوة لعقر الناقة.
بُعث النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، وكان عمره الشريف أربعين سنة، حيث تلقی النبي الاكرم محمد اول کلمات الوحي "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأََكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق 1-5). وكان أول من آمن بالنبي الاكرم من الرجال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، ومن النساء زوجته ام المؤمنين خديجة عليها السلام. ثم اعلن دعوته "يَآ أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ" (المدثر 1-3). ذكر الإمام علي عليه السلام مبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كلمة له: (فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ وَفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَتَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ وَمُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَيُمْضُونَ الْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَلَا تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ). وعن رسالته صلى الله عليه وآله وسلم يقول الامام علي عليه السلام (أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَاعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ وَانْتِشَارٍ مِنَ الْأُمُورِ وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ وَالدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا وَإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا وَاغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى وَظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ وَدِثَارُهَا السَّيْفُ).
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها" (الشمس 12) ظرف لقوله: "كَذَّبَتْ" (الشمس 11) أو لقوله "بِطَغْواها" (الشمس 11) والمراد بأشقى ثمود هو الذي عقر الناقة واسمه على ما في الروايات قدار بن سالف وقد كان انبعاثه ببعث القوم كما تدل عليه الآيات التالية بما فيها من ضمائر الجمع. قوله تعالى "قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ" (الانعام 65) إلى آخر الآية، قال الراغب في المفردات: أصل البعث إثارة الشيء وتوجيهه يقال: بعثته فانبعث، ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به فبعثت البعير أثرته وسيرته، وقوله عز وجل "وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ" (الانعام 65) أي يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة إلى أن قال فالبعث ضربان: بشري كبعث البعير وبعث الإنسان في حاجة ، وإلهي وذلك ضربان: أحدهما: إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع عن ليس وذلك يختص به الباري تعالى ولم يقدر عليه أحد، والثاني إحياء الموتى وقد خص بذلك بعض أوليائه كعيسى عليه‌السلام وأمثاله. وبالجملة في لفظه شيء من معنى الإقامة والإنهاض، وبهذه العناية يستعمل في التوجيه والإرسال لأن التوجيه إلى حاجة والإرسال نحو قوم يكون بعد سكون وخمود غالبا، وعلى هذا فبعث العذاب لا يخلو من إشعار على أنه عذاب من شأنه أن يتوجه إليهم ويقع بهم، وإنما يمنع عن هذا الاقتضاء مانع كالإيمان والطاعة.
جاء في الامثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: متى تقوم القيامة؟ و متى هذا الوعد؟ فتقول: "قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ‌" (النمل 65) لا شك أن علم الغيب- و منه تاريخ وقوع القيامة خاص باللّه، إلّا أنّه لا منافاة في أن يجعل اللّه بعض ذلك العلم عند من يشاء من عباده، كما نقرأ في الآيتين (26) و (27) من سورة الجن‌ "عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‌ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضى‌ مِنْ رَسُولٍ"‌. و بتعبير آخر فإنّ علم الغيب بالذات، و بصورته المستقلة و المطلقة غير المحدودة، خاصّ باللّه سبحانه، و كل علوم الآخرين مسترفدة من علمه تعالى. و لكن مسألة تاريخ وقوع القيامة مستثناة من هذا الأمر أيضا، و لا يعلم بها أحد إلّا اللّه. قوله تعالى "فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى‌ يَوْمِ يُبْعَثُونَ‌" (الصافات 143-144) و هذا مناف لما ورد في الآية مورد البحث. و للجواب على هذا السؤال يمكن القول: كانت بانتظار يونس عليه السّلام عقوبتان: إحداهما شديدة، و الاخرى أخفّ وطأة. الاولى الشديدة هي أن يبقى في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، و الأخفّ: هو أن يخرج من بطن الحوت و هو مذموم و بعيد عن لطف اللّه سبحانه، و قد كان جزاؤه عليه السّلام الجزاء الثاني، و رفع عنه ما ألمّ به من البعد عن الألطاف الإلهية حيث شملته بركة اللّه عزّ و جلّ و رحمته الخاصّة. و السؤال الآخر يتعلّق بما جاء في قوله تعالى: "فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ‌" (الصافات 143) و إنّ ما يستفاد من الآية مورد البحث أنّه عليه السّلام لم يكن ملوما و لا مذموما. قوله تعالى "وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ‌" (الشعراء 87). "وَ لا تُخْزِنِي"، مأخوذ من مادة خزي على زنة حزب و كما يقول الراغب في مفرداته، معناه الذل و الانكسار الروحي الذي يظهر على وجه الإنسان من‌ الحياء المفرط، أو من جهة الآخرين حين يحرجونه و يخجلونه و هذا التعبير من إبراهيم، بالإضافة إلى أنه درس للآخرين، هو دليل على منتهى الإحساس بالمسؤولية و الاعتماد على لطف اللّه العظيم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/05



كتابة تعليق لموضوع : البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 9)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net