صفحة الكاتب : شعيب العاملي

موتُ المؤمن: رَوحٌ ورَيحان!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
قِيلَ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عليه السلام: صِفْ لَنَا المَوْتَ!
 
أميرُ المؤمنين حينَها حَيٌّ لَم يمُت كي ينقل ما رأى من الموت.. لكنَّه العالِم بتعليم الله تعالى، الذي لو كشف له الغطاء لَم يزدد يقيناً، يُجيب عن الموت كأنه قد اختبره وعاشه ورآه رَأي العين..
 
يقول عليه السلام: عَلَى الخَبِيرِ سَقَطْتُمْ!
فهل على وَجه البسيطة مَن يعلمُ حقيقة الحياة والموت كعليٍّ؟!
 
لقد كشفَ عليه السلام في جوابه أنَّ الموت على أنحاءٍ ثلاثة، فقال:
هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ يَرِدُ عَلَيْهِ:
 
1. إِمَّا بِشَارَةٌ بِنَعِيمِ الأَبَدِ.
2. وَإِمَّا بِشَارَةٌ بِعَذَابِ الأَبَدِ.
3. وَإِمَّا تَحْزِينٌ وَتَهْوِيلٌ، وَأَمْرُهُ مُبْهَمٌ، لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ الفِرَقِ هُوَ (معاني الأخبار ص288).
 
القسمُ الأوَّل.. يُبشَّرُ ساعة موته بالنَّعيم..
والقسم الثاني، يبشَّر حينها بالجحيم..
والثالث يبقى مُذبذَباً.. يخشى أن ينالَهُ شيءٌ مِنَ العذاب، ويأمل من رحمة الله تعالى ما يدفع عنه ذلك..
 
أما ثَاني الأقسام.. الكافر.. فله بحثٌ خاصٌّ يأتي بإذن الله.. لكنَّ الأول والثالث هُم من أهل الإيمان!
 
نعم.. فالمؤمن:
1. تارةً يكون مؤمناً مُطيعاً، فيكون من القسم الأول المبشَّر بالنعيم، وله حالاته وأحكامه..
2. وتارةً يكون مؤمناً عاصياً، مُسرِفاً على نفسه، فيكون من القسم الثالث المُبهَم أمره.
 
فما حال كلِّ واحدٍ من هذين القسمين؟!
 
القسم الأول: المؤمن المطيع
 
فَأَمَّا وَلِيُّنَا المُطِيعُ لِأَمْرِنَا فَهُوَ المُبَشَّرُ بِنَعِيمِ الأَبَدِ!
لقد جمعَ هذا المؤمن بين صفتين: الاعتقادُ بالحق، والعملُ به.
أي أنَّه آمن بالله تعالى وأنبيائه ورسله وأوصيائهم، وبما وجب على الناس الاعتقادُ به.
ثم امتثل أمرَ الله تعالى، الذي صدر على لسان الأطهار عليهم السلام.. فكان مُطيعاً لهم.. ولربِّهم.. فنالَ كرامةً عظيمة عند الله تعالى.
 
ويظهرُ إكرام الله تعالى لهذا المؤمن بصورةٍ عجيبة.. حيثُ يأمر الله تعالى ملك الموت بطاعته، ويُخيِّرُه أن يموت أي مِيتةٍ شاءها!
ولقد بيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وآله حال الشيعة عند الموت فقال: يَحْكُمُ الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ، وَيُؤْمَرُ مَلَكُ المَوْتِ بِطَاعَتِهِ، وَأَيِّ مَوْتَةٍ شَاءَ مَاتَهَا.
 
وَإِنَّ شِيعَتَنَا لَيَمُوتُونَ عَلَى قَدْرِ حُبِّهِمْ لَنَا.. إِنَّ أَشَدَّ شِيعَتِنَا لَنَا حُبّاً يَكُونُ خُرُوجُ نَفْسِهِ كَشُرْبِ أَحَدِكُمْ فِي اليَوْمِ الصَّائِفِ المَاءَ البَارِدَ الَّذِي يَنْتَفِعُ مِنْهُ القَلْبُ، وَإِنَّ سَائِرَهُمْ لَيَمُوتُ كَمَا يغطُّ أَحَدُكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ، كَأَقَرِّ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ بِمَوْتِهِ (تأويل الآيات الظاهرة ص752).
 
بل: إِنَّ مَلَكَ المَوْتِ لَيَقِفُ مِنَ المُؤْمِنِ عِنْدَ مَوْتِهِ مَوْقِفَ العَبْدِ الذَّلِيلِ مِنَ المَوْلَى، فَيَقُومُ وَأَصْحَابُهُ لَا يَدْنُونَ مِنْهُ حَتَّى يَبْدَأَهُ بِالتَّسْلِيمِ، وَيُبَشِّرَهُ بِالجَنَّةِ (من لا يحضره الفقيه ج‏1 ص135).
 
وهكذا يتفاوت المؤمنون في كيفية الموت بحسب تفاوتهم في حبِّ آل محمدٍ، لكنَّ وقوفَ ملك الموت بين يدي المؤمن أمرٌ عجيب.. فهذا المَلَكُ الذي يظهرُ للكافر بأبشع صورةٍ، وأخوفها، وأكثرها رُعباً، يصيرُ كالعبد أمام المؤمن!
 
فأيُّ منزلةٍ وكرامةٍ للمؤمن عند الله!
 
ولكن..
قد يُقال: كيف يموت المؤمنُ إذا صارَ مَلَكُ الموتِ مُطيعاً له؟! فهلاّ أمَرَهُ بتركه والبقاء في دار الدُّنيا؟!
 
نعم.. لو طلبَ المؤمنُ من ملك الموت ذلك لأطاعه، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وآله: لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً أَقْسَمَ عَلَى رَبِّهِ أَنْ لَا يُمِيتَهُ مَا أَمَاتَهُ أَبَداً!
 
ما الذي يحصل إذاً؟
حينما يحضر الأجلُ يبعث الله عزَّ وجلّ إلى المؤمن ريحين:
 
رِيحاً يُقَالُ لَهَا المُنْسِيَةُ، وَرِيحاً يُقَالُ لَهَا المُسْخِيَةُ!
فَأَمَّا المُنْسِيَةُ: فَإِنَّهَا تُنْسِيهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ.
وَأَمَّا المُسْخِيَةُ: فَإِنَّهَا تُسْخِي نَفْسَهُ عَنِ الدُّنْيَا حَتَّى يَخْتَارَ مَا عِنْدَ الله (الكافي ج‏3 ص127).
 
لا يذهبُ هذا المؤمنُ من الدُّنيا مقهوراً على الموت.. بل مُختاراً له!
وكيف لا يختارُهُ والموتُ بالنسبة له هو: أَعْظَمُ سُرُورٍ يَرِدُ عَلَى المُؤْمِنِينَ، إِذْ نُقِلُوا عَنْ دَارِ النَّكَدِ إِلَى نَعِيمِ الأَبَدِ (معاني الأخبار ص288).
 
نعم، فكلُّ سرورٍ في الدُّنيا مَشوبٌ بالحُزن، فهي دارُ النَّكَد! لا يسلمُ منه أحدٌ.. سيَّما المؤمن! فلو كان منفرداً على جزيرةٍ لابتعث الله له من يؤذيه!
 
بهذا يصيرُ الموتُ هديَّة من الله تعالى للعبد المؤمن، يرتاحُ بها من هموم الدُّنيا وغمومها.. وقد روي عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: تُحْفَةُ المُؤْمِنِ المَوْتُ! (المجازات النبوية ص299).
 
قد نتألَّمُ لفراق المؤمن المطيع لله، بل إنَّ أكثر من يتألَّم عليهم العاقل همُ الأولياء والكُمَّل والعباد المطيعون، لكنَّ الموت عندهم هَديَّةٌ أهداها الله لهم، فنقلهم من سجنٍ إلى نعيمٍ.
 
فالموت بالنسبة لهؤلاء: كَنَزْعِ ثِيَابٍ وَسِخَةٍ قَمِلَةٍ، وَفَكِّ قُيُودٍ وَأَغْلَالٍ ثَقِيلَةٍ، وَالِاسْتِبْدَالِ بِأَفْخَرِ الثِّيَابِ وَأَطْيَبِهَا رَوَائِحَ، وَأَوْطَإِ المَرَاكِبِ، وَآنَسِ المَنَازِلِ (معاني الأخبار ص289).
 
هو بالنسبة للمؤمن: كَأَطْيَبِ رِيحٍ يَشَمُّهُ، فَيَنْعُسُ لِطِيبِهِ، وَيَنْقَطِعُ التَّعَبُ وَالأَلَمُ كُلُّهُ عَنْهُ (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج‏1 ص274).
 
وساعة الموت هي ساعةُ البشارة للمؤمن، الذي طالما أتعبَ نفسه لله عزَّ وجل، وقد حانت الساعة التي يُريدُ الله تعالى فيها أن يُريحه، فيرسل إليه ملك الموت بوجهٍ حسن، وثيابٍ طاهرة، وريحٍ طيبة.
 
يأتيه في وفدٍ من الملائكة أعوانه، ومعهم الريحان والحرير والمسك، ليبشروه برضا الله سبحانه، ثم يقولون له: أَبْشِرْ بِرَوْحٍ، وَرَيْحَانٍ، وَجَنَّةِ نَعِيمٍ..
أَمَّا الرَّوحُ: فَرَاحَةٌ مِنَ الدُّنْيَا وَبَلَائِهَا.
وَالرَّيْحَانُ مِنْ كُلِّ طِيبٍ فِي الجَنَّةِ، فَيُوضَعُ عَلَى ذَقَنِهِ، فَيَصِلُ رِيحُهُ إِلَى رُوحِهِ، فَلَا يَزَالُ فِي رَاحَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ نَفْسُهُ.
 
ثُمَّ يَأْتِيهِ رِضْوَانُ خَازِنُ الجَنَّةِ، فَيَسْقِيهِ شَرْبَةً مِنَ الجَنَّةِ لَا يَعْطَشُ فِي قَبْرِهِ وَلَا فِي القِيَامَةِ، حَتَّى يَدْخُلَ الجَنَّةَ رَيَّاناً (الإختصاص ص345).
 
على أنَّ الناس قد ترى ما يخالفُ الواقع في علامات الموت، حيثُ قد تُقبَضُ روح المؤمن على دفعاتٍ، تخفيفاً من الله عزَّ وجل عليه، فيظنُّ النّاس أنَّه قد شُدِّدَ عليه، وليس الأمر كذلك.
 
فقد يأمر الله عزَّ وجل ملك الموت: فَيَرُدُّ نَفْسَ‏المُؤْمِنِ لِيُهَوِّنَ عَلَيْهِ، وَيُخْرِجَهَا مِنْ أَحْسَنِ وَجْهِهَا، فَيَقُولُ النَّاسُ: لَقَدْ شُدِّدَ عَلَى فُلَانٍ المَوْتُ، وَذَلِكَ تَهْوِينٌ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ (الكافي ج‏3، ص: 136).
 
وقد يتصور الحاضر عند الكافر أن موته هَيِّنٌ، حيث قد تُقبَضُ روحه بما يشبه البغتة، والحال أنّها جذبةٌ بمثل السفّود، أي الحديدة التي يشوى بها اللحم.
 
على أنَّ أجمَلَ ما في موت المؤمن هو حضور النبيِّ صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين عليه السلام، والأئمة الأطهار، فيُبشَّر حينها بمرافقتهم: فَمَا شَيْ‏ءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنِ اسْتِلَالِ رُوحِهِ وَاللُّحُوقِ بِالمُنَادِي (الكافي ج‏3 ص128).
 
ذاكَ حيثُ يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: أَبْشِرْ، أَنَا رَسُولُ الله، إِنِّي خَيْرٌ لَكَ مِمَّا تَرَكْتَ مِنَ الدُّنْيَا!
ويقول له أمير المؤمنين: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي كُنْتَ تُحِبُّهُ، أَمَا لَأَنْفَعَنَّكَ (الكافي ج‏3 ص129).
 
يخاطبُ المؤمنُ رسولَ الله والأئمة في تلك الساعة: بِحَيْثُ يَحْجُبُ الله صَوْتَهُ عَنْ آذَانِ حَاضِرِيهِ!
كما يحجب الله رؤيتهم عن عيونهم، ويخاطبُ المؤمنُ زوّارَه عليهم السلام بأحسن خطاب، ويخبرُهم بسروره بلقائهم، فيوصون ملك الموت به خيراً، ثمَّ يأمره الرَّسول صلى الله عليه وآله أن ينظر إلى العلو: فَيَنْظُرُ إِلَى مَا لَا تُحِيطُ بِهِ الألبَابُ، وَلَا يَأْتِي عَلَيْهِ العَدَدُ وَالحِسَابُ!
 
يستعجلُ المؤمنُ حينَها الانتقال إلى تلك الدّار قائلاً: يَا مَلَكَ المَوْتِ الوَحَا، الوَحَا، تَنَاوَلْ رُوحِي وَلَا تُلْبِثْنِي هَاهُنَا، فَلَا صَبْرَ لِي عَنْ مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ، وَألحِقْنِي بِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مَلَكُ المَوْتِ رُوحَهُ فَيَسُلُّهَا، كَمَا يُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الدَّقِيقِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ فِي شِدَّةٍ فَلَيْسَ فِي شِدَّةٍ، بَلْ هُوَ فِي رَخَاءٍ وَلَذَّةٍ (تفسير الإمام العسكري ص213).
 
وهكذا يكونُ الموت للمؤمن المطيع لآل محمدٍ رخاءً، ولذَّةً، وتُحفَةً من الله تعالى، وأنساً، ورَوحاً ورَيحاناً.
 
القسم الثاني: المؤمن المسرف على نفسه
 
أما المؤمن العاصي، فيقول عنه أمير المؤمنين عليه السلام:
وَأَمَّا المُبْهَمُ أَمْرُهُ، الَّذِي لَا يُدْرَى مَا حَالُهُ، فَهُوَ المُؤْمِنُ المُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَدْرِي مَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُهُ، يَأْتِيهِ الخَبَرُ مُبْهَماً مَخُوفاً، ثُمَّ لَنْ يُسَوِّيَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ بِأَعْدَائِنَا، لَكِنْ يُخْرِجُهُ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِنَا:
 
هذا مؤمنٌ، لكنّه خَلَطَ عملاً صالحاً بآخر سيئاً، وأتى من المعاصي ما جعله عرضةً لنزول العذاب، فيعيش الخوفَ دون الإطمئنان، وتُرجى له شفاعة آل محمد عليهم السلام.
 
من ههنا ينفتحُ بابٌ في غاية الأهميَّة.. فإنَّ الإيمان وإن أخذ بيد المؤمن إلى الجنَّة، لكنَّه لا يمنع من نزول بعض أنواع العذاب عليه قبل ذلك، إن كان مسرفاً على نفسه.
 
يقول عليه السلام:
فَاعْمَلُوا، وَأَطِيعُوا، لَا تَتَّكِلُوا، وَلَا تَسْتَصْغِرُوا عُقُوبَةَ الله عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ مِنَ المُسْرِفِينَ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ شَفَاعَتُنَا إِلَّا بَعْدَ عَذَابِ ثَلَاثِمِائَةِ ألفِ سَنَةٍ (معاني الأخبار ص288).
أي أنَّه ليس للمؤمن أن يطمئنَّ مما يجري عليه، اتَّكالاً على إيمانه فقط، إن كان لآل محمدٍ ولربِّهم عاصياً!
 
نعم لو أحبَّهم وأطاعهم، كان ممَّن يُبشَّرُ ساعة وفاته بنعيم الأبد.. لذا وجب على العاصي المسرِف على نفسه أن يخشى أهوال الموت، وما بعدَ الموت.. وهو أطمُّ من الموت..
فقد يُشدَّدُ عليه عند الموت، وقد يتألَّم، وقد يتعذَّب، قبل أن ينال النَّعيم، بالشفاعة، أو بانقضاء أمد ما استحقَّ من عذاب.
 
وهؤلاء على مراتب.. تكشفُها الأحاديث المتعدِّدة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: مَا مِنَ الشِّيعَةِ عَبْدٌ يُقَارِفُ أَمْراً نَهَيْنَاهُ عَنْهُ فَيَمُوتَ حَتَّى يُبْتَلَى بِبَلِيَّةٍ تُمَحَّصُ بِهَا ذُنُوبُهُ، إِمَّا فِي مَالٍ، وَإِمَّا فِي وَلَدٍ، وَإِمَّا فِي نَفْسِهِ، حَتَّى يَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ وَمَا لَهُ ذَنْبٌ، وَإِنَّهُ لَيَبْقَى عَلَيْهِ الشَّيْ‏ءُ مِنْ ذُنُوبِهِ فَيُشَدَّدُ بِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِه‏ (الخصال ج‏2 ص636).
 
لذا قد يُغَمُّ المؤمنُ بالموت، فيشدَّدُ عليه ساعتها، فيكون غمُّه هذا كفارةً لذنوبه.
 
وهذه الذنوب قد تُسَبِّبُ للمؤمن قَبلَ شدَّة الموت مَعَرَّةً من سُلطان، أو سُقماً في بدن، أو حَبساً للرزق.. تعجيلاً للعذاب المستحقّ عند الموت أو في ساعة الحساب، فإن صار صافياً لم يُشدَّد عليه عند الموت.
 
فالمؤمن طَيبُّ النَّفس والروح والبدن.. إن عصى الله كان فاسقَ العمل، خبيثَ الفعل، ولا يكون خبيثَ النفس..
لذا يبتليه الله تعالى بما يُطَهِّر به ذنوبه، ويخرج من الدّنيا: مُبْيَضّاً وَجْهُهُ، مَسْتُورَةً عَوْرَتُهُ، آمِنَةً رَوْعَتُهُ، لَا خَوْفٌ عَلَيْهِ وَلَا حُزْنٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُصَفَّى مِنَ الذُّنُوبِ (الأصول الستة عشر ص200).
 
لكن.. هل تطعم النارُ المؤمن أم لا؟ فيه كلامٌ يأتي في بحث القيامة ونعيمها وجحيمها بإذن الله..
 
لكنَّ المهمّ هو أنَّ المؤمن إن صَفّى نفسه في حياته، كان الموتُ أنيساً له، وإن بقيت عليه الأوزار حتى موته، كان: المَوْتُ هُوَ المِصْفَاةُ، يُصَفِّي المُؤْمِنِينَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَيَكُونُ آخِرُ أَلَمٍ يُصِيبُهُمْ كَفَّارَةَ آخِرِ وِزْرٍ بَقِيَ عَلَيْهِمْ (معاني الأخبار ص289).
 
فيصيرُ العبدُ المُصفَّى من الآثام صالحاً لمعاشرة أهل البيت في دارهم.. دار الأبد..
 
العديلة والثبات على الحق
 
ثمَّ إنَّ المؤمن قد يخشى العديلة عند الموت، فإنَّ الأمور بخواتيمها.. وهو يخشى أن ينحرف عن توحيد الله، أو عن آل محمدٍ عليهم السلام في آخر لحظات أيّامه.. فيدعو الله تعالى كي يُثَبِّتَهُ على صراطه المستقيم.
 
فإن كان مستقيماً في حياته، صادقاً في إيمانه، عاملاً بما تَعَلَّم، لم يكن للشيطان عليه سبيلٌ، فإنَّ مَن استقامَ حياتَهُ لا يُعقل أن يفسد كلَّ عمله في اللحظات الأخيرة.
نعم مَن يكون عمله غير خالصاً لوجه الله، يكون كمن لم يعمل، فيكون في معرض العديلة قبل الموت.
 
قال الصادق عليه السلام: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَأْتِي الرَّجُلَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا عِنْدَ مَوْتِهِ، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، لِيُضِلَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، فَيَأْبَى الله عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُ الله تَعَالَى ﴿يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَة﴾ (من لا يحضره الفقيه ج‏1 ص135).
 
لا ييأس الشيطانُ! حتى عند ساعة الموت! لكنَّ الله ينصر عبده المؤمن ويثبِّتهُ ساعة وفاته كما ثبَّته طيلة حياته.. لأنَّه من أهل الإيمان والعمل الصالح.
 
ولذا يعجز إبليس عن المؤمن ساعة موته، كما قال الصادق عليه السلام:
مَا مِنْ أَحَدٍ يَحْضُرُهُ المَوْتُ إِلَّا وَكَّلَ بِهِ إِبْلِيسُ مِنْ شَيْطَانِهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالكُفْرِ، وَيُشَكِّكَهُ فِي دِينِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ نَفْسُهُ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَلَقِّنُوهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُهُ (ص) حَتَّى يَمُوتَ (الكافي ج‏3 ص123).
وهكذا لا يشكُّ المؤمنُ بدينه ساعة وفاته، ويظلُّ ثابتاً عليه كما كان طيلة حياته..
 
من ههنا يُعلمُ أهميَّة دفع الشُّبهات والشكوك، فإنَّ مَن كان عرضةً لها في حياته خيف عليه الشكُّ ساعة الموت..
ومَن كان على بيِّنَةٍ من أمره، ويقينٍ من دينه، واستقامةٍ في فعله، لم يقدر عليه الشيطان بإذن الله تعالى.
 
ثبتنا الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/07



كتابة تعليق لموضوع : موتُ المؤمن: رَوحٌ ورَيحان!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net