صفحة الكاتب : د . رعد هادي جبارة

خصوصية المفردة القرآنية والاسلوب الاستهزائي التهكمي/7
د . رعد هادي جبارة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم يكن أسلوب القرآن كله على نمط واحد ، و شاكلة متماثلة ، بل يتخذ له أحياناً أسلوب التهكم بالكافرين ، والاستهزاء بالمستهزئين ، والسخرية من الساخرين ، لأنهم يستحقّون ذلك ، وهم جديرون به .

فعندما يصل الباحث في المفردات القرآنية الى قوله جلت عظمته:

*( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )* (الدخان/49)

يتوقف ملياً عند لغة الخطاب القرآني لشريحة من أهل النار من أمثال أبي جهل (لع) الذين كانوا من أهل الفخر والخيلاء و التكبرعلى المسلمين والنبي الأكرم (ص).

فقد ورد في معنى قوله تعالى :

*( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )*

أي قولوا ذلك له في جهنم على وجه التهكم والتوبيخ، وقال ابن عباس : أي لستَ بعزيز ولا كريم .

وسبب النزول أن النبي (ص) لقي أبا جهل (لع) فقال له: إن الله أمرني أن أقول لك *(أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ☆ ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ )* [ القيامة / ٣٤،٣٥ ] . فأجابه أبو جهل : [ما تستطيع أنت ولا صاحبك _ ربُّك _ من شيء ، ولقد علمتَ أني أمنعُ أهلِ البطحاء ، وأنا العزيز الكريم] . فقتله الله يوم بدر ، وأذلّه ، وعيّره بكلمته ، وأنزل : *( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )* كما قال ابن كثير.

أي أن لغة الخطاب هنا ليست حقيقية ،و المخاطب بها يراد التهكم به ، فأبو جهل كان يقول عن نفسه : [ما بين جبليها - اي مكة - أعز ولا أكرم مني].

فقال الله عز وجل:

*( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )* بزعمك . ولا يقتصر الأمر على أبي جهل بل كل من يماثله في التكبر ومدح الذات من الكفار والعصاة و المنافقين ، سابقاً وحالياً ، عندما يعذَّب في النار يقال لمثل هذا الأثيم الشقي : ( ذُقْ هذا العذاب الذي تعَذّب به اليوم لأنك أنت (العزيز) في قومك ، (الكريم) عليهم كما ذكر الطبري .

 

ولعل سائلاً يسأل :

و كيف يقال له وهو يعذب *( إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )* ؟

والحقيقة انه غير وصف من قائل ذلك له بالعزة و الكرم ، و لكنه تقريعٌ منه له بما كان يصف به نفسه في الدنيا ، و توبيخٌ له بذلك على وجه الحكاية ، لأنه كان يصف بذلك نفسه في الدنيا ، فقيل له في الآخرة وهو في النار: ذُق هذا الهوان اليوم، فقد كنت تزعم أنك أنت العزيز الكريم ، والآن فإنك أنت الذليل المَهين ، فأين الذي كنت تقول وتدعي من العز و الكرم ؟ هلا تمتنع من العذاب بعزتك ؟ كما ذكر الطبري.

وذكر مثل ذلك القرطبي و البغوي و السعدي من باب الاستحقار والتنقيص و الاستهزاء والاهانة . و هو كما قال قوم شعيب ب لنبيهم *(إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)* [هود/87] يعنون : السفيه و الجاهل ، و هذا قول سعيد بن جبير << انظر القرطبي >>.

 

اما العلامة الطباطبائي (ره) فقال :

قوله *( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )* خطابٌ يخاطَب به الأثيم وهو يقاسي العذاب بعد العذاب ، وتوصيفه بالعزة و الكرامة على ما هو عليه من الذلة ؛استهزاءٌ به تشديداً لعذابه ، وقد كان يرى في الدنيا لنفسه عزة وكرامة لا تفارقانه ، كما يظهر مما حكى الله سبحانه من قوله :

*{وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا}* (الكهف/36).

#تفسير الميزان / ج ١٨ ص ١٤٨.

وهكذا يرى صاحب تفسير القمي انه عندما يقال له: *( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )* فلفظه خبر ومعناه حكاية عمن يقال له ذلك ،وذلك أن أبا جهل كان يقول : <انا العزيز الكريم> فيعير بذلك في النار

# تفسير القمي / على بن ابراهيم القمي / ج ٢ ص٢٩٢.

وهذا أيضاً منهج الطبرسي في تفسير *( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ )* وذلك أنه كان يقول : أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم ، فيقول له الملك : ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك وفيما كنت تقول ، وقيل إنه على معنى النقيض ، فكأنه قيل له إنك أنت الذليل المهين ، إلا أنه قيل على هذا الوجه للاستخفاف به، وقيل معناه أنك أنت العزيز في قومك، الكريم عليهم ، فما أغنى ذلك عنك.

#مجمع البيان / ج٩ / ص ١١٣ - ١١٧.

ولكن هل يصح القول إن الله يستهزئ كما يستهزئ الاشخاص ، وهو ربّ العالمين ؟ وما تفاصيل الاستهزاء كما ورد في القرآن ؟

سنتعرف على ذلك تالياً في مقال لاحق، بتوفيق الله .

#يتبع#


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رعد هادي جبارة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/05/14



كتابة تعليق لموضوع : خصوصية المفردة القرآنية والاسلوب الاستهزائي التهكمي/7
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net