صفحة الكاتب : د . خليل خلف بشير

من النتاج الفكري للإمام الكاظم - عليه السلام -:أدعيته المباركة وتفسيره القرآن الكريم
د . خليل خلف بشير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الحمد لله ربّ العالمين ،والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين محمد الصادق الأمين ،وعلى آله الطيبين الطاهرين ،وصحبه المنتجبين ،وبعد: فتلبية لدعوة من الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة في مؤتمرها السنوي الثالث الدولي بمناسبة الذكرى السنوية 1250 لاستشهاد الإمام موسى الكاظم (ع) تحت شعار - الإمام موسى بن جعفر (ع) مصدر عطاء خالد للإنسانية - ولد بحثي الموسوم (من النتاج الفكري للإمام الكاظم (ع) : أدعيته المباركة ،وتفسيره القرآن الكريم بعد مخاض من المطالعة والتنقيب عن نتاج الإمام الفكري المتنوع ،ونظراً لضيق الوقت فقد اقتصرتُ على نتاجين هما : دعاؤه ،وتفسيره مهمداً لأدعيته بتمهيد يحتوي على معنى الدعاء في اللغة والاصطلاح ،ودور الدعاء في تربية الإنسان ثمّ عرجتُ بالحديث عن الدعاء في تراث الإمام ،وأبرز السمات الدلالية لأدعيته المباركة،والقرآن الكريم في فكر الإمام خاتماً ذلك بنماذج من تفسيره الذي اتضح لنا أنه في غالبيته تفسير باطني.

 لعل المتفحص في تراث الإمام الكاظم (عليه السلام) يجد مجموعة لا بأس بها من أدعيته الجليلة، وقد بذل الأستاذ محمد علي علي دخيل جهداً متميزاً في جمع أدعية الإمامين الجوادين في كتاب سمّاه (أدعية الإمام موسى الكاظم والإمام محمد الجواد ) أو ( الصحيفة الجوادية المباركة ) ،وقبله أبو جعفر الكعبي الذي جمع تراث الإمام الكاظم (عليه السلام) ،ومن ذلك أدعيته في كتابه الموسوم ( بلاغة الإمام الكاظم – خطب .رسائل.كلمات) ،وقد تنوعت الموضوعات في أدعيته من ذاك دعاؤه يوم المبعث ،وبعد كل فريضة ،ومع استقبال شهر رمضان ،وعند الإفطار ،ويوم المباهلة ،وأدعية الأيام،ودعاء الجوشن ،ودعاء الخلاص من السجن فضلاً عن التعقيبات ، والأحراز،والرقع ، والحجابات،وغير ذلك.

وقد حثّ الإمام الكاظم (عليه السلام) على الدعاء - وهو ديدن أهل البيت (عليهم السلام) - ولعل الدعاء عنده أفضل ملجأ يُلجأ إليه عند الشدة ،وأمناً يُتحصَن فيه عند مداهمة الأخطار ،وأنجع وسيلة يُتوسَل بها للخلاص مما يطرأ عليه من بلاء الدنيا وشرور الحياة لاسيما وأنّ جل حياته عاشها في السجن والظلم والاضطهاد  كما حثّ (عليه السلام) على ضرورة استثمار الوقت وجودة التصرف فيه فحذرهم من إضاعته في ما لا جدوى منه من ترهات الأعمال وتوافه الشواغل وسفاهات الأفعال فجعل ساعات اليوم أربع منها ساعة للدعاء والمناجاة .

ويبدو أن افتتاح الدعاء بكلمة ( اللهم ) يعد إعلاناً للتبعية ،وإيذاناً سرمدياً بالحاجة الملحة التي تتخذ من علاقة بين ( الله والإنسان ) ،وهي بمثابة انطلاقة روحية تستفرغ جهداً في السلوك المستقيم،

ومن السمات الدلالية لأدعية الإمام الكاظم اقتباسه من آي الذكر الحكيم، وهذا يدل على تأثره بأسلوب القرآن الكريم،وتكاد تكون اقتباساته القرآنية نصية أي مباشرة وملتحمة مع النص وكأنها من نص الإمام ،ومن سماته الدلالية الأخرى ابتداؤه أدعية الأيام بعبارة تتكرر في بداية دعاء كل يوم ، وهي قوله (( مرحبا بخلق الله الجديد ، وبكما من كاتبين وشاهدين اكتبا بسم الله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن الإسلام كما وصف ، والدين كما شرع ، وأن الكتاب كما أنزل ، والقول كما حدث ، وأن الله هو الحق المبين . حيا الله محمدا بالسلام ...)) ،وهي ديباجة دعائية بديعة لم نعهدها في بقية الأدعية،وهي من النماذج الحيوية في أدعيته المباركة التي انطوت على جملة من فنون البلاغة والفصاحة ،وجمال الأسلوب ،وحسن التعبير ،وصناعة الكتابة لاسيما ما يؤديه التكرار والجناس والتوازن والسجع من طاقات تعبيرية تكمن في مستوياتها اللغوية، ومنها المستوى الإيقاعي والصوتي.

وعلى الرغم من أن ما وصل إلينا عن الأئمّة الميامين ( عليهم السلام ) بشأن القرآن الكريم وتفسيره لا يشكّل إلاّ نزراً يسيراً لما يمتلكون من حصيلة علمية ، وثراء فكري ليس لهما حدود ، إلاّ أنّ المتصدّي لتفسير القرآن الكريم لا يمكنه الاستغناء عن تفسيرهم ( عليهم السلام ) لما فيه من سمات أصيلة لفهم كتاب الله ، أبرزها تفسير القرآن تفسيراً باطنياً ، والقول بسلامة القرآن من التحريف ، وغيرها من المبادئ الأساسية لإدراك معاني الكتاب الكريم ،وقد اعتنى الإمام الكاظم (عليه السلام ) كسائر الأئمّة بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظاً وتفسيراً ،وصيانةً له من أيدي العابثين وانتحال المبطلين على الرغم مما تعرض له الإمام من اضطهاد وسجن وإرهاب ، وكانت محاضراته التفسيرية للقرآن الكريم تشكّل حقلاً خصباً لنشاطه المعرفي وجهاده العلمي ، وهو يرسم للأُمة المسلمة معالم هويتها الخاصّة، ومن هنا خصّص الإمام وقتاً من أوقاته للتفسير ، وتناول فيه جميع شؤونه، وقد أخذ عنه علماء التفسير ـ على اختلاف آرائهم وميولهم ـ الشيء الكثير ، فكان من ألمع المفسّرين للقرآن الكريم في دنيا الإسلام وقد نهج في تفسير القرآن الكريم منهجاً علميّاً خاصّاً متّسقاً مع أهداف الرسالة وأصولها.                                                                                  

والمطالع لأحاديث الإمام الكاظم (عليه السلام) يجد القرآن ماثلاً وقريناً له في كل تفاصيل حياته : في أدعيته ووصاياه واحتجاجاته وقضائه ورسائله وحكمه ومواعظه وغير ذلك ،وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن ويبكي، ويبكي السامعون لتلاوته ،وكان يبكي من خشية  الله حتى تخضل لحيته بالدموع ،وله (عليه السلام) شذرات تفسيرية لآيات الذكر الحكيم تعد مادة خصبة للدراسات القرآنية والعقائدية فقد ألمع إلى بعضها الدكتور عدي جواد علي الحجار في بحثه الموسوم (الأداء التفسيري عند الإمام الكاظم  – آيات العقائد أنموذجاً )،المشارك في المؤتمر السنوي الثاني للإمامين الجوادين(عليهما السلام) ،وقد ذكر بعضها الآخر الدكتور محمد حسين علي  الصغير في كتابه ( الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ضحية الإرهاب السياسي ) ، وفي هذا البحث نعرج على نتاج الإمام التفسيري وسنجد التفسير الباطني للقرآن الكريم ماثلاً فمثلاً في قوله تعالى ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) فالمشكاة فاطمة ،وفيها مصباح : الحسن ،والمصباح في زجاجة : الحسين، والكوكب الدري : فاطمة، والشجرة الزيتونة : إبراهيم (عليه السلام). وكذا في قوله تعالى ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) فالصبر : الصوم ، وهو ما يعزز قاعدة تجانس المتعاطفين ( الصوم والصلاة ) ،وهما عبادتان متلازمتان في كل شيء حتى في الكتب الفقهية ،ومثل ذلك في قوله تعالى ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) فقد فسّر الإمام الفضل برسول الله (صلى الله عليه وآله)،والرحمة بعلي بن أبي طالب (عليه السلام).وفي واحدة من احتجاجاته عندما يسأله نصراني عن قوله تعالى (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) يفسّر حم بمحمد (صلى الله عليه وآله) ، والكتاب المبين أمير المؤمنين، والليلة المباركة فاطمة.                                                  

على أنّ هذه المحاولة الثانية إنما جاءت حرصاً مني على الإسهام في نشر فكر الإمام المغيّب ،وبياناً لأهمية تراثه الثر ،وتنميةً لروح البحث العلمي وإيجاداً للتواصل بين الباحثين من جهة والعتبة الكاظمية المقدسة من جهة أخرى،( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلتُ وإليه أنيب ).

 جامعة البصرة – كلية الآداب – قسم اللغة العربية

Dr_khalelalamery@yahoo.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خليل خلف بشير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/11



كتابة تعليق لموضوع : من النتاج الفكري للإمام الكاظم - عليه السلام -:أدعيته المباركة وتفسيره القرآن الكريم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net