صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

ما يجب علينا تأمّله في ذكرى رحيل سيد المرسلين
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تصحيح تاريخنا الإسلامي يبدأ من أوّل مولد خير الأنام عليه وعلى آله الكرام خير صلاة وأقوم تسليم، ففيه مغالطات وتحريفات يجب التنبيه لها والوقوف على تزويرها حتى يُمرّر لنا نظام حكم وقع تزويره، وتقديمه على أساس أنه من الشورى لكنّه واقعا انقلاب على رأس النظام الإسلامي المتمثل في إمامة عليّ والأئمة من ولده عليهم السلام، كتعيين واختيار إلهي من أجل استكمال مرحلة حفظ الإسلام وتبليغه للعالمين.

منظومة الإمامة الإلهية تصدّى لها من تصدى من المهاجرين، رفضا كما جاء على لسان من تجنّد قولا وفعلا، لأجل منع إقامتها وسنح لهم ذلك، ولم يتحرج في إظهاره كأنما هو انجاز تحقق، أو تصحيح خطأ وقع تلافيه، عندما أسرّ لابن عباس بالقول: (كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت)(1)

لقد جمعت محاولة الصدّ تلك، طلقاء النبي صلى الله عليه وآله في المقام الأول - فقد كانوا أصحاب سلطة ونفوذ بين القبائل ولِدارِ الندوة رمزيّة واضحة في ذلك - ومعهم كل من كان يرى في قريش مكانة وزعامة، (إنّها قريش وخيلاءها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلت منذ عزت) (2) وعرف هؤلاء من خلال ما كان النبي صلى الله عليه وآله يقوله بشأن عليّ عليه السلام، أنه سيستخلفه على الأمّة من بعده، فلا أدلّ على ذلك من قوله له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي). (3) وقوله لبريدة وغيره من الحاسدين والمبغضين: (ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي) (4)

وجاء الأمر الإلهي بتنصيب علي عليه السلام مولى لكل مؤمن ومؤمنة في حادثة الغدير يوم 18 من ذر الحجة من السنة العاشرة للهجرة النبوية أي حوالي شهرين ونصف قبل التحاق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى عندما اعلنه وليا وهاديا بعده وأمر من كان حاضرا لتهنئته ومان من بين المهنئين من قال له: (بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبح وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)(5)

وكان نفر من الصحابة، عددهم اثناعشر رجلا، تعاقدوا على التنفير بالنبي صلى الله عليه وآله، عند منصرفه من غزوة تبوك في العقبة(6)، فأطلعه الله على مؤامرتهم وتدبيرهم، وكان معه عمار وحذيفة يسايرانه، فأخبرهما بذلك وطلب منهما كشف القوم، وهؤلاء الذين عرفهم حذيفة، واستأمنه رسول الله على كتمان أسمائهم، لكن المصادر السنّية أحجمت عن ذكر بعض أسماء هؤلاء فارتباطهم بأحداث السقيفة وما استتبعت من اختيار خلفاء.

فمن كان يسأل حذيفة ان كان من هؤلاء المنافقين، فينطبق عليه مثل كاد المريب أن يقول خذوني، زد على جرأته في التصدّي للنبي صلى الله عليه وآله عندما أراد أن يكتب وصيته (هلمّ أكتب لكم كتاب لا تضلوا بعده)(7) فمنعه بقوله إن النبي يهجر(8) وهذّب المقالة حفاظ الحديث بالقول إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله)(9) ومن بلغت جرأتهم على النبي بمثل هذه الوقاحة فليس غريبا أن ينخرطوا ويتورّطوا في أعمال قبيحة أخرى أشد وزرا كاغتياله بالسّم في مرضه الذي انتقل فيه الى الرفيق الأعلى، وقصة شاة اليهودية تبدو مفتعلة لا حقيقة لها، لأننا نستبعد قبول النبي شاة مشوية من يهودية، ولا نقبل كذلك بسكوت الوحي عن ذلك حتى يأكل منها النبي صلى الله عليه وآله، ما يفيد مشاركة الله في قتل نبيه نعوذ به من سقطات الحمقى والاغبياء، وقصة شاة اليهودية رُكّبت تركيبا، لأجل التغطية على من دس له السمّ في اللدّ الذي لدوه به، رغم أنه نهى عن لدّه (10)

وقد جاء ما أفادنا بأن النبي صلى الله عليه وآله تعرض لمحاولات اغتيال عديدة قبل الهجرة وبعدها، ومحاولة اغتياله من طرف يهود بني النضير، وما ذكرته من مؤامرة العقبة أنجاه الله منها، كان آخرها ما أجمل في وصفه عبد الله بن مسعود: لأن احلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا، أحب إلي من أن احلف واحدة أنه لم يقتل)(11)

أماعن دوافع مقتل النبي صلى الله عليه وآله فهي أساسا متعلقة بمن سيلي الحكم بعده وهو علي بن ابي طالب الذي عبّرت قريش عن رفضها له منذ أن بدأت إخبارات الوحي تشير إليه، فتجنّد لمنع ذلك كل كاره مبغض له، وبذلوا من أجل ذلك جهودا كبيرة، ولما يئسوا من ازاحته من طريقهم، التجأوا الى اغتيال النبي بالسمّ ليقوموا بعد ذلك بتنفيذ خطتهم في الاستيلاء على الحكم بدأ من سقيفة بني ساعدة وانتهاء بمساعدة ابي سفيان رأس الطلقاء والمنافقين، وتحقق لهم ذلك مستغلين انشغال علي وبني هاشم وخلّص الصحابة، في تجهيز النبي صلى الله عليه وآله لدفنه في حجرته، حقائق يجب مرتجعتها لتعديل البوصلة وتصحيح المسار، أما ان نكون مع نبيّنا صلى الله عليه وآله، أو نكون مع من ارتكب بحقه ابشع الانتهاكات والجرائم، ولا خيار ثالث هنا.

المراجع

1 – شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج12ص53/ تاريخ الطبري ج3ص578 / الكامل ابن الأثير ج2 ص433

2 –  السيرة النبوية ابن كثير ج2ص394/ دلائل النبوة البيهقي ج3 ص107

3– جامع أحاديث البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي ج5ص19ح3706 / مسلم كتاب فضائل الصحابة ج7ص119ح2404

4– سنن الترمذي أبواب المناقب باب مناقب علي بن اأبي طالب ج6ص78ح3712

5– البداية والنهاية ابن كثير الدمشقي ج11ص71

6– مسلم كتاب صفات المنافقين ج8ص123ح2779

7 – جامع أحاديث البخاري كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني ج7ص120ح5669

8 – مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه ج5ص75ح1637

9 – جامع أحاديث البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم ج1ص34ح114

10 –   كتاب المغازي باب مرض النبي ووفاته ج6ص14ح4458

11 – مسند احمد بن حنبل مسند عبد الله بن مسعود ج 6ص115ح3617 وج6ص418ح3873 وج7ص205ح4139/ المعجم الكبير الطبراني ج10ص109


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/09/02



كتابة تعليق لموضوع : ما يجب علينا تأمّله في ذكرى رحيل سيد المرسلين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net